أ.د. مكّي الحسَني
(1/1)
مهيد:
ترمي هذه الحلقات إلى تحسين أداء الكاتبين باللغة العربية. فهي تتحدث عن الوسائل التي يمكن أن تساعدهم على ذلك، وتنبِّه على الأخطاء النحْوية واللغوية الشائعة في الكتابات المعاصرة، وتبيِّن وجه الخطأ والصواب فيها، وتذكِّر بأهم القواعد النحوية والصرفية واللغوية التي تشتدّ حاجة الكاتبين إليها.
وسأتحدث بين يدي هذه الحلقات بتمهيد يتناول:
1- أهمية اللغة للأمة، وضرورة الاعتزاز بها والدفاع عنها.
2- أسباب تَدَنّي مستوى الأداء بالعربية لدى المتعلمين.
3- سُبُل التمكّن من اللغة العربية: كيف ترتقي بلُغتِك؟
4- الوسائل المساعدة.
* * * * * *
1 - أهمية اللغة للأمة وضرورة الاعتزاز بها والدفاع عنها:
اللغة هُوُية الأمة، وأعظم مقومات وجودها، ووطنها الروحي. والأمم الحية تحافظ على لُغاتها حفاظها على أوطانها. والعلاقة بين مكانة الأمة ومكانة لغتها وثيقة جداً، فاللغة هي الأمة!
هل يكفي أحدنا أن يعرف شيئاً من العربية ليقول أنا عربي؟ لقد قال طه حسين: "إن المثقفين العرب الذين لم يتقنوا معرفة لغتهم، ليسوا ناقصي الثقافة فحسب، بل في رجولتهم نقص كبير ومُهين أيضاً."
إن هذا القول هو أَنَّةُ عربيّ تألّم جداً من تقاعس الكثيرين عن الذَّود عن العربية، ومن استخفافهم بهذا الأمر الخطير.
قال أبو الريحان البيروني (362-440 للهجرة) العالِمُ الشهير، الفارسي الأصل: "والله لأَنْ أُهْجى بالعربية، أحبُّ إليَّ من أن أُمدح بالفارسية!"
ولا داعي هنا للحديث عن عبقرية اللغة العربية وخصائصها الفريدة، فقد كُتب عن ذلك عشرات الكتب والدراسات والمقالات، وانحنى لعظَمتها العرب والمستشرقون، حتى لقد قال أحدهم: "ليس على وجه الأرض لغةٌ لها من الروعة والعظمة ما للّغة العربية، ولكن ليس لى وجه الأرض أُمة، تسعى بوعي أو بلا وعي، لتدمير لغتها كالأمة العربية!"
(2/1) وأودّ أن أذكّر بأن اللغة العربية كانت في الماضي لغة عالمية - وبأنها اليوم - باعتراف العالم كله - اللغة الرسمية الدولية السادسة: في هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة، وفي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).
لقد أدركت القيادات السياسية الواعية في كثير من الدول أهمية اللغة الوطنية، وأنّ تعزيزها هو مسألة كرامة، كرامة الأمة، أي واجب قومي. فعزّزت كورية وفيتنام وفنلندة ورومانية وغيرها، لغاتِها الوطنية، وجعلت التعليم بها في جميع مراحله؛ بل أحيا الكيان الصهيوني لغةً ميتة! واستجاب المواطنون، خصوصاً المثقفين، لرغبات قياداتهم، وآزروها وساعدوها على تطوير اللغة الوطنية وازدهارها وسيادتها.
وما أعمق ما قاله الدكتور عثمان أمين في كتابه (فلسفة اللغة العربية): "مَن لم ينشأ على أن يُحب لغة قومه، استخف بتراث أمته، واستهان بخصائص قوميته. ومن لم يبذل الجهد في بلوغ درجة الإتقان في أمر من الأمور الجوهرية، اتسمت حياته بتبلّد الشعور وانحلال الشخصية، والقعود عن العمل، وأصبح دَيْدنه التهاون والسطحية في سائر الأمور"
إن السعي لإتقان العربية لا يعني أبداً التخلي عن تعلُّم اللغات الأجنبية الحية، بل من المهم جداً أن يتقن العالِم العربي لغة أجنبية واحدة على الأقل! هذا ما يفعله علماء البلاد المتقدمة، والأحرى أن يفعله علماؤنا. وليس مقبولاً أن يسعى العربي لإتقان لغة أجنبية، فيبذل في سبيل ذلك كل جهد ممكن، وأن يهمل في الوقت نفسه لغته العربية! ليس مقبولاً أن يأخذ بالحَزمْ في تعلُّم الإنكليزية - مثلاً - وبالتضييع في تعلّم العربية. تراه إذا خالف قاعدةً وأخطأ التعبير بالإنكليزية، ونُبِّه على ذلك، أبدى أسفه وعبّر عن احترامه وخضوعه للقاعدة: لأنه يتمنى أن يكون من المتقنين للإنكليزية فيتباهى بذلك...
(2/2)
أما إذا نُبِّه على خطأ بالعربية وقع فيه، فهو - في الأغلب - لا يبدي أسفه! وقد يقول لك غير مُبالٍ ولا شاعر بخطورة تقصيره (أنا لا أحْسِن العربية!). ولا تلمس منه - غالباً - رغبة في إتقانها كرغبته في إتقان الإنكليزية. وقد يقول لك: (كثيرون يقولون هذا). فإذا ذكرت له أن هذا الشائع خطأ، رأيته يدافع عن الإبقاء عليه! وأود هنا أن أذكر أن صديقنا الأستاذ الدكتور مازن المبارك، عقد في كتابه (نحو وعي لغوي) فصلاً عنوانه:
"السُّخف المأثور، في أن الخطأ المشهور، خيرٌ من الصواب المهجور!"
إن رغبة الكثيرين في تجاوز مضمون العنوان المذكور، وتقاعسهم عن استدراك ما ينقصهم من معلومات في العربية - إضافة إلى عقدة الشعور بالدونيّة إزاء الغرب، التي تعانيها نسبة غير ضئيلة من العرب - هو سبب الظاهرة الخطيرة الواسعة الانتشار: التسييب اللغوي. بل أكاد أقول: (الإباحية اللغوية!) وهذا ما يرمي إليه أعداء العروبة.
انظروا إلى الإعلانات واللافتات، في الطرقات والمجلات، تجدوا طوفاناً من كلمات أجنبية بحروف عربية! أو عبارات (عربية) مملوءة بالأخطاء! ثم لماذا يسمح كثير من الناس لأولادهم أو لأنفسهم أن يرتدوا ملابس يسيرون بها متباهين فرحين، وقد صارت صدورهم وظهورهم دعايات متحركة للإنكليزية؟!! من غير أن يشعر أحدٌ بالمهانة، أو أن يحرك ساكناً إزاء هذه المهانة؟! أليس من واجبنا جميعاً أن نكافح هذا المرض النفسي الذي استشرى، وهذا الانحلال في الشخصية، ومظاهر الانتماء إلى الغرب، وأن ندافع عن كرامتنا بدفاعنا عن لغتنا؟
وأودّ هنا أن أذكر أمراً مقرَّراً، وهو أن الخطأ الشائع ليس ضرباً من التطور! وأن شيوعه لا يعطيه أيَّ حقٍ في البقاء. فليس من التطوير ما كسر أصلاً أو هدم قاعدة سارت عليها العربية من القديم حتى يومنا هذا.
جاء في مقدمة (المعجم الوسيط) الذي أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة:
(2/3)
"وأدخلتْ لجنة إعداد المعجم في متنه ما دعت الضرورة إلى إدخاله من الألفاظ المولَّدة أو المحْدَثة أو المعرَّبة أو الدخيلة التي أقرّها المجمع، وارتضاها الأدباء، فتحركت بها ألسنتهم وَجَرَتْ بها أقلامهم. واللجنة على يقين من أن إثبات هذه الألفاظ في المعجم، من أهم الوسائل لتطوير اللغة وتنميتها وتوسيع دائرتها."
وجاء أيضاً: "فرأى المجْمع، وهو الجهة اللغوية العليا، أن يتخذ جميع الوسائل الكفيلة بتحقيق الأغراض التي من أجلها أنشئ، وذلك بإنهاض اللغة العربية وتطويرها، بحيث تساير النهضة العلمية والفنية في جميع مظاهرها، وتَصْلُحُ موادُّها للتعبير عما يُستحدث من المعاني والأفكار." هكذا إذن يجب أن يُفهم التطوير! أي ضمن الحدود المذكورة!
يقول الرافعي - وهو من أئمة البيان والبلاغة في عصرنا - "إن فصاحة العربية ليست في ألفاظها، ولكن في تركيب ألفاظها، كما أن الهِزَّة والطرب ليست في النغمات، ولكن في وجوه تأليفها." (تحت راية القرآن /19)
ويقول: "وليس عندنا في وجوه الخطأ اللغوي أكبر ولا أعظم من أن يظن امرؤٌ أن اللغة بالمفردات، لا بالأوضاع والتراكيب." (تحت راية القرآن /59)
ويقول: "ومتى وُفِّق كاتبٌ في ألفاظه ونَسْقِ ألفاظه، فقد استقامت له الطريقة الأدبية، وجاء أسلوبه في الطبقة العالية من الكتابة. وأكثر كلام العرب يخرج على هذا الوجه، فتراه بليغاً في أدائه، رصيناً في ألفاظه، متيناً في عبارته، ولا طائل من المعنى وراء ذلك." (على السفود /93)
تركيب الألفاظ إذن، وحُسن استعمالها، هو ما يجب السعي لتعلُّمه. وضَمُّ الكلمات بعضها إلى بعض، ضمّاً سليماً يراعي خصائص العربية وسَنَنَها، هو ما يجب العمل على إتقانه.
ولقد أساء إلى العربية في هذا القرن - جهلاً بها أو تجاهلاً - كثير من المترجمين: فنشروا عشرات التراكيب التي لا توافق قواعد اللغة؛ وقلّدهم في ذلك آلاف الكاتبين (ولا أقول الكتّاب!).
(2/4)
2 - لماذا تدنّى مستوى الأداء بالعربية لدى المتعلمين؟
ثمة عدة أسباب: ففي مطالع العصر الحديث كان المتعلمون قِلّة، ولكن كان معظمهم جيد المعرفة بالعربية. لأنه كان يأخذ علمه عن معلمين مقتدرين، ومن الكتب الشائعة آنذاك، وأكثرها مَصُوغ بلغةٍ عربية جيدة، أو سليمة على الأقل.
ثم زادت نسبة المتعلمين، خصوصاً في النصف الثاني من هذا القرن، زيادةً كبيرة في معظم البلاد العربية. ورافق هذه الزيادة هبوطٌ ملحوظ في مستوى التعليم والمعلمين والمتعلمين، والكتب التي يكتبونها ويقرؤونها. وساهم في هذا الهبوط:
أولاً: التوسُّع السريع جداً في التعليم الابتدائي والإعدادي في كثير من البلدان العربية، وإناطة التعليم في هاتين المرحلتين الحساستين، بأشخاص معظمهم غير مؤهل تأهيلاً يكفي للنهوض بهذه المهمة العظيمة الشأن: تكوين الناشئة.
ثانياً: انتشار ما صار يسمى (وسائل الإعلام): المقروءة (الصحف والمجلات)، والمسموعة (محطات الإذاعة)، والمرئية (محطات التلفزة). ومن المؤلم أن هذه الوسائل كلها، تنشر فيما تنشر، لغةَ العامة، والخطأ اللغوي، وتُرسّخه. فيتأثر بها بحكم انتشارها الواسع، عشرات الملايين من المتعلمين وغيرهم. وقد يتخذونها قدوةً لهم، علماً بأن القائمين على هذه الوسائل غير مؤهلين التأهيل الكافي. ويؤيد ما أقول، أننا لم نكن نسمع قبل نحو 40 سنة الأخطاء الفادحة الآتية، وأمثالها، والتي أشاعتها الصحف والإذاعات:
· سوف لن أحضر! والصواب لن أحضر!
· على الراغبين التواجد في الساعة كذا... والصواب: الحضور في الساعة...
· مبروك! والصواب: مبارك!
· وانتشر أخيراً التعبيران الشنيعان: هاتف خِلْيَويّ! والصواب: خَلَوِي!
· إن هكذا أشياء غير مقبولة... والصواب: إن أَشياء كهذه ...
(2/5)
ثالثاً: استخفاف المتعلمين - فضلاً عن بقية الناس - باللغة العربية، والنظرُ إلى الجهل بها على أنه أمرٌ لا يعيب صاحبَه... وكيف يعيبه ومحطات الإذاعة والتلفزة العربية، بقنواتها التي لا تحصى، تقدم أغلب برامجها بلغة العامة، أو بلغة كثيرة الأغلاط؟
قال الدكتور محمد خير الحلواني في مقالة له: "الجيل الناشئ لا يعيش في محيط لغوي سليم."
وقال الدكتور محمد أحمد الدالي في محاضرة له: "إذا كانت لغة أكثر من يتولى التعليم والإعلام ليست عربية الوجه في غير جانب من جوانبها، فما حال مَن يتلقّى هذه اللغةَ عن ضَعَفَةٍ لا يتجاوز معجمهم اللفظي أُليفاظاً لا يتجاوزونها في العبارة عن أغراضهم، لا يراعون فيما يتولّون قواعد اللغة وأساليبها؟"
3 - ما السبيل إلى التمكن من العربية؟
أودّ ابتداءً أن أقول إن الحد الأدنى المطلوب هو التمكن من العربية السليمة، ويمكن بعد ذلك السعي للتضلّع من الفصيحة، ثم الفصحى في المرحلة الأخيرة.
قال ابن خلدون في مقدمته (ص 561): "إن حصول ملكة اللسان العربي إنما هو بكثرة الحفظ من كلام العرب حتى يرتسم في خياله [الضمير عائد لمن يبتغي هذه الملكة] المِنوالُ الذي نسجوا عليه تراكيبهم، فينسجَ هو عليه، ويتنَزَّلَ بذلك مَنْزِلةَ مَن نشأ معهم، وخالط عباراتهم في كلامهم، حتى حصلت له الملكة المستقرة في العبارة عن المقاصد على نحو كلامهم."
وأشار إلى هذا المعنى الدكتور إبراهيم مدكور - الرئيس السابق لمجمع اللغة العربية بالقاهرة - فقال: "ملكة اللغة تُكتسَب بالحفظ والسماع، أكثر مما تُكْتَسَبُ بالضابط والقاعدة."
وهذا يعني أن المعوَّل عليه في المقام الأول هو الحفظ والسماع، وبعد ذلك يأتي دور كتاب القواعد. ولهذا السبب كان الأوائل يرسلون أبناءهم صغاراً إلى البادية، ليسمعوا اللغة الصافية ويحفظوها، فتنشأ لديهم السليقة.
(2/6)
ومن المهم أن ندرك أننا جميعاً - في العصور الأخيرة - لا نملك سليقة لغوية سليمة، للأسباب التي ذكرتها في الفقرة السابقة. وهذا يعني أن علينا اكتساب العربية السليمة، مثلما نكتسب الإنكليزية السليمة. كيف؟
أ ـ بقراءة الكثير من النصوص الفصيحة قراءةً متأنيَّةً مُتَرَوِيَّة، مع إنعام النظر في المفردات والتراكيب لحفظها واستعمالها والقياس عليها. وحبذا تعويدُ أولادنا، منذ الصغر، قراءةَ هذه النصوص. أما السماع فنفتقر إليه: إذ أين يمكنك في هذه الأيام أن تسمع لغة عربية عالية، يمكن الاقتباس منها؟
ب ـ بالرجوع المتكرر إلى معجم لغوي جيد.
ج ـ بالاستعانة بكتاب جيد في قواعد العربية.
د ـ بالاطلاع على بعض معاجم الأخطاء الشائعة.
4 - ما هي الوسائل المساعدة؟
أ - واضح إذن أن (إدمان) القراءة الواعية للنصوص الفصيحة هو الأساس. فأين نجد هذه النصوص؟
أقترح البدء بأعمال كتَّاب مُجِيدين معاصرين، مثل:
· مصطفى صادق الرافعي (وحْيُ القلم؛ كتاب المساكين؛ إعجاز القرآن).
· طه حسين (الوعد الحق؛ الأيام؛ على هامش السيرة).
· علي الطنطاوي (فِكَر ومباحث،...).
· ديوان أحمد شوقي؛
وبعد ذلك يَحْسُن الاطلاع على بعض أعمال القدامى، مثل:
· ابن المقفع (الأدب الصغير؛ الأدب الكبير؛ كليلة ودمنة...)
· الجاحظ (البيان والتبيين؛ الحيوان؛ البخلاء...)
· ابن قتيبة (عيون الأخبار).
· المُبَرِّد (الكامل).
· سيرة ابن هشام.
· أبو الفرج الأصبهاني (الأغاني).
· ديوان الفرزدق...
أكرر القول: لا بد من القراءة بِرَوِيّةٍ وإنعام نظر، وحفظ التراكيب والمفردات، كما نفعل عند تعلُّم لغة أجنبية.
ب - فإذا صادفتَ أثناء القراءة مفردةً غير مألوفة، فافتح المعجم لتطّلع على معانيها واستعمالاتها المختلفة.
(2/7)
وأقترح هنا الرجوعَ-بالدرجة الأولى-إلى (المعجم الوسيط) (صدرت طبعته الثالثة سنة 1985) وهو من إعداد مجمع اللغة العربية بالقاهرة. ولهذا المعجم مزايا عديدة تفتقر إليها المعاجم الأخرى: فهو "أوضح، وأدق، وأضبط، وأحكم منهجاً، وأحدث طريقةً. وهو فوق كل هذا مجدِّد ومعاصر، يضع ألفاظ القرن العشرين إلى جانب ألفاظ الجاهلية وصدر الإسلام." [هذا بعض ما قاله الدكتور مدكور في تصدير الطبعة الأولى سنة 1960]. وهناك لمن شاء أن يعود إلى معاجم أخرى:
· (معجم مَتْن اللغة) للشيخ أحمد رضا.
· (القاموس المحيط) للفيروزبادي.
· (لسان العرب) لابن منظور.
· (محيط المحيط) لبطرس البستاني.
ج - أقترح الاستعانة بكتاب (جامع الدروس العربية) للشيخ مصطفى الغلاييني، فهو - في نظري - أفضل كتاب جامع في الوقت الحاضر (صدرت طبعته الأولى سنة 1912، وصدرت حديثاً الطبعة 34!)
د - وأقترح الاطلاع على:
· معجم الأخطاء الشائعة؛ محمد العدناني؛ مكتبة لبنان، الطبعة الثانية، 1980.
· معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة؛ محمد العدناني؛ مكتبة لبنان، 1984.
· اللغة والناس؛ يوسف الصيداوي؛ دار الفكر، 1996.
· لغتنا العربية، صلاح الدين الزعبلاوي، مؤسسة الوحدة 1983.
· مسالك القول في النقد اللغوي؛ صلاح الدين الزعبلاوي؛ الشركة المتحدة للتوزيع، 1984.
· أضواء على لغتنا السمحة؛ محمد خليفة التونسي؛ الكتاب التاسع من سلسلة (كتاب العربي)؛ الكويت، 1985.
· مجموعة القرارات العلمية في خمسين عاماً (نحو 250 قراراً)، صدرت عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة، 1984.
(2/8)
فهرس كتاب نحو إتقان الكتابة باللغة العربية
ملاحظة: ترتبط بعض المواضيع عند الحاجة بكتاب الكفاف
تمهيد
1- الخطأ في قولنا: (سوف لن أذهب)
51- لِـ، لأنَّ، من أجْل، بسبب، إذْ...
101- الفَوْرُ، التّوُّ، تَوًّا، لِتَوِّه
2- الخطأ في استعمال: (تَوَاجَدَ)
52- وإلاّ...
102- صِيْغتا الفعل: (الماضي) (المضارع)
3- الخطأ في استعمال: (مبروك)
53- الجَمْعُ بالألِفِ والتاء الزائدتين!
103- إضافة الاسم إلى الفعل، أحكام الظرف
4- الخطأ في قولنا: (هاتف خليوي)
54- جَمْع مصادر الأفعال
104- هَمَزتا القَطْع والوَصْل
5- الخطأ في قولنا: (إنّ هكذا أشياء)
55- يجب مَلْءُ الفراغ (لا: إملاء الفراغ)؛ المِلْءُ
105 - العَدَد
6- (كلما) لا تكرر في جملة واحدة
56- إلى حدٍّ بعيد؛ بقَدْرٍ كبير
106 - الوصف بالعدد: الأعداد الترتيبية
7- مِن ثَمَّ؛ لذا؛ ... (لا: بالتالي!)
57- الماء المُغْلى مُعقَّم (لا: المَغْلِيّ!)
107 - التأريخ، وتقسيم ليالي الشهر
8- ولمّا كان ... (لا: وبما أنّ!)
58- الخطأ في: (لمحة عن حياة المؤلف)
108 - العَقْد والعِقْد
9- مهما
59- بالنسبة إلى كذا
109- ما؛ فيما؛ مِمّا؛ بما فيه...؛ بما في ذلك...
10- أيُّ (الشرطية)
60- النكرة لا تُنعت بمعرفة!
110- الخطأ في: (لا أعلم ما إذا كان...)
11- تَمَّ
61- (كذلك) و(أيضاً)
111- الخطأ في استعمال: (ناهيك)
12- الشكل
62- الواو: زيادتها وحذُفها
112- أرجو أن يُوافِيَني كتابُكم
13- شَكَّل وتَشَكَّل
63- أسماء الإشارة
113- العملُ الموكولُ إليه / المُوْكَلُ عليه
14- من خلال
64- اِفْتَرضَ افتراضاً و فرْضاً
114- (أحد) و(إحدى)
15- أكَّد وتأكَّد
65- بِمَنْزِلة كذا، يقوم مَقام كذا
115- أَشْيَعُ معاني (دُوْنَ)
16- على الرغْم
66- لمصلحة كذا
116- بِدُوْن
17- لا تَقُل: (أعلاه)، (الآنف الذكر)، (مُسْبقاً)!
67- الضِّدُّ
117- لامُ التقوية
18- لا تقُل: (يَتَوجَّب)!
(3/1)
68- الخطأ في قولنا: (ماذا نَسْتَفاد من ذلك؟)
118- تحريك الواو والياء بالفتحة بعد الناصب
19- تَعَرَّفَه - تَعَرَّف به/إليه - مسألةٌ مُتَعارَفة
69- حَوَالَيْ كذا...
119- خَصَّ؛ خاصّ؛ خَصَّه؛ مخصوص
20- ما زال - لا يزال
70- قَنَوات (لا: أقنية)؛ ونَوَيَات (لا أَنْوِية!)
120- في (الاستمثال) و(الأَمْثَلَة)...
21- حَسَبَ، بِحَسَبِ، على حَسَبِ، حَسَبَ ما
71- الخطأ في استعمال: (كما)
121- واو العطف و واو المعِيَّة
22- بينما
72- عبارة عن...
122- منذ، قبْل
23- نَفِدَ يَنْفَدُ - نَفَذَ يَنْفُذُ
73- الشَّوْبُ؛ الأُشابةُ؛ الإشابةُ
123- خطأ آخر في استعمال اسم التفضيل
24- حافَة حافات
74- جملة القَسَم وجملة جوابه
124- تراكيب (استثنائية)...
25- السَّوِيَّة، والمستوي، والمستوى
75- الصَّواب والخَطَأُ، والصَّحُّ والغَلَطُ
125- عائدية نعت (صفة) المركَّب الإضافي
26- بـ / بواسطة / بوساطة
76- الشهور القمرية، والسُّريانية الأصل
126- طريق، طريقة، خاصّة من الخصائص
27- الفَتْرة
77- الخطأ في استعمال: (علاوةً على ذلك)
127- من / عن / على طريق كذا
28- حَذْف الجارّ - النصب
78- الخطأ في استعمال: (عناصر الأَثَر)!
128- بالنظر إلى كذا؛ نظراً لِـ/إلى كذا
29- راوَحَ - تَراوَحَ
79- الاسم المنقوص وأحكامُه
129- بُعْدٌ، أبعاد
30- التقويم والتقييم
80 - في الإضافة اللفظية والمعنوية
130- اللام المُوْصِلة إلى المفعول
31- خاصةً، خصوصاً، خِصِّيْصى، الخِصِّيْص
81 - متوازي أضلاع/الأضلاع...
131- أَوَّلَ مَرَّة، (لا: لأَوَّلِ مرة!)
32- المختصّ والاختصاصيّ - المُشِعّ والإشعاعي
82- الخطأ في استعمال: (مُؤَخَّراً)
132- مُدَّةَ كذا، (لا: لُمِدة كذا)
33- كيلو واط ساعة (لا: ساعيّ!)
83- على حِدَةٍ
133- مُهِمَّة، مَهَمَّة؛ مُهِمٌّ، هامٌّ
34- النسبة إلى (الطاقة)
84- حِكاية حِكايات (لا: حكايا!)
134- المَصْدَرُ المِيْميُّ
35- مئة / مائة
(3/2)
85- عَمود، لا: عامود!
135- متى يُجمع مفعول على مفاعيل؟
36- إذَنْ
86- تَحَسُّباً لِـ (لا: من)
136- آتى يُؤْتي إيتاءً - آتى يُؤاتي مؤاتاةً
37- المصدر الصناعي: الشفافية...
87- الاستثناء والحَصْر بـ (إلاّ)
137- رئيس- رئيسيّ
38- أَنْعَمَ النظر؛ أَمْعَنَ في النظر (لا: تَمَعَّنَ!)
88- الخطأ في استعمال: (عَدا)
138- النسبة إلى جمع التكسير، وجمع المؤنث
39 - لَفَتَ، اللافِتُ؛ بَهَرَ، الباهِرُ
89- (سِوى) و(غير)
139- الاسم الجامد، متى يَصِحُّ النعتُ به؟
40- قاس، المَقِيْس؛ باع، المَبِيع؛ أباع، المُبَاع
90- (إلاّ) و(لولا)
140- بَلْ
41- المَعْقوف والمعكوف
91- استعمال: (بَحْت، مَحْض، صِرْف...)
141- ثاني أفضل/أكبر
42- أَنْ لا، ألاّ؛ يجب ألاّ، لا يجب أنْ...
92- تنوين الصَّرْف والوقوف على الساكن
142- المثابة، بمثابة
43- بعض
93- المنع من التنوين / الصَّرْف
143- لا تَقُلْ: (تحت طائلة الحجز)
44- (مُذَبَّب) لا (مُدَبَّب) - مُؤَسَّل
94- النَّسَب إلى (الكيمياء)
144- هذه خامس معركة (لا: خامسة)
45- أَمَّنَ يُؤَمِّنُ - تأمين
95- تَبْيِيْن، لا: تَفْنِيْد !
145- أمّا؛ أمّا إذا...
46- وَفَرَ؛ وَفَّر؛ تَوَفَّر؛ توافر
96- حَوْلَ
146- حالات خاصة لجواب الشرط
47- في اسم التفضيل والخطأ في استعماله
97- عَكَسَ، انعكس؛ انعكاس
147- أحكام (إنْ) المكسورة الخفيفة
48- خَطِئَ، أخطأ - غَلِط
98- (مادام)
148- متى تُكسَر همزة (إنَّ) بعد فعل القول؟
49- سَعَى إلى / لِـ / على / في / بـ
99- قَلَّما، طالما
149- دخول حروف الجر على (حيث)
50- استَبدل، بَدَّل، أَبْدَل؛ بَدَلاً، بديلاً
100- (إنْ) و(إذا)
150- جمع الأسماء والصفات زِنَة (فَعِيْل)
(3/3)
1- الخطأ في قولنا: (سوف لن أذهب)
السين وسوف لا تدخلان إلا على جملة مُثْبَتة (لا تدخلان على المنفية). ثم إن (لن) هي لنَفْي المستقبل، فلا حاجة إلى (السين) و(سوف) اللتين هما أيضاً تدلان على المستقبل.
قل إذن: لن أذهب.
ولا تقل: (سوف لن أذهب!)، ولا: (سوف لا أذهب)..
(4/1)
2- الخطأ في استعمال: (تَواجَدَ)
تَواجَدَ فلانٌ: أرى من نفْسه الوجْدَ (أي: تظاهر أو أَوْهَمَكَ بالوجد). والوجْد: هو الحُب الشديد أو الحزن (على وَفْقِِ السياق).
قل إذن: على الطلاب الحضور إلى المُدرَّج الأول في الساعة كذا.
ولا تقل: (على الطلاب التواجد...).
وقل: يوجد الحديد في الطبيعة بكثرة.
ولا تقل: (يتواجد الحديد في الطبيعة...).
وقل: يُستخرج الحديد الموجود...
ولا تقل: (يستخرج الحديد المتواجد...!).
(5/1)
3- الخطأ في استعمال: (مبروك)
جاء في (المعجم الوسيط): "بارك اللهُ الشيءَ وفيه وعليه: جعل فيه الخيرَ والبركة" فهو مبارَك. [الأصل: مبارَكٌ فيه، ولكن الأئمة تَجَوَّزوا حيناً فحذفوا الصلة في كثير من أسماء المفعول، اصطلاحاً، وهذا مثال على تجوزهم].
وجاء في (الوسيط): "بَرَكَ البعيرُ: أناخَ في موضعٍ فَلَزِمَه." (فعلٌ لازم). "برك على الأمر: واظب" فالأمر مبروك عليه!! أي مُواظَبٌ عليه.
قُلْ إذن: نجاحك مبارك.
ولا تقل: (نجاحك مبروك).
وقل: بيتُك الجديد مبارك؛ وزواجك مبارك.
ولا تقل: (مبروك).
(6/1)
4- الخطأ في قولنا: (هاتف خليوي)
إذا نَسَبْتَ إلى ما خُتم بتاء التأنيث، حذفتَها وجوباً. فتقول في (فاطِمة): فاطِميّ، وفي (مَكَّة): مكِّي.
وإذا نَسَبْتَ إلى ما خُتم بياء مُشَدَّدة مسبوقة بحرفين، مثل: عَدِيّ؛ نَبِيّ؛ خليّة؛ أُميّة، حذفتَ الياء الأولى وفتحت ما قبلها وقَلَبْتَ الثانية واواً، فتقول: عَدَوِيّ؛ نَبَوِيّ؛ خَلَوِيّ، أُمَوِيّ...
قُلْ إذن: هاتف خَلَوِيّ.
ولا تقل: (هاتف خليوي).
(7/1)
5- الخطأ في قولنا: (إنّ هكذا أشياء)
هكذا = "ها" التنبيه + كاف التشبيه + "ذا" اسم الإشارة.
فمن يقول: "إنّ هكذا أشياء ..." كمن يقول: "إن مِثل ذا أشياء!" والعربي لا يقول هذا!!
وواضحٌ جداً لمن يلّم بالإنكليزية أو الفرنسية أن هذا التركيب الشنيع هو ترجمة حرفية للتركيبين:
"Such things are..." و "de telles choses sont..."
قُلْ إذن: إن مثل هذه الأشياء، أو: إن أشياء كهذه.
ولا تقل: (إن هكذا أشياء).
وفيما يلي نماذج من استعمال كلمة (هكذا) استعمالاً صحيحاً:
- هكذا قالت العرب....
- ... فإذا كانت (لا) للنهي، كان المعنى هكذا:...
- هكذا فَلْيَقُلْ مَن يقول وإلا فَلْيسْكُت!
- ولكنه مع ذلك يجيء فهمُهُ خطأً، لأنه لا يريد أن يجيء إلا هكذا!
- وهكذا دواليك...
(8/1)
6- (كلما) لا تكرر في جملة واحدة
من أخطاء المترجمين استعمالهم (كلّما) مرتين في جملة واحدة، على غرار التركيب الفرنسي أو الإنكليزي، نحو قولهم: "كلما تعمقتَ في القراءة والاطلاع، كلما زادت حصيلتُك من المعرفة." والصواب حذْف (كلما) الثانية. وفي التنْزيل العزيز: ?كلما دخل عليها زكريّا المحراب وَجَدَ عندها رِزقاً?.
يقال: كلما زاد اطلاعُك، اتسعت آفاقك.
ويقال: كلما زاد عِلمُ المرء، قلَّ انتقادُه للآخرين!
وقال أحمد شوقي يصف العروبة ولسانها:
أُمَّةٌ ينتهي البيانُ إليها وتؤول العلومُ والعلماءُ
كلما حثَّت الرِكابَ لأرضٍ جاور الرشدُ أهلَها والذكاءُ
(9/1)
7- مِن ثَمَّ؛ لذا؛ ... (لا: بالتالي!)
(بالتالي) شبه جملة ركيكة جداً شاعت شيوعاً واسعاً. وقد تبين لي من اطلاعي على كثير من المقالات العلمية أن الصواب أن يحلّ محلّها ما يناسب المقام مما يلي:
مِن ثَمّ؛ لذا؛ وعلى هذا؛ وبذلك؛ إذن؛ أيْ؛ ومِن ثَمَّ يتّضح / نجد / نرى أنَّ؛ الخ...
وللفائدة أقول: (ثَمَّ) اسم يشار به إلى المكان البعيد بمعنى هناك، وهو ظرف لا يتصرف، وقد تلحقه التاء فيقال (ثَمَّةَ) ويوقف عليها بالهاء.
أما (ثُمَّ) فهو حرف عطف يدل على الترتيب مع التراخي في الزمن. وتلحقه التاء المفتوحة فيقال: ثُمَّتَ، ويوقف عليها بالتاء.
(10/1)
8- ولمّا كان ... (لا: وبما أنّ!)
مِن أَوجُه استعمال (لمّا) مجيئها ظرفاً تَضَمَّن معنى الشرط، وشرطه وجوابه فِعْلان ماضيان، نحو: لمّا جاء خالدٌ أكرمته.
فإذا كان الجواب جملة اسمية، وجب اقترانها بالفاء. وعلى هذا يمكن القول:
· ولما كنا أنجزنا العمل، وجب إعداد تقرير عنه.
· ولما كنا أنجزنا العمل، فَعَلينا إعداد تقرير عنه. ولا يقال: (بما أننا أنجزنا...)
· ولما كان التابع ع مستمراً، كان بالإمكان...
· ولما كان التابع ع مستمراً، استنتجنا / فإننا نستنتج...
· ولما كان التابع ع مستمراً، وجب أن يكون / فإنه يجب أن...
· ولما كان التابع ع مستمراً، فكلٌ من التابعين المذكورين...
ولا بدّ من الفاء في جواب (لمّا) إذا كان جملة اسمية.
ولا يقال: (بما أن التابع ....)، لأن هذا التركيب دخيل على العربية، وركيك جداً، ولا مُسَوِّغ له.
(11/1)
9- مهما
(مهما) اسم شرط يجزم فعلين: الأول فعل الشرط والثاني جوابه، نحو:
· مهما تفعلوه تجدوه. (علامة الجزم: حذف النون. الأصل: تفعلونه، تجدونه).
· مهما تَقُلْ أستفِدْ منك. (حذف حرف العلة في الفعلين منعاً لالتقاء ساكنَيْن).
· مهما يكن الطفل مشاغباً يكُن محبوباً...
فإذا كان جواب الشرط جملة اسمية وجب اقترانها بالفاء، نحو:
· مهما يكن س فلدينا.../ فكلُّ تابع...
· مهما يكن ع فإننا نستطيع .../ ففي وسعنا...
(12/1)
10- أيُّ (الشرطية)
هي اسم مبهم تضمَّن معنى الشرط، وهي مُعْربة بالحركات الثلاث لملازمتها الإضافة إلى المفرد. وهي تجزم فعلين. وإذا كان جوابها جملة اسمية وجب اقترانه بالفاء.
· أيُّ امرئٍ يخدُمْ أُمَّته تخدُمْه.
· أيُّ الرجالِ يَكثُرْ مزحُه تَضِعْ هيبتُه.
وقد يحذف المضاف إليه فيلحقها التنوين عوضاً منه، نحو: ?أيّاً ما تدعوا فَلَهُ الأسماء الحُسْنى?.
إذ التقدير (أيَّ اسم تدعوا). والفعل هنا مجزوم بحذف النون: الأصل تدعون!
· ?أيَّما اَلأَجَلَينْ قضيتُ فلا عُدوان عليّ?.
· بأيِّ شيءٍ تَسْتعِنْ تكُنْ مستفيداً / تَسْتَفِدْ
· أيّاً كان س، كان ع.../يكنْ ع...
· أيّاً كان س، فلدينا.../ فإن.../ فالتطبيق...
· أيٌّ كان س جزءاً من ج، كان...
(13/1)
11- تَمَّ
هذا الفعل معناه (كَمُل، اكتمل). يقال على الصواب:
· تَمَّ بناءُ هذه المدرسة في 12/4/1990.
· يحتاج فعل الشرط إلى جوابٍ يتمُّ المعنى به.
· ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
· إذا تَمَّ أمرٌ بدا نقصُهُ تَرَقَّبْ زوالاً إذا قيل تَمّ
ونلاحظ أننا لو وضعنا (اكتمل) بدلاً من (تمّ) لَمَا فسد المعنى ولا تغيَّر.
ومن الشائع أن يقال: "يتم جلب الفحم من المناجم، ويتم تخزينه في المستودعات، ثم يتم حرقه في الأفران." ويكفي ليتضح فساد التركيب وسوءُ استعمال (يتم) أن يستعاض عنه بـ (يكتمل)!!
والصواب أن يقال: يُجلب الفحم... ويُخزن... ثم يُحرق... (بالبناء للمجهول).
ويمكن أحياناً استعمال فعل (جرى) أو (حَدَثَ) عوضاً عن البناء للمجهول.
جاء في كتاب رسمي: "نذكّر بأن اجتماع المجلس سيتم في الساعة 12 من يوم الأحد 18/12/1994، وسيتم تحديد مكان الاجتماع قبل نهاية دوام يوم السبت في 18/12/1994."
والصواب: ... الاجتماع سيُعقد في الساعة ... وسيُحدّد مكانه قبل...
(14/1)
12- الشكل
جاء في (المعجم الوسيط): "الشكل: هيئة الشيء وصورته." وجاء: "تشاكَلاَ: تشابَهَا وتماثَلاَ."
وجاء في (لسان العرب): "الشكل: الشِّبْه والمِثْل. هذا على شكل هذا: أي على مثاله. فلانٌ شكلُ فلان: أي مثله في حالاته. هذا مِن شكل هذا: أي من ضَرْبه ونحوه."
وجاء فيه أيضاً: "تشاكل الشيئان: شاكل كلٌّ منهما صاحبه."
وجاء في (أساس البلاغة) للزمخشري: "هذا شكله: أي مثله." "هذا من شكل ذاك: من جنسه."
وفيما يلي أمثلةٌ على استعمال كلمة (شكْل) استعمالاً صحيحاً:
جاء في (المعجم الوسيط):
"المسحوق (في الكيمياء): صفة للمادة الصلبة عندما توجد على شكل دقائق صغيرة."
"الصَّمُولة: قطعة من الحديد مستديرة أو ذات أضلاع، جوفها مُسَنَّن في شكلٍ حلزوني."
"الكُبَّة من الغزْل: ما جُمع منه على شكل كرة أو أسطوانة."
وجاء في كتاب (البخلاء) للجاحظ:
· ... والناعم من كل فنٍّ واللّباب من كل شكل (ص 23).
· ... وليس هذا الحديث لأهل مرو، ولكنه من شكل الحديث الأول (ص 31).
· ... وليس هذا الحديث من حديث المراوزة؛ ولكنا ضممناه إلى ما يُشاكله (ص45).
ولْنتأمّل الآن النماذج التالية، وهي من فصيح الكلام أيضاً.
· الأصل في الكلام أن يكون منثوراً، لإبانته مقاصد النفس بوجهٍ أوضح وكلفة أقل. (لم يقل: بشكل أوضح!).
· ... إرسال التخيّل على وجهٍ قلّما يخرج عن الإمكان العقلي والمادي. (لم يقل: على شكلٍ قلما...)
· ... وكان أكثر ما يستعمل في الخطابة والأمثال و... والكتابة التي من هذا الوجه.
· ... إن حياة الغنيّ على هذا الوجه لا تكون إلا موتاً على طريقة الحياة. (المساكين للرافعي /33)
· ... ليس في الأرض شيء من خير أو شر غير ما يلزم لبناء هذا التاريخ الأرضي على الوجه الذي يتفق مع بناء الإنسان. (المساكين للرافعي /220)
· ... ثم يسعدهم بهذه النية على الوجه الذي يعلم أنه من سعادتهم. (المساكين للرافعي /211)
(15/1)
· ... لو فهموه على الوجه الذي يفهم منه. (تحت راية القرآن للرافعي /52)
والآن، ما الرأي في قول بعضهم: (فلان يقرأ الإنكليزية بشكل مقبول)؟ أللقراءة شكل؟!! الواقع أن كلمة (شكل) تستعمل في أيامنا هذه استعمالاً (جائراً):
فيقول بعضهم:
والصواب:
غُيِّر المخطط بشكل كامل
غيّر المخطط تغييراً كاملاً
عُدِّلت الخطة بشكل مدهش
عدلت الخطة تعديلاً مدهشاً
... تتباين بشكل ملحوظ
تتباين تبايناً ملحوظاً/ بدرجةٍ ملحوظة
... ازداد المعدّل بشكل ملحوظ
ازداد المعدل ازدياداً ملحوظاً/بقدْرٍ ملحوظ
يعمل بالشكل المطلوب / الصحيح
يعمل على الوجه المطلوب / الصحيح
يعمل بشكل سريع / بطيء / جِدِّيّ
يعمل بسرعة / ببطء / بِجِدّ
بشكل موضوعي / دائم
بموضوعية / دائماً / على الدوام
بشكل سلس / ذكي
بسلاسة / بذكاء
يؤكد بشكل قوي
يؤكد بقوة
بشكل عام
بوجهٍ عام / عموماً / على العموم
بشكل رئيسي
في المقام الأول / بالدرجة الأولى
بشكل جيد/ خَفِيّ/ واسع
جيداً / خِفْيَةً / على نطاق واسع
بشكل مستقل
على حِدَة / على حِدَتِهِ / على حِدَتِها
بأي شكل من الأشكال
بأي وجه من الوجوه
حلّ المشكلة بالشكل المناسب
حل المشكلة على الوجه المناسب
كان مشغولاً بشكل مكثف
كان مشغولاً جداً
تعديل الخطة بشكل ينسجم مع الحاجات
تعديل الخطة بحيث تنسجم مع الحاجات
تتمثل فيه الأصالة بشكل أقلّ
... بدرجةٍ أضعف / بنسبة أقلّ
ينبغي معالجتها بشكل فعّال
... بفعالية
يمكن بشكل نموذجي...
يمكن نموذجياً...
تعمل بشكل كامل على الوقود المذكور
تعمل كليّاً على ...
تفحَّص الشجرة بشكل يدعو للاستغراب
...الشجرة بكيفيةٍ / بطريقةٍ تدعو...
يمكن أن نصوغ ذلك على الشكل التالي:
... ذلك كما يلي:
(15/2)
وقد تبين لي من مراجعتي كثيراً من المقالات العلمية أنه في حالاتٍ أخرى (غير الأمثلة الكثيرة المذكورة) كان الأصوب - بحَسَب المعنى المراد - أن توضع محل (بشكل) إحدى الكلمات الآتية: بطريقة، بأسلوب، بصفة، بصيغة، بوجه، بدرجة، بكيفية، الخ....
ملاحظة: أجاز مجمع القاهرة، سنة 1973، قولَ الكتَّاب: "مَشَى بصورة جيدة، أو سار بشكل حسن"، لأنه يتضمن بياناً لهيئة الحَدَث. وعلى هذا، للكاتب أن يختار بين هذا القول، والقول المألوف: "مشى مشياً جيداً؛ سار سيراً حسناً."
(15/3)
13- شَكَّل وتَشَكَّل
لهذين الفعلين صلة وثيقة بكلمة (الشكل). جاء في (المعجم الوسيط): "شَكَّل الشيءَ: صَوَّره؛ ومنه: الفنون التشكيلية."
وجاء فيه أيضاً: "تَشَكَّل: مُطاوع شَكَّله، وتَشَكَّل الشيءُ: تَصَوَّر وتَمَثَّل." ولكن:
يقول بعضهم:
والصواب:
هذه القواعد تشكل محور البحث
هذه القواعد هي محور البحث
وهي في الحالتين تشكل أدوات هامة
وهي في الحالتين أدوات هامة.
تشكل هذه الطريقة إنجازاً...
تُعدّ هذه الطريقة إنجازاً
... الوقود الذي يُشَكِّل المصدر
...الوقود، وهو المصدر...
بصرف النظر عن تَشَكلُّه في المفاعلات
بقطع النظر عن تكوّنه...
إن الحقن لا يشكّل خطراً كبيراً
إن الحقن ليس بالخطر الشديد / العظيم
(16/1)
14- من خلال
جاء في (المعجم الوسيط): "الخَلَلُ: مُنْفَرَجُ ما بين كل شيئين، والجمع خلال."
وجاء في التنْزيل العزيز: ?الله الذي يُرسِل الرياحَ فتُثيرُ سحاباً فيبسُطُه في السماء كيف يشاء ويجعلُه كِسَفاً فترى الوَدْقَ يخرجُ من خلاله?. الوَدْق: المَطَر.
وقال البحتري يصف طلوع الشمس:
حتى تَبَدَّى الفجرُ من جنباتِه كالماءِ يلمعُ من خلال الطُّحْلُبِ
(الضمير في "جنباته" عائد لِلَّيل، و"الطحلب": الخضرة على وجه الماء الآسِن).
هذان نموذجان من استعمال (من خلال) على الحقيقة:
وفيما يلي أمثلة على استعمال (من خلال) على المجاز:
· قال أمير البيان، الأمير شكيب أرسلان:
"وإنما ألْمحُ من خلال الكتابات التي يجود بها بعض أدباء الوقت مَنْزِعاً..."
· وقال الأستاذ الدكتور عبد الكريم اليافي:
"نتابع نشر مستدركات الأب الكرملي على (محيط المحيط): إما مباشرةً، وإما من خلال نَقْد الكرملي لمعجم (البستان)." (مجلة التراث العربي، افتتاحية العدد 54)
· وقال الأستاذ محمد المبارك في كُتيِّبه (عبقرية اللغة العربية، ص 31):
"وإن في دراسة العربية وتفهّمها تفهّماً عميقاً، كشفاً عن شخصيتنا وترسيخاً لعروبتنا، بل لإنسانيتنا، لأننا من خلال ألفاظها وقوالبها عرفنا أنفسنا وعرفنا الإنسانية، بل عرفنا الكون والله."
· وقال الدكتور مازن المبارك في كتابه (نحو وعيٍ لغوي، ص 58):
"... إنه لا بدّ مع الصمود، من البحث الموضوعي الذي يتناول خصائص اللغة، ويكشف - من خلالها - عن محاسن ما يقال، أو مساوئ ما يراد."
· وقال الدكتور صبحي الصالح، في مقدمته لِ (نهج البلاغة /25):
"وما أردت بتعليقاتي هذه نقداً ولا تجريحاً، ولكني وددتُ - من خلالها - أن يميط القراء اللثام عن سرّ اهتمامي الشديد بالفهرس الأول."
وفيما يلي نماذج مأخوذة من كتابات علمية، استُعمل فيها (من خلال) استعمالاً جانَبَه التوفيق:
(17/1)
· لا بد من أن يمرّ حلّ هذه المشكلة بإدارة أفضل للمصادر، ومعالجةٍ جيدة للضحايا المحتملة، من خلال البدء (!) بتشخيص سريع.
أقول: ... المحتملة، بدءاً بتشخيص سريع.
· تقوم هذه الوكالة من خلال برنامجها الموضوع لعشر سنوات بتخطيط شامل من خلال إجراء تقويمٍ مقارن لمصادر الطاقة.
أقول: تقوم هذه الوكالة في برنامجها... بتخطيط شامل نتيجة إجراء تقويمٍ...
· سيتيح هذا القانون للمنشآت الروسية، من خلال نشاطها في هذا المجال، أن تدرّ نحو 6 ملايين دولار في السنة.
أقول: ... الروسية، بممارسة نشاطها في هذا المجال، أنْ...
· إنها مُعْطَيَاتٌ مهمة، ولكني لست متأكداً (كذا) بأنك (كذا) تستطيع من خلالها الادعاء صراحة بأنها...
أقول: ... ولكني لستُ متحققاً أنك تستطيع بناءً عليها / استناداً إليها / الادعاء صراحة...
· وقد تأكد هوفمان (كذا) وزملاؤه من خلال أعمالهم أن الكائنات الحية اختفت تقريباً.
أقول: تأكد لهوفمان وزملائه، نتيجة أعمالهم (أو: من أعمالهم) أن...
وقد تبين لي من اطلاعي على مقالات علمية كثيرة أن الأصوب أن يُختار - عوضاً عن (من خلال) - ما يناسب المقام مما يلي:
بـ، في، من طريق، بواسطة، أثناء، باستعراض، انطلاقاً من، باستعمال، بممارسة، بفضل، بسبب، نتيجة لِ، بالاستفادة من، وذلك أن، بإجراء، بالرجوع إلى، الخ...
(17/2)
15- أكَّد وتأكَّد
جاء في (المعجم الوسيط): "أكَّد الشيءَ تأكيداً: وثَّقه وأحكمه وقرَّره فهو مؤكَّد.
تأكَّد: مطاوع أكَّده، وتأكَّد: اشتد وتَوَثَّقَ."
إذن: لا يقال: (أكَّد على الشيء)، وإنما يقال: (أكَّد الشيءَ! فتأكَّد الشيءُ).
وعلى هذا لا يصح أن نقول مثلاً: (يجب أن نتأكّد من حدوث كذا)، لأن الصواب هو: (يجب أن يتأكَّد لنا حدوث كذا) أو (يجب أن نتحقق حدوث كذا، أو نتيقَّن أو نستَيْقِنَ حدوثَ كذا، أو نَتَوثَّق من كذا أو نستوثق منه).
ولا يصح أن تقول: (هل أنت متأكّد؟)، لأن الصواب هو: (هل أنت متحقق؟ / متيقن؟ / مستيقن؟).
(18/1)
16- على الرغْم
جاء في (المعجم الوسيط): "الرَّغْم: الرَّغام (أي التراب). ويقال: فعله على رغمه، وعلى الرغم منه، وعلى رغم أنْفِهِ: على كُرْهٍ منه."
يقال في العربية: (على رغم كذا، وعلى الرغم مِن كذا، وبرغم كذا، وبالرغم من كذا).
ويقال مثلاً: (ما كنت أحبّ أن أحضر، ولكني حضرتُ رغْماً).
ولا تستعمل كلمة (الرغم) في غير هذه التراكيب التي - لدى استعمالها - يكون معنى الكُرْهِ وعدم الرغبة أو القَسْرِ أو المُغالَبَة أو المعاناة ملحوظاً غالباً، نحو: (أخذ الأب طفله إلى المدرسة على الرغم منه...)
وفيما يلي نماذج من استعمالاتٍ جانَبَها التوفيق:
· على الرغم من أن هذه المسألة ليست جديدة، هنالك ملاحظات حديثة أثارتها الأبحاث العلمية.
أقول: ومع أن هذه المسألة ليست...
· ورغم أن المغنيتارات كانت منذ عام 1992 مجرد فكرة نظرية، لم يتمّ (كذا) تَعَرُّف أول مغنيتار إلا مؤخراً (كذا).
أقول: ومع أن... نظرية، لم يُتَعَرَّف (أو: لم يَحْدث تَعَرُّف)... إلا أخيراً / حديثاً.
· العجيب أن خالداً على الرغم من فقره كريم!
أقول: العجيب أن خالداً على فقره كريم!
قال الشاعر:
ما سَلِمَ الظبيُ على حُسْنِه كلاّ ولا البَدْرُ الذي يوصف
الظبْيُ فيه خَنَسٌ بَيِّنٌ والبدر فيه كَلَفٌ يُعرف
· على الرغم من كون البلوتونيوم مادة سامة... فإنه لا يُعدُّ المادة الأكثر (كذا) سُميَّةً...
أقول: مع أن البلوتونيوم... فهو لا يُعَدُّ أكثر المواد سُمِّيَّةً على الأرض.
(19/1)
17- لا تَقُل: (أعلاه)، (الآنف الذكر)، (مُسْبقاً)!
إذا أدرج مؤلِّفٌ في مقاله العلمي مخططاً مثلاً، فَلَهُ أن يقول: "يبين الشكل مخطط الجهاز المستعمل، ويلاحَظ في أعلاه وجودُ..."
الضمير في كلمة (أعلاه) هنا عائدٌ إلى المخطط، والجملة سليمةٌ معافاة.
أما في العبارة: "أعلنت أمريكا أنها سوف تتبع الخيار المذكور أعلاه"، فالهاء ضمير لا مَرْجِع له! وهذا خطأ. وقبل أن نذكر وجه الصواب نورد ما جاء في معاجم اللغة:
ففي (لسان العرب): "وفعلتُ الشيءَ آنفاً: أي في أول وقت يقرب مني، وجاؤوا قُبَيْلاً" بضمّ القاف وفتح الباء على صيغة التصغير.
وفي (المعجم الوسيط): "يقال: فَعَله آنفاً أو قريباً." وفي (أساس البلاغة): "أتيته آنفاً."
ونرى أن (آنفاً) جاء في كلام العرب ظرف زمان، ولم يشتق من فِعل (أَنِفَ) الذي يعني استنكف وتَنَزَّه (واسم الفاعل منه آنِف). وعلى هذا من الخطأ أن نقول: "الخيار المذكور أعلاه، أو الآنف الذكر"، والصواب أن يقال: (المذكور آنفاً، أو المتقدم ذكره، أو المذكور قريباً) (أي المذكور من قريب). وفي التنْزيل العزيز: ?كَمَثَلِ الذين من قَبْلِهم قريباً ذاقوا وَبالَ أمرِهم ولهم عذاب أليم?.
ويقال: (قلت كذا آنفاً وسالِفاً. وجاؤوا آنفاً) (المعجم الكبير - مجمع القاهرة).
وهناك خطأ شائع آخر، نحو قولهم: (فَعَل ذلك مُسْبقاً)! ذلك أنه جاء في (لسان العرب)، وفي (المعجم الوسيط - الطبعة الثالثة): "أَسْبَقَ القومُ إلى الأمر: بادروا"، فالأمر مُسْبقٌ إليه! (لا بد من "إليه" بعد "مسبق" لأن "أسبَقَ" فِعلٌ لازم لا يتعدى بنفسه وإنما بالحرف!).
وليس بين المعنى المعجمي والمعنى المراد بالخطأ الشائع المذكور أي صلة.
والصواب أن نقول: فعل ذلك مُقدَّماً وَسَلَفاً. أو - في سياق آخر - فعل ذلك سابقاً/سالِفاً/ قَبْلاً (إذا أردتَ قَبْليَّةً غيرَ معيَّنة)/ مِن قَبْلُ (إذا كنتَ تعني قَبل شيء معيَّن).
ولنا أن نقول مثلاً:
(20/1)
. يجري تجميع المباني السابقة الصُّنْع (أو: القَبْلِيَّة الصنع) بسرعة.
· كان يَتوقع حضورَه فهيأ له سلفاً بعض الأسئلة.
· لا ترتجل محاضرتك (درسك/ خطبتك)! حَضِّرها/ أَعِدََّها مُقدَّماً...
· يحتاج هذا الجهاز إلى تسخين قَبليٍّ ليكون أداؤه جيداً...
· يتطلب هذا الأمر إذناً سالفاً/ قبليّاً.
(20/2)
18- لا تقُل: (يَتَوجَّب)!
جاء في (المعجم الوسيط): "تَوَجَّب فلانٌ: أكل في اليوم والليلة أكلةً واحدةً."
ومن معاني الوجبة: الأكلة الواحدة.
وقد شاع أخيراً استعمال (يتوجَّب) بدلاً من (يجب)، وهذا خطأ صريح يجب علينا مكافحته!
ولا يفرّق بعض الناس بين (يجب) و(ينبغي) من حيث المعنى والتعدية، فيقولون: ينبغي علينا (!) أن نفعل كذا. ولكن، جاء في (المعجم الوسيط):
"يقال: ينبغي لِفلانٍ أن يعمل كذا: يَحْسُن به ويُسْتَحبُّ له. وما ينبغي لفلانٍ أن يفعل كذا: لا يليق به ولا يحسُن منه."
وفي التنْزيل العزيز: ?ما كان ينبغي لنا أنْ نتخذَ مِن دونِك مِن أولياء?.
يقال إذن: (يجب على فلان، وينبغي لفلان). والفرق بين التركيبين والمعنيين واضح وكبير.
(21/1)
19- تَعَرَّفَه - تَعَرَّف به / إليه - مسألةٌ مُتَعارَفة
· عَرَّف الشيءَ: حدَّده بذكر خواصّه المميِّزة، فَتَعَرَّفَ الشيءُ: صار معروفاً (فعل لازم: مطاوع عَرَّف).
يقال: عَرَّفتُك أخباري وبأخباري: أعلمتُك بها؛ جعلتُك تعرفها.
عَرَّفتُك صاحبي وبصاحبي: جعلتُك تعرفه، فأصبحتَ تقف على حاله وشأنه.
لذا يصّح أن نقول: التعريف بالمعلوماتية؛ التعريف بالأدب العربي...
· تَعَرَّف الشيءَ وبالشيءِ: أصبح يعرفه بعد طلب. يقال: تعرَّف الطريقَ؛ تَعَرَّف حقيقةَ الأمر.
· تعرَّف الرجلَ وبالرجلِ: أصبح يقف على حاله وشأنه؛ صار معروفاً عنده.
ولا يقال: تعرَّف على كذا!
· تَعَرَّف الموظفُ إلى المدير وللمدير: جَعَلَ المديرَ يعرفه؛ عّرَّفه بنفسه؛ أعلمه مَنْ هو.
وفي الحديث: "تَعَرَّفْ إلى الله في الرخاء يَعرفْك في الشدة" أي: اِجعلْه يعرفك بطاعته في الرخاء يُسعفْك في الشدة.
· تعارَفَ القومُ: عَرَفَ بعضُهم بعضاً (فعل لازم)
· تعارف فلانٌ وفلان، صار كلٌ منهما يعرف الآخر (من أفعال المشاركة).
· تعارفوا الشيءَ (فعل متعدّ): عرفوه فيما بينهم. وعلى هذا يقال: هذه عاداتٌ متعارفة! أي معروفة شائعة. ولا يقال: (متعارف عليها!!)
(22/1)
20- ما زال - لا يزال
· تدخل (ما) النافية على الفعلين الماضي والمضارع، نحو: ما خرجت، ما كلّمته، ما أريد، ما أدري. وعلى هذا يقال على الصواب: ما زال، ما يزال، فيُدَلُّ بهما على الإثبات وعلى الاستمرار، نحو: ما زال الهواء بارداً. ما يزال الهواء بارداً.
· تدخل (لا) النافية على المضارع، نحو: لا أريد، لا أدري، لا يزال. ولا تدخل على الماضي لإفادة النفي. فلا يقال: (لا جاء فلان) بل: (ما جاء فلان). ولا يقال: (لا زال الهواء بارداً) وهذا خطأ شائع جداً، والصواب: لا يزال الهواء بارداً، أو ما زال الهواء بارداً.
· ولكن تستعمل (لا) مع الماضي لتكرار النفي، نحو: ?فلا صدَّق ولا صلَّى?.
· تدخل (لا) على الفعل الماضي لتفيد الدعاء، لا النفي. فيقال: لا سمح الله؛ لا قدَّر الله؛ لا أراك الله مكروهاً؛ لا عدِمتُك؛ لا زال بيتُك عامراً.
· وتدخل (لا) على الفعل المضارع لتفيد الدعاء أحياناً. ويَستَبين هذا من السياق، نحو: لا تزال عناية الله تحرسُك!
لا تزال سَبَّاقاً إلى الخير!
لا يَفْضُضِ اللهُ فاكَ / فاهُ...
ملاحظة: يستعمل تركيب (لم يَزلْ) بمعنى (لا يزال/ ما يزال).
وفيما يلي نماذج من أفصح الكلام:
?فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً خامدين?.
?ولقد جاءكم يوسف من قَبْلُ بالبيّنات فما زلتم في شكٍ مما جاءكم به?.
?ولا تزال تطَّلع على خائنةٍ منهم إلا قليلاً منهم?.
?لا يزال بنيانهم الذي بَنَوا ريبةً في قلوبهم?.
?ولا يزالون يقاتلونكم حتى يَردُّوكم عن دينكم إِنِ استطاعوا?.
(23/1)
21- حَسَبَ، بِحَسَبِ، على حَسَبِ، حَسَبَ ما
مّما جاء في (المعجم الوسيط): "حَسَبُ الشيءِ: قَدْرُه وعددُه. يقال: الأجرُ بحَسَبِ العمل."
وجاء في (أساس البلاغة): "الأجرُ على حَسَبِ المصيبة."
وجاء في (محيط المحيط): "حَسَبَ ما ذُكر: أي على قدْرِه وعلى وَفْقِه."
وجاء أيضاً: "ليكن عملك بحَسَبِ ذلك: أي على وفاقه وعدده."
ويقال على الصواب: على حَسَبِ ما يقتضيه المقام.
كما يقال: على قدْر الحاجة، وبحَسَب الضرورة.
· ويُغْفِل كثيرٌ من الأدباء حرفي الجر (على) و (الباء)، فيقولون: الأجر حَسَبَ العمل.
· وقد لاحظتُ في الكتابات العلمية المعاصرة، أن (حسب) كثيراً ما تُستعمل في غير محلّها المناسب، وأن من الأصْوَب أن يوضع بدلاً منها، ما يلائم السياق مما يلي:
تَبَعاً لِ، طِبْقاً لِ، وَفْقاً لِ، بمقتضى، بمُوْجب، بناءً على، استناداً إلى، عملاً بـ، انطلاقاً من، الخ...
(24/1)
22- بينما
جاء في (المعجم الوسيط): "بينما: تكون ظرف زمان بمعنى المفاجأة، ولها صدر الكلام."
إذن، (بينما) لها الصدارة في الجملة، أي يجب أن تكون في بدء الكلام.
يقال: بينما زيدٌ جالس، دخل عليه عمرو.
ولا يقال: أحسنَ إليك زيد بينما أنت أسأت إليه.
وإنما يقال: أحسنَ إليك زيد، على حين/ في حين أسأت أنت إليه (أو: أمّا أنت فأَسأْت إليه).
(25/1)
23- نَفِدَ يَنْفَدُ - نَفَذَ يَنْفُذُ
جاء في (المعجم الوسيط): "نفِدَ الشيءُ يَنْفَدُ نَفَداً ونَفاداً: فَنِيَ وذهب." وفي التنْزيل العزيز: ?قل لو كان البحرُ مِداداً لكلمات ربي لنَفِدَ البحرُ قبل أن تَنْفَدَ كلماتُ ربي?.
وجاء في (المعجم الوسيط): "نَفَذَ الأمرُ يَنْفُذُ نُفُوذاً ونَفاذاً: مضى. يقال: نَفَذَ الكِتابُ إلى فلانٍ: وصل إليه؛ وهذا الطريق ينفُذُ إلى مكان كذا: يصل بالمارّ فيه إلى مكان كذا؛ ونفَذَ فيه ومنه: خرج منه إلى الجهة الأخرى."
فهل يجوز - بعد هذا - الخلط بين الفعلين؟!
(26/1)
24- حافَة حافات
تُلفظ كلمة (حَافَة) بالتخفيف، أي بفاءٍ غير مشدَّدة، وتُجمع على (حافَات)، كما تُجمع ساعة، ودارة، وطاقة، على: ساعات، ودارات، وطاقات. ولا يجوز جمعُها على حوافّ، كما تجمع حاسّة على حواسّ، لأن هذه تلفظ بالتشديد، مثل مادّة (موادّ)، خاصّة (خواصّ)، دابّة (دوابّ)، عامّة (عوامّ)...
وتُجمع (حافَة) جمع تكسير على: حَيْف، وحِيَف.
(27/1)
25- السَّوِيَّة، والمستوي، والمستوى
جاء في (المعجم الوسيط): "السَّويُّ: المستوي؛ المعتدل لا إفراط فيه ولا تفريط؛ العاديّ لا شذوذ فيه؛ الوسط." يقال: فلانٌ إنسانٌ سَوِيّ (وهم أسْوِياء). وفلانةُ إنسانةٌ سَوِيّة. وامرأةٌ سَوِيّة: أي تامّة الخَلْق والعقل.
وجاء في (الوسيط): "السَّويّة: الاستواء والاعتدال؛ العدْل والنَّصَفَة" (أي الإنصاف).
يقال: هما على سويةٍ في هذا الأمر: أي على استواء، أي هما مستويان فيه: متماثلان! وقسمتُ الشيءَ بينهما بالسّويّة: أي بالعدل. وأرضٌ سويّةٌ: إذا كانت مستوية. وجاء فيه: "السطح المستوي: هو الذي إذا أخذتَ فيه أيَّ نقطتين، كان المستقيم الواصل بينهما منطبقاً عليه." فهو إذن كسطح الماء الراكد. ويجمع على: مستوِيات.
يقال: هذا سطحٌ مُسْتَوٍ. رسمتُ سطحاً مُسْتوِياً. كتبتُ على سطحٍ مستوٍ.
وجاء في الطبعة الثالثة من (المعجم الوسيط): "المُسْتوى: الدرجة والمكانة التي استوى عليها الشيءُ."
ومن معاني فِعْل "استوى: استقر وثبت." ويُجمع المستَوى على مُسْتوَيات. فالصواب أن يقال: يجب رفع مستوى الطلاب (لا: سوية الطلاب!).
حساب مُستوَيات الطاقة في الذَّرَّة (لا: سويات الطاقة؛ وهذا خطأٌ وقعتُ فيه قديماً!).
هذا مستوىً رفيعٌ، بلغ مستوَىً رفيعاً، انطلق من مستوىً منخفضٍ!
(28/1)
26- بـ / بواسطة / بوساطة
إذا أراد الكاتب إبراز وسيلة إيقاع الفعل، عَدَّاه بـ (باء الاستعانة):
· الداخلة على الأداة أو الآلة التي أوقعت الفعل، نحو: كتبت بالقلم؛ سافرت بالسيارة؛ حفرت بالمِعْوَل.
· الداخلة على مصدر فعلٍ آخر، نحو: نجحتُ بفضل الله؛ أنجزت العمل بعَون الله؛ حدث الصلحُ بيني وبينهم بتَوَسُّط فلان؛ سقيتُ الأرض بوساطة النواعير.
· جاء في (المعجم الوسيط) وفي غيره: "وَسَطَ الشيءَ يَسِطُهُ وَسْطاً وسِطَةً [ووُسُوطاً]: صار في وَسَطه. يقال: وَسَطَ القومَ والمكانَ فهو واسط (وهي واسطة). ووَسَطَ القومَ وفيهم وساطةً [أي وَسَطَ الرجلُ قومَهُ وفي قومِهِ]: توسَّطَ بينهم بالحقّ والعدل."
· فالوساطة مصدر، وكذلك التَوَسُّط. والواسِطَ هو المتوسِّط.
· وجاء في (المعجم الوسيط): "واسطة القلادة: الجوهر الذي في وسطها."
· وجاء في (أمالي المرتضى): "ذكر فلانٌ أن أباه كان الواسطة بينهما."
والواسطة في الأصل صفة. لكنها انقطعت أحياناً في الاستعمال عن موصوفها، فغَلَبَت عليها الاسمية، وأُنزلت مَنْزلة الأسماء بتقدير (أداة واسطة)، واستعملها النحاة بهذا المعنى.
فالأصل في "واسطة القلادة": "الجوهرة أو الدُّرة الواسطة للقلادة" أي: المتوسّطة.
والتقدير فيما جاء في (الأمالي): "أي كان أبوه الوسيط أو الأداة الواسطة بينهما، وهذا مجاز."
· يقول ابنُ مالك في ألفيَّته:
التابعُ المقصود بالحُكم بلا واسطةٍ هو المسمى بَدَلاْ
· ويقول ابن الخشّاب: لأن المتعدي إذا استوفى معموله الذي يتعدى إليه بنفسه، لم يتعدَّ إلى غيره إلا بواسطة.
· واستعمل أبو البقاء الكفويّ في (كُلّيّاته) كلمة (بواسطة) كثيراً. وأبو البقاء مَنْ تَعْلم تبسّطاً في العربية واستبحاراً وسَعَةَ اطلاع. من ذلك قوله في الجزء الخامس ص 235: الفعل المنفي لا يتعدى إلى المفعول المقصود وقوع الفعل عليه إلا بواسطة الاستثناء.
(29/1)
وفي ص 244: النصب على الاستثناء إنما هو بسبب التشبيه بالمفعول لا بالأصالة، وبواسطة (إلا)، وأما إعراب البدل فهو بالأصالة وبغير واسطة.
وقال الإمام ابنُ قُدامة (في مختصر منهاج القاصدين، ص 280): أخبرهم الله تعالى بكلامٍ سمعوه بواسطة رسوله.
· وقد أورد (المعجم الوسيط) تعريف (الواسطة) كما وضعه مجْمع القاهرة فقال: "الواسطة: ما يُتَوصَّل به إلى الشيء."
والخلاصة: إذا أمكن الاكتفاء بباء الاستعانة لأداء المعنى بوضوح، فهذا هو الأفضل! وإذا دعت الحاجة إلى إبراز الأداة أو الوسيلة التي حدث وقوع الفعل بها، استُعملت الواسطة أو الوساطة.
(29/2)
27- الفَتْرة
جاء في (المعجم الوسيط): "فَتَر يفْتُر فُتُوراً: لانَ بعد شدة، أو سَكَنَ بعد حِدَّةٍ ونشاط." وفي التنْزيل العزيز: ?يُسبِّحون الليلَ والنهارَ لا يَفْتُرُون?. أي لا يَضعُفون عن مداومة التسبيح.
وجاء في (الوسيط) أيضاً: "الفترة: الضعف والانكسار. والفترة: المدة تقع بين زمنين أو نَبِيَّيْن." وفي التنْزيل العزيز: ?يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يُبيِّنُ لكم على فَتْرةٍ من الرُّسُل?. أي انقطاع من الرسل.
وجاء في (معجم ألفاظ القرآن الكريم) وهو من إعداد مجمع اللغة العربية بالقاهرة: "فَتْرة: مُضِيُّ مدةٍ بين رسولين."
وجاء في (أساس البلاغة /فتر) للزمخشري: "أجِد في نفسي فَتْرةً وفُتُوراً إذا سَكَن عن حِدّته ولانَ بعد شدته. وتقول: فلانٌ عَلَتْهُ كَبْرَه، وعَرَتْهُ فَتْرَه" أي: ضَعْف.
وفي (الوسيط): "فترةُ الحُمّى: زمن سكونها بين نوبتين."
فالفترة إذن مُدةٌ تتميز بالفتور وانقطاع الجِد أو النشاط فيها. وكل حال للسكون أو الانقطاع تتوسط بين حالين من الحِدَّة أو الجِدّ أو الاجتهاد فهي فترة، طالت أم قَصُرَت. وكل حال من الشدة أعقبتها حال من الضعف أو اللين فقد آلت إلى فترة.
ومن الخطأ حسبان الفترة زماناً كأيّ زمانٍ من الأزمنة!
· قال ابن مسعود: "كونوا جُدَدَ القلوب." وشرح هذا القول الإمام ابن قُدامة فقال: "كِناية عن عدم الفترة في العبادة." ونقل ابن قُدامة قول بعضهم: "كنتُ إذا اعتَرتْني فترةٌ في العبادة، نظرتُ إلى وجه محمد بن واسع وإلى اجتهاده."
· وقال الشيخ علي الطنطاوي: "... كان الشابان يتحادثان وهما يمشيان ... وتكون فترةٌ يصمتان فيها فلا يُسمع إلا وَقْعُ أقدامهما."
· وقال مصطفى صادق الرافعي في (كتاب المساكين /146): "ثم لتعلمنَّ أنه إن كانت للقَدَرِ فَتْرةٌ عن رجلٍ من الناس، فقيراً أوغنياً أو بين ذلك، فما هي غَفْلةٌ ولا مَعْجِزَة، ولعلّ الرجل إنما يُمدُّ له في الغيّ مدّاً طويلاً..."
(30/1)
· ولنا أن نقول: كانت السنوات ما بين الحربين العالميتين فترةً للمتحاربين.
- وكان عقد الثلاثينيات المنصرم فترةً للاقتصاد العالمي، أصابه فيها رُكود.
- أمضى فلانٌ على شاطئ البحر فترةً استراح فيها من عناء العمل.
- تتضمن السنةُ الإنتاجية في معظم الشركات فترةً مخصصة لاستجمام العاملين.
- توقفت السفينة في المرفأ فترةً للتزود بالوقود والأغذية الطازجة.
وقد شاع استعمال (الفترة)، في غير ما وُضعت له، شيوعاً واسعاً؛ فيقولون، مثلاً:
1 - سيُعقد المؤتمر / يستقبل المعرض زوّاره / تجري مقابلة المرشحين... في الفترة من 1-5 /6/1999.
أقول: سيعقد المؤتمر، إلخ... في المدة من 1-5 /6/1999.
2 - يجب مراقبة ذلك في فترة إزهار النبات...
أقول: مراقبة ذلك في طَوْر إزهار النبات. [من معاني الطور: التارة، أي: المدة والحين].
3 - لا تسطع النجوم إلا لفترة محدودة.
أقول: لا تسطع النجوم إلاَّ حِقْبة / برهة / مدة محدودة (تكون خلالها في حالة ثَوَرَان لا فتور!).
4 - الطاقة التي تُشِعّها النجوم في أحسن فترات وجودها تأتي من تفاعلات اندماج نوى الهدروجين.
أقول: الطاقة التي تُشِعّها النجوم في أحسن أوقات / أطوار / مراحل وجودها...
5 - والجزء الآخر من غاز المجرّات تحوَّل بشكل (كذا) كثيف إلى نجوم في فترة قصيرة.
أقول: والجزء الآخر من غاز المجرّات تحوَّل متكاثفاً بشدة إلى نجوم في مدةٍ / زمنٍ قصير.
6 - على الطلاب بذل الجهد أثناء فترة الدراسة (!) وإيلاء الفترات التدريبية عناية خاصة.
أقول: على الطلاب بذل الجهد أثناء الدراسة / مدة الدراسة، وإيلاء الأوقات التدريبية / أوقات التدريب عناية خاصة.
7 - حدث من فترة أن اكتشف أحد الباحثين...
(30/2)
أقول: لا معنى لِ (حدث من فترة/ أو من مدة ...) لأن مجرد استعمال الفعل الماضي يعني أن الحدث جرى قبل زمن التكلم. فإذا أراد المتكلم / الكاتب مزيداً من التحديد، وجب عليه تعيين الزمن المنصرم بعد الحدث (حدث قبل 3 أيام مثلاً...) أو إضافة كلمة مُعبِّرة: جرى قديماً / حديثاً / قريباً / قبل أيام قليلة / قبل مدة قصيرة، إلخ...
8 - زارني منذ فترة قصيرة...
أقول: زارني قبل مدة قصيرة... زارني حديثاً / قريباً...
9 - يجب العناية بذلك في فترة الشباب على الأقل!
أقول: أتتميز مرحلة الشباب بالفتور أم بالحيوية والنشاط؟! [الشباب مرحلة من العمر تلي الطفولة وتسبق الرجولة. والشُّبّان والشَّوابُّ (الشابّات) هم الذين يعيشون مرحلة الشباب]. ويُجمع الشابّ على شباب أيضاً.
ولعل من المفيد أن أُورِد شيئاً مما جاء في مقال الدكتور البدراوي زهران (مجلة مجمع القاهرة، العدد 72 لعام 1993):
"... بل لهذا وُجدت للأوقات كلمات مختلفة على حَسَبِ الطول والقِصَر في المدة:
فالمدة شاملة لجميع المقادير من امتداد الزمن، وتنطوي فيها اللحظة أو اللمحة للوقت القصير، والبرهة والرَّدَح للوقت الطويل، والفترة للمدة المعترضة بين وقتين، والحين للزمن المقصود المعيَّن، والعهد للزمن المعهود المقترن بمناسباته، والزمن للدلالة على جنس الوقت كيفما كان، والدهر للمدة المحيطة بجميع الأزمنة والعهود والأحيان."
أقول: جاء في (المعجم الوسيط): "البُرهة: المدة من الزمان." (لم يَصِفْها بالطول!) وجاء في المعجم الكبير (الذي أصدره مجمع القاهرة): "البَرْهة: المدة الطويلة من الزمان، أو هي أعمّ. البُرْهة: البَرْهة. يقال: أقمتُ عنده بُرهةً من الدهر."
وجاء في (الوسيط): "الهُنَيْهة: القليل من الزمان. يقال: أقام هنيهةً."
وجاء فيه أيضاً: "الحِقْبة من الدهر: المدة لا وقت لها. أو السنة. (ج) حِقَبٌ وحُقُوبٌ.
(30/3)
وجاء فيه أيضاً: "الحُقْبُ والحُقُبُ: المدة الطويلة من الدهر (80 سنة أو أكثر). (ج) حِقاب / أحقاب."
وجاء فيه أيضاً: "المَرْحلة: المسافة يقطعها المسافر في نحو يوم، أو ما بين المنْزِلَيْن."
وتستعمل المرحلة الآن بمعنى (قَدْرٍ محدَّد من الشيء) وعلى الخصوص (قدْرٍ من الزمان).
يقال: مرحلة الطفولة، مرحلة الشباب، مرحلة الرجولة، مرحلة الكهولة، مرحلة الشيخوخة...
ويقال: مرحلة الدراسة الابتدائية / الإعدادية / الثانوية/ الجامعية...
وجاء في معجم (متن اللغة): "السَّبَّة من الدهر: كالبرهة والحقبة، وهي السَّنْبة."
وجاء في (الوسيط): "الأَوانُ: الحِيْنُ. يقال: جاء أوانُ البرد. والجمع آوِنَة."
(30/4)
28- حَذْف الجارّ - النصبُ
حذفت العرب حرف الجر في مواضع، بعضها قياسيّ، وبعضها سماعيّ.
· فمن القياسي: حذف الجار قبل (أنّ) و(أنْ).
يقال على الصواب: لا شكّ أنك عالم؛ ولا بد أنك ذاهب، ولا محالة أنك آت. وأصل الكلام لو قيل على المَصدر: لا شك في علمِك، ولا بد من ذهابك، ولا محالة من إتيانك. ولك أن تقول: لا شك في أنك عالم؛ ولا بد من أنك ذاهب... وفي التنْزيل العزيز: ?لا جَرَمَ أنَّ لَهُمُ النارَ?. أي: لا جرم من أن لهم النار.
تقول: أشهد أنْ لا إله إلاَّ الله، وأنّ محمداً رسول الله.
أي: أشهد بأنْ لا إله إلاَّ الله، وبأنّ محمداً رسول الله.
وفي التنْزيل العزيز: ?فلا جُناح عليه أنْ يَطَّوَّفَ بهما?، أي: ... في أنْ يَطَّوَّف...
وفيه أيضاً: ?وعجبوا أنْ جاءهم منذرٌ منهم?، أي: عجبوا لِ / من أنْ جاءهم...
وتقول: أنا راغبٌ أنْ ألقاك، وطامع أن تُحسِن إلى زيد، وحريص أنْ أصِلك. أي: أنا راغبٌ في أن ألقاك، وطامع في أنْ تُحسِن إلى زيد، وحريص على أنْ أصلك.
ولكن لا يُحذف الجارّ إذا جُعل المصدر مكان (أنْ). تقول: أنا راغبٌ في لقائك، وطامعٌ في إحسانك إليه، وحريصٌ على صِلَتِك.
ومن القياسي: النصبُ على الظرفية الزمانية:
إذْ ينصب ظرف الزمان مطلقاً، سواءٌ أكان مُبْهماً أم مختصاً، نحو:
سِرْتُ حيناً / مدةً، ونِمْتُ ليلةً، على شرط أن يتضمن معنى (في)!
قدِمتُ من سفري ليلاً (في الليل). جاءني صباحاً، ظهراً، مساءً (في الصباح، في الظهر، في المساء...).
ومن القياسي: سقوط الجارّ - الذي تتعدى به الأفعال اللازمة - في ظروف المكان المُبهَمة (وتُعرف بكونها صالحة لكل بقعة)، مثل: مكان، ناحية، جهة، جانب، فوق، تحت، يمين، شمال، أمام، خلف، أسفل...
تقول: مررتُ أمامَ قصر العدل، فتنصب (أمام) على الظرفية لأنها من الظروف المبهمة.
ومن السماعي: "نَزْعُ الخافِض" مع ظروف مكان مختصة.
(31/1)
والأصل الذي قرره جمهور النحاة هو دخول الجارّ على الظروف المختصة (غير المبهمة). تقول: مررتُ بدار فلان، فتُدخل الجار (بـ) على (الدار) لأنها ظرف مختص.
وقد شذّت مواضع نُزع فيها الخافض (أي حُذِف الجارّ) مع ظروف مختصة، نحو: دَخَلَ الدارَ أو المسجدَ أو السوقَ. ونَزَلَ البلدَ، وسكنَ الشامَ... فقالوا إن النصب هنا على إسقاط الجارّ اتساعاً [لأن هذه المواضع هي ظروف مكان مختصة، والأصل فيها الجرّ] وإنها سماع فلا يقاس عليها! من ذلك قول جرير:
تَمرُّون الديارَ ولم تَعُوجُوا كلامكم عليَّ إذن حرامُ
فنصب (الديار) وليس ظرفاً مبهماً، فهو منصوب إذن على نزع الخافض اتساعاً، لأنه على نية الجر. وأصله: تمرّون بالديار أو على الديار.
وقولُ ساعِدة:
لَدْنٌ يهزُّ الكفَّ يعسِل متنُه فيه، كما عَسَلَ الطريقَ الثعلبُ
فنصب (الطريق)، وهو ظرف مختص (غير مبهم). [عَسَلَ الثعلبُ: سار في سرعة واضطراب].
وهناك أسماءٌ مُعْرَبة، عُدِل بها إلى الظرفية فنُصبت. من ذلك:
· الخَلَلُ: وهو الفرجة بين الشيئين. هذا هو الأصل. وقد عُدِل بهذا الاسم المفرد إلى الظرفية. فقال نصر بن سيّار: (أرى خَلَلَ الرماد وميضَ نار). وقد جُمع الخلل على (خِلال). ونُصب في الآية: ?فجاسوا خلالَ الديار?.
· طَيّ وثِنْي: فقد جاءا ظرفين أيضاً: أنفذْتُ دَرْجَ كتابي، وطَيَّ كتابي، وثِنْيَ كتابي.
ولكن يقال أيضاً (على الأصل)، أنفذته في درجِ كتابي، وفي طيِّه، وفي ثِنْيِه.
· واستُعملت (أثناء) جمع (ثِني) استعمال الاسم. ولكنها جاءت ظرفاً في قول الشاعر الجاهلي عمر بن ماجد:
ينام عن التقوى ويوقظه الخَنا فيخبِط أثناءَ الظلام فُسُول
وجاءت أيضاً في كلام بعض الأئمة:
قال الرضيّ في (شرح الكافية): فموضعها أثناءَ الكلام...
وقال ابن خلدون في (مقدمته): ومسائل من اللغة والنحو مبثوثة أثناءَ ذلك.
وقال ابن الدباغ في (نَفْح الطيب): وللنسيم أثناءَ ذلك المنظر الوسيم تراسُلُ مشي.
(31/2)
· الضِّمْنُ: باطنُ الشيءِ وداخله. وجاء في (لسان العرب/ضمن): وأنفذْتُه ضمنَ كتابي أي: في طَيِّه.
· الوَفْقُ: وَفقُ الشيءِ: ما لاءَمه. يقال: كنتُ عنده وَفْقَ طَلَعتِ الشمس: أي حينَ طلعت أو ساعةَ طلعت.
ويقال: أُنفقَ المالُ على وَفْقِ المصلحة / وَفْقَ المصلحة.
· الحَسَبُ: حسَبُ الشيءِ: قدْرُه وعدده. يقال: الأجرُ على حَسَبِ / بحَسَبِ / حَسَبَ العمل.
ملاحظة: للاستزادة انظر (مسالك القول في النقد اللغوي) لمؤلفه الأستاذ صلاح الدين الزعبلاوي. علماً بأن معظم مادة هذه الفقرة مقتبس من هذا الكتاب.
(31/3)
29- راوَحَ - تَراوَحَ
· "راوَحَ" فعلٌ لازم. يقال: راوح الرجُلُ بين العملين: عمِلَ هذا مرة وهذا مرة. راوَحَ بين رِجْليه، وبين جنبَيْه وأمثال ذلك: يُعمِل هذا مرة وهذا مرة. ومنه الإيعاز العسكري: "مكانَكْ، راوِحْ!" إذا أُريدَ أن يَلزَمَ الجنديُ مكانَه، ويحركَ رجليه بالتناوب فِعْلَ الماشي.
ويمكن - مجازاً - أن يقال: راوَحَ الضغطُ بين 50 و 60 كغ/سم2، (بار) وعندئذ يُفهم أن الضغط كان تارةً 50، وتارةً أخرى 60!.
أما إذا أُريدَ التعبير عن أن الضغط كان متغيراً في المجال 50-60، فيمكن القول: تَقَلَّب الضغط بين 50 و 60، أو كان الضغط واقعاً في المجال 50-60.
· "تراوَحَ" فعلٌ من أفعال المشاركة (أي يشترك فيه اثنان فصاعداً). وهو يأتي متعدياً فيقال: تراوَحَ الرجُلان العملَ: تعاقباه؛ تراوَحَتْه الأحقابُ: تعاقبت عليه. ويأتي لازماً: فلانٌ يداه تتراوحان بالمعروف: تتعاقبان به.
ومع ذلك، أجاز (!) مجمع القاهرة أن يقال: (تراوح الجوُّ بين الحَرِّ والبَرْد)، والفاعل هنا واحدٌ فقط: الجوّ! والمعنى أنه كان تارةً حاراً، وتارةً بارداً؛ وأن يقال: (تراوح السِّعرُ بين الارتفاع والانخفاض)، والفاعل هنا أيضاً واحدٌ فقط: السعر! والمعنى أنه كان تارةً مرتفعاً وتارةً منخفضاً.
فهل تؤدي العبارة: (تراوحت درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ) ما يؤديه قولنا: (كانت درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)؟!! أو: تَقَلَّبتْ درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)؟
ثُم ألا يُغْني قولُنا: (تقع درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)، عن القول: (تتراوح درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)؟
أو حتى قولنا: (درجة الحرارة هي بين كذا وكذا)؟
(32/1)
30- التقويم والتقييم
جاء في معاجم اللغة:
1- قوَّم الشيءَ: ثقَّفه: جعله يستقيم ويعتدل (متن اللغة).
: عدَّله (محيط المحيط).
قوَّم المُعوجّ: عدَّله وأزال عِوَجه (الوسيط).
قوَّم السِّلعة: سَعَّرها وثَمَّنها (الوسيط).
قوَّم السلعة: قدَّر ثمنها وسعَّره (متن اللغة / مجاز!).
قوَّم السلعة واستقامها: قدَّرها (لسان العرب).
قوَّم المتاعَ واستقامه (أساس البلاغة).
وعلى هذا يكون معنى التقويم:
أ - التعديل، نحو: تقويم الأسنان...
إن الغصون إذا قَوَّمْتها اعتدلتْ ولا يلين إذا قوَّمْته الخشبُ
ومن هذه البابة استعمال (التقويم) في بعض التعابير، نحو: تقويم الأخلاق، تقويم اللسان (أي اللغة)، تقويم التيار الكهربائي المتناوب.
ب - التقدير: ومنه:
التقويم: حساب الزمن بالسنين والشهور والأيام (الوسيط + محيط المحيط).
تقويم البلدان: تعيين مواقعها وبيان ظواهرها (الوسيط) - بيان طولها وعرضها (محيط المحيط).
ما قوَّمَتك ملوكُ أرضٍ قيمةً إلا ارتفعْت وقصَّر التقويمُ
(العباس بن الأحنف)
2- القيمة: ثمن الشيءِ بالتقويم (اللسان).
قيمة الشيء: قدْره؛ قيمة المتاع: ثمنه (الوسيط).
ثمة قاعدة صرفية مطّردة [انظر كتاب (أضواء على لغتنا السَّمْحة)، محمد خليفة التونسي /212]: إذا وقعت الواو ساكنةً بعد حرف مكسور، قُلبت ياءً لتُناسب الكسرة التي قَبْلها.
فنصوغ من (وَزَن، وَقَت، وَعَد) أسماءً على وزن مِفْعال بقولنا: ميزان، ميقات، ميعاد. ولا نقول: مِوْزان، مِوْقات، مِوْعاد!
(33/1)
ونقول: قام يقوم قوماً؛ دام يدوم دوماً؛ عاد يعود عوداً. ثم نقول - طِبْقاً للقاعدة الصرفية السابقة - قِيْمة، دِيْمة (المطر يدوم طويلاً)، عِيْد. ونجمعها على؛ قِيَم، دِيَم، أعياد. والمطّرد في الاشتقاق من هذه الألفاظ ونحوها، الرجوع إلى أصل الحرف في الفعل الثلاثي. فإذا اشتققنا من (قيمة) نقول: قوَّمت الشيءَ تقويماً؛ بإعادة الياء واواً كالأصل. ونقول: دوَّمَتِ السماءُ، بمعنى أنزلت مطراً دام طويلاً.
ولكن العرب أهملوا أحياناً النظر إلى أصل حرف العلّة هذا، فقالوا: (دَيَّمتِ السماء) أخْذاً من (ديمة)، مثلما قالوا: (دوَّمتِ السماء). وقالوا: (عيَّد الناسُ) إذا شهدوا العيد، ولم يقولوا: (عوَّدَ الناسُ) [وذلك دفعاً لتَوَهّم أنها من (العادة) لا من (العيد)].
وعلى هذا جوَّز مجمع القاهرة سنة 1968 استعمال التقييم بمعنى بيان القيمة، وأورد في معجمه (الوسيط): قيَّم الشيءَ تقييماً: قدَّر قيمته.
(33/2)
31- خاصةً، خصوصاً، خِصِّيْصى، الخِصِّيْص
مصادر الفعل الثلاثي سماعية، تُعرف بالرجوع إلى المعاجم وكتب اللغة [بخلاف مصادر الرباعي (المجرد والمزيد) والخماسي والسداسي، فهي قياسية؛ وشذّ بعضها عن القاعدة وخالف القياس].
والفعل اللازم (خصَّ الشيءُ يَخُصُّ خُصوصاً وخَصوصاً: ضِدُّ عَمَّ) له - كما نرى - مصدران.
والفعل المتعدّي (خَصَّهُ) بمعنى فَضّله دون غيره ومَيَّزه، له أحد عشر مصدراً! أهمها:
خصَّه يَخُصُّه خَصّاً وخُصوصاً وخُصوصِيَّةً وخِصِّيصَى وخاصةً. ويرى بعض اللغويين أن (خاصة) اسم مصدر، أو مصدر جاء على (فاعلة) كالعافية.
تقول: أُحبّ الفاكهة (و) خصوصاً العنبَ. [بالواو أو بلا واو]. (ينصب خصوصاً على أنه مصدر نائب عن فعله، وما بعده مفعول به: سُرَّ الأولادُ باللَعِب خصوصاً الأطفالَ الصغار)
وتقول: أُحبّ الفاكهة (و) خاصَّةً العنبَ. [بالواو أو بلا واو].
وتقول: أُحبّ الفاكهة وبخاصّةٍ العنبُ [العنب: مبتدأ مؤخر].
وجاء في (اللسان / خصّ): "سُمع ثعلب يقول: إذا ذُكر الصالحون فَبِخاصّةٍ أبو بكر، وإذا ذُكر الأشراف فبخاصةٍ عليٌّ."
ويقولون: (فعلتُ هذا خِصِّيصاً لك)، وهذا خطأ صوابه: (فعلتُ هذا خِصِّيصَى لك، أو خاصاً، أو خصوصاً، أو خَصّاً). ذلك أن المصدر (خصيصى) لا يُنَوَّن لأن أَلِفَه زائدة وليست من أصل الكلمة (خَصَّ).
وكذلك (سلمى) لا تنون لأن ألفها ليست من الأصل (سلم).
على أن في اللغة كلمة أخرى هي: (الخِصِّيْصُ: مَن هو أخَصُّ من الخاصّ)، وهذه تُنوّن! فمثلاً: جاء في الصفحة 10 من كتاب (أسرار الحكماء) لمؤلفه جمال الدين ياقوت المستعصمي البغدادي (توفي 698 هـ): "وقال عنه ابن تغري بردي: وكان جمال الدين ياقوت خِصِّيْصاً عند أستاذه الخليفة المستعصم بالله العباسي"، أي: كان جمال الدين أثيراً عند الخليفة، ومن أخصّ خاصّته.
وهناك مصادر أخرى على وزن فِعِّيلى، منها:
(34/1)
بَزَّ قرينَهُ يَبُزُّه بَزّاً وبَزَّةً وبِزِّيزَى: غَلَبَه.
ترامى القومُ ترامياً ورِمِّيَّا: رَمى بعضُهم بعضاً. [تكتب الألِف في (رِمِّيّا) قائمةً لأنها مسبوقة بياء!].
ويقال: كانت بين القوم رِمِّيَّا ثم صاروا إلى حِجِّيزَى: تَرامَوْا ثم تحاجزوا (انفصل بعضهم عن بعض).
(34/2)
32- المختصّ والاختصاصيّ - المُشِعّ والإشعاعي
· إذا تأملنا بعض أسماء الفاعلين والمنسوبات إلى المصادر، كالواردة في القائمة التالية:
الفعل
اسم الفاعل
المَصدر
المنسوب إلى المصدر
عَلَّم
مُعلِّم
تعليم
تعليميّ
أدار
مدير
إدارة
إداريّ
دَرَّب
مدرِّب
تدريب
تدريبِيّ
قضى
قاضٍ
قضاء
قضائيّ
ابتدأ
مبتدئ
ابتداء
ابتدائيّ
اختص
مختص
اختصاص
اختصاصيّ
تَخصّص
مُتخصِّص
تَخصُّص
تخصّصيّ
أَشَعَّ
مُشِعّ
إشعاع
إشعاعيّ
نجد أنه لا يجوز - غالباً - استعمال المنسوب إلى المصدر في مقام اسم الفاعل. فلا أحد يقول: فلانٌ تعليميّ، بدلاً من معلّم! ولا: قضائيّ، بدلاً من قاضٍ!
وإذا قيل: فلانٌ خبير اقتصادي، فالمقصود أنه ذو صلة بعِلْم الاقتصاد، لا أنه مُقتصِد! وإذا قيل عن شخصٍ أو شيءٍ (منهجٍ، أسلوبٍ، ...) إنه إحصائي، فالمعنى أنه ذو صلة بعِلم الإحصاء، أو قائم عليه، أو يرمي إليه، أو... لا أنه مُحْصٍ يُحْصي!
يقال على الصواب: كتاب / تدريب/ معهد / مَشْفى تخصّصيّ.
ويقال: تعليم تخصصي؛ الفرع التخصصي [الذي ينتمي / ينتسب إليه الطالب].
فهل ثمة مُسَوِّغ لاستعمال (اختصاصيّ) بدلاً من (مختصّ بـ/في) أو (متخَصّص في/بـ)؟
قال القفطي في تراجمه: (وعليٌّ هذا من المتخصصين بعِلْم النجوم).
· جاء في المعاجم: خَصَاه - خَصْياً وخِصاءً: سَلَّ خُصْيتَيه؛
وجاء في بعض المعاجم (القاموس المحيط؛ تاج العروس؛ متن اللغة):
أخْصَى الرجلُ: تَعَلَّمَ علماً واحداً (مجاز!).
ومَصْدر أخصى هو (إخصاء)، والنسبة إليه (إِخْصائيّ) (لا أَخِصّائي!!!).
فما بالُ قومٍ يتركون المتخصص والمختص، بل والاختصاصي، ليستعملوا الإِخْصائي، وهو لفظٌ يُذَكِّر بالخِصاء؟!!
(35/1)
· يُستعمل المنسوب إلى المصدر - أحياناً - مع اسم الفاعل، نحو: منبعٌ مُشعّ، منبع إشعاعي، مع اختلاف في المعنى لا يخفى على المتأمل. ذلك أن كلمة (إشعاع) وإن كانت في الأصل مصدراً، تَخْرُجُ غالباً في الاستعمال عن مَصْدريتها (الدلالة على الحَدَث) وتنجذب إلى الاسمية. وبالفعل: (الإشعاع هو الطاقة التي تنتشر في الفضاء أو في وسط ماديّ، على هيئة موجاتٍ أو جسيمات).
فالمقصود، إذن، بالمنبع الإشعاعي هو، في الواقع، منبع الإشعاع!.
(35/2)
33- كيلو واط ساعة (لا: ساعيّ!)
حدثني الأستاذ وجيه السمان رحمه الله (وكان عضواً في مَجْمع اللغة العربية بدمشق) أنه أدخل قبل نحو 50 سنة مصطلح (كيلو واط ساعيّ) مقابل kilowatt-heure أو kilowatt-hour) حين وضع كتاب الفيزياء لطلاب شهادة الدراسة الثانوية. وأبدى لي أسفه لذلك، لأنه رأى بعد مدة أن الصواب هو: كيلو واط ساعة. وأنا أوافقه في هذا الرأي، لأن kWh هو الطاقة المنتَجة أو المستهلكة بجهازٍ استطاعته كيلو واط واحد خلال ساعة واحدة. وأقترح استعمال هذا المصطلح (كيلو واط ساعة) وإشاعته في الكتب والمقالات العلمية.
(36/1)
34- النسبة إلى (الطاقة)
الصواب أن يقال: (تخطيطٌ طاقِيّ) (لا: طاقَوِيّ!)، لأن النسبة إلى الطاقة كالنسبة إلى الساعة (ساعيّ).
والقاعدة الكلية في النَّسَب هي: تُحذف تاء التأنيث، ويَلْحق آخرَ المنسوب - إذا كان حرفه الأخير صائتاً - ياءٌ مشددة مكسور ما قبلَها. وبعبارة أخرى، إذا تحقق الشرط المذكور، لا تظهر الواو قبل ياء النَّسَب.
(37/1)
35- مئة / مائة
لا يزال العدد (100) يُكتب هكذا: (مائة)، ويَنْطِقه بعضهم (ماءه) بفتح الميم، كأنّه مؤنث (ماء)! وسبب الخطأ في النطق هو زيادةُ الألِف (لأسباب تاريخية) وعدمُ وضع كسرة تحت الميم. والصواب أن تكتب هكذا (مئة)، فهذه الكتابة تقتضي كسر الميم، على وزن "فئة، رئة"، ولا مجال عندئذٍ لتشويه لفظها. وقد أقرّ مَجْمع اللغة العربية في القاهرة سنة 1963 حذْف ألِفِ (مائة) والتزامَ ذلك. وأجاز المجمع فصل الأعداد من (ثلاث) إلى (تسع) عن (مئة). تقول: خَمسُ مئة، أو: خَمسُمئة.
(38/1)
36- إذَنْ
رُسِمَتْ هذه الكلمة في المصحف بالألِف، هكذا: (إذاً). ولكن رَسْم المصحف لا يقاس عليه، كما يقول صاحب (جامع الدروس العربية) الشيخ مصطفى الغلاييني، الذي يقول أيضاً: إن "الشائع أن تكتب بالنون." والمازنيّ والمُبرِّد يكتبانها نوناً ويقفان عليها بالنون، مثل: لن. وقد أوردها (المعجم الوسيط)، الذي أصدره مَجْمع اللغة العربية بالقاهرة، بالنون: إذنْ!
(39/1)
37- المصدر الصناعي: الشفافية...
المصدر الأصلي هو اللفظ الدال على الحدث، مجرداً عن الزمان، مثلُ: عَلِمَ عِلْماً، نهض، نهوضاً... وقد ذكرنا في الفقرة 31 أن مصادر الفعل الثلاثي سماعية، بخلاف مصادر بقية الأفعال، فهي قياسية.
والمصدر قد يراد به الاسم لا حدوث الفعل، كما تقول: العِلْمُ نُورٌ. (وفي هذه الحالة يجوز جمعه، فيُجمع عِلم على علوم).
أما المصدر الصناعي فهو قيا سي، ويطلق على كل لفظ (جامد أو مشتق، اسم أو غير اسم) زِيد في آخره حرفان هما: ياء مشددة بعدها تاء تأنيث مربوطة، ليصير بعد هذه الزيادة اسماً دالاً على معنىً مجرد لم يكن يدل عليه قبل الزيادة. فهو يدل على صفة في اللفظ الذي صُنع منه، أو على ما فيه من خصائص، أو على أشياء أخرى كما سنرى.
وقد ورد عن العرب بضع عشرات من المصادر الصناعية، منها: الجاهلية، الأريحية، الفروسية، العبقرية، العبودية، الألمعية، الألوهية، الربوبية، الوحدانية...
وكثير من المصادر الصناعية قد تحوّلت في الأصل عن أسماء منسوبة أُنزلت منْزلة الصفات المشتقة للدلالة على حال الموصوف وهيئته، واستُعملت كذلك، نحو قولك: (إنسانيّ، حيوانيّ، كَمِّيّ، كيفيّ، جزئيّ، كلّيّ...). فإذا أُريد التعبير بها عن جوهر حال الموصوف ومجرّد حقيقته، أُحيل الوصف إلى (مصدر صناعي) بإلحاق تاء "النقل من الوصفية إلى الاسمية" نحو: الإنسانية، الحيوانية، الكمية، الكيفية، الجزئية، الكُلِّية...
وقد أكثر المولَّدون من هذه المصادر بعد ترجمة العلوم بالعربية. وقرر مجمع اللغة العربية بالقاهرة قياسيّة صوغ هذا المصدر، لِسَدِّ حاجة العلوم والصناعات إلى ألفاظ جديدة تعبِّر عن معانٍ جديدة.
ولكن متى نصنع مصدراً من المصدر الأصلي؟ أو من اسم المعنى عامةً؟
(40/1)
الجواب: لا معنى لإلحاق الياء والتاء بالمصدر إذا كنت تبغي معنى المصدر، أو الاسم، وحَسْب. فإن اتخاذ (العدلية) بمعنى العدل، و(الخيرية) بمعنى الخير، غير سائغ، واللغة تأباه، والعرب لم تَجْرِ به وإنما قالت: فَعَلَ ذلك على جهة العدل، وعلى جهة الخير... ولم تقل: على العدلية، ولا على الخيرية... لذلك كان الأصل في إلحاق الياء والتاء بالمصدر أو اسم المعنى عامةً، أن تزيد في معناه شيئاً، أو تبتغي خصوصية في دلالته.
· فَ (الإنتاج) مثلاً مصدر. فإذا قلت (الإنتاجية)، فلا بد أنك أردت به شيئاً آخر لا يمكن التعبير عنه بمجرد لفظ (الإنتاج). والإنتاجية في الاقتصاد: العائد من سلعة أو خدمة في مدةٍ مّا، مقدّراً بوحدات عينية أو نقدية، منسوباً إلى نفقة إنتاجه.
· وَ(الاتفاق) مصدر، وهو ما تَمَّت الموافقة عليه، ويقابلهagreement . أما (الاتفاقية) فيراد بها صكُّ ما اتُّفق عليه، ويقابلها convention.
· و(الاشتراك) مصدر، معناه معروف. أما (الاشتراكية) فتعني المذهب السياسي والاقتصادي القائم على سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج وعدالة التوزيع والتخطيط الشامل...
· و(التقدم) مصدر معناه معروف. أما (التقدمية) فتعني المذهب السياسي والاقتصادي الذي يدافع عنه أنصار التطور (التقدميون).
· و(الشيوع) مصدر معناه معروف. أما (الشيوعية) فمذهبٌ يقوم على إشاعة الملكية، وأن يعمل الفرد على قدر طاقته، وأن يأخذ على قدر حاجته..
· و(الرأسمال) اسم، وهو المال المستثمر في عمل ما. أما (الرأسمالية) فتعني النظام الاقتصادي الذي يقوم على الملكية الخاصة لموارد الثروة.
· و(الشخص): كل جسم له ارتفاع وظهور، وغَلَبَ في الإنسان. أما (الشخصية) فهي مجموعة الصفات التي تميز الشخص من غيره. يقال: فلان ذو شخصية قوية.
· و(الإباحة) مصدر أباحه: أَحَلَّهُ وأطلقه. أما (الإباحية) فتعني التحلل من قيود القوانين والأخلاق.
(40/2)
· و(العقل): ما يقابل الغريزة التي لا خيار لها؛ وما يكون به التفكير والاستدلال، وتركيب التصورات والتصديقات. أما (العقلية) فهي مجموعة الصفات المميزة للعقل. يقال: عقلية فلان تختلف كلياً عن عقلية أخيه. [هناك كتاب عنوانه (خطاب إلى العقل العربي). وواضح أنه لا يقال في هذا المقام (خطاب إلى العقلية العربية)].
· و(الخاص): خلاف العام. أما (الخاصية) فهي صفة لا تنفك عن الشيء وتُميّزه من غيره.
· و(الإحصاء) مصدر أحصى الشيءَ: عَرَف قَدْره. أما (الإحصائية) فهي إحصاءٌ مبني على منهج علم الإحصاء، لحالةٍ تقع تحت الإحصاء، كإحصائية السكان في بلدٍ ما.
· و(الخصوص) مصدر. ولكن (الخصوصية) تدل على معنى (الخصوص) وزيادة. وقد أشار الأئمة إلى هذا بقولهم: التاء فيه للمبالغة، (المراد: تاء النقل).
ولعل من السائغ أن نكرر قول الأئمة هذا في توجيه بعض المصادر الصناعية التي استُعملت حديثاً، مثل: الاحتفالية والجمالية...
فقد بدأت مجلة (العربي) التي تصدر في الكويت، احتفالها في عدد كانون الأول 1998 بمناسبة مرور 40 عاماً على صدورها. وتوالت الكلمات والمقالات عن هذه المناسبة بلا انقطاع حتى تاريخ كتابة هذه المقالة (آب 1999). وجرى في الكويت (لقاء الأشقاء) دُعي إليه من البلاد العربية، الذين شاركوا في ميلاد هذه المجلة وتابعوا مسيرتها. هي إذن احتفالات استمرت تسعة أشهر (حتى الآن)، وليست احتفالاً واحداً. ولعل هذه المبالغة في الاحتفال تُسوِّغ صوغ (الاحتفالية)! فقد كُتب على غلاف عدد حزيران 1999: (لقاء الأشقاء: احتفالية العربي بأربعين عاماً من عمرها).
· و(المنهج): الخطة المرسومة. أما (المنهجية) فهي نظام طرق البحث.
(40/3)
- ويؤدي المصدر الصناعي أحياناً معنى (القابليّة لِ...) كما في المصطلحات الآتية مثلاً: التطورية (قابلية التطور) evolvability؛ الصيانيّة maintainability؛ الأدائية performability؛ تَحَمُّليّة الكلفة affordabiltiy، الالتصاقية، النفاذية...
- ويكون أحياناً أخرى مصطلحاً يعبّر عن حالة الشيء واتّصافه بكونه كذا... مثل: مُتاحِيّة الشيء (أي كونه مُتاحاً) availability؛ الموثوقية reliabilty الجاهزية؛ السُّمّيّة؛ الحمضية، القلوية...
- ويستعمل المصدر الصناعي أيضاً للتعبير عن أسماء بعض الفروع أو المقادير المميِّزة العلمية، نحو: المِطيافية spectrometry؛ المِجراعية dosimetry؛ المِضوائية photometry؛ المِحْساسية sensitometry؛ المعلوماتية information technology؛ التأثرية؛ الاستقطابية؛ النفوذية؛ التحريضية؛ المقاومّية، الناقلية، الأنتروبية... البرمجية (الحاسوبية).
وفيما يلي بعض الأمثلة على استعمال المصدر الصناعي:
1- إن ما حدث يؤكد ضرورة استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية.
أما استقلالية القضاء (أي: كون القضاء مستقلاً) فيضمنها الدستور!
2- ... وتَفْرض هذه الاتصالية العالمية الواسعة... (أي: قابلية الاتصال العالمية الواسعة...)
3- إن مركزية الإدارة هي السبب في بطء العمل. (أي كون الإدارة مركزية).
4- لا مجال في العمل العام للمجهولية والتستر وراء الأسماء المستعارة (أي: لا مجال لأن يكون الإنسان الفاعل مجهولاً أو مستتراً وراء...).
5- أخرج (كورساوا) السينما اليابانية من إسار المحلّية إلى رحاب العالمية. (أي من كونها محلّية إلى كونها عالمية).
6- إن تمييز السلعة الجيدة من الفاسدة أمر سهل غالباً.
... إن تمييزية هذا الاسم واضحة. (أي: كونه تمييزاً منصوباً من حيث الإعراب).
7- ... ويجمع هذا الكاتب بين عصرية التوجّه وجِدّة التعبير. ونلاحظ بسهولة موسيقية أسلوبه النثري البليغ...
(40/4)
8- ... ويتميز هذا البحث العلمي بمنهجه الفذ... وكان منهج عمله كما يلي...
... وهذا أمرٌ لا تُقِرِّه منهجية البحث العلمي، ولا ترضاه منطقية التأليف...
(منهجية البحث العلمي: كون البحث العلمي ذا منهج في طرائق إجرائه).
9- جرى افتتاح المؤتمر في جوٍ متوتّر.
كانت افتتاحية العدد (أي المقال الرئيسي في صحيفة أو مجلة) هجوماً موفقاً على الفساد والمفسدين.
10- ما كان هذا الإشكال ليحْدُث لو أن...
من أبرز قضايا الفكر إشكالية الثقافة المعاصرة (أي: كون الثقافة المعاصرة ذات إشكالات).
11- إن ضبابية أفكاره هي التي أدّت إلى هذه الإشكالات...
ومن المصادر الصناعية الشائعة:
· الحرية، الوطنية، الأهمية، الهُوِيّة، الأنانية، الغَيْرية، الماهِيّة، الألفية، الأربعينية، الخمسينية، الآلية، الأولية، الآخرية، الأولوية، الأفضلية، الأرجحية، الأكثرية، الأقلية، الجنسية، البشرية، المفوضية، المندوبية...
· الفردية، الطائفية، القومية، الحزبية، الروحانية، العدوانية، الهمجية، الوحشية...
· الصوفية، الرومانسية، الواقعية، السريانية، التجديدية، الحتمية...
· المسؤولية، المصداقية، المشروعية، المديونية، المعقولية، المفهومية، المشغولية، المحدودية، المجهولية...
· ويستعمل النحاة:
المصدرية، الاسمية، العَلَمية، الفاعلية، المفعولية، الحالية، الوصفية، الظرفية، المعِية...
الشفافية:
أختم هذا البحث بتعليق على كلمة (الشفافية) واستعمالها.
(الشفّافية) مصدر صناعي مصنوع من (الشفّاف). [مثل الحسّاسية المصنوع من الحسّاس، وقد أجاز مجمع القاهرة تخفيف الفاء والسين المشددتين في المصدرين].
والأصل - كما ذكرت في بداية هذا البحث - أن يستعمل المصدر الصناعي لأداء معنىً لا يؤديه المصدر الأصلي.
جاء في (المعجم الوسيط): "شفَّ الثوبُ ونحوُه يَشِفُّ شُفُوفاً: رَقَّ حتى يُرى ما خَلْفَه."
تقول، مثلاً: شُفُوف هذا الثوب غير مقبول...
فما المقصود بـ (الشفافية)؟
(40/5)
· يستعمل بعض العلميين (الشفافية) اسماً لرُقاقة لدنة (بلاستيكية، تسمى بالإنكليزية transparency) طُبع عليها نصٌّ أو صورةٌ أو مخطط، تمهيداً لعرضها في قاعة المحاضرات باستعمال جهاز الإسقاط الضوئي، ويجمعونها على (شفافيات).
وأقترح استعمال (شفِيفَة) بدلاً منها (وجمعها شَفائف مقابل transparencies). فقد جاء في المعجم الوسيط: الشفيف: الشفاف. كما أقترح استعمال (شريحة) و(شرائح) مقابل diaslides.
· أما غير العلميين فيستعملون (الشفَّاف) و(الشفافية) عندما يترجمون عن الإنكليزية. جاء في (المورد) لصاحبه منير البعلبكي (وهو من أحسن المعاجم الإنكليزية - العربية):
"transparent: (1) شفاف (2) صريح (3) جَليّ؛ واضح.
transparency: (1) الشفافية: كون الشيء شفافاً (2) شيء شفّاف (3) صورة أو رسم إلخ، على زجاج أو ورق أو فيلم أو قماش رقيق تُجلى للعيان بنور مُشع من خلفها..."
أقول: إن هذا المعجم، على جودته، لم يورد جميع المعاني التي تعبِّر عنها الكلمتان الإنكليزيتان. وكان عليه أن يورد المصدر الأصلي (الشُّفوف) قبل الصناعي (الشفافية). ومن الجدير بالملاحظة أن (المورد) شرح المقصود بالشفافية. وشرْحُه سليم لا غبار عليه. ولكن المترجمين (وغيرهم) لا يتقيدون به غالباً...
ويُفترض فيمن يترجم عن الإنكليزية أن يعود إلى المعاجم الكبيرة (أكسفورد، وبستر...) ليَسْتَلَّ المعنى المناسب للسياق، إذا لم يجد في المعجم الثنائي اللغة معنىً يناسب المقام.
بيد أن الذي يحدث في الأغلب الأعم هو أن المترجم يأخذ من (المورد) المعنى الأول الوارد لكل من الكلمتين الإنكليزيتين، ويكتفي به، ويستعمله كلما صادف اللفظ الإنكليزي المقابل. فتجيء الترجمات (العربية) غريبة عجيبة حقاً:
فقد جاء في نشرة (الاتحاد الأوروبي) الصادرة باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، العدد 7، تموز 1999، العبارات الآتية:
(40/6)
"اتحادٌ شفافٌ وفعّال"، مقابل: A transparent and efficient Union
"سيكون على فنلندا أن تنشر شفافية أكبر في عمليات الاتحاد."
Finland will promote greater transparency in Union operations.
- "... لزيادة فعالية وشفافية وتوافق فعاليات المفوضية والمجلس ككل."
... to increase the efficiency, transparency and coherence of the activities of the Council and the Union as a whole.
هل لهذا الكلام معنى؟ أيقوله عربي يدرك ما يقول؟!!
تقول المعاجم الكبيرة (أكسفورد، وبستر) إن كلمة transparent يمكن أن تؤدي أحد المعاني الآتية:
"شفّاف، صريح، واضح. ظاهر، مفضوح، مكشوف، لا ريب فيه. غير مكنون، غير مستور، غير خفي. خالٍ من التظاهر، غير مُخاتِل، غير مُخادع، يُظهر ما يُبْطِن..."
ومن هذه المعاني نستخرج بسهولة معاني الكلمة الثانية:
الشفوف، الشفافية، الصراحة، الوضوح... عدم المخاتلة، عدم المخادعة...
والأقرب إلى المعنى المراد أن يقال: اتحاد صريح غير مخاتِل وفعال، إلخ...
وأنكى مما سبق أن تقرأ في مجلة عربية تصدر في الكويت مقالةً (غير مترجمة!) يقول مؤلفها (رئيس التحرير) في العنوان الرئيسي لافتتاحية العدد:
- "الشفافية مطلوبة عند التصدي لقضايا الهدر المائي وإقامة التوازن الحيوي والترشيد."
- وتقرأ في هذه المقالة: "... يجب أن تتوفر رؤية استراتيجية شفافة تقوم على..."
- "إن الاحتكام إلى الشفافية عند علاج قضية الماء من جوانبها السياسية والجيوسياسية..."
- "إن صيغة العقد الإنساني القائم على مبدأ الشفافية والمراعاة الإنسانية كفيل بـ..."
هل يُفهم من هذا (الكلام) شيء؟
هذه نماذج من الإباحية اللغوية التي صارت لغتنا تعانيها على أيدي (المتعلمين) من أبنائها، وهي نماذج بشعة من التخريب اللغوي!
ومما جاء في المقالة المذكورة آنفاً "تعذيب المياه" بدلاً من "إعذاب المياه" أي جَعْلها عذبة بإزالة ملوحتها!
(40/7)
38- أَنْعَمَ النظر؛ أَمْعَنَ في النظر (لا: تَمَعَّنَ!)
تصادف في الكتابات المعاصرة عبارات مثل: "لا بدّ للقارئ المتمعّن أن يلاحظ قصور التعريف المعطى..." يريد الكاتب: ... للقارئ المُتَنَبِّه، المُتَيَقِّظ، المدقِّق...
جاء في (المعجم الوسيط):
"تَمَعَّن: تصاغر وتّذَلَّل انقياداً!
أمعن في النظر: بالغ في الاستقصاء.
أَنْعَمَ النظر في الأمر: أطال الفكرة فيه.
غارَ في الأمر: دَقَّق النظر فيه."
(41/1)
39 - لَفَتَ، اللافِتُ؛ بَهَرَ، الباهِرُ
اسم الفاعل من الفعل (لَفَتَ) هو (لافِت). وعلى هذا تقول: (شيءٌ لافتٌ للنظر). ولا يصح استعمال (المُلْفِت للنظر...).
و(الباهر) هو اسم الفاعل من (بَهَرَ) الذي من معانيه أَدْهَشَ، حَيَّرَ، غَلَبَ... أما (المُبْهِر) فهو اسم الفاعل من (أَبْهَرَ) الذي شرحه المعجم الوسيط كما يلي:
أَبْهَرَ:
1- صار وسط النهار.
2- تزوَّجَ كريمةً ماجدة.
3- جاء بالعجب.
4- تَلَوَّن في أخلاقه.
5- استغنى بعد فقر.
فَمَن شاء استعمال (المبهر) بهذه المعاني فله ذلك، ولكن لا يصح أن يقال: نجاحٌ مُبهر، أو ضوءٌ مُبهر. والصواب: نجاحٌ باهر؛ ضوء باهر (أي: غامِرٌ غالب).
(42/1)
40- قاس، المَقِيْس؛ باع، المَبِيع؛ أباع، المُبَاع
يُصاغ اسم المفعول من الفعل الثلاثي، على وزن مفعول، نحو: كَتَبَ، مكتوب. فإذا كان الفعلُ أجوفَ (أي ثانيه حرف عِلّة) حذفتَ منه (واو) مفعول غالباً، نحو: صانَ يصُون مَصُوْن (الأصل: مَصْوُوْن)، لام يلوم مَلُومِ؛ صاغ يصوغ مَصُوغ؛ زاد يزيد مَزِيْد (الأصل: مَزْيُود). ولكن يقال: عاب يعيب فهو مَعيب ومَعْيوب؛ مَدِيْن ومَدْيُون...
أما من الفعل غير الثلاثي فيُصاغ اسم المفعول على وزن المضارع، بإبدال حرف المضارعة مِيْماً مضمومة وفَتْحِ ما قبل آخره، نحو: أنزَلَ يُنْزِل مُنْزَل؛ أكرم يكرِمُ مُكْرَمْ؛ أباح يُبيح مُباح؛ أطاع يُطيع مُطاع؛ أراد يُريد مُراد...
وعلى هذا يقال: باع يبيع فالشيءُ مَبيع. أما (مُباع) فمشتق من (أباع الشيءَ: عَرَضَه للبيع). أي إن الشيء المبيع هو الذي بِيْع، أما المباع فهو المعروض للبيع.
ويقال: قاس يقيس فالشيءُ مَقِيْس. أما (مُقاس) فمشتق من الفعل (أقاس)، وهو بمعنى قاسَ، لكنه غير مستعمل.
(43/1)
41- المَعْقوف والمعكوف
جاء في (المعجم الوسيط): "عَقَفَ الشيءَ يَعْقِفُه عَقْفاً: حَناهُ ولَوَّاه. القوسان المعقوفان[ ]."
وأورد (الوسيط) الفعل (عَكَفَ)، وهو لازم ومتعد. ومن معانيه: عَكَفَ فلاناً عن حاجته: حَبَسَه عنها. وفي التنْزيل العزيز: ?والهَدْيَ مَعكوفاً أنْ يَبْلغَ مَحِلَّه?.
أوردتُ هذه الملاحظة، لأن بعضهم يقول: (... المطبوع بين معكوفين)، والصواب: بين معقوفين، لأنه يريد هذين [ ].
(44/1)
42- أَنْ لا، ألاّ؛ يجب ألاّ، لا يجب أنْ...
إذا جاءت (لا) النافية بعد (أنْ) الناصبة للمضارع الذي يليها، كُتِبتا متصلتين وأُدغِمتا، نحو: قرَّر ألاّ يسافِرَ، وألاّ يغادرَ البيت ثلاثة أيام...
وإذا جاءت (لا) النافية بعد (أنْ) المخفَّفة من (أنَّ) الثقيلة، كُتِبتا منفصلتين خطّاً، ونُطِق بهما مُدْغَمتين لفظاً، إدغاماً بلا غُنَّة، نحو: "أشهد أنْ لا إله إلا الله."
إذا أراد المتكلم (أو الكاتب) إلى بيان وجوب ما يَنهى عنه، قال: (يجب ألاّ...) نحو: يجب ألاَّ تكذبَ، وألاّ تُنافِقَ، وألاّ تتقاعَسَ عن إتقان لغة قومك، وألاّ تقلّدَ الأجانب في كل شيء.
وإذا أراد المتكلم إلى بيان عدم وجوب ما يتحدث عنه، قال: (لا يجب أن؛ لا يجب كذا). وهذا يعني أن ما يتحدث عنه جائز (مسموح به)، لكنه غير واجب، نحو:
لا يجب على المثقَّف أن يتقن أكثر من ثلاث لُغات أجنبية...
لا يجب على الطفل أن يصوم رمضان...
(45/1)
3- بعض
جاء في (المعجم الوسيط):
"بعضُ الشيءِ: طائفةٌ منه قَلَّتْ أو كَثُرت."
"بعَضَ الشيءَ يَبْعَضُه بَعْضاً: جَعَلَه أقساماً."
"بَعَّضَ الشيءَ: جَزَّأه؛ تَبَعَّض الشيءُ: تَجَزَّأ."
وفي التنْزيل العزيز:
?قال لبِثتُ يوماً أو بَعْضَ يوم?.
?... أَفَتُؤمِنون ببعضِ الكتابِ وتكفرون ببعض?.
?ورَفَعَ بعضَكم فوق بعضٍ درجات?.
?تلك الرُّسُل فَضَّلْنا بعضَهم على بعض?.
?وإذا خلا بعضُهم إلى بعض?.
?ولا تَجَسَّسُوا ولا يَغْتَب بعضُكم بعضاً?.
وجاء في (لسان العرب/رأس): "وَلَدَتْ وَلَدَها على رأسٍ واحد: أي بعضُهم في إثْرِ بعض."
وقال أبو البقاء (صاحب الكليات 2/328، 342):
§ "تستعمل هذه الألفاظُ بعضُها مكان بعض."
§ "لأن جَمْعَ الأشياءِ إدناءُ بعضِها من بعض."
وقد اختلف النحاة في دخول الألف واللام على "بعض"، فأجازه بعضُهم، وبعضُهم أنكره! وقد استعمل الجاحظ وابن المقفع كلمة (البعض). قال الجاحظ: "هذا فَرْقُ ما بين مَنْ بُعِث إلى البعض، ومَن بُعث إلى الجميع."
ويخطئ كثيرون في استعمال كلمة (بعض):
فيقولون
والصواب
§ انضموا إلى بعضهم البعض
§ شكَّ المدعوون ببعضهم البعض
§ سأل الناسُ بعضَهم البعض
§ غضبوا من بعضهم البعض
§ لطباعتها بجوار بعضها البعض
§ ليطبعها مفصولةً عن بعضها البعض
§ أقواس متداخلةٌ ضمن بعضها البعض
§ نستخدم حَرْفي "سطر جديد" خلف بعضهما البعض
§ جِرْمان سماويان يدوران حول بعضهما
§ انضم بعضُهم إلى بعض
§ شك بعضُ المدعوّين في بعض
أو: شك المدعوون بعضُهم في بعض
§ سأل الناسُ بعضُهم بعضاً
§ غضب بعضُهم من بعض
§ لطباعة بعضِها بجوار بعض
أو: لطباعتها بعضِها بجوار بعض
§ ليطبعها مفصولاً بعضُها عن بعض
§ أقواسٌ متداخلٌ بعضُها في بعض
§ نستخدم حرفي (سطر جديد)، أحدهما خَلْف الآخر
§ ... يدور أحدهما حول الآخر
(46/1)
44- (مُذَبَّب) لا (مُدَبَّب) - مُؤَسَّل
جاء في (لسان العرب):
i- "أَنْفُ الناب: طَرَفُهُ حين يَطْلع
ii- طَرَفُ كلِّ شيء: مُنْتهاه
قال بشار بن برد:
ألا أيها السائلي جاهداً لِيعرفَني، أنا أَنْف الكرم
iii- المُؤَنَّف: المُحدَّد من كل شيء."
ويستعمل كثيرون كلمة (مُدبَّب) بمعنى المُؤَنَّف، أي المحدَّد (الحادّ) الطَرَف! مع أن: (دَبَّبَه: جَعَلَه يَدِبُّ)، أي: يمشي مَشْياً رويداً. كما جاء في (المعجم الوسيط).
وأرى أن الاستعمال الشائع لكلمة (مُدبَّب) بمعنى (المؤنَّف) خطأٌ نشأ عن تصحيف كلمة (مُذَبَّب)، ولم أُصادِف تنبيهاً على هذا الخطأ!
جاء في (اللسان):
i- "ذُباب السَّيْف: حَدُّ طَرَفِه الذي بين شَفْرَتَيْه [بعض السيوف له شفرة واحدة، ولبعضها شفرتان]؛ وما حوله من حَدَّيْه: ظُبَتَاه؛ وقيل: ذُباب السيف: طَرَفُه المتَطَرِّف الذي يُضرب به، وقيل حَدُّه.
ii- ظُبَةُ السَّهْم: طَرَفُه. وظُبة السيف: حَدُّه، وهو ما يلي طرف السيف. ومثلُه: ذُبابُه.
iii- وفي الحديث: رأيتُ ذُبابَ سيفي كُسِر، فَأَوَّلْتُه أن يصاب رجلٌ من أهل بيتي، فقُتل حمزة.
iv- ذُبابُ أسنانِ الإِبِل: حَدُّها. والذُّباب من أُذُنِ الإنسان والفَرَس: ما حَدَّ من طرفها."
ذُباب السيف إذن هو موضعُ التقاءِ شفرتيه، طَرَفُه، مُنْتهاه؛ وهو القطعة التي ذكر الحديث السابق أنها كُسِرت.
وكل ما له ذُباب، أي طَرَفٌ حادّ، فهو مُذَبَّب.
جاء في (المعجم الوسيط):
i- الرَّخَمُ: طائر غزير الريش، ...، وله جناحٌ طويلٌ مُذَبَّب.
ii- الزُّرْزور: طائر...، وجناحاه طويلان مُذَبَّبان.
iii- الشوكة: أداةٌ ذات أصابع دقيقة مُذَبَّبة كالشوكة، يُتناول بها بعض الطعام.
iv- القَدَمَة: مقياس من المعدن، ثُبّت فيه سِنّان مُذَبَّبتان، إحداهما ثابتة والأخرى متحركة تقاس به الأطوال. (وهو ما نسمّيه في سورية: القَدم القَنَويَّة Pied à coulisse).
(47/1)
v- القَرَّاع: طائر...وريشات ذيله كَزَّة مُذَبَّبة تساعده في الارتكاز
على الأشجار...
vi- النِّسْر: طائر من الجوارح ... وله منقار معقوف مُذَبَّب ذو جوانب مُزوَّدة بقواطع حادّة.
وشبيهٌ بـ (المُذَبَّبِ) (المُؤَسَّلُ)؛ فقد جاء في معاجم اللغة (اللسان، متن اللغة، الوسيط):
الأَسَلَة: طَرَفُ الشيءِ المُسْتَدقُّ. ومنه أسلة النَّصْل أي مُسْتَدَقُّه.
والأسلة: طرف اللسان وطرف السِّنان (أي طرف نَصْل الرمح).
والمؤَسَّل: المُحَدَّد من كل شيء (أي ما له طَرَفٌ حادّ).
(47/2)
45- أَمَّنَ يُؤَمِّنُ - تأمين
جاء في (المعجم الوسيط):
§ "أَمَّن (يؤمِّن تأميناً) فلاناً: جَعَلَه في أَمْنٍ.
§ أَمَّن فلاناً على كذا: أَمِنَهُ عليه؛ وَثِق به واطمأن إليه، أو جَعَلَه أَميناً عليه.
§ أمَّن على الشيء [لدى شركة التأمين]: دَفَعَ مالاً مُنَجَّماً [أي على أقساط] لينَاَلَ هو أو ورثته قَدْراً من المال متفقاً عليه، أو تعويضاً عمّا فَقَد. يقال: أَمَّن على حياته، أو على داره أو سيارته...
§ أَمَّن على دعائه: قال آمين."
وعلى هذا يمكن القول:
§ تأمين السلاح: وَضْعُ مسمار الأمان في وضعٍ يجعل السلاح مأموناً.
§ تأمين استخدام المبيدات الحَشَرِية: أي جَعْلُ استخدامها مأموناً (لا يقتل الحيوانات مثلاً).
§ يؤمِّن شرطي المرور عبورَ التلاميذ للشارع (يجعله مأموناً).
§ كان هدف هذا البحث العلمي: توفير الدم النظيف، وتأمين عملية نَقْلِه، ليكونَ عوناً حقيقياً للمرضى، فلا يضيف إلى ما ابتلوا به بلاءً أفدح (إيدز مثلاً).
وكثيراً ما يكون استعمال كلمة (تأمين) غير سليم. وفي هذه الحالات من الأسلم والأصوب استعمال ما يناسب السياق من الكلمات الآتية:
تزويد، تحقيق، توفير، إتاحة، إعداد، تهيئة، الحصول على، تجهيز، بحيث يمكن، تحضير، تدبير...
فيقول بعضهم
والأصوب
§ لتأمين راحة المصطافين
§ يُرجى تأمين ما يلي لحاسوب الإدارة:
§ قبل البدء بالتجارب يجب تأمين الأجهزة اللازمة
§ ذَهَبَ لتأمين مستلزمات الرحلة
§ لتأمين سِرِّيَّة الاتصالات
§ المواصلات إلى مكان الاحتفال مؤمَّنة
§ لتوفير الراحة للمصطافين
§ يرجى تزويد حاسوب الإدارة بمايلي:
§ قبل البدء بالتجارب يجب توفير الأجهزة اللازمة
§ ذهب لإحضار / للإتيان بـ / لإعداد / للتزود بمستلزمات الرحلة
§ لتحقيق سِرّية الاتصالات
§ المواصلات إلى مكان الاحتفال متوفِّرة
(48/1)
46- وَفَرَ؛ وَفَّر؛ تَوَفَّر؛ توافر
جاء في معاجم اللغة وكتبها:
أ- وَفَرَ الشيءُ يَفِرُ وَفْراً و وُفُوراً: كَثُر واتسع فهو وافر (واسم التفضيل أوفر؛ يقال: فلانٌ أوفرُ من فلانٍ حظاً في النجاح).
فالوَفْر مصدرٌ بمعنى الكثرة والاتساع، كالوفرة. ويوصف به فيقال: مالٌ وَفْرٌ ومتاعٌ وَفْرٌ: أي كثير واسع، كالوافر (ومن المولَّد: الوفير بمعنى الوافر)
والوَفْر: الغنى. [تستعمل العامة (الوفر) بمعنى ما اقتُصد، ما أمكن استبقاؤه وعدم إنفاقِه / استهلاكه. ونرى أنْ لا أثَرَ لهذا المعنى في اللغة].
قال الجاحظ (البخلاء/ 264): "... ومَن كان سبباً لذهاب وَفْرِه، لم تعدَمْه الحَسْرةُ من نفسه، واللائمة من غيره، وقلّة الرحمة وكثرة الشماتة." [وَفْرِه = سَعَتِه].
أما الموفور (=الوافر) فهو التام من كل شيء. يقال: أتمنى لكم موفور الصحة.
ب- وَفَّرَ الشيءَ توفيراً: كَثَّره.
وَفَّر لفلانٍ طعامه: كَمَّلَه ولم يَنْقُصْه وجَعَلَه وافراً.
وفّر له الشيءَ توفيراً: إذا أَتَمَّه ولم يَنْقُصه.
جاء في (محيط المحيط): "والعامة تستعمل (التوفير) في النفقة بمعنى التقتير، وضد الإسراف." أقول: بل الشائع لدى العامة الآن هو استعمال (التوفير) بمعنى الاقتصاد في النفقة واختصارها (لا التقتير). ويمكن توجيه هذا الاستعمال، باعتبار أن الاقتصاد في النفقة يُوفِّر (يُكثِّر) الباقي في حوزة المنفِق...
ويمكن تخريج التسمية (صندوق توفير البريد) على اعتبار أن الأصل هو (صندوق التوفير البريدي)، لأن الادخار في (مؤسسة البريد) يؤدي إلى توفير المال المدَّخر، أي تكثيره.
قال الجاحظ (البخلاء/22): "... فلمّا صِرْتُ إلى تفريق أجزائه على الأعضاء [الضمير عائد لماء الوضوء] وإلى التوفير عليها من وظيفة الماء [أي التكثير والإسباغ] وجدتُ في الأعضاء على الماء فضلاً [أي وجد أعضاءً لا ماء لها] فعَلِمتُ أنْ لو كنتُ مَكَّنْتُ الاقتصادَ في أوائله..."
(49/1)
وقال (ص 22) في خطاب إلى بخيل: "... وإن إطنابَك في وصف الترويج والتثمير وحُسْن التعهد والتوفير [أي التكثير] دليلٌ على خبيء سوء، وشاهدٌ على عيبٍ ودَبَر [أي انتهاء الأمر إلى فساد]."
وقال (ص 223): "... إلا أنّ المُنْفِق قد ربح المَحْمَدة، وتَمتّع بالنعمة، ولم يُعَطِّل المقدرة، ووَفَّى كلَّ خصلة من هذه حقَّها، ووَفَّرَ عليها نصيبَها [أي أعطاها نصيبها كاملاً فاستوفته] والمُمْسِكُ مُعذَّبٌ بحَصْر نفْسِه، وبالكَدِّ لغيره..."
وعلى هذا يمكن القول: توفير الخدمات / المعلومات / المال اللازم للمشروع...
ج - تَوَفَّر الشيءُ (مطاوع وَفَّر): إذا تَحَصَّل دون نقص.
ومن المجاز: توفّر على كذا: صرف هِمَّته إليه. تَوَفَّر على صاحبه: رَعَى حُرُماتِه وبَرَّه. ("وأرجو مخلصاً أن يتوفر المؤتمر على حلّ هذه المشكلة". الكلام موجَّه إلى مؤتمر مجمع القاهرة).
حكى صاحب الأغاني قَوْلَ بشّار: "إن عدم النظر يُقوِّي ذكاء القلب، ويقطعُ عنه الشغل بما ينظر إليه من أشياء، فيَتَوفَّر حِسُّه."
وقال المرتضى في أماليه: "فيتَوفَّرُ اللبنُ على الحَلْب."
وقال أبو علي المرزوقي في شرح الحماسة: "وإن العناية متوفّرة من جهتهم."
وقال أبو حيّان التوحيدي في مُقابساته: "ولهذا لا تتوفَّر القُوَّتان للإنسان الواحد."
وبهذا يستبين أن: (تَوَفَّر الشيءُ) يعني وَفَرَ وتَجَمَّع.
لذا يمكن القول: عند تَوفّر الشروط؛ تَوَفَّر فيه الذكاء / المؤهلات / الشروط المطلوبة...
د- تَوافَرَ الشيءُ: تَوَافُراً: كَثُر واتسع فهو وافر.
جاء في معجم (متن اللغة): "وهُم متوافرون: هُم كثير، أو فيهم كَثْرة، متكاثرون"
ونلاحظ الفرق بين (توفَّر) و(توافَر). كما نلاحظ في الأقوال (الشواهد) الأربعة التي أوردناها في الفقرة ج، مجيءَ (تَوَفَّر) لا (توافَرَ)!
وفيما يلي نماذج من استعمالات جانَبَها التوفيق:
يقول بعضُهم
والأفضل
§ ... وهذا يوفّر الوقتَ والمال
(49/2)
§ ... وهذا يوفّر الجهد
§ وبفضل هذا التعديل في العقد أمكن توفير مبلغ ضخم.
§ كان همّه أن يوفر أكبر قدْرٍ من دخله.
§ ... وهذا الأمر وفّر عليه مصروفات كثيرة.
§ هذا المحرك يوفر الكثير من الوقود
§ هذه المادة أوفر من تلك (بمعنى أرخص )
§ وبفضل ترشيد استهلاك الطاقة صارت نسبة الوفر في الوقود 30 بالمئة
§ استطاع أن يوفر هذا المبلغ الضخم في سنة واحدة
§ لتوفير إمكان التحليل الإحصائي لِكذا...
§ ... وبهذا استطاع توفير مبلغ مليون ل.س.
§ وفي هذا اقتصاد في الوقت والمال / وهذا يقتصد في الوقت والمال.
§ ... وهذا يختصر الجهد (أي: يحذف الفضول منه).
§ وبفضل... أمكن كسْبُ مبلغ... (كسِبَ: ربح)
§ كان همه أن يدّخر / يستبقي / يستفضل / أكبر قدر من دخله.
§ وهذا الأمر أعفاه من / أسقط عنه / أتاح له اختصار / نفقاتٍ كثيرة.
§ هذا المحرك اقتصادي / يستهلك القليل من الوقود / يخفض استهلاك الوقود كثيراً.
§ هذه المادة اقتصادية أكثر من تلك / تقتضي نفقةً أقلّ.
§ وبفضل... صارت نسبة / خفْض / إنقاص / الإقلال من استهلاك الوقود 30 بالمئة
§ ... صار الكسْب في الوقود 30 بالمئة مما كان يُستهلك.
§ ... صار يمكن اقتصاد 30 بالمئة من الوقود الذي كان يُستهلك.
§ ... انخفض استهلاك الوقود بنسبة 30 بالمئة
§ استطاع أن يقتصد / يدّخر هذا المبلغ الضخم في سنة واحدة
§ لإتاحة التحليل الإحصائي لكذا... / بحيث يمكن تحليل كذا إحصائياً...
§ وبهذا استطاع أن يقتصد مبلغ...
§ وبهذا استطاع أن يختصر من النفقات مبلغ...
§ وبهذا كَسِب بخفض النفقة مبلغ...
(49/3)
47- في اسم التفضيل والخطأ في استعماله
أولاً- وزنه: لاسم التفضيل وزن واحد، وهو (أَفْعَل) ومؤنثه (فُعْلَى) كأَحْسَن وحُسْنى، وأفضل وفُضلى.
ثانياً- تثنيته: يثنّى (أفعل) على (أَفْعَلان / أَفْعَلَيْن)، نحو: أَعْظمان / أعظَمَيْن.
وتثنَّى (فُعلى) على (فُعْلَيَان / فُعْلَيَيْن)، نحو: حُسْنيان / حُسْنَيَيْن.
ثالثاً- جَمْعه: يُجمع (أفعل) للعاقل جمعَ تصحيح على (أفْعَلُون / أفْعَلِيْن) أو جمعَ تكسير على (أفاعل)، نحو: أفضَلُون / أفْضَليْن؛ أفَاضل.
وتُجمع: (فُعْلى) على (فُعْلَيَات)، نحو: فُضْلَيَات، حُسْنَيَات.
ويرى بعض النحاة أن تأنيث أفعل التفضيل المحلَّى بأل (أي: الأفعل) على (الفُعْلى)، وجمعَه على (الأفاعل) مقصور على السماع، ويرى آخرون أن ذلك قياسي. وقد قرر مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1967 جواز جمع (الأفعل) على (الأفاعل) وتأنيثه على (الفُعْلى)، ويلحق به في ذلك المضافُ إلى معرفة، نحو: يا أيها الأفاضلُ؛ يا أفاضلَ الناس.
رابعاً- صَوْغُه: يصاغ اسم التفضيل من الفعل الثلاثي القابل للتفضيل، غير الدّال على عيب (عَوِرَ) أو حِلْيةً (كَحِلَ)، فلا يقال: هذا أعورُ من هذا، ولا أكحل منه.
وهناك أقوال مسموعة شاذة، لا يقاس عليها!
وإذا أريدَ صوغه مما لم يَسْتَوْف الشروط المذكورة، يؤتى بمصدره منصوباً بعد (أشدَّ) أو (أكثر) أو نحوهما. تقول: هو أشد إيماناً، وأبلغ عوراً، وأوفر كحلاً...
ملاحظة: قد يستعمل اسم التفضيل عارياً عن معنى التفضيل، كقولك: (أكرمتُ القومَ أصغَرهم وأكبَرهم) تريد: صغيرَهم وكبيرَهم.
وكقول العروضيين (فاصلة صغرى، وفاصلة كبرى)، أي صغيرة وكبيرة.
وكما نقول الآن: (دولة عظمى) أي عظيمة، و(دراسات عليا) أي عالية...
خامساً- أحواله وأحكامه: لاسم التفضيل أربع حالات:
أ - تَجرُّدُه من (أل) والإضافة:
(50/1)
في هذه الحالة، لا بد من إفراده وتذكيره مهما يكن المُفَضَّل، وأن تتصل به (مِنْ) الجارَّة للمفضل عليه. تقول:
خالد أفضلُ من سعيد؛ هذان أفضلُ من هذا؛ المجاهدون أفضلُ من القاعدين.
سلمى أفضلُ من ليلى؛ هاتان أفضلُ من هذه / هاتين؛ المتعلمات أفضلُ من الجاهلات. وقد تكون "مِن" مقدَّرة. وقد اجتمع إثباتها وحذفها في التنْزيل العزيز: ?أنا أكثرُ منك مالاً وأعزُّ نفراً?.
ب - اقترانه بأل:
في هذه الحالة يمتنع وصله بـ (مِن)، فلا يقال: فلانٌ الأفضل من فلان!، ويجب مطابقته للمعرفة [اسماً كانت أو ضميراً] التي قبله تذكيراً وتأنيثاً وعدداً (أي من حيث الإفراد والتثنية والجمع). تقول:
هو الأفضل، وهما الأفضلان، وهم الأفضلون.
وهي الفُضْلى، وهما (الفتاتان) الفُضْلَيَان، وهنّ الفُضلَيَات.
وفي التنْزيل العزيز:
?سَبَّحِ اسمَ ربك الأعلى?.
?اقرأ وربك الأكرم?.
?وجَعَلَ كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمةُ الله هي العليا?.
?وكلاً وَعَدَ الله الحُسْنى? أي العاقبة الحسنى (الجنة).
?قل هل تَرَبَّصُون بنا إلا إحدى الحُسْنَيَيْن?.
ويسترعي الانتباه التركيب القرآني الآتي:
?اِدفع بالتي هي أحسن? أي بالخصلة التي هي أحسن (كدفع الجهل بالحلم)
?إن هذا القرآن يهدي لِلَّتي هي أَقْوَمُ? أي للطريقة التي هي أعْدل وأصْوب.
ولما كان كل جَمْع مؤنثاً (ما عدا جمع المذكر السالم) وجب تأنيث اسم التفضيل العائد إليه. ولكن إذا كان الجمع لغير العاقل، جاز في اسم التفضيل الإفراد والجمع. تقول:
هؤلاء الفتيات هنّ الصغريات.
هذه / هؤلاء الأشجار هي الكبرى / الكُبْرَيَات.
هذه المباني / الحدائق هي الكبرى / الكبريات (ولا يجوز: هي الأكبر!!!).
شاهَدْنا المباني / الحدائق الكبرى. (ويمكن أداء هذا المعنى بتغيير التركيب واستعمال اسم التفضيل المجرد من (أل): شاهدنا أكبرَ المباني / الحدائق).
وفيما يلي نماذجُ من أفصحِ الكلام وهو التنْزيل العزيز:
(50/2)
?ولا تَهِنُوا ولا تَحْزنوا وأنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كنتم مُؤْمنين?.
?أنتمُ وآباؤُكم الأَقْدمون?.
?وأَنْذِرْ عَشيرتك الأَقْربين?.
?قالوا أَنُؤْمِنُ لَكَ واتَّبعَك الأَرْذَلون?.
?لا جَرَمَ أنهم في الآخِرة هُمُ الأَخْسرون?.
?قل هل نُنَبِّئُكُم بالأخْسرين أعمالاً?.
وجاء في (نهج البلاغة) من كلام الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه (ص 497):
... أولئك - والله - الأَقَلُّون عدداً، والأعظمون عند الله قدْراً.
وقال الشاعر:
آلُ الزُّبَيْرِ سَنَامُ المجد قد عَلِمتْ ذاكَ العَشيرةُ والأَثْرَوْنَ مَنْ عَدَداْ
(الأثْرون: الأكثرون ثَراءً، جمع الأَثْرَى، وهو اسم تفضيل من ثَرِيَ)
ج - إضافته إلى نكرة:
في هذه الحالة يمتنع وصْله بـ (مِن)، ويجب إفراده وتذكيره. تقول:
خالد أفضلُ قائد؛ هذان أفضلُ رجُلين؛ المجاهدون أفضلُ رجال.
الخنساء أفضلُ شاعرة؛ هاتان أفضلُ امرأتين؛ المتعلمات أفضلُ نساء.
د- إضافته إلى معرفة:
في هذه الحالة يمتنع وصله بـ (من)، فلا يقال: فلان أفضلُ القوم من فلان، ويجوز فيه وجهان:
الأول: إفراده وتذكيره، كالمضاف إلى نكرة، نحو: هم أفضل الناس.
?ولَتَجِدَنَّهُم أحرصَ الناسِ على حياة?.
الثاني: مطابقته لما قَبْله، كالمقترن بأل، نحو: هم أفضلو الناس.
?وما نرَاك اتَّبَعَك إلا الذين هم أَراذِلُنا بادِيَ الرأي?.
وقد اجتمع الوجهان في الحديث الشريف: "ألا أُخبركم بأَحبِّكُم إليّ وأَقْربِكُم مني مجالسَ يوم القيامة، أحاسِنُكُم أخلاقاً، المُوَطَّؤون أكْنافاً، الذين يأْلَفُون ويُؤْلَفُون."
المعنى: ألا أخبركم بالذين هم أَحَبُّكم...
(أَحَبّ وأَقْرب وأَحاسِن: أسماء تفضيل مضافة إلى معارف).
سادساً- صَرْفُه ومَنْعُه من الصَّرْف:
من المعلوم أن الاسم (والصِفة) على وزن (أَفْعَل) يُمنع من الصرف (أي يمنع من التنوين ويُجرّ بالفتحة نيابة عن الكسرة). يقال: الجمل ينفع سكان الصحراء في أكثَرَ من وجه.
(50/3)
وفي التنْزيل العزيز: ?وإذا حُيِّيتُم بتحيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحسَنَ منها أو رُدُّوها?.
ويقال: هذا التركيب أَفْصَحُ من ذاك.
ويقال: كان خالدٌ رجلاً عظيماً أمْجَدَ.
ولكن الاسم (والصفة) وِزان (أفعل) يُجرُّ بالكسرة على الأصل في حالتين:
الأولى: إذا اقترن بأل، نحو: تحدثتُ إلى الرجلِ الأمجدِ خالد.
الثانية: إذا أضيف إلى اسم بعده، نحو:
?لقد خَلقْنا الإنسانَ في أحسَنِ تَقْويم?.
?أليس اللهُ بأحْكَمِ الحاكمين?.
سابعاً- وفيما يلي قائمة ببعض أسماء التفضيل، المسموعة والمقيسة، وللقارئ - بناء على قرار مجمع القاهرة - أن يقيس عليها فيملأ الفراغات في القائمة، أو يشتق غيرها من أسماء التفضيل.
المفرد المذكر
جمع المذكر
(تصحيح/تكسير)
المؤنث المفرد
يقال:
أعلى
الأعَلون(1)/الأعالي
عُلْيا(2)
أعالي الجبال/الأشجار/البحار
أدنى
دُنْيا
أوسط
/أواسط
وسطى
أقصى
/الأقاصي
قصوى(3)
أقاصي الأرض
أكثر
الأكثرون/
كثْرى
أقلّ
الأقلّون/
قُلَّى
أكرم
الأكرمون/ الأكارم
كرمى
يا أكرم الأكرمين
أمثل
/أماثل
مثلى
أمجد
/أماجد
مُجْدى(4)
أيها السادة الأماجد
أوثق
وُثقى
أفصح
فصحى
أسرع
سُرعى
أَوْلى
وُلْيا
أسمى
سُمْيا
أقوى
قُيَّا(5)
أحلى
حُلْوى(6)
أَمَرّ (ضد أَحلى)
مُرَّى
(1) حذفت الألف لالتقاء الساكنين (الأصل: الأعْلاَوْن ? الأعلون).
(2) كتبت الألِف المتطرفة قائمة (لا بصورة الياء مثل فُعلى) لأنها مسبوقة بياء!
(3) هذا البناء شاذ قياساً، فصيح استعمالاً (القياس: قُصْيا: ويستعمله غير الحجازيين!)
(4) استعمل المبَرِّد (النحوي الشهير) هذه الكلمة.
(5) الأصل: القويا: اجتمعت الواو الأصلية الساكنة مع الياء، فقُلبت ياءً وأُدغمت فيها بمُقتضى قواعد الإعلال.
(6) هذا البناء شاذ عند الحجازيين وغيرهم. وغني عن القول أن الحُلوى (صيغة التفضيل) هي غير الحَلوى، وهي كل ما عولج من الطعام بسُكّر أو عسل.
(50/4)
ثامناً- كثيراً ما يستعمل اسم التفضيل في الكتابات العلمية المعاصرة، استعمالاً غير صحيح.
فيقول بعضهم
والصواب
أ- حصل فلانٌ على النتائج الأفضل
ب - ذرة الهدروجين هي الأبسط
ج - الكونكورد هي الطائرة الأسرع
د- الكونكورد هي الطائرة الأسرع من الصوت!
(هنا خطآن: تذكير اسم التفضيل، واتصاله بـ (مِن) مع أنه محلى بأل).
هـ - ... هما الدولتان الأعظم
و- ... هي الدولة العظمى والأقوى
ز- الصين والهند هما الدولتان الأكثر سكاناً
ح- هذه الحالات هي الأكثر شيوعاً
ط- ماذا نقول عن الحالات الأكثر شيوعاً؟
ي- أوجد الأعداد التامة الأكبر من 1000
ك- هما العزمان الأكثر استخداماً لمتحول عشوائي
ل- فيما يلي المصطلحات الأكثر تداولاً في الكتاب
م- ما رأيته هو الأماكن الأكثر ازدحاماً
أ- ... على النتائج الفُضْلى/
... على أفضلِ النتائج
ب- ... هي البُسطى/
... هي أبسط الذرات
ج- ... هي الطائرة السُّرعى/
... هي أسرع الطائرات
د- الطائرة التي هي أسرعُ من الصوت هي الكونكورد
دَ- الكونكورد هي الطائرة التي تفوق الصوتَ سرعةً
هـ- هما الدولتان العُظْمَيَان/
هما أعظمُ الدول
و- هي الدولة العظمى والقُيَّا/
هي أعظمُ الدول وأقواها
ز-... هما أكثرُ الدول سكاناً
ح- هذه الحالات هي الكثرى شيوعاً/
هذه هي أكثرُ الحالات شيوعاً
ط- ماذا نقول عن الحالات التي هي أكثرُ شيوعاً؟
ي- أوجد الأعداد التامة التي هي أكبرُ من 1000
ك- هما العزمان الأكثران استخداماً.../
هما أكثرُ العزوم استخداماً...
ل- فيما يلي أكثرُ المصطلحات تداولاً.../
فيما يلي المصطلحات التي هي أكثرُ تداولاً...
م- ... هو أكثرُ الأماكن ازدحاماً
(50/5)
48- خَطِئَ، أخطأ - غَلِط
جاء في معاجم اللغة: (الوسيط)؛ (متن اللغة)؛ (أساس البلاغة):
أ- "خَطِئَ يَخْطَأُ خَطَأً وخِطْئاً: أذنب أو تعمَّد الذنْب، فهو خاطئ ج خواطئ". وفي التنْزيل العزيز: ?إنا كُنّا خاطئين?.
فالخطأ مصدر. والخطأ أيضاً: ما لم يُتعمَّد من الفعل؛ والخطأ ضِدُّ الصواب.
وفي (المتن): خَطِئَ فلانٌ: سلك سبيل الخطأ.
قال صاحب (جامع الدروس العربية): "ويكون النعتُ(93) مَصْدراً". أي يجوز الوصفُ بالمصدر.
وفي التنْزيل العزيز: ?إنه لَقَوْلٌ فَصْلٌ?؛ ?إن هذا لَهُوَ القَصَصُ الحقُّ?.
ويوصف بالمصدر: المفردُ والمثنى والجمع، والمذكر والمؤنث.
يقال: مالٌ وَفْرٌ؛ العبارة الخطأ؛ رجُلٌ عَدْلٌ وامرأةٌ عدْلٌ [وعدْلةٌ (المعجم الوسيط)].
ويقال: رجلٌ ثقةٌ، ورجالٌ ثقة؛ ولكن يقال أيضاً: رجالٌ ونساءٌ ثِقاتٌ (الوسيط). وسيأتي الحديث عن جمع المصدر في الفقرة 54.
وعلى هذا يقال: رأيٌ خطأٌ، مثلما يقال: رجلٌ ثقةٌ؛ رجلٌ عَدْلٌ، قولٌ حقٌّ.
جاء في (مختصر منهاج القاصدين /236) للإمام ابن قُدامة: "ومن ذلك العَجَبُ بالرأي الخطأ."
وقال عباس حسن صاحب موسوعة (النحو الوافي) في كتابه (اللغة والنحو بين القديم والحديث): "وهذه نهاية الجمود على الرأي الخاطئ."
وقال الأب أنستاس ماري الكرملي (مجلة التراث العربي، العدد 54، ص 11): "تَصحيفٌ مَخْطُوءٌ فيه."
ب- جاء في (متن اللغة) وفي (الوسيط): أَخْطأ يُخْطئ إخطاءً وخاطئةً: خَطِئَ؛ غَلِطَ (حاد عن الصواب)؛ سلك سبيل الخطأ، فهو مُخْطِئ.
أخطأ في المسألة، فهو مخطِئ فيها، والمسألة مُخْطَأٌ فيها.
أخطأهُ في المسألة: أراه أنه مخطئٌ فيها.
قال صاحب (المتن): الخاطئة مصدرٌ من أخطأ، وتكون بمعنى المُخطئة!
وقال: أخطأ به: عَثَرَ به: غَلِطَ به.
جاء في كتاب د. محمد ضاري حمادي (الحديث النبوي الشريف وأثره في الدراسات اللغوية والنحوية /435): "... مثلبة الجمود على الرأي المخطِئ."
(51/1)
ج- غَلِطَ يَغْلَطُ غَلَطاً في الحساب والكتاب وغيرهما: وَقَعَ في الغلط، فهو غالطٌ وغلطانُ وغلاَّطٌ. والكتابُ مغلوط [الأصل: مغلوطٌ فيه، لكن حذفوا الصلة (فيه) تخفيفاً].
(51/2)
49- سَعَى إلى / لِـ / على / في / بـ
مما جاء في (لسان العرب): سَعى يَسْعى سَعْياً:
أ- السَّعْيُ: عَدْوٌ دون الشَّدِّ. وفي الحديث: "إذا أتيتم الصلاة فلا تأتُوها وأنتم تَسْعَوْن، ولكن ائتوها وعليكم السكينة؛ فما أدركتُم فَصَلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا."
ب- وسَعَى إذا مشى؛ وسعى إذا قَصَد، والسعْيُ: القَصْدُ. وإذا كان بمعنى المُضِيِّ عُدِّيَ بـ (إلى): وفي التنْزيل العزيز: ?يا أيها الذين آمنوا إذا نُوْدِيَ للصلاة من يوم الجمعة فَاسْعَوْا إلى ذِكْر الله? أي: فامْضُوا إلى ذكر الله واقصِدوا (وليس من السعي الذي هو العَدْو).
ج- وسعى إذا عَمِل؛ والسعيُ: الكسْب. وإذا كان بمعنى العمل عُدِّيَ باللام. يقال: سعى لهم وعليهم: أي عمِلَ لهم وكَسَب. فلانٌ يسعى على عياله، أي يتصرف لهم.
د- قال الزجّاج: أصل السعي في كلام العرب: التصرف في كل عمل. ومنه ما جاء في التنْزيل العزيز: ?وأنْ ليس للإنسان إلا ما سعى?.
هـ- وقال الزجّاج: السعي والذهاب بمعنىً واحد، لأنك تقول للرجل: هو يسعى في الأرض.
[في عبارة الزجاج (تقول للرجل) حرف الجر (لِـ) لا يفيد التبليغ - أي ليس المراد أنك توجّه الكلام للرجل - وإنما يفيد المجاوزة، أي بمعنى (عن). قال الشاعر:
كضرائر الحسناء قُلْنَ لوجْهها حَسَداً وبُغْضاً: إنه لَذميم
أي: مذموم/معيوب. قلن لوجهها = قلن عن وجهها.]
و- والسعي يكون في الصلاح، ويكون في الفساد؛ وفي التنْزيل العزيز:
?ومن أظْلَمُ ممن مَنَعَ مساجدَ اللهِ أنْ يُذكرَ فيها اسمُه وسعى في خرابها?.
?إنما جزاء الذين يحاربون اللهَ ورسولَه ويَسْعَوْن في الأرض فساداً...?. أي: يَسْعَوْن في الأرض للفساد.
سعى به إلى الوالي: وشى.
§ جاء في (المعجم الوسيط):
1- سعى إليه: قَصَد ومشى، سعى إلى الصلاة: ذهب إليها؛
2- سعى في مَشْيه: عَدَا؛
3- سعى فلانٌ على الصدقة: عَمِل في أخذها من أربابها؛
4- سعى به سِعايةً: وشى ونَمَّ؛
(52/1)
5- نَمَّ الحديثَ: سعى به ليُوقعَ فتنةً بين الناس.
§ جاء في نهج البلاغة: قال الإمام علي بن أبي طالب لرجلٍ يسعى على عَدَوٍّ له بما فيه إضرارٌ بنفْسِه: "إنما أنتَ كالطاعن نفْسَه ليقتلَ رِدْفه. " (أي الذي خَلْفه)
§ وقال عروة بن أذينة (توفي سنة 130 للهجرة):
لقد علمتُ وما الإسرافُ من خُلُقي أنَّ الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى له فيُعَنِّيني تَطَلُّبُه ولو قَعَدْتُ أتاني لا يُعَنّيني
§ وقال الشاعر في إخوان السوء:
وقالوا قد سَعَيْنا كلَّ سَعْيٍ لقد صدقوا، ولكن في فسادي
§ وعلى هذا، يقال على الصواب:
· إذا سعى المتحول س إلى اللانهاية، سعى التابع ع إلى الصفر.
· ... وسعى جاهداً لبلوغ تلك المنزلة السامية.
· الساعي في الخير كفاعله.
· وقد سعى فلانٌ طويلاً في إيجاد مأوى لأولئك الأيتام.
(52/2)
50- استَبدل، بَدَّل، أَبْدَل؛ بَدَلاً مِن/عن، بديلاً من/عن
أ- يقال: استبدل بثوبه القديم ثوباً جديداً، أي: ترك الثوب القديم وأخذ الجديد. ونلاحظ أن فِعل (استبدل) يَتعدّى بحرف الباء الذي يَدخل على الشيء المتروك، لا على المأخوذ!
وفي التنْزيل العزيز: ?أتَسْتبدِلون الذي هو أدنى بالذي هو خَيْر؟?.
يقال إذن: استبدلَ الجيد بالسَّيِّئ؛ لا تستبدل السيئ بالجيد!
والمعنى: أَخَذَ الجيد بَدَلَ السيئ؛ لا تأخذ السيئ بدل الجيد!
استبدلَ الذهبَ بالنحاس؛ لا تستبدل النحاس بالذهب!
ب- يقال: بَدَّلَ الشيءَ شيئاً آخر. وفي التنْزيل العزيز: ?فأولئك يُبدِّل الله سيّئاتِهم حَسَناتٍ?.
ويقال: بَدَّل الجديد بالقديم (بإدخال الباء على المتروك).
بَدِّل الصالح بالفاسد؛ لا تُبدِّل الفاسد بالصالح!
ويُخطئ كثيرون في استعمال هذين الفعلين من حيث إدخالُ الباء، فيُدخلونها على المأخوذ!
ولهم عنهما مَنْدوحة: إذ يقال: استعاض عن ثوبه القديم بثوبه الجديد.
ويقال: عَوَّضه مِن/عن قلمه الضائع قلماً جديداً، أو: بقلمٍ جديد.
قال المعرّي في (رسالة الغفران /240):
"ولو سُئل أَمَةً عَوْراءَ، يُعوَّض منها في الآخرة. بحَوْراءَ، لَمَا فعل!."
ج- كما يقال: أَبْدَلَ القديمَ جديداً. أي: أبدل المتروكَ شيئاً آخر.
ويقال أيضاً: أبدل الشيءَ من غيره وبغيره: اتخذه عِوَضاً عنه وخَلَفاً له.
نحو: أبدل الجديد من القديم (أي أخذ الجديد بدلاً من القديم، بدلاً من المتروك!)
أبدل التلفاز من المذياع؛ أبدل السيارة من الحصان...
وحين يُعدَّى (أَبْدَلَ) بالباء، يدخل هذا الحرف - في الأغلب - على المأخوذ!
فيقال: أبدل القديم بالجديد (بإدخال الباء على المأخوذ!)
أبدل الجهلَ بالعِلم؛ لا تُبْدِل العلم بالجهل!
د- جاء في (أساس البلاغة): "هذا بَدَلٌ من هذا وبديلٌ منه."
ويقال: أخذتُ هذا بَدَلاً من ذاك.
قال ابن زيدون:
(53/1)
أضحى التنائي بديلاً من تدانينا ونابَ عن طِيبْ لُقْيانا تَجافِينا
ولكن يصحّ أن تقول: أخذتُ هذا بدلاً عن ذاك: لأن من معاني (عن) البَدَل! وفي رسائل الهمذاني: "كما ضربوا الشمسَ للملوك مثلاً، وجعلوا البحرَ عنهم بدلاً."
ه- البَدَل من الشيء: الخَلَفُ والعِوَض. والجمع: أبْدال.
البديل: الخَلَفُ والعِوَض. والجمع: أبدال وبُدَلاء.
وتُجمع البديلة على بدائل.
(53/2)
51- لِـ، لأنَّ، من أجْل، بسبب، إذْ...
أ-من معاني (اللام) التعليل؛ يقال: اشكر المحْسِن لإحسانه؛ العمل ضروري لدفْع الفاقة؛ أُحبُّه لأنه كريم الأخلاق/ لِكَرَم أخلاقه...
وهناك حروف أخرى تستعمل للتعليل:
الباء: كلٌّ يكافأ بعمله، ويعاقَب بتقصيره.
من: نام من شدة التعب. قال الإمام البوصيري:
قد تُنكِر العينُ ضوءَ الشمس من رَمدٍ وينكِرُ الفمُ طعمَ الماء من سَقَمِ
في: اشتهر هذا المحامي في قضية خطيرة (أي عظيمة الشأن).
عن: لم أحْضر إلا عن طلبٍ منك.
على: أشكر المحْسِن على إحسانه...
ب- جاء في (المعجم الوسيط): "أجْل: يقال: فعلتُ ذلك أجْلَكَ ومن أجْلِك: بسببك."
وجاء في (المعجم الكبير-إعداد مجمع القاهرة): "أجْل: كلمة تَدخل على سبب الشيءِ وعِلَّته. يقال: فعلتُ ذلك من أجْل كذا، ولأجْل كذا. ويقال: أجْلَ كذا."
وفي التنْزيل العزيز: ?من أجْل ذلك كَتَبنا على بني إسرائيل...?.
وإذا قيل: (وقف الطلاب إجلالاً للمعلّم) كان إعراب المَصْدر (إجلالاً) مفعولاً لأَجْلِه (أو من أجْلِه). أي إن هذا المصدر هو عِلَّة حصول الفعل، بحيث يصحُّ أن يقع جواباً لقولك: (لِمَ وقفوا؟) - لأجْل إجلال المعلم.
ويصحُّ الشيءُ نفسُه في قولنا: فلانٌ يَدْرس حُبّاً للعِلم. لِمَ يدرسَ؟ - لأجْل حُبِّ العِلم.
يقال على الصواب:
§ قامت حرب البسوس بين بكر وتغلب في الجاهلية أربعين سنة من أجْل ناقة (أي بسبب ناقة).
§ قامت حرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان من أجل فرس!
§ كانت هذه الدولة أول دولة في التاريخ تعلن الحرب من أجل انتزاع حقوق الفقراء عند الأغنياء، وكان الخليفة أبو بكر الصِّدِّيق أول من حارب من أجل هذا!
ويستعمل بعض المترجمين اليوم (من أجل) مقابل الكلمة الإنكليزية for والفرنسية pourصحيحٌ أنه يمكن أحياناً ترجمة هاتين الكلمتين بـ (من أجل)، ولكنْ لهما معانٍ كثيرة أخرى، من أهمها (في حال). فإذا كان لدينا التابع y = 2x مثلاً، قالوا:
(54/1)
y = 6 من أجل (pour, for) x = 3؛
و y = 10 من أجل (pour, for) x = 5.
والأصح أن يقال: في حال x = 3، y = 6 (أو: إذا كان x = 3، كان y = 6، إلخ...)
لنتأمل العبارات العلمية الآتية:
§ تعطي صيغةُ (بور) سلسلةَ (بالمر) "من أجل!" n = 2 "for"، وسلسلةَ (باشن) "من أجل" n = 3 "for".
أليس الأحسن أن يقال: في حال n = 2، وفي حال n = 3؟
§ يكون التناسب "من أجل!" الطاقات الأدنى (كذا!) كما يلي...
الأحسن أن يقال: يكون التناسب في حالة الطاقات الدنيا [أو (التي هي أدنى) بحسب المعنى المراد] كما يلي...
§ يقاس المقطع العَرْضيّ بالبارن، وله قيمة محددة من أجل (!) مادة معينة وتفاعل معين.
والصواب: يقاس المقطع العَرْضيّ بالبارن، وله قيمة محددة لمادة معينة وتفاعل معين.
ج- ومما يستعمل للتعليل أو لبيان الدافع، الكلمات الآتية أيضاً: بسبب كذا، بسببٍ من كذا، كي، بغية كذا، إذْ... جاء في (المعجم الوسيط): "البُغْية: ما يُبتغى. ابتغى الشيءَ: أراده وطَلَبَه". يقال على الصواب:
§ الطريق مغلق (مغلقة) بسبب تراكم الثلوج.
§ ولغة الشِعر يُتسامح فيها بسببٍ من كونها خاصة في أوزانها وقوافيها وبناء جُملها، من حيث التقديم والتأخير (د. إبراهيم السامرائي: الفعل، زمانه وأبنيته، ص 215).
§ فلانٌ يتفانى في خدمة رئيسه بُغْيَةَ نَيْل رضاه/ ابتغاء مَرْضاته/ كي ينال رضاه...
§ يقول الفرزدق:
فأصبحوا قد أعاد الله نِعْمتَهم إذْ هُم قريش، وإذْ ما مِثْلَهُم بَشَرُ
(54/2)
52- وإلاّ...
"إلاّ" تكون أداة استثناء، نحو: أُحبُّ الناسَ إلا المنافقَ. وتكون أداة حَصْرٍ، نحو: ما فاز إلاّ الجَسُورُ.
وتكون مركَّبة من (إنْ) الشَّرطية و(لا) النافية، وذلك إن وَلِيَها فعلٌ مضارعٌ، هو فعل الشرط، ويأتي بعده جواب الشرط فعلاً مضارعاً مجزوماً، أو إحدى الجُمل الآتية: جملة اسمية أو طلبية أو فِعْلها جامد، أو مُصَدَّرة بـ: ما / لن / قد / س / سوف.
ولا بدّ من اقتران هذه الجمل بالفاء الرابطة لجواب الشرط. ففي التنْزيل العزيز: ?وإلا تَغفرْ لي وترحَمْني أكن من الخاسرين?. وفيه أيضاً: ?إلا تَنصروه فقد نَصَرَه الله? فعل الشرط مجزوم بحذف النون (لأنه من الأفعال الخمسة) والفاء رابطة لجواب الشرط.
وقد يُحذف فعل الشرط بعد (إلاّ) هذه، نحو: تَكَلَّمْ بخيرٍ وإلاّ فاسْكُتْ! أي: وإلاّ تتكلم بخير فاسكت.
أو: تكلمْ بخير وإلاّ تَنَلْ عقاباً. (الأصل قبل الجزم: تنال).
قال الشاعر:
فطلِّقْها فلستَ لها بكُفْءٍ وإلاّ يَعْلُ مَفْرِقَكَ الحُسَامُ
أي: وإلاّ تطلِقْها يَعْلُ الحسام... (الأصل قبل الجزم: يعلو)
عليك أن تَقْبَلَ، وإلاّ فسوف تَندمُ!
نقول مثلاً: يجب أن نُحدِّدَ مجال تَغَيُّرِ المتحول س، وإلاّ يكن الحسابُ متعذراً. أي: وإلاّ نُحدِّد... يكن... لا يصحّ أن يقال هنا: وإلاّ يكون الحساب....
(55/1)
53- الجَمْع بالألِفِ والتاء الزائدتين!
تذكِرة:
الجمع لفظ ينوب عن ثلاثة فأكثر، بزيادةٍ في آخره. وهو قسمان: سالمٌ ومُكسَّر. فالسالم ما سَلِمَ بناء مفرده عند الجمع (ويسمى أيضاً جمعَ السلامة أو التصحيح). وهو قسمان: جَمْعُ مذكّر سالمٌ، وجمع مؤنثٍ سالم. فالأول ما جُمع بزيادة واوٍ ونونٍ في حالة الرفع، مثل: مدير مديرون، وياءٍ ونون في حالتي النصب والجر، مثل: مديرين.
والثاني ما جُمع بألِفٍ وتاءٍ زائدتين، مثل: مَرْيم مَرْيمات، غابة غابات، حافَة حافَات. والحقُّ أن الجمع بالألف والتاء لا يقتصر - كما سنرى - على الإناث والمؤنث...
أما الجمع المكسَّر (ويسمى جمعَ التكسير أيضاً) فهو ما تَغيّر بناء مفرده عند الجمع. ومما جاء في (جامع الدروس العربية للغلاييني، 2/29 و 30 و 31):
"ويُجمع جمعَ تكسيرٍ الأسماءُ، أي الموصوفات التي تُحمل عليها الصفات: كقلم ودار ودرهم، فإنك تصِفها فتقول: قلمٌ طويل، ودار كبيرة، ودرهم زائف. والمراد بالصفات ما يكون لغيره من الأسماء: كطويل وكبيرة وزائف.
أما الصفات، فالأصل فيها أن تُجمع جمعَ السلامة، وذلك هو قياس جمعها. وتكسيرها ضعيف، (لأنه خِلاف الأصل في جمعها). يقول الإمام ابن يعيش: ((إذا كثر استعمال الصفة مع الموصوف قوِيت الوصفية وقلَّ دخول التكسير فيها. وإذا قَلَّ استعمال الصفة مع الموصوف [أي إذا استغنت عن موصوفها] وكَثُر إقامتُها مُقامهُ، غَلَبت الاسمية عليها وقوي التكسير فيها.))
وحقُّ الصفات أن يُجمع المذكر العاقل منها جمعَ المذكر السالم، وأن يجمع المؤنث منها، والمذكر غير العاقل، جمع المؤنث السالم. لكنهم اتسعوا في تكسيرها (لاتساع ميدان البيان) كما كسّروا الأسماء."
(56/1)
بيد أنهم لم يكسروا كل الصفات: فامتنعوا من تكسير اسم الفاعل من فوق الثلاثي: نحو، مدير (من أدار) ومنطلِق (من انطلَق) ومُهْروِل (من هَرْوَلَ) ومستخرِج (من استخْرَج)، فقالوا: مديرون (لا: مُدراء!)، منطلِقون، مُهروِلون، مستخرجون... وامتنعوا من تكسير اسم المفعول إذا استُعمل صفةً خالصة. فيقال: الأب مربوط بأولاده والآباء مربوطون بأولادهم والأمهات مربوطات بأولادهن (ولا يقال مرابيط!). أما إذا استُعمل استعمال الأسماء (نحو: موضوع، مجهول، مضمون...) فيكسّر على مفاعيل: مواضيع، مجاهيل، مضامين. وكذلك الكلمات التي تدل على النَّسَب أو العاهات أو غير ذلك (نحو: مشهور، مجنون، مملوك) فتكسّر على: مشاهير، مجانين، مماليك.
ويَطَّرد الجمع بالألف والتاء في حالات أهمها:
أ- في أعلام الإناث من غير تاء، نحو، سلمى، هند، زينب؛ فتُجمع على: سَلْمَيَات، هِنْدات، زَيْنَبات...
ب- في أعلام الإناث المختومة بالتاء المربوطة (التي تحذف عند الجمع) نحو: صَفِيّة، بارعة، جميلة، فتجمع على: صَفِيّات، بارعات، جميلات.
ج- في أعلام الذكور المختومة بالتاء المربوطة (التي تحذف عند الجمع)، نحو حمزة، معاوية، طلحة، عَطيّة... فتجمع على: حمزات، مُعاويات، طلحات، عَطِيّات...
د- فيما خُتم بتاء التأنيث المربوطة (التي تحذف عند الجمع)، نحو: حافَة حافَات، سيدة سيدات، كلمة كلمات... وهناك كلمات مختومة بتاء التأنيث المربوطة، ومع ذلك فقد شاع جمعُها جمعَ تكسير أكثر من جمعِها بالألف والتاء، نحو، حاسّة حواسّ، مادة موادّ، دالّة دوالّ... مدرسة مدارس، مقبرة مقابر، رهينة رهائن، رائعة روائع...
(56/2)
وتكسَّر أيضاً الصفات زِنَة (فاعلة) التي تكون التاء فيها للمبالغة، فلا تُجمع بالألف والتاء غالباً، بل تكسَّر، نحو: طاغية (طَواغٍ)، داهية (دَواهٍ) نابغة (نوابغ) داعية (دَواعٍ) راوية (روايا)]. ويستثنى مما في آخره التاء المربوطة كلمات منها: امرأة (نساء)، أَمَة (إماء) أُمّة (أمم) شاة (شياه) شَفَة (شِفاه)، مِلَّة (مِلَل)...
وجُمع بالألف والتاء بعض الألفاظ، نحو: أخت أخوات، أُمّ أُمَّات وأُمَّهات...
جَمْعُ الجَمْع
جُمع جمْعَ مؤنثٍ سالماً بعضُ جُموع الأسماء المُعَربة، وهذا ما يسمى جمعَ الجمع. والجُموع مؤنثة كما هو معلوم باستثناء جمع المذكر العاقل. وجَمْع الجمع سماعيّ! ومما سُمع: بيت بُيوت بُيوتات، رَجُل رِجال رجالات، طريق طرق طرقات، عَطاء أَعْطية أَعْطِيات، فتْح فتوح فتوحات، فَيْض فُيوض فُيُوضات.
وقد أجاز مجمع القاهرة جَمع الجمع عند الحاجة! فهل ثمة حاجة إلى "شُروطات، فُحوصات، رسومات؟"
[ملاحظة: جُمع بعض الجموع جمعَ تكسير، نحو: قول أقوال أقاويل، إناء آنية أوانٍ، وعاء أوعية أَواعٍ....].
جَمع المذكَّر من أسماء ما لا يَعْقل، بالألِف والتاء.
مذهب جمهور النحاة في هذا الجمع هو التعويل على السَّماع. على أن من النحاة مَنْ جعله قياساً. ولو أخذنا برأي هؤلاء لجاز جمع سَيْف على سَيْفات، وغُصن على غُصنات، ونَهْر على نَهْرات، وسكيّن على سِكّينات، وقَلَم على قَلَمات...
ومما جُمع قديماً بالألف والتاء: اصطبل، بُوْق، جواب، حَمّام، خان، خَيَال، سِجِلّ سرادق، عِلاج، عُنوان، مَغَار، مَنْزِل، مُصَلَّى (مُصَلَّيَات)، مقام.
ثم جَمَع المتأخرون: بَدَل (بمعنى عِوَض)، تيّار، جماد، خُرَاج، سرطان، طاس، عيار، مُتَّكَأ (متكآت) نموذج... (وأضاف المحْدَثون: خِيار، صادّ (حيوي)، صادر، وارد، عَقَار).
ومما جُمع حديثاً بالألف والتاء من الأسماء المُعَرَّبة:
(56/3)
§ إلكترون، بروتون، نترون، فوتون، هرمون (باص، بالون، صالون!!) فيتامين، رادار، استديو (استديوهات)، نترينو (نترينوهات)، سيناريو، بيانو، شاليه... وفي الكيمياء: أَلدِهِيْد، أمِيْد، أَمِيْن،... (ألدهيدات، أميدات، أمينات...).
وأقرّ مجمع اللغة العربية بالقاهرة، في سنة 1973، إجازة الجموع الآتية (وإن كان يقابل بعضَها جموعُ تكسير). وبين هذه الجموع مصادرُ مجموعة (سيأتي قريباً الكلام على جَمْع المَصْدر):
§ إطارات، بلاغات، جزاءات، جوازات، حسابات، خطابات، خلافات، خيالات، سندات، شعارات، صراعات، صِمَامات، ضمانات، طلبات، عَطاءات، غازات، فراغات، قرارات، قطارات، قطاعات، مجالات، معاشات، مُعجمات، مُفردات، نتوءات، نداءات، نزاعات، نشاطات، نطاقات.
ملاحظة: مَحَلاّت جَمعُ مَحَلَّة! أما (مَحَلّ) فيُجمع على مَحَالّ!
جَمْع كَبْل وقُفَّاز
نلاحظ أن الألفاظ التي أقرها المجمع لا تشتمل على (كَبْلات) ولا (قُفّازات). جاء في (المعجم الوسيط): "الكَبْلُ: القيد من أي شيء كان. (ج) أكبُل وكُبُول وأكبال. والكبل: حبلٌ معدني تحيط به مادة عازلة لها غلاف واقٍ. والكبل: مجموعةٌ من الأسلاك معزولٌ بعضُها عن بعض، موضوعةٌ في غلاف واق. ويستعمل هذا وما قبله في توصيل التيار الكهربيّ (مج)."
ومن المعلوم أن (فَعْل) يُجمع على (فِعال) إذا لم يكن أوله أو ثانيه ياءً، نحو: بَحْر بِحار. وعلى هذا يجوز جَمع كبْل جمعاً قياسياً على كِبالٍ أيضاً، مثل: حَبْل حِبال!
وجاء في (المعجم الوسيط): "القُفَّاز: لباس الكفّ من نسيج أو جِلد. وهما قُفَّازان (ج) قَفافِيْز."
(56/4)
ومن المعلوم أن الاسم المكوّن من خمسة أحرف، وقبل آخره حرف عِلَّة ساكن، يكون إيقاع (ولا أقول وزن) جَمْعِهِ فَعَالِيْل، نحو: خُطّاف خَطَاطِيف، دكّان دكاكين، شبّاك شبابيك، عُكّاز عكاكيز، كُلاّب كَلاليب، قنطار قناطير، سنجاب سناجيب، عصفور عصافيْر... دبّوس دبابيس، شَبّوط شبابيط، فروج فراريج، مَكّوك مكاكيك،.... قنديل قناديل، سِكِّين سكاكين، دِهْليز دَهاليز. [أما (عُكّازات) فهي جمع (عُكّازة = عُكّاز)].
جَمع الوصف لمذكَّر غير العاقل:
جَمْع هذا الوصف بالألِفِ والتاء قياسٌ لاخلاف فيه! والمقصود بالوصف هو المشتق: اسم الفاعل أو اسم المفعول، والصفة المشبهة، وكذلك المصغَّر والمنسوب واسم المكان، ففيها معنى الصفة؛ فيقال: جَبَلٌ شاهق شامخ راسٍ - جبال شاهقات شامخات راسيات. حصان سابق - أحصنة سابقات - ماء (نهر) جارٍ - مياهٌ جاريات. شهر معلوم - أشهر معلومات - أيام معدودات - بستان جميل - بساتين جميلات...
§ ويقال: جهازٌ محرّك - محركات - مولِّدات - محوّلات - مُنظِّمات - مضخِّمات - مكبِّرات - رشاشات.
§ علاجٌ مسكّن - مسكّنات - مليّنات - مطهّرات - منعشات - مبنِّجات - مقويات - مسْهلات.
§ مركَّبٌ أو مستحضرٌ مبيد - مبيدات.
وجاء في (المعجم الوسيط): "المُحِلاّت: القِدر والرّحى والدلْو والقِربة والجَفْنة والسكين والفأس والزَّند، لأن من كانت معه يَحُلُّ حيث يشاء مستغنياً عن مجاورة الناس."
§ مأكولات - مشروبات - ملبوسات - مزروعات - محفوظات - ممنوعات - مخلوقات - مختارات - مصطلحات - مطبوعات - مخطوطات - منشورات - ملحقات - مربعات - مكعبات - مركّبات - مبتكرات - مقترحات - مستحضرات - مستوردات - مسروقات... مستحدثات - مُحتوى محتَوَيَات - مُعطى مُعْطَيَات...
(56/5)
§ نَهْر نُهَيْر نُهَيْرات - جِسم جُسيم جُسَيْمات - جبل جبيل جبيلات - درهم دُريْهم دريهمات - كتاب كُتيّب كتيِّبات - ثوب ثويْب ثويبات - قرن قُرين قُرينات - فصّ فصيص فُصيصات...
§ مرتفَع مرتفَعات - مستشفى مستشفيات - مُنتدى منتديات - منْتَزَه منتزهات - مطار مطارات - مسار مسارات - مدار مدارات...
§ كليّ كليّات - غيبيّ غيبيّات - رياضيّ رياضيّات - بصريّات - سمعيّات - إلكترونيات - فوتونيّات - لسانيات - ماديات - معنويات - كونيات - جرثوميات - لمفاويات - سموميات - فطريات - سكريات - غُدَّانيّات - ثدييات - حوتيات - عصفوريات - خفاشيات - مفصليات الأرجل - مزدوجات الأصابع الجسئيات...
§ وهناك أسماء آلةٍ قياس جمعها التكسير، ومع ذلك يجمعها بعض المحدثين بالألف والتاء، نحو: مِقَصّ (مَقاصّ) مِقصّات - مِفكّ (مَفاكّ) مِفكات - مِشدّ (مَشادّ) مِشَدات...
(56/6)
54- جَمْع مصادر الأفعال
المصدر اسم معنى يدل على حدث مجرد، غير مقيد بزمان ولا بمكان، ولا هيئة حدوثة أو مرات حدوثه، ولا يدل على من أحدثه أو اتصف به، ولا على من وقع الحدث عليه. فهو يدل على معنى ذهني مطلَق من كل القيود والعلاقات.
والمصدر المؤكِّد لفعله هو (المطلَق) حقاً، فلا وجه لتثنيته أو جمعه. ولكن حين يكون مُبيِّناً لنوعه أو عدده، لا يكون (مطلقاً) بل مقيداً بنوعه أو عدده. وهذا يدل على أن لهذا المصدر أكثر من نوع وأكثر من مرة. فكِلا هذين المصْدريْن - إذن - قد خرج من الإطلاق والشمول إلى التقييد والتحديد. وتنوُّعُه وتعدُّدُه يجعلانه قابلاً للتثنية والجمع. فيقال: تمهيدان انفجاران قَوميّتان، تمهيدات انفجارات قوميّات.
وكثيراً ما يُستعمل المصدر كأنه اسم مشتق (اسم فاعل أو صفة مشبهة مثلاً). فيبقى على إفراده (اتّباعاً لأصله) أو يثنى ويجمع إذا ساغ، حين يكون موصوفه مثنى أو جمعاً (اتّباعاً لقاعدة مطابقة الصفة للموصوف عدداً). فيقال: القاضي عَدْل (أي عادل)، والقاضية عدل؛ وكذلك القاضيان أو القضاة، أو القاضيتان أو القاضيات - عَدْل. كما يقال: القاضيان أو القاضيتان عَدْلان، والقضاة أو القاضيات عُدُول.
والخلاصة، لا يُجمع المصدر إلا إذا عُدِل به عمّا وُضع له، ولم يبق له من مَصْدريته إلا اللفظ. أي خرج عن المصدرية وانجذب إلى الاسمية، نحو: عِلْم علوم، عقل عقول، ظنّ ظُنون...
ولن نتوقف طويلاً عند جمع المصادر المختومة بتاء التأنيث أو ألِف التأنيث المقصورة، ذلك أنّ جمعها بالألف والتاء قياسي. ومن هذه المصادر ما هو أصلي، نحو: تحيّة، تهنئة، صناعة، بطولة، عبادة، توصية، تجلية، تذكِرة... فيقال في جمعها: تحيات، تهنئات... وكذلك عند الوصف بمصدرٍ كهذا، نحو: رَجلٌ ثقة، رجال ثِقات.
§ وهناك: ذكرى، فكرى، رُجْعى، فحوى، طوبى.. فيقال في جمعها: ذِكريات، فكريات...
(57/1)
§ ومن هذه المصادر ما هو ميميّ، نحو: مَشْغلة، مَسْعاة، مغامرة، مسامرة، مهاترة، مصارعة، مَجْرى (من جَرَى)، مُجْرى (من أَجْرى)، مقتضى... فتجمع على: مَشْغلات، مَسْعَيَات، مغامرات... مَجْرَيَات، مُجْرَيَات، مقتضيات...
§ ومنها ما هو صناعي، نحو: عبقرية، شاعرية، مدنيّة، ماهيّة... فتجمع على: عبقريات، شاعريّات...
أما المصادر الأخرى، التي لا تنتهي بعلامة التأنيث، فقد أَقَلَّ الأئمة مِن جَمْع ما كان فِعْلها ثلاثياً، وأكثروا من جمع مصادر ما فوق الثلاثي. "واستسهلوا فيما جمعوه من مصادر ما فوق الثلاثي جَمْع السلامة أو منتهى الجموع، وذلك لظهور القياس فيه. وقد استحبّوا جمع المصادر بالألِف والتاء فيما لم يُسمع جمعه عن العرب، وقد ضمِنُوا سلامة صيغته. وأكثروا من جمع ما ساغ جمعه على صيغة منتهى الجموع فلا يعترضهم شكٌ في تَعَرُّفِ واحده." (مذاهب وآراء للزعبلاوي / 265).
فمن مصادر الثلاثي: تَذْكار (من ذكر) ويجمع على تَذْكارات - شذوذ شذوذات... بيان بيانات - قياس قياسات.
ومما جمع الأئمة من مصادر الرباعي:
§ على وزن (فعّل): تأويلات - تحديدات - ترخيصات - تصحيفات - تدقيقات - تعريفات - تفريعات - تقريرات - تنبيهات - تنْزيلات - تخريجات.
§ وعلى وزن (أفعل): إكرامات - إلزامات - إلحاقات - إشكالات - إعرابات - إفسادات - إنشاءات...
ومما جمع الأئمة من مصادر الخماسي على أوزان (افتعل) و(انفعل) و(تفعّل):
§ اعتقادات - احتجاجات - احتمالات - التزامات - اعتمادات - انتقالات - اختيارات - ابتداءات - اختراعات - انطلاقات - تصرّفات.
ومن السداسي (استفعل) قالوا: استعمالات...
[كما كسّر الأئمة بعض مصادر الرباعي (فعّل) فقالوا:
§ تفعيل تفاعيل - تقاسيم - تعابير - تصاريف - تفاسير - تضاعيف - تراكيب - تقاليب - تعاليل - تكابير - تصاغير - تصانيف - تآليف - تخاريج - تكاليف...]
(57/2)
§ وكسّر غيرهم فقالوا: تقارير - تسابيح - تشابيه - تعاجيب - تصاميم...
ثم جمع المتأخرون والمحدثون من مصادر الفعل الرباعي والخماسي والسداسي (على الأوزان المذكورة) فقالوا:
§ تقسيمات - تعليلات - تصميمات - تمرينات - تدريبات - تفسيرات - تعقيبات - تسبيحات - تعليقات - تحميدات - تحسينات - توشيحات - تحليلات...
§ إفرازات - إعلانات - إحسانات - إقرارات - إرهاصات - إجراءات - إجهاضات - إمكانات...
§ قِرانات (مِن قارَنَ).
§ افتعالات: اتصالات - اجتماعات - اجتهادات - اعتبارات - اختلافات - امتحانات - اتحادات - اتفاقات - امتيازات - اتجاهات - انتقادات - انتصارات - التهابات - التصاقات - اقتراحات - اهتمامات...
§ انفعالات: انكسارات - انهزامات - انقسامات - انفتاحات - انعطافات - انبعاثات - انحسارات - انقلابات...
§ تجمعات - تعصبات - تحزبات - تعسفات - تكهنات - تنبؤات - توقعات - تمحّلات - تقوّلات - تهكمات - تمحكات - تشنجات - تنكّسات - تحديات...
§ تساؤلات - تسابقات - تجاوزات - تسارعات - تساميات - تناحرات...
§ استجوابات - استحكامات - استحسانات - استطلاعات - استعلامات - استعدادات - استغلالات - استفزازات - استفسارات - استهجانات...
أما المصادر الممدودة، فإن همزتها تبقى عند الجمع إن كانت أصلية (إنشاء إنشاءات - ابتداء ابتداءات) أو مُبْدَلَةً من حرف أصلي: إجراء إجراءات - إحصاء إحصاءات - ادعاءات - اعتداءات - افتراءات - انتماءات - لقاءات ...
الخاتمة:
حُكْم الجمع بالألِف والتاء المزيدتين أنه يُرفع بالضمة ويُنصب بالكَسْرة نيابةً عن الفتحة، ويُجرُّ بالكسرة.
ولا يدخل في هذا الجمع جمعُ التكسير المختوم بألِفٍ زائدةٍ وتاءٍ أصلية، نحو: بيت أبيات - شتّ أشتات - صوت أصوات - قوت أقوات - وقت أوقات ...
وكذلك جمعُ التكسير المختوم بألِفٍ أصلية وتاءٍ زائدة مربوطة، نحو: سُعاة (جمعُ ساعٍ) - رُماة (رامٍ) - دُعاة (داعٍ)...
(57/3)
وغنيّ عن القول أنه لا يدخل في الجمع بالألف والتاء المزيدتين الكلماتُ المفردة المختومة بألِفٍ وتاءٍ مبسوطة أصليتين، نحو: رُفات (بمعنى الحطام) - فُتات (ما تَكسَّرَ من الشيء) - سُبات (نوم، راحة، فقدان الوعي) - شتات (بمعنى التفرق)...
ومن النحاة مَن يعدُّ كلمة (بنات) جمع تكسير. غير أن الأكثرية تعدّها ملحقاً بجمع المؤنث السالم. وقد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم منصوبة بالكسرة عدة مرات. أما الشاهد على أنها جمع تكسير فَقَوْل الشاعِر عَبْدة بن الطبيب:
فبكى بناتي شَجْوَهُنَّ وزوجتي والظاعنون إليّ ثم تصدَّعوا
ونرى أن الشاعر ذكَّر الفِعل (بكى)، ولو كانت (بنات) جمع مؤنث سالماً لأَنَّثَه (بَكَتْ)! لأن التأنيث واجب - في الرأي الأقوى - إذا كان الفاعل جمع مؤنث سالماً...
(57/4)
55- يجب مَلْءُ الفراغ (لا: إملاء الفراغ)؛ المِلْءُ
جاء في معاجم اللغة: "أَمْلى عليه الكتابَ (يُمْليه إملاءً): قاله له فكتبه عنه". يقال في صيغة الأمر: أَمْلِ عليه الكتاب. ولهذا الفعل معانٍ أخرى.
وجاء أيضاً: "مَلأَ يَمْلأُ الشيءَ مَلْئاً (مَلْءٌ): وضع فيه من الماء وغيره قدْر ما يَسَع". يقال على الصواب: يجب مَلْءُ الفراغ بالكلمة المناسبة، أو: اِمْلأ الفراغ. ومن الخطأ أن يقال: يجب إملاء الفراغ!!.
وجاء أيضاً: المِلْءُ: قدر ما يأخذه الإناء ونحوه إذا امتلأ. وفي التنْزيل العزيز:
?مِلْءُ الأرضِ ذهباً?. قال المتنبيّ:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعَتْ كلماتي مَن به صَمَمُ
أنامُ مِلْءَ جُفُوني عن شواردها ويَسْهَرُ الخَلْق جَرَّاها ويَخْتصمُ
[ نام عن حاجته: غَفَلَ عنها ولم يهتمَّ بها. شوارد اللغة: غرائبها ونوادرها].
[حذَفَ الشاعرُ (مِن) قبل (جرَّاها) للضرورة الشعرية، والأصل أن يقال (مِن جرّاها).]
(58/1)
56- إلى حدٍّ بعيد؛ بقَدْرٍ كبير
وردتْ في مقالة علمية الجملة الآتية: "لغة logo هي لغةُ بَرْمجةٍ اشتقت سماتها بشكل كبير من لغة LISP". من الواضح أن كلمة (شكل) هنا استُعملت في غير محلّها. [وكنت ذكرتُ في الفقرة 12 أن كلمة (شكل) كثيراً ما تستعمل في غير ما وُضعت له، وأوردتُ أمثلةً كثيرة على الخطأ في استعمالها].
وصواب الجملة السابقة أن يقال: "...اشتقت سماتها بقَدْرٍ كبير/ بنسبة كبيرة من لغة LISP". وقد يقتضي مقامٌ آخر أن يقال: "... بدرجة عالية..."
وجاء في مقالة أخرى الجملة الآتية: "... وهذا البحث يختلف إلى حد كبير عن البحث الآنف الذكر (كذا) ."
والصواب: "... يختلف إلى حدٍّ بعيد عن البحث المذكور آنفاً" (راجع الفقرة 17).
فمن معاني (الحدّ) كما جاء في (المعجم الوسيط): "حدُّ الشيء: منتهاه. ويقال: وضع حداً للأمر: أنهاه". ويقال أيضاً: ذهب إلى أبعد حد (إلى أبعد مدى). ولا يقال: ذهب إلى أكبر حد، أو إلى حد كبير!
وأورد كاتبٌ في مقالة ثالثة الجملة الآتية: "... وبالتالي فإن حساسية ودقة القياس تتحسّن بشكل كبير."
والصواب: "... لذا فإن حساسية القياس ودقته تتحسَّن كثيراً / بنسبة كبيرة..."
(59/1)
57- الماء المُغْلى مُعقَّم (لا: المَغْلِيّ!)
يقال: غلى الماءُ يَغْلي غَلْياً وغَلَياناً.
ويقال: تُعقَّم الأدوات بوضعها في الماء الغالي (اسم الفاعل).
ويقال: أَغْلى الماءَ يُغْليه إغلاءً فهو مُغْلى (اسم المفعول). وهي مُغْلاة؛
وأعطى الشيءَ يعطيه إعطاءً فالشيءُ مُعْطى (وهي مُعْطاة)؛
وألغى المشروعَ يُلْغيه إلغاءً فالمشروع مُلْغَى (أو: لاغٍ، من لَغا الشيءُ [بَطَلَ] يَلْغو لَغْواً فهو لاغٍ [أي باطل].
أما (اللاغية) فهي ما لا يُعتدّ به. وكلمةٌ لاغية: فاحشة (المعجم الوسيط).
كما يقال: يجب إغلاءُ / غَلْيُ / غَلَيانُ الماءِ لتعقيمه (أي يجب أن نُغْلِيَ الماءَ / أن يَغْلِيَ الماءُ).
يقال على الصواب: الماء المُغْلى معقَّم، ولا يصحّ (المَغْلِيّ): لأن الفعل اللازم - الذي لا يتعدّى بنفسه أو بحرف الجر، مثل (على) - لا يصاغ منه اسم المفعول، بل اسم الفاعل. فيقال: نام الرجُلُ ينام فهو نائم؛ صفا الماءُ يصفو فهو صافٍ؛ مضى الأمرُ يمضي فهو ماضٍ؛ خَفِيَ الشيءُ (استتر) يَخْفى خَفَاءً فهو خافٍ وخَفِيّ؛ (يا خَفِيَّ الألْطاف، نجِّنا مما نخاف!).
ولكنّ اسم المفعول يصاغ (انظر الفقرة 40):
أ- من الفعل المتعدي بنفسه، نحو: رأى الشيءَ يراه فالشيءُ مَرْئيّ؛ دعا الرجلَ يدعوه فالرجلُ مَدْعُوّ؛ رمى الحجرَ يرميه فالحجر مَرْمِيّ؛ خَفَى الشيءَ (كتمه) يَخْفِيه خَفْياً وخُفِيّاً فالشيءُ مَخْفِيّ. وهذه الأفعال المتعدية بنفسها كلها ثلاثية. ومثال الفعل الرباعي من هذه الفئة، الفعلُ: أَخْفى الشيءَ (كتمه وسَتَرَه) يُخفِيه إخفاءً فالشيءُ مُخْفَى؛ وكذلك: أعطى، ألغى، أغلى....
(60/1)
ب- من فعلٍ يتعدى بالحرف. ولا بدَّ في هذه الحالة من أن تَعْقُبَ صيغةَ المفعول الصلةُ التي كنتَ تُثْبتُها بعد فِعْله. فتقول: سَهَوْت عن الأمر، فالأمر مَسهُوٌّ عنه، وبُحْتُ بالسِّرِّ فالسّرّ مَبُوح به، شكَّ في الأمر، فالأمر مشكوك فيه؛ غضب عليهم، فَهُمْ مغضوبٌ عليهم. لكنّ الأئمة قد تَجَوَّزوا حيناً فحذفوا الصلة في كثير من أسماء المفعول، تسميةً واصطلاحاً، وأنزلوا اسم المفعول المحذوفَ الصلة مَنْزِلَة الصفة المشبهة، وذلك قياساً على ما سُمع. ففي التنْزيل العزيز: ?ارجعي إلى رَبِّكَِ راضيةً مَرْضِيَّةً? أي مَرْضِياً عنها.
وقالوا: اسمٌ مُشْتَرَك (تشترك فيه مَعانٍ كثيرة) كالعَيْن، للباصرة، وعين الماء، وعين الشمس، وللدينار أو المال. والأصل (مُشْتَرَك فيه) بإثبات الصلة.
وقالوا: المأذون والمحجور؛ وأصْله (المأذون له، والمحجور عليه).
وقالوا: حسابٌ / كتابٌ مَغْلوط (أي مغلوط فيه).
وقال الشاعر: "... إلى غير موثوقٍ من الأرض يذهب" أي موثوق به. ولم يحمل ابن جني (الخصائص 1/199) هذا القول على الغلط، بل على حذف حرف الجر. (انظر كتاب (مسالك القول) لصلاح الدين الزعبلاوي / 175).
ويقال: أمرٌ مرغوب ومرغوبٌ فيه، إذ يقال: (رغبَ الأمرَ) وهو لغةٌ في (رغب في الأمر).
كما يقال: شيءٌ مباركٌ، ومباركٌ فيه، ومباركٌ عليه، إذ يقال: بارك الله الشيءَ وفيه وعليه.
(60/2)
58- الخطأ في: (لمحة عن حياة المؤلف)
جاء في (المعجم الوسيط):
أ- "النُّبذة: القطعة من الشيء. يقال: نُبذة من كتاب، أو نُبذة من رواية، أو قصة."
ب- (قرأتُ سيرةَ فلان: تاريخ حياته).
وعلى هذا، إذا قلت: (نبذة من سيرة المؤلف)، كان الكلام سليماً مستقيماً.
ج- (اللمحة: النظرة العجلى. ويقال: رأيتُه لمحةَ البرق. ويقال: في فلان لمحةٌ من أبيه: شَبَهٌ). يقال على الصواب: لمحة تاريخية.
د- (المَلامح: ما بدا من محاسن الوجه أو مساويه. والملامح: المَشَابه. [مفرده: لمحة، على غير قياس]).
وقد شاع الآن استعمال (الملامح) بمعنى (أوصاف الوجه)، و(مظهر الإنسان)، وجَمْعاً لِ (مَلْمَح) بمعنى (ما يُلْمَح)، على غرار: المأكل (ما يؤكل) والمشْرب (ما يشرب)؛ وأحياناً بدلاً من (مَعالم)؛ فقد جاء في مقال نشرته مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق (مج 74/ج 3/523): "إلا أنّا نقدّم الكلام على مَلْمَحَينْ علميين كبيرين من أبرز ملامح العصر: الحاسوب والفضائيات". ونُشر في مجلة (العربي) التي تصدر في الكويت (العدد 493/86) مِلفٌّ (مجموعة مقالات) عنوانه: (ملامحُ من قرنٍ مضى)! فتأمَّل!.
هـ- (لَمَحَ إليه: أبصره بنظرٍ خفيف، أو اختلس النظر، فهو لامح).
و- (أوجز كلامه وفي كلامه: قَلَّله واختصره).
وعلى هذا يكون معنى التركيب الشائع (لمحة موجزة: نظرة عجلى قليلة / مختصرة!) وهذا - في رأيي - كلام ظاهر الفساد. ثم هناك من يقول (لمحة عن كذا...) أي: نظرة عجلى عن كذا، وهذا أيضاً كلام غير مستقيم.
وقد أشار محمد العدناني في (معجم الأخطاء الشائعة) إلى هذا فقال:
"ويقولون: هذه لمحة عن حياته، والصواب: لمحة إلى حياته."
وجاء في (المعجم المدرسي): "ويقال: لمحة إلى حياة الأديب."
وأذكرُ أن الأديب عباس محمود العقاد استعمل في كتاباته (لمحة إلى...)، أي: نظرة عجلى إلى... وهذا تركيب سليم، إذ يقال: (لَمَحَ إلى) كما رأينا، ويقال: (نظر إلى...).
(61/1)
ويمكن المرءَ (أو للمرءِ) أن يقول: (كلمة موجزة عن...)؛ فقد جاء في (المعجم الوسيط) ما يلي: "الكلمة: الكلام المؤلَّف المطوَّل، قصيدةً، أو خطبةً، أو مقالةً، أو رسالةً."
(61/2)
59- بالنسبة إلى كذا
من معاني (النسبة) كما جاء في (المعجم الوسيط): "نتيجة مقارنة إحدى كميتين من نوعٍ واحدٍ بالأخرى. يقال: يُضاف هذا إلى هذا بنسبة كذا: بمقدار كذا. ويقال: بالنسبة إلى كذا: بالنظر إليه"، والقياس (المُقايَسَة) عليه، وإليه.
يقال على الصواب: السيارة بطيئة بالنسبة إلى الطائرة. الحصاة صغيرة بالنسبة إلى الصخرة.
وكثيراً ما يُستعمل (بالنسبة إلى كذا) في الكتابات العلمية وغيرها استعمالاً غير سليم. ودونك بعضَ النماذج:
أ- ... هذا بالنسبة إلى المقررات النظرية، أما بالنسبة إلى المقررات العملية فـ...
الصواب: هذا ما يتعلق بالمقررات النظرية، أما ما يخصّ المقررات...
ب- أما بالنسبة إلى بناء الكلية فيجب...
الصواب: أما بناء الكلية فيجب...
ج- وبالنسبة إلى الإيفادات يمكن القول....
الصواب: وفيما يتعلق بـ / وفي شأن الإيفادات يمكن...
د- هذا لا يعني شيئاً بالنسبة لنا!
الصواب: هذا لا يعني لنا شيئاً!
هـ- وبالنسبة إلى مُقوِّم المقالة، فإنه يَعتبر أن...
الصواب: ويرى مقوم المقالة/ وفي نظر مقوم المقالة...
(62/1)
60- النكرة لا تُنعت بمعرفة!
الاسم الموصول هو اسمٌ معرفة. وهو يأتي بعد المعرفة ليَصِفَها (ويُعْرَبُ صفة)، نحو:
قرأت الكتابَ الذي اشتريته. تصفحتُ الموسوعة التي حدثتني عنها.
وقد صادفتُ في عدد من المقالات التي اطّلعتُ عليها، أسماءً موصولةً (أي معارف) جِيْءَ بها بعد نكرات، خلافاً لقاعدةِ مطابقة الصفة للموصوف. ودونك نماذجَ مما قرأت:
أ- ... بعَقْدٍ لبناءِ مترجمٍ حرّ والذي يسمى حالياً...
ب- ... اعتمد على منصة عمل والتي إذا أدخلت إليها برمجيات...
ج- ولكل نمط بالطبع خط تطوُّرٍ خاص به والذي عليه أن يسير بالتوازي مع الخيارات...
د- ... وقناة تَواردٍ شعاعية والتي تكرر ثماني مرات...
هـ- ... وتعريف علاقاتٍ رياضية التي تطبق على جميع عناصر الفهرس.
ولكي تستقيم العبارات السابقة، يكفي حذْف الأسماء الموصولة وحروف الواو التي تسبقها؛ فنقول على الصواب:
أ- ... بعَقْدٍ لبناءِ مترجمٍ حرّ يسمى حالياً...
ب- ... اعتمد على منصة عمل إذا أدخلت إليها برمجيات...
ج- ولكل نمط بالطبع خط تطوُّرٍ خاص به عليه أن يسير بالتوازي مع الخيارات...
د- ... وقناة تَواردٍ شعاعية تكرر ثماني مرات...
هـ- ... وتعريف علاقاتٍ رياضية تطبق على جميع عناصر الفهرس.
ولكن إذا تكرر الاسم الموصول لتَعَدُّد صِلَتِه (أي الجملة التي تليه)، وجب عطفه بالواو. ففي التنْزيل العزيز: ?سَبِّحِ اسمَ ربّك الأعلى، الذي خَلَقَ فَسَوَّى، والذي قَدَّر فَهَدَى، والذي أَخْرج المرعى...?.
(63/1)
61- (كذلك) و(أيضاً)
أ- كذلك = ك + ذلك. الكاف للتشبيه بمعنى (مِثْل)، فيكون (كذلك) بمعنى (مِثْل ذلك). جاء في التنْزيل العزيز:
§ ?يُخْرِج الحيَّ من الميت ويُخرِج الميت من الحيّ، ويُحيي الأرضَ بعد موتها وكذلك تُخْرَجُون?.
أي: ومِثل ذلك الإخراج تُخْرجون. وجاء أيضاً:
§ ?والذي نزَّل من السماء ماءً بقَدَرٍ فأنْشَرْنا به بلدةً مَيْتاً، كذلك تُخْرجون?.
(أنشرنا = أَحَيْينا. يقال للأنثى: مَيْتة وميْت).
والمعنى: مِثل ذلك الإحياء (إحياء البلدة الميتة) تُخْرَجون من قبوركم أحياء.
§ قال ابن جني في (سرّ الصناعة 1/290): "واعْلمْ أنه كما جاز أن تجعل هذه الكاف فاعلة في بيت الأعشى وغيره، فكذلك يجوز أن تُجْعل مُبتدأة فتقول على هذا: كزيدٍ جاءني، وأنت تريد: مِثْلُ زيدٍ جاءني". هذه الإحالة مأخوذة من كتاب (الكفاف /1105) لمؤلفه يوسف الصيداوي.
§ قال الجاحظ في (البخلاء /94):
"وإنْ بدا لي في استحسان حديث الناس كما يستحسنه مني من أكون عنده، فقد شاركتُ المُسْرفين، وفارقتُ إخواني من المصلحين، وصِرْت من إخوان الشياطين. فإذا صرتُ كذلك، فقد ذهب كسْبي من مال غيري، وصار غيري يكسِب مني."
§ وقال (ص 87): "... قلتُ: قد حدث من البرد بمقداره [الضمير عائد للكساء]. ولو كان هذا البرد الحادثُ في تموز وآب، لكان إبّاناً لهذا الكساء. قال: إنْ كان ذلك كذلك، فاجْعلْ بَدَلَ هذه المُبطَّنة جُبَّةً مَحْشُوَّة، فإنها تقوم هذا المقام، وتكونُ قد خرجتَ من الخطأ. فأما لبْسُ الصوف اليوم، فهو غير جائز."
§ دَوِيُّ الريح حَفيفُها، وكذلك دَوِيّ النحلِ صوتُها.
§ سافر سعيد لطلب العِلم، وكذلك فَعل خالد.
ب- أيضاً
§ جاء في (لسان العرب): "قال الليث: وتفسير أيضاً زيادةٌ."
وجاء في (القاموس المحيط): "فَعل ذلك أيضاً: فعله معاوداً."
وجاء في (متن اللغة): "فعل كذا أيضاً: أي زيادةً."
وجاء في (المُنْجِد): "أيضاً: تكراراً ومُراجِعاً."
(64/1)
وقال صاحب (الكُلّيات): "أيضاً: مصدر (آضَ) ولا يستعمل إلاَّ مع شيئين بينهما تَوافُق، ويمكن استغناء كلٍّ منهما عن الآخر."
أي لا يقال (تخاصم زيدٌ وقيسٌ أيضاً) إذ لا بدّ من اثنين ليحصل التخاصم بينهما. ولكن يقال على الصواب:
§ سافر زيد، وسافر قيس أيضاً (زيادة).
§ قال فلانٌ كذا وكذا...، وقال أيضاً (مُعاوِداً):...
§ "جاء في مفردات ابن البيطار أن المقدونس هو الكَرَفْس الماقدوني، وقال (متن اللغة) إنه يسمى الكرفس الرومي أيضاً." (معجم الأخطاء الشائعة لمحمد العدناني /40).
§ فلانٌ لا يعشق السباحة فقط، بل الغطسَ أيضاً (زيادة).
§ كان فلانٌ أعمى، وأصمَّ أيضاً.
§ جاء هذا الكلام في المعجم الوسيط. انظر أيضاً معجم (متن اللغة).
§ سافر سعيد لطلب العِلم، وللسياحة أيضاً.
أليس الفرق في المعنى بين (كذلك) و(أيضاً) أكبرَ من أن يَترك مجالاً للخلط بينهما؟
وهذا الخلط - في أيامنا - كثير...
(64/2)
62- الواو: زيادتها وحذُفها
كثيراً ما يُزاد هذا الحرف حيث لا داعي لوجوده، نحو:
§ سيبدأ قريباً الفصل الدراسي الثاني والذي مدته ثلاثة أشهر.
§ حصل فلانٌ على مكافأة وقدْرها....
من الواضح أن إقحام الواو في المثالين السابقين وأشباههما لا مُسَوِّغ له.
وكثيراً ما يُحذف هذا الحرف حيث يجب إثباته. فمثلاً، نسمع من محطة تلفزة عربية العبارة الآتية: (نذيع عليكم فيما يلي الأخبار المحلية العربية الإقليمية والعالمية."
ونلاحظ أن حروف العطف الضرورية قد حُذفت إلا قبل المعطوف الأخير! لماذا؟ لأن الفرنسيين والإنكليز يفعلون ذلك!
والصواب في العربية أن يقال: ... الأخبار المحلية والعربية والإقليمية والعالمية.
كتب دكتورٌ مهندسٌ إلى رئيس التحرير معترضاً على ما صنعه المدقق اللغوي، ومستنكراً: "الإكثارَ من استخدام حرف الواو بعد الفواصل والنقاط وفي بدايات المقاطع. أعتقد أن تلك الظاهرة موروثة من الكتب التراثية التي يندر فيها استخدام علامات التنقيط (كذا) وكان حرف الواو يلعب (كذا، يريد يؤدي) دوراً رئيسياً للتعويض عن ذلك."
[جاء في المعجم الوسيط: "الترقيم: علامات اصطلاحية توضع في أثناء الكلام أو في آخره، كالفاصلة، والنقطة، وعلامتي الاستفهام والتعجب"].
نحن إزاء مشكلة حقيقية، هي أن بعض المتعلمين يريدون تطبيق خصائص الإنكليزية (أو الفرنسية) وأساليبها على العربية! كأنه لا يكفينا تقليد الغربيين في كثير من أنماط سلوكهم غير الحميدة...
وإذا كانت الجُمَل الإنكليزية - مثلاً - المتلاحقة لا توصل بحروف عطف، فهذا شأن تلك اللغة. أما العربية فمن خصائصها قِصَر جُمَلها، وترابطها بحروف عطف أو استئناف، وعدم تقطيع أوصالها...
(65/1)
[كان أجدادنا العلماء - قبل ابتكار علامات الترقيم - يكتبون بالعربية الفصيحة. ولم يستعملوا الواو (للتعويض)، إذْ لم يكن وارداً التعويض عن شيءٍ لا وجود له... وإنما استعملوها حيث يجب استعمالها... ومَنْ يقرأ الكتب التراثية القديمة يجدْ صعوبة أحياناً في إيجاد موضع الوقف للفصل بين جملتين، برغم حروف الواو التي أكثَرَ علماؤنا - كما قال صاحبنا - من استعمالها...].
أرجو القارئ أن ينظر في المقطع السابق المحصور بين معقوفين، وأن يحذف في ذهنه حروف الواو المطبوعة بحرف ثخين. كيف تصبح العبارة حينئذ؟ ألمْ تَخْتفِ السلاسة؟
هذا عن الكلام المكتوب. فماذا عن الكلام المنطوق به؟ هل كان فصحاء المتحدثين يُقحمون الواو للتعويض؟! وعَمَّ يعوّضون؟!!!
جاء عن أفصح العرب، عليه الصلاة والسلام، أنه قال:
"لا تزولُ قَدَمَاْ عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عُمُرِه فِيْمَ أَفْناه، وعن عمله فيم فَعَلَ، وعن مالِهِ من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أَبْلاه."
وجاء في الدعاء المأثور عن النبي العربي الكريم:
"اللهمَّ اهْدِني فِيْمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتَوَلَّني فيمن تَوَلَّيْت، وبارك لي فيما أعطيت، وقِنِيْ شَرَّ ما قضيت، فإنّك تقضي ولا يُقضى عليك، وإنه لا يَذِلُّ مَن واليت، ولا يَعِزُّ مَن عاديت، تباركتَ ربَّنا وتعاليت."
هل يمكن حذْف الواوات التي وضعتُ قبلها فواصل؟!!
لا أرى - بعد هذا - حاجة إلى إيراد نماذج أخرى من كلام أئمة البلاغة كالجاحظ وغيره...
قال صاحب (الكليّات) أبو البقاء الكفوي (5/8): "وما يذكره أهل اللغة من أن الواو قد تكون للابتداء والاستئناف، فمرادهم أن يبتدئ الكلام بعد تقدم جملة مفيدة، من غير أن تكون الجملة الثانية تشارك الأولى. وأما وقوعها في الابتداء من غير أن يتقدم عليها شيء، فَعَلى الابتدائية المجردة، أو لتحسين الكلام وتزيينه، أو للزيادة المطلقة."
(65/2)
أخيراً، العطفُ يكون بحروف العطف ملفوظةً، أو-أحياناً، عند التعداد مثلاً-مَلْحوظة.
فالملفوظة كقولنا: من عبقريات العَقَّاد: عبقرية محمد، وعبقرية الصِّدِّيق، وعبقرية عمر، وعبقرية الإمام.
والملحوظة كقولنا، مع التنغيم والتقطيع بين المفردات:
من عبقريات العقاد: عبقرية محمد، عبقرية الصِّدِّيق، عبقرية عمر، عبقرية الإمام.
(65/3)
63- أسماء الإشارة
يُراعى عند استعمال أسماء الإشارة أمران:
1- المشار إليه من حيث العددُ والجنس (مذكر / مؤنث).
2- المشار إليه أيضاً، ولكن من ناحية قُربه أو بُعده، أو توسُّطه بين القُرب والبعد.
كما يُراعى - أحياناً - المخاطَب من حيث الجنس والعدد.
فإذا كان المشار إليه مفرداً مذكراً قريباً، استُعمل الاسم (ذا).
وإذا كان المشار إليه مفرداً مذكراً متوسطاً، استُعمل الاسم (ذاك) وهذه الكاف هي كاف الخطاب.
وإذا كان المشار إليه مفرداً مذكراً بعيداً، استُعمل الاسم (ذلك) وهذه اللام هي لام البُعد.
إن الكاف هي حرف خطاب يدل على التوسط (بين القرب والبُعد) ولا محل لها من الإعراب. وهي ليست ضميراً، ومع ذلك فإنها تتصرف كما تتصرف الكاف (التي هي ضمير خطاب) نظراً إلى المخاطَب (أي على حسَب المخاطب). فيقال: ذلكَ، ذلكِ، ذلكما، ذلكم، ذلكنَّ. وهناك لغةٌ تجعل كاف الخطاب مبنية على الفتح مهما يكن المخاطَب من حيث الجنس والعدد. (انظر النحو الوافي 1/324)
ويصحّ دخول حرف التنبيه (ها) على اسم الإشارة الخالي من كاف الخطاب، نحو: هذا (أصل الكتابة: هاذا)، هذه (هاذه)، هذان، هؤلاء. وقد تجتمع مع الكاف، نحو: هذاك، هاتيك، ولكنها لا تجتمع مع الكاف المسبوقة باللام، فلا يقال: هذلك!
ويبين الجدول الآتي أسماء الإشارة في أحوالها المختلفة.
المشار إليه
اسم الإشارة
نماذج
للقريب
للمتوسط
للبعيد
المخاطب
مفرد مذكّر، معهد مثلاً
ذا
ذاكَ
ذلكَ
مفرد مذكر/ للعموم
ذلكَ معهدكَ، ذلكَ معهدكِ، ذلكَ معهدكم
ذا
ذاكِ
ذلكِ
مفرد مؤنث
ذلكِ معهدكِ
ذا
ذاكُما
ذلكما
مثنى
? ذلكما مما علمني ربي ?
ذا
ذاكمُ
ذلكم
جمع الذكور
?ذلكم خيرٌ لكم عند بارئكم?
ذا
ذاكُنّ
ذلكُنّ
جمع الإناث
?قالت فذلكنّ الذي لُمتُنَّني فيه?
مؤنث مفرد أو جمع غير العاقل نحو: مدرسة/كُتُب
ذيْ، ذِهْ، تِيْ، تِهْ
تيكَ
تِلْكَ
للعموم
? تلكَ الدارُ الآخرة?
? وتلك الأيام نداولها بين الناس?
تِلْكِ
(66/1)
مفرد مؤنث
تِلكُما
مثنى
? ألم أَنْهكُما عن تلكما الشجرة?
تِلكُم
جمع الذكور
? ونُوْدوا أنْ تلكم الجنة أوُرثتموها?
ولكن جاء أيضاً ?وتلك الجنة التي أورثتموها?
تلكُنّ
جمع الإناث
مثنى مذكر: نحو: كتابان مُعلِّمان
ذانِ / ذَيْنِِ(1)
ذانِكَ/ ذَيْنِكَ
-
للعموم
? فذانِكَ برهانان من ربك إلى فرعون ومَلَئِه?
ذانِكُما / ذَيْنكما
-
مثنى
ذانِكم / ذَيْنكم
-
جمع الذكور
ذانِكنّ / ذينِكنّ
-
جمع الإناث
مثنّى مؤنّث نحو: مدرستان، شاعرتان
تانِ / تَيْنِ(1)
تانِكَ / تَيْنِك
-
للعموم
تانِكما / تَيْنِكما
-
مثنى
تانِكم / تَيْنِكم
-
جمع الذكور
تانِكنّ / تَيْنِكنّ
-
جمع الإناث
الجمعُ مطلْقاً
أوُلاء
أُولى(2)
أُولئكَ
أُولاكَ(2)
-
أُولالِكَ(2)
(1) في حالتي النصب والجر. (2) الواو لا تُلْفظ.
وبناءً على ماذكر، فمن الخطأ القول: (أنشئت مدرسة للطب في دمشق لِتُنافسَ تلكما المدرستين" والصواب: (... لتنافس تَيْنِكَ / تَيْنِكُم المدرستين).
(66/2)
64- اِفْتَرضَ افتراضاً - افْتَرضَ فرْضاً
مما جاء في (المعجم الوسيط /فرض): "فَرَضَ الأمرَ: أوجبه، يقال: فَرَضَه عليه: كَتَبَه عليه."
"اِفتَرضَ الباحثُ: اتخذَ فَرْضاً ليصل إلى حلِّ مسألة (مج) ."
"الفَرْضُ: ما يَفْرِضه الإنسان على نفسه. والفَرْضُ: فكرة يُؤخذ بها في البرهنة على قضية أو حلِّ مسألة (مج)."
وعلى هذا لا يصحّ في الكتابة العلمية أن يقال:
لِنَفْرِض أن س أكبر من ص؛
أو: وهذا مقبول بمقتضى الفَرَض.
والصواب هو: لِنَفتَرض أن س أكبر من ص؛
و... بمقتضى الفَرْض؛ لِنَفْترضِ الْفَرْضَ الآتي:... بتسكين الراء في (الفَرْض)!
(67/1)
65- بِمَنْزِلة كذا، يقوم مَقام كذا، كَـ...
جاء في (المعجم الوسيط): "المَثابُ والمَثَابَةُ: البيت. والمثابة: الملجأ. وفي التنْزيل العزيز: ?وإذْ جَعَلنا البيتَ مَثابةً للناس وأمْناً?. والمثابة: مجتمع الناس. والمثابة: الجزاء."
ويخطئ كثيرون في استعمال كلمة (مثابة):
فيقولون:
والصواب:
§ هو عندي بمثابة أبي.
§ هذه الأداة البسيطة هي بمثابة حاسوب.
§ وكانت له هذه المُرضِع بمثابة الأم الرؤوم.
§ وسنعتبر عدم إجابتكم بمثابة موافقةٍ على المشروع.
§ هو عندي بمَنْزلة أبي.
§ ... البسيطة تقوم مَقام/ تَسُدُّ مَسَدُّ حاسوب صغير.
§ ... المرضع كالأمِ الرؤوم.
§ ... إجابتكم موافَقَةً على المشروع...
(68/1)
66- لمصلحة كذا (لا: لصالح كذا)
كثيراً ما نصادف عبارات مثل: (وكان هذا التعديل لصالح شركة مايكروسوفت). أو: (وراحت الصهيونية تصادر التاريخ لصالح أسطورة الهولوكوست). وهذا خطأ، لأن (صالح) اسم الفاعل من (صَلَحَ). يقال: صَلَح الشيءُ فهو صالح.
وجاء في (المعجم الوسيط). "صَلَحَ الشيءُ: زال عنه الفساد؛ كان نافعاً أو مناسباً. يقال: هذا الشيءُ يَصْلُح لك."
وجاء فيه: "المصلحة: الصلاح والمنفعة."
وجاء في (أساس البلاغة): "صَلَحَت حالُ فلان وهو على حالةٍ صالحة."
وجاء فيه أيضاً: "ورعى الإمامُ المصلحة في ذلك ونظر في مصالح المسلمين."
وجاء في (المصباح المنير): "وفي الأمر مصلحة أي خير، والجمع مصالح."
الصواب إذن أن يقال:
هذا في مصلحتك (لا: لصالحك)،
وكان التعديل لمصلحة شركة...
فعلوا ذلك خدمةً للمصلحة العامة (لا: للصالح العام!).
(69/1)
67- الضِّدُّ
مما جاء في (المعجم الوسيط): "الضِدُّ: المخالِفُ والمُنافي. (ج) أضداد."
وجاء فيه (سود): السَّوادُ ضِدُّ البياض.
وجاء في معجم ألفاظ القرآن الكريم: "الضدُّ، المُخالِف والمنافِس، للواحد والجمع. قال تعالى: ?كَلاّ سيكفُرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضِدًّا? المراد: الخصوم."
وجاء في (المُفْهِم) للإمام القرطبي: "الاعتدال ضِدُّ الاعوجاج."
إنّ الغُصون إذا قوَّمْتَها اعتدلَتْ ولا يلين إذا قَوَّمْتَه الخشبُ
يقال: الصواب ضِدُّ الخطأ؛ الصحة ضِدُّ المرض؛ الطول ضِدُّ القِصَر؛ الروح ضِدُّ الجسد؛ كل شيءٍ زاد على حَدِّه انقلب إلى ضِدّه؛ زيدٌ ضِدُّ قيس (لا يأتلفان)؛ فَعَلَ زيدٌ ضِدَّ ما أُمِرَ به (أي فَعل فِعلاً مخالفاً لما أُمر به).
قال المتنبي:
ونَذِيمُهُم وبهم عَرَفْنا فَضْلَهُ وبِضدِّها تتبيَّنُ الأشياءُ
ذامَهُ يَذيمُهُ ذَيْماً: عابَهُ وذَمَّهُ (المعجم الوسيط).
وقال أبو الحسن التهاميّ:
ومكلِّفُ الأيام ضِدَّ طِباعها متطلِّبٌ في الماءِ جَذْوةَ نارِ
وقال العَكُّوك، عليُّ بنُ جَبَلة (ويُعزى هذان البيتان إلى دَوْقلة المَنْبِجِيّ أيضاً):
فالوجْهُ مِثلُ الصبْحِ مُنْبلجٌ والشَّعْر مثلُ الليل مُسْوَدُّ
ضِدّان لمّا استُجْمِعا حَسُنا والضِدُّ يُظهِر حُسْنَه الضِدُّ
هذه نماذج من استعمال (الضد) استعمالاً صحيحاً.
ولكن كثيراً ما تُصادَفُ تراكيبُ لا تجري على كلام العرب:
فيقولون:
والصواب:
§ مناعة ضد المرض
§ كافح ضد المرض/ العدوّ
§ تأمين ضد جميع الأخطار
§ مستندات ضد الدفع (!)
§ حارب فلانٌ ضد الجهل
§ ثار ضد المستعمر
§ ساعة ضد الماء
§ ساعة ضد الصدمات
§ مناعة/ حصانة من المرض
§ كافح المرضَ / العدوَّ
§ تأمين من جميع الأخطار
§ تسليم المستندات مقابل دفع القيمة
§ حارب فلانٌ الجهلَ
§ ثار على المستعمر
§ ساعة كتيمة
§ ساعة تتحمل الصدمات/ لا تتأثر بالصدمات
(70/1)
68- الخطأ في قولنا: (ماذا نَسْتَفاد من ذلك؟)!
كثيراً ما أسمع من جامعيين (!) وغيرهم عبارات مثل: (أريدُ أن أَسْتعار منك هذا الكتاب). ولا أدري كيف نشأ هذا الخطأ، ولا سِرَّ ذيوعه الواسع. فكيف تستسيغ كثرةٌ من المتعلمين استعمال صيغة هجينة من المضارع والماضي معاً؟ ومن المتكلم والغائب معاً؟!
في لغتنا أفعال كثيرة وزنها في الماضي (اِسْتَفْعَل) وفي المضارع (أَسْتفْعِلُ) للمتكلم المفرد، و(نَسْتفْعِلُ) إذا كان المتكلمون جمعاً، نحو:
اِستفاد ? أستفيد، نستفيد، اِستفادة
اِستعار ? أستعير، نستعير، اِستعارة
اِستراح ? أستريح، نستريح، اِستراحة
اِستعان ? أستعين، نستعين، اِستعانة
اِستبان ? أستبين، نستبين، اِستبانة!
ومِثلُ ذلك الأفعالُ: اِستقال، اِستباح، اِستمال... ومن الجدير بالملاحظة أن همزة الماضي والمصدر والأمر هي همزة وصل، لا تُلفظ إلاَّ إذا وقعت في بدء الكلام.
(71/1)
69- حَوَالَيْ كذا...
جاء في (المعجم الوسيط): "يقال: قَعَدَ حَوَالَ الشيءِ: في الجهات المحيطة به. ورأيت الناس حَوالَيْهِ: مُطيفين به من جوانبه."
ومن الشائع الآن استعمال هذه الكلمة للإشارة إلى عددٍ إشارةً لا تتوخّى الضبط. فيقولون مثلاً: حَضَرَ حَوالَيْ عشرين شخصاً.
والفصيح أن يقال: حضر نَحْوُ / نَحْوٌ مِن / قُرابةُ / زُهاءُ / لِواذُ عشرين شخصاً. حدث هذا قَبل لِواذِ ثلاثين سنة.
ومع ذلك ... أجاز مجمع اللغة العربية في القاهرة (سنة 1974) استعمال كلمة (حوالَيْ) بمعنى (زهاء) أو (نحو). أي أجاز أن يقال: بدأ الاحتفال حوالَيْ الساعة العاشرة!
كما أجاز (سنة 1976) أن يقال: حَضَرَ ما يَقْرُب من عشرين مَدْعُوّاً، وتَخلَّف ما يزيد عن أربعين مَدْعُوّاً.
والفصيح أن يقال: تخلّف أكثر/ أزْيَدُ من أربعين...
وللكاتب أن يَتَخيَّر بين الفصيح وما هو دونه...
(72/1)
70- قناة قَنَوات (لا: أقنية)؛ نَوَاة نَوَيَات ونَوَى (لا أَنْوِية!)
تُستعمل كلمة (قناة) كثيراً في مجال البث التَّلْفَزِيّ (قناة فضائية)، وفي المعلوماتية (قناة افتراضية).
ويَستعمل بعض إخواننا المصريين كلمة (أنوية) جمعاً لنواة، وهذا خطأ! كما أن جمع (قناة) على (أقنية) خطأ أيضاً. ولو كان هذا صحيحاً لكانت (أدوية) جمعاً لِـ (دَوَاة)! ذلك أن جموع التكسير قسمان: سماعية (يجدها الباحث في المعاجم أو في كتب اللغة)، وقياسية تخضع لقواعد القياس.
إن صيغة (أَفْعِلَة) قياسيةٌ بشروط: فهي مَقِيْسَةٌ في كل مفرد يكون اسماً (لا صفةً) مذكّراً رُباعياً قبل آخره حرف مدّ، نحو:
طعام أطعمة؛ دواء أدوية؛ دُعاء أدعية؛ عمود أعمدة؛ قَعُود أَقْعِدة (القَعُود: الجَمَل الفَتِيّ). خَرُوف أخرفة (وخِراف وخِرْفان). رغيف أرغفة؛ صعيد أصْعِدة (وصُعُد).
وعلى هذا لا يصحّ جمع الأسماء المختومة بتاء التأنيث (مثل قناة، ونواة) على الصيغة الخاصة بالمذكَّر.
فيقال:
صلاة
غداة
فلاة
لَهَاة
مهاة
صَلَوَات
غَدَوات
فَلَوَات
لَهَوات
مَهَوات + مَهاً
حَصَاة
دواة
قناة
نواة
وفاة
فتاة
حَصَيَات + حَصَى + حُصِيّ
دَوَيَات + دَوَى + دُوِيّ
قنوات + قنا + قُنِيّ
نَوَيات + نَوَى + نُوِيّ
وَفَيَات (لا: وَفِيّات!!)
فَتَيات
فكلمة (أنوية، أو أقنية) لم تَرِد سماعاً، ولا تصحّ قياساً.
ثم إن كلمة (نَوَى) هي بِفَتْح النون: قال تعالى: ?إن الله فالقُ الحَبِّ والنَّوى?.
ولا يصحّ ضمّ النون!
(73/1)
71- الخطأ في استعمال: (كما)
كما = ك + ما. الكاف للتشبيه بمعنى (مِثْل)، و(ما) مَصْدريَّة، فيكون: (كما) بمعنى (مِثْلما).
وكثيراً ما توضع هذه الأداة في غير موضعها. وفيما يلي نماذج من أفصح الكلام وفصيحه، تبيّن استعمالها الصحيح.
أ - فهي تقع بين فِعلين متماثلين، كقوله تعالى: ?فاصْبِر كما صَبَرَ أولو العَزْم من الرُّسُل?. ?فإنهم يَألمون كما تألمون?.
وجاء في الدعاء المأثور عن النبي العربي عليه الصلاة والسلام: (اللهم صَلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صَلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم).
ب- وتقع بين فِعلين مختلفين. ففي التنْزيل العزيز: ?فاسْتَقِمْ كما أُمِرْت?؛ ?لقد جِئتُمونا كما خلقناكم أول مرة?.
تَحَدَّثْ / تَصَرَّفْ... كما يجب!
ج- وتدخل على الجمل الفعلية، نحو: كما تَدينُ تُدان (مَثَلٌ سائرٌ).
وحين يروي مسلمٌ حديثاً عن النبي عليه الصلاة والسلام، ويخشى أن يكون أخطأ في الرواية، يختم كلامه بالعبارة: (أو كما قال).
د- وتدخل على الجمل الاسمية، نحو: أخي جريءٌ كما أخوك جريء؛ ما عندي كما عند أخي؛ ... أما الدَّيْن القديم فباقٍ كما هو!
جاء في (لسان العرب /مثل): "والعرب تقول: هو مُثَيْل هذا، يريدون أن المُشَبَّه به حقير، كما أن هذا حقير."
وقال مصطفى صادق الرافعي (إعجاز القرآن /14): "... إذ يكون (أي القرآن) في إعجازه مَشْغَلَةَ العقل البياني العربي في كل الأزمنة...، كما أنه مشغلة الفكر الإنساني إذا أُريدَ دَرْسُ أسمى نظامٍ للإنسانية."
ومن هذا القبيل قوله تعالى: ?إنه لَحَقٌّ مِثْلما أَنّكم تنطقون?.
هـ- وتأتي أحياناً للتعليل: ?واذكروه كما هداكم? أي لأَِجْلِ (بسبب) هدايته لكم.
?فاذكروا الله كما عَلّمكم ما لم تكونوا تعلمون?،
?...وقُل ربِّ ارحمهما كما رَبَّياني صغيراً?.
(74/1)
يستبين بما سبق أن (كما) ليست بمعنى (و)! لذا كان استعمالها أو استعمال (كما أنّ) في موضع العطف أو الاستئناف خطأ. وهناك من يضيف إلى هذا خطأً ثانياً بكسْر همزة (ان) بعد (كما).
وفيما يلي نماذج من استعمال (كما) في غير ما وُضِعت له.
1ً- كان لنظام (لينوكس) تأثير كبير على البنية الأساسية المعلوماتية في الدول النامية. كما أن (كذا) استخدامه وأهميته ستزدادان في المستقبل القريب.
2ً- إن حواسيب 386 يمكن أن تشغِّل نظام لينوكس وأن تعمل كطرفيّاتٍ محرفية. كما (كذا) يمكن لمتطلبات هذا النظام أن تستقر على قرص واحد.
3ً- لينوكس نظام مجاني، كما أنه (كذا) يقدِّم تنوُّعاً غنياً من الأدوات إلى عالمٍ نامٍ.
ويتضح الخطأ في هذه النماذج بالتعويض عن (كما) بـ (مثلما). وكان في مقدور الكاتب تَجَنُّبُ الخطأ باستعمال بديلٍ من (كما) هو: (ثم إن) في النموذج الأول؛ (و) في النموذج الثاني؛ (وهو إلى ذلك) في النموذج الثالث:
1ً- كان لنظام (لينوكس) تأثير كبير على البنية الأساسية المعلوماتية في الدول النامية. ثم إن استخدامه وأهميته ستزدادان في المستقبل القريب.
2ً- إن حواسيب 386 يمكن أن تشغِّل نظام لينوكس وأن تعمل كطرفيّاتٍ محرفية. ويمكن لمتطلبات هذا النظام أن تستقر على قرص واحد.
3ً- لينوكس نظام مجاني، وهو إلى ذلك يقدِّم تنوُّعاً غنياً من الأدوات إلى عالمٍ نامٍ.
(74/2)
72- عبارة عن...
جاء في (المعجم الوسيط): "العبارة: الكلام الذي يُبيَّن به ما في النفس من معانٍ. يقال: هذا الكلام عبارةٌ عن كذا: معناه كذا."
وجاء في (محيط المحيط): "هذا عبارةٌ عن هذا: أي بمعناه أو مساوٍ له في الدَّلالة. وفلانٌ حَسَنُ العبارة، أي البَيان."
والتعبير: الإعراب والتبيين بالكلام أو بالكتابة.
إذن: هذا الكلام عبارة عن كذا ? تعبير عن كذا ? معناه كذا ? ذو دَلالة على كذا.
وفيما يلي أمثلة على استعمال هذا التركيب (عبارة عن) استعمالاً سليماً:
جاء في (الوسيط): "الحَصْرُ (عند المناطقة): عبارة عن كون القضية محصورةً."
وقال صاحب (الكليات 3/208): "والتغاير اعتباري، وذلك أن العِلم عبارة عن الحقيقة، المجردةِ عن الغواشي الجسمانية..."
وقال أيضاً (5/16): "الوجود الخارجي: عبارة عن كون الشيء في الأعيان، والوجود الذهني: عبارة عن كون الشيء في الأذهان."
وجاء في محيط المحيط: "وقال في التعريفات: العِلّةُ شريعةً: عبارة عمّا يجب الحكم به معه."
يقال على الصواب: الرونتغن: عبارة عن تَوَضُّع الطاقة بمقدار 8.7×10-3 جول من الأشعة السينية أو غاما في كيلوغرام واحد من الهواء الجاف.
وكثيراً ما يُستعمل التركيب (عبارة عن) في الكتابات العلمية وغيرها استعمالاً مَخْطُوءاً فيه، فيُسيءُ إلى المعنى؛ أو يستعمل بلا داعٍ فيكون حشواً...
ودونك نماذجَ من هذه الاستعمالات:
فقد قال بعضهم:
والصواب:
§ وهذا الجهاز عبارة عن صندوق يحتوي على...
§ أشعة غاما هي عبارة عن فوتونات...
§ ... فهو عبارة عن صفحة برمجية فقط.
§ المقطع العَرْضي للامتصاص هو عبارة عن مجموع أربعة معاملات.
§ وهذا الجهاز صندوقٌ يحتوي على...
§ الأشعة غاما هي فوتونات...
§ ... فهو مجرد صفحة برمجية فقط.
§ ... هو مجموع أربعة معاملات.
ويتضح فساد المعنى في هذه النماذج إذا عُوِّض عن (عبارة عن) بـ (تعبير عن)...
(75/1)
73- الشَّوْبُ؛ الأُشابةُ؛ الإشابةُ
مما جاء في (المعجم الوسيط):
أولاً: شابَ الشيءُ غَيْرَهُ يَشُوْبُهُ شَوْباً: خالَطَهُ، فهو شائبٌ (اسم الفاعل)، وذاك مَشُوْبٌ (اسم المفعول).
الشائبة: الشيء الغريب يختلط بغيره. (ج) شوائب.
شابَ الشيءَ بالشيءِ: خلطه به.
ثانياً: الشَّوْبُ:
أ- مَصْدر (شابَ) أي: مُخالطة الشيءِ لِغَيْره؛ وخَلْطُ الشيءِ بالشيءِ.
ب - ما اختلط بغيره من الأشياء، وبخاصةٍ السوائلُ.
ثالثاً: شابَ فلانٌ يَشِيْبُ شَيْباً وشَيْبةً: اِبْيَضَّ شَعْرُهُ، فهو شائبٌ وأَشْيَب.
أشابَ الحُزْنُ أو الخوفُ فلاناً يُشيْبُهُ إشابةً: هَرَّمَهُ وبَيَّضَ شَعْره، (مِثل شَيَّبَهُ).
رابعاً: الأُشابة من الناس: الأخلاط
والأُشابة (في الكيمياء): مادة مكونة من اتحاد معدنين، أو من اتحاد معدن بغَير معدن. (ج) أشائب.
فالإشابةُ إذن: تَبييض الشَعْر! وعلى هذا لا يصحّ أن يقال في الكتابة العلمية (دراسة أنصاف النواقل): "تسمى عملية إضافة الشوائب بمقدار معلوم الإشابة"! والصواب: (تسمى... الشَّوْبَ). وإذا كان المصطلح الإنكليزي المقابل هو doping فقد ترجمه (معجم المصطلحات العلمية والتقنية) الذي أصدرته هيئة الطاقة الذرية في سورية بـ (تطعيم).
جاء في (المعجم الوسيط): "طَعَّم الخشب بالصَّدَفِ ونحوِه: رَكَّبه فيه للزخرفة والزينة."
(76/1)
74- جملة القَسَم وجملة جوابه؛ لَئِنْ كنت...؛ لَأَنْ تكونَ...
أولاً: تتكون جملة القَسَم مِن فِعل القسم (أُقْسِمُ، أَحْلِفُ...) وفاعله. وتُحذف جُملة القَسَم وُجُوباً (في حالات!) أو جوازاً.
ولا بدّ لجملة القسم من جملةٍ بعدها تسمى جوابَ القسم، وتكون هذه الجملة الجوابية:
أ - فعلية ما ضوية، والكثير الفصيح اقترانها بـ (اللام) و(قد): لقد.
ب - فعلية مُضارِعية، والأغلب الأقوى اقترانها بـ (اللام) ونون التوكيد. وتسمى هذه اللام في الحالتين المذكورتين (لامَ جواب القسَم).
ج - اسمية، والأحسن اقترانها بحرفين معاً هما (إنَّ)، و(لام الابتداء) في خبر إنّ [تُسمَّى هذه اللام (اللام المُزَحْلَقة)]. وفيما يلي بعض النماذج:
أ- بالله العظيم لقد حصل ما كنتُ أتوقّعه!
[ويجوز إظهار فِعل القسَم فيقال: أُقْسِم بالله العظيم لقد حصل...]
?تاللهِ لقد آثَرَكَ اللهُ علينا?. جملة القسَم هنا محذوفة.
ب - واللهِ لأَحْبِسَنَّ يدي ولساني عن الأذى. (جملة القسم محذوفة).
?رَبَّنا ظَلَمْنا أنفُسَنا، وإن لم تَغْفِرْ لنا وتَرْحَمْنا لَنكونَنَّ من الخاسرين?.
هنا جملة القسَم مع القسَم وأداته محذوفة، والدليل على هذا وجود الجملة المضارعية المقترنة باللام ونون التوكيد. وحيثما تُوجَدْ جملةٌ كهذه، فَثَمَّ قَسَمٌ محذوف.
?ولَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُه?.
?والذين هاجروا في سبيل الله ثُم قُتلوا أو ماتوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزقاً حسناً?.
ج - والله إنَّ الغَدْرَ لأقبَحُ الطِّباع.
ثانياً: (لَئِنْ) مُكوَّنة من اللام المُوطِّئة للقَسَم، وأداة الشَّرْط (إنْ).
وهي تعني أن هناك قَسَماً (ظاهراً أو مَحْذوفاً)، ولا بدّ من إيراد جملةِ جوابه (بلا فاء! لأن جواب القسَم لا تدخل عليه الفاء). ذلك أنه إذا اجتمع قسَمٌ وشرْطٌ فالجواب للسابق منهما. (وغني عن القول، إن القسَم عموماً - وكذلك القسم الذي تشير إليه لام "لئن" - يفيد التوكيد).
(77/1)
وفيما يلي عددٌ من النماذج:
§ واللهِ لئِن أخلصْتَ لي لأُخْلِصَنَّ لك. [ هنا القَسَم (الله) وأداته (الواو) ظاهران].
§ لئن كان المَشْيُ مُتْعِباً، إنه يفيد صحةً. (القسم يسبق الشرط، والجواب للقسَم).
§ إنْ كان المشيُ واللهِ متعباً، فإنه يفيد صحة. (الشرط يسبق القسم، ولذا جاءت الفاء الرابطة لجواب الشرط لكونه - هنا - جملةً اسمية).
?لئن أُخْرِجوا لا يَخْرجون معهم، ولئن قُوْتلوا لا ينصرونهم، ولئن نصروهم لَيُوَلُّنَّ الأدبار ثم لا يُنصرون?.
في هذه الآية ثلاثة أجوبة للقَسَم. فأما الأول والثاني، أي (لا يخرجون) و(لا ينصرونهم) فلم تتصل بهما اللام الرابطة لجواب القسم، فامتَنَعَ - لهذا السبب - توكيدهما بالنون. وأما الثالث وهو (لَيُوَلُّنَّ) فقد اقترنت به اللام فَوَجَبَ توكيده بالنون.
?لئن شَكَرتُم لأَزِيْدنَّكُمْ?
?ولئن أَذَقْنا الإنسانَ مِنّا رحمةً ثُم نزعناها منه إنه لَيَؤَوسٌ كَفُور?.
?ولئن رُجِعْتُ إلى ربّي إنّ لي عنده لَلْحُسْنى?.
?قالوا إنا تَطَيَّرْنا بكم لئن لم تنتهوا لَنَرْجُمَنَّكمُ ولَيَمَسَّنَّكُم منا عذابٌ أليم?.
?لئن لم يرحمْنا رَبُّنا ويَغْفْر لنا لنكونَنَّ من الخاسرين?.
وقال الشاعر:
لئن ساءني أنْ نِلْتَني بمَسَاءةٍ لقد سَرَّني أنّي خَطَرْتُ ببالكا!
وقال غيره:
لئن كنتُ محتاجاً إلى الحِلْمِ إنني إلى الجَهل في بعض الأحايين أَحْوَجُ
ثالثاً: "أنْ" المَصْدرية تدخل على الفعل المضارع فتنصبه وتُؤَوَّل معه بمَصْدر، نحو:
?وأَنْ تصوموا خيرٌ لكم? أي: صيامُكم خيرٌ لكم. [(صيامكم) مبتدأ، خَبَرُه (خيرٌ)].
ويمكن أنْ تدخلَ عليها (لام الابتداء) التي تدخل على المبتدأ وما يحلّ مَحلَّه، فتفيد التوكيد، نحو:
لَأَنْ تكونَ واثقاً خيرٌ من أنْ تصبحَ نادماً.
لَأَنْ أُخْطِئَ في العفو، أحبُّ إليّ من أن أُصيبَ في العقوبة (صلاح الدين الأيوبي).
(77/2)
لَأَنْ أُهْجَى بالعربية، أحبُّ إليَّ من أن أُمدحَ بالفارسية (أبو الريحان البيروني).
قال عليه الصلاة والسلام لِعَليٍّ كرَّم اللهُ وجهه:
لَأَنْ يهديَ اللهُ بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من أن تكونَ لك حُمْرُ النَّعَم.
وقال أيضاً:
لَأَنْ أقولَ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاَّ الله، والله أكبر، أَحبُّ إليَّ مما طَلعتْ عليه الشمس.
والجدير بالملاحظة، أنَّ (لَئِن) تدخل على الفعل الماضي أو ما هو في حُكْمِه (أي المضارع المجزوم بـ (لم) التي تَقْلِبُ زمنه إلى ماضٍ). أما (لَأَنْ) فتدخل على الفعل المضارع فتنصبه. وعلى هذا يمكن أن نقول:
لئِن أخطأتُ في العفو، إنّ خطئي لأَحَبُّ إليّ (أَحَبُّ إليّ) مِن...
أو: إنْ أُخْطِئْ في العفو، فإنّ خطئي أَحَبُّ إليّ من...
(77/3)
75- الصَّواب والخَطَأُ، والصَّحُّ والغَلَطُ
§ مما جاء في (اللسان /صوب): "والصَّوابُ: ضِدُّ الخطأ. وصَوَّبَهُ: قال له أَصَبْتَ. واسْتَصْوبَهُ: رآه صواباً."
§ وجاء في (المعجم الوسيط):
"صوَّب قولَه أو فِعْله: عَدَّهُ صواباً. وصَوَّبَ الخطأ: صَحَّحَهُ. وصوَّبَ فلاناً: قال له أَصَبْتَ.
أصاب: لم يُخْطئ.
صَحَّحه: أزال خطأه أو عَيْبه.
الصَّوابُ: السَّدَاد، والصواب: الحقُّ.
السَّدَاد: الاستقامة."
§ وجاء في (المعجم الوسيط) أيضاً:
"صَحَّ الشيءُ يَصِحُّ صَحّاً وصِحَّة وصَحاحاً: بَرِئ من كل عَيْب أو رَيْب. يقال: صحَّ المريضُ، وصحَّ الخَبَرُ، وصَحًَّتِ الصلاة، وصَحَّ العَقْدُ فهو صحيحٌ. (ج) صِحاحٌ للعاقل وغيره، وأصِحّاءُ للعاقل. وهي صحيحة. (ج) صِحاحٌ وصحائحُ."
§ ويُجمع (صحيحٌ) على (أصِحَّة) إذا كان للعاقل، وهو جَمعٌ شاذٌّ جاء منه: شحيح أشِحَّة، وذليل أذِلَّة، وعزيز أعِزَّة.
§ فالصَّحُّ: البراءة من العيوب.
§ والصِّحة: ضِدُّ السُّقْم؛ وهي البراءة من العلل والعيوب: (صحة التعبير)؛ وهي مطابَقة الواقع: (صحة الخبر).
§ والصحيحُ: السليم من العيوب، والبَرِيءُ من الأمراض. والصحيح من الأقوال: ما يُعتمد عليه، وما صَدَقَ وطابَقَ الواقع. والصحيح: الحق والصدق: (هذا صحيحٌ، هذا كَذِبٌ).
§ هل ثمة وجهٌ لقول بعض المعاصرين: (الصَّحُّ أن تفعل كذا وكذا)؟
الصَّحُّ مَصْدرٌ كما تَقَدَّم، كالحقِّ والعَدْل والاستقامة،... فتكون العبارةُ المذكورة مِثْلَ قَوْلِك: الاستقامةُ أن تسْلُكَ الطريق القويم، وتُعامِلَ الناسَ بصِدْقٍ وأمانة، وقولِك: العَدْلُ أن تُنْصِفَ، وأن تُعطيَ المرءَ ماله وتأخذ ما عليه.
وهذا كلام مستقيم لا عيب فيه.
§ وإذا قيل، مثلاً: ذاك هو العَدْلُ / السَّدادُ / الظُّلْمُ، إلخ (وهذه كلها مصادر)، فالمقصود: ذاك هو الشيءُ العادل / السَّديد / الظالم...
(78/1)
وهذا يُسَوِّغ استعمال (الصَّحِّ) بمعنى (الصحيح). وقد أجاز الناقد اللغوي الأستاذ صلاح الدين الزعبلاوي أن يقال: الخطأ أن تقول كذا، والصَّحُّ أن تقول كذا بمعنى الصحيح المستقيم. أما إذا قيل: الخطأ أن تقول كذا، والصواب أن تقول كذا فهذا قول صحيح فصيح لا يحتاج إلى إجازة!
§ وإذا كان الأمر كذلك، أفليس من السائغ أن يقال مثلاً:
- من العَيْب أن يفعل كذا، والصَّحُّ أن يفعل كذا (بمعنى الصحيح السليم من العيوب)،
- ذلك الحَلُّ خطأ، وهذا هو الحل الصحُّ (الصحيح المطابق للواقع)، ومن المعلوم أن النعت بالمَصْدر جائز!
§ جاء في (المعجم الوسيط): "غَلِطَ يَغْلَطُ غَلَطاً: أخطأ وجهَ الصواب. يقال: غلِط في الأمر، أو في الحساب، أو في المنطق، فهو غَلْطانُ."
يقال: هذا كتاب مَغلُوطٌ (الأصل: مغلوط فيه!) [انظر (متن اللغة)].
§ قال ابن جني في (المحتسب 1/236): "ليس ينبغي أن يُطلَق على شيءٍ له وجهٌ من العربية قائمٌ - وإن كان غيرُه أقوى منه - إنه غَلَطٌ."
§ وقال أبو هلال العسكري في (الفروق في اللغة /45): "والخطأ لا يكون صواباً على وجه. فالخطأ ما كان الصوابُ خلافَه، وليس الغلطُ ما يكون الصوابُ خلافه، بل هو وضْعُ الشيءِ في غير موضعه."
(78/2)
76- أسماء الشهور القمرية، والشهور السُّريانية الأصل
اتّبع العرب منذ القديم التقويم القمري، وجعل المسلمون الأوائل السنة الهجرية سنةً قمرية. حدث هذا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، الذي أمر بالتأريخ بدءاً من سنة الهجرة، وذلك سنة 17 بعد الهجرة. واتُّفق على أن تكون بدايةُ السنة الأولَ من المحرّم.
وفيما يلي أسماء الشهور العربية، وهي أعلامٌ على هذه الشهور لا يجوز تحريفها. وكلُّها مذكَّرة - كما قال الفرّاء - إلا جُمادَيَيْن فإنهما مؤنثتان:
المُحَرَّم (بالألف واللام دائماً!)
صفرٌ
ربيعٌ الأول (ولا يقال: ربيع أول)
ربيعٌ الآخر (ولا يقال: ربيع ثاني ولا الثاني)
جُمادى الأُولى (ولا يقال: جُمادى الأول)
جُمادى الآخِرة (ولا يقال: جُمادى الثاني ولا الثانية)
رَجَبٌ،
شَعْبانُ،
رَمَضانُ،
شَوّالٌ،
ذو القَِعْدة (وفي حالة الجرّ: ذي القعدة)
ذو الحِجّة (وفي حالة الجرّ: ذي الحجة)
وقد التزَمتِ العربُ لفْظَ (شهر) قبل (ربيع)، تمييزاً له من (ربيعٍ) الفصل. ويَصِحُّ تقديم كلمة شهر على كل أسماء الشهور.
يقال على الصواب: حدث هذا في الخامس من المُحرَّم (ولا يصح: في الخامس من مُحرَّم).
وحدث ذاك في العاشر من شهر ربيعٍ الآخِر (ولا يصح: في العاشر من ربيع الثاني).
وفي التنْزيل العزيز: ?إنّ عِدّة الشهور عند الله اثنا عَشَرَ شهراً في كتاب الله يومَ خلق السموات والأرض، منها أربعة حُرُم?.
والأشهر الحرم التي كان العرب يُحرِّمون فيها القتال، هي:
ذو القعدة وذو الحِجة والمُحَرَّم، ورجب: ثلاثة سَرْدٌ (متتالية)، وواحدٌ فَرْدٌ.
(79/1)
أما السُّريانيون - أهل سورستان (أي بلاد الشام) - فاتّبعوا التقويم الشمسي، ووضعوا لشهور السنة أسماءً اقتبسوها من البابليين، وتَعَرَّبت هذه الأسماء باستعمال العرب لها فصارت: كانونُ الثاني (لا: كانون ثان، ولا ثاني)، شُباط، آذار، نَيْسان، أَيّار، حَزِيْران، تَمّوز، آب، أيلول، تِشرينُ الأول (لا: تشرين أول)، تِشرينُ الثاني (لا: تشرين ثان ولا ثاني)، كانونُ الأول (لا: كانون أول).
وكانت هذه الشهور - وَفْق ترتيبها القديم - تبدأ بشهر تشرين الأول، وتنتهي بشهر أيلول:
1
تِشرينُ الأول
5
شباط
9
حزيران
2
تِشرينُ الثاني
6
آذار
10
تموز
3
كانونُ الأول
7
نيسان
11
آب
4
كانونُ الثاني
8
أيار
12
أيلول
ولهذا نجد (المعجم الوسيط) يقول:
آذار: الشهر السادس من الشهور السُّريانية، يقابله مارس من الشهور الرومية (الميلادية).
نيسان: الشهر السابع من الشهور السُّريانية، يقابله أبريل من الشهور الرومية (الميلادية)
أيار: الشهر الثامن من الشهور السُّريانية، يقابله مايو من الشهور الرومية (الميلادية)
حزيران: الشهر التاسع من الشهور السُّريانية، يقابله يونية من الشهور الرومية (الميلادية)
تموز: الشهر العاشر من الشهور السُّريانية، يقابله يولية من الشهور الرومية (الميلادية)
آب: الشهر الحادي عشر من الشهور السُّريانية، يقابله أغسطس من الشهور الرومية (الميلادية)
أيلول: الشهر الثاني عشر من الشهور السُّريانية، يقابله سبتمبر من الشهور الرومية (الميلادية)
(79/2)
77- الخطأ في استعمال: (علاوةً على ذلك)
§ حين أقول في بداية الجملة: (إضافةً إلى ذلك، يمكن أن نفعل كذا...)، فالتقدير: أُضِيفُ إضافةً إلى ذلك...، وكلمة (إضافة) هنا منصوبة على المصدرية (مفعول مطلق). وبهذا المعنى الأحسن ألاَّ يقال: (بالإضافة إلى ذلك...) لأن معنى هذا التركيب هو: بسبب / بعملية الإضافة إلى ذلك...
فمثلاً، يقال على الصواب: ثمة حالات يكتسب فيها الاسم تعريفاً، بالإضافة إلى اسمٍ معرفة. أي: بِعِلَّةِ / بسببِ إضافته إلى اسمٍ معرفة. (ونحن لا نقول: وبالزيادة على ذلك / وبالفضل على ذلك، يمكن أن نفعل كذا....).
§ وحين أقول في مقامٍ مماثل لما سبق: (زيادةً على ذلك، يمكن كذا...)، فالتقدير: أَزِيد زيادةً على ذلك... وكلمة (زيادة) منصوبة أيضاً على المصدرية.
§ جاء في (المعجم الوسيط): "فَضَلَ الشيءُ يَفْضُلُ فَضْلاً: زاد على الحاجة". فالفضل مصدر. وجاء فيه أيضاً: "أَفْضَلَ عليه في الحَسَب والشرف: زاد عليه فيهما."
§ وحين أقول: (فضلاً على ذلك، يمكن كذا...)، فالتقدير: أُفْضِلُ فضلاً على ذلك.
إنّ "إفضالاً" هو مصدر الفعل "أَفْضَلَ" وهو مُلاقي المصدر المنصوب (فضلاً) في الاشتقاق. ومثل هذا كثير، يقال: (تَعَلَّمَ تعليماً)، فـ (تعليماً) مصدر يُلاقي (تَعَلُّماً) في الاشتقاق، وكذلك (توضَّأ وضوءاً)، إلخ...
أما استعمال (فضلاً عن) في مثل قولهم: (فلانٌ لا يملك درهماً فضلاً عن دينار)، فمعناه: لا يملك درهماً ولا ديناراً. كأنه قيل: لا يملك درهماً فكيف يملك ديناراً؟
قال الحافظ بن حجر، (توفي سنة 852 هـ): ... وكفى بهذه الجملة وعيداً شديداً في حق من روى الحديثَ فيظنُّ أنه كَذِبٌ، فضلاً عن أن يتحقق ذلك ولا يُبيِّنُه.
وقال مصطفى صادق الرافعي (وحي القلم 3/402): ... وإن الكلمة نفسها لتبرأ إلى الله من أن تكون لها على الآية مِيْزة واحدة، فضلاً عن ثلاث...
(80/1)
§ جاء في (لسان العرب): "العِلاوة: أعلى الرأس، وقيل أعلى العُنُق... والعِلاوة: ما يُحمل على البعير وغيره، وهو ما وُضع بين العِدْلين... وقيل: علاوة كل شيء: ما زاد عليه..."
فالعِلاوة - كما نرى - ليست مصدراً، بخلاف المصادر الثلاثة المذكورة آنفاً (إضافة، زيادة، فضل)، فلا يصحُّ استعمالُها استعمالَ تلك المصادر.
ولكن يصحّ أن نقول: زِيْدَ مُرتَّب فلانٍ مئةَ ليرة سورية، وهذه علاوةٌ؛
أو: أُعطِيَ فلانٌ علاوةً على مرتّبه قدرها مئة ليرة (علاوة هنا مفعول به، وليست منصوبة على المصدرية، لأنها ليست مصدراً)؛
أو: أعطي فلانٌ مئةَ ليرة علاوةً على مرتَّبه (مئة: مفعول به؛ علاوةً: منصوبة على البدلية: بدلٌ من مئة).
(80/2)
78- العناصر الكيميائية النَّزْرَة أو الشائبة، لا (عناصر الأَثَر)!
§ الأصل في النعت أن يكون اسماً مشتقاً، كاسْمِ الفاعل واسم المفعول والصفة المشبّهة واسم التفضيل، نحو: جاء الرجل المحسن، المحبوب، الكريم، الأمجد.
- وقد يكون جملة فِعْلية أو اسمية، نحو: جاء رجلٌ يحمل كتاباً؛ جاء رجلٌ أبوه كريم.
- وقد يكون اسماً جامداً مؤولاً بمشتق، وذلك في تِسع صُوَر، إحداها: ما دَلَّ على تشبيه؛ نحو: فلانٌ رجلٌ ثعلب، أي محتال (محتال: مشتق). ومنها: المصدر؛ نحو: فلانٌ رجلٌ ثِقة، أي موثوق به.
- وفي حالة الاسم الجامد الذي يصف مؤنثاً، الأقْيَس والأفصح ألاّ تلحقَه علامة التأنيث، ولا مانع من دخولها عليه بتخريجٍ مقبول (أورده ابن جني) هو استعماله استعمال الصفة: جاءت فلانةُ الأستاذ / الأستاذة في عِلم كذا...
§ جاء في (المعجم الوسيط):
"العضو: جزءٌ من مجموع الجسد، كاليد والرجل والأذن.
والعضو: المشترِك في حزب أو شركة أو جماعة أو نحو ذلك.
وهي عُضوٌ وعُضوة (مج). (ج) أعضاء."
وعلى هذا يقال: الدولة العضو (بتأويل العضو: المشترِكة في منظمة دولية أو إقليمية...)
ولما كان النعت يتبع منعوته في حركة الإعراب، والتعريف والتنكير، والعدد (الإفراد والتثنية والجمع) والجنس (التذكير والتأنيث)، فإنه يقال (الدول الأعضاء) ولا يقال (الدول العضو).
§ جاء في (المعجم الوسيط): "أَثَرُ الشيء: بقيَّته."
فإن صحَّ أن ننعت (العنصر الكيميائي) بـ (الأثر)، وَجَبَ أن يقال في الكيمياء وبعض العلوم الأخرى: (العناصر الآثار) لا (العناصر الأثر)، [وبإدخال أل على كلمة العناصر!].
والأحسن أن يقال: (العناصر النَّزْرَة)؛ فقد جاء في (لسان العرب): "النَّزْرُ: القليل التافه."
(81/1)
أما التركيب الشائع: (عناصر الأثر) [بتنكير كلمة عناصر] فهو مثل (عناصر الموضوع)... ومعنى هذا التركيب: العناصر التي يتكوّن منها الموضوع، ومعنى التركيب الأول: العناصر التي يتكوّن منها الأثر! ولا صِلَة بين هذا المعنى، والمعنى المراد بـ (العناصر النَّزْرَة)...
لذا قُلْ: (العناصر النَّزْرَة) أو (العناصر الشائبة) مقابل trace elements.
(81/2)
79- الاسم المنقوص وأحكامُه
الاسم المنقوص: هو اسم مفرد آخره ياءٌ مكسورٌ ما قبلها، نحوُ: النادي، الراعي، الداني، القاصي... فإذا لم يكن ما قبله مكسوراً، فليس اسماً منقوصاً، بل كالصحيح، لأنه - بتعبير النحاة - جارٍ مَجْرى الصحيح (الذي ليس آخره حرف عِلَّة)، فتبقى ياؤه (لا تُنْقَصُ) في كل أحواله، نحو: ظبْيٌ؛ رأيٌ؛ سَعْيٌ...
وليس من المنقوص ما كان آخره ياء مشدَّدة، نحو: كُرسِيّ، عربيّ، تركيّ...
أحكامه:
1 - تثْبت ياؤه إذا كان مُحَلىًّ بأل (انظر الجدول، المثال 1) أو مضافاً (المثال2).
2 - تُنْقَص (تُحْذف) ياؤه إذا كان مفرداً مجرداً من (أل) والإضافة، ويُنوَّن بالكسر في حالتي رفعه وجرِّه فقط؛ أما في حالة النصب فتبقى الياء وينوّن (المثال 3).
ومن الخطأ الشائع حذف الياء في حالة النصب، كقولهم: وَكِّلْ مُحامٍ قدير! والصواب: وكِّل مُحامياً قديراً.
3 - إذا جُمع جَمْعَ مذكّر سالماً حُذفت ياؤه، نحو: عَرَضَ المحامُوْنَ الجانِيْنَ على القاضِيْنَ (القُضاة).
أما إذا ثُنِّيَ أو جُمع جَمع مؤنث سالماً فتثبت ياؤه، نحو: الراعيان / الراعيَيْن؛ الراعيات.
ملاحظة مهمة:
مما جاء على إيقاع (مَفَاعِل) من صِيَغ منتهى الجموع، أسماءٌ آخرها ياءٌ مكسورٌ ماقبلها، نحو: المعاني، المباني، المشافي، الجواري، الحواشي، النوادي، المقاهي، التلاقي، التفاني...
وتُعامَل هذه الأسماء معاملة المنقوص في جميع الأحوال، إلا في حالة النصب حين تكون مجردة من (أل) والإضافة، فتُنصب بلا تنوين (الأمثلة 4، 5، 6).
ومن الخطأ الشائع حذف الياء في حالة النصب، كقول بعضهم: اكتبْ حواشٍ مختصرةً! والصواب: اكتب حواشيَ مختصرةً.
الأمثلة
حالة الرفع
حالة الجرّ
حالة النصْب
1- مُحلّى بألْ
ذهب الراعي
مَرَرْتُ بالراعيْ
رأيتُ الراعيَ العجوز
2- مُضاف
جاء راعي الغنم
مررتُ براعي الغنم
رأيت راعيَ الغنم
3- مُجرَّد من أل والإضافة
جاء مُحامٍ قدير
مررتُ بِمُحامٍ قدير
(82/1)
رأيت محامياً قديراً
4- محلّى بأل
أُسِّست المباني الجديدة
مررت بالمباني الجديدة
شاهدتُ المبانيَ الجديدة
5- مُضاف
أُنشئت مشافي الجامعة
مررت بمشافي الجامعة
زُرت مشافِيَ الجامعة
6- مجرد من أل والإضافة
أُقيمت مَبانٍ حديثةٌ
مررت بمبانٍ حديثةٍ
شاهدت مبانيَ حديثةً
أمثلة إضافية:
- كتبتُ لك حواشيَ موجزةً، ومع ذلك فهي حواشٍ مفيدةٌ.
- يحب سعيدٌ اللعب في نوادٍ مكشوفةٍ، لكنه صادف نواديَ مغلقةً / مسقوفةً.
- تَضمَّنت كلمةُ الخطيب مبانيَ متينةً ومعانيَ رائعة.
ملاحظة:
كلمة (ثَمانِيْ) - التي تُستعمل مع المعدود المؤنث - لها إيقاع (مَفاعِل) مع أنها مُفردة وليست جمعاً. وتنطبق عليها الأحكام السابقة، أو - في حالة النصب - أحكام المنقوص المجرد من (أل) والإضافة؛ ويتضح هذا من الجدول الآتي:
الأمثلة
حالة الرفع
حالة الجرّ
حالة النصب
1- محلّىً بألْ
جاءت الفتياتُ الثماني
مررت بالفتياتِ الثماني
رأيت الفتياتِ الثماني
2- مضاف(1)
مضى ثماني ساعات
أنجز عمله بثماني ساعات
أمضى في المتحف ثمانيَ ساعات
3- مجرد من أل والإضافة
مضى من الليالي ثمانٍ
حصل على ثمانٍ وعشرين درجة
عرفتُ من الشاعرات ثمانياً أو ثمانيَ
(1) جاء في (النحو الوافي 4/537): "إذا كان العدد 8 مضافاً إلى معدوده المؤنث، فالأفصح إثبات الياء في آخره في جميع حالاته". وعلى هذا ليس بخطأ أن يقال: (أنجز عمله بثمانِ ساعات). وفي التنْزيل العزيز: ?... على أن تَأْجُرَني ثمانِيَ حِجَجٍ?.
(82/2)
80 - في الإضافة اللفظية والمعنوية
لماذا لا يصحُّ أن يقال: إعداد المساري عالية السرعة؛ فوائد نُظُم التشغيل متعددة الاستخدامات؛ مزايا العمليات ثنائية النمط؛ جاء خالدٌ راجحُ العقلِ.
والصواب أن يقال: إعداد المساري العالية السرعة؛ فوائد نُظُم التشغيل المتعددة الاستخدامات؛ مزايا العمليات الثنائية النمط. جاء خالدٌ الراجح العقل؟
بعبارة أخرى: متى يكتسب (الوصفُ) التعريفَ بالإضافة، فيصحَّ أن يوصف به الموصوف المعرَّف؟ أي متى يتعرَّف الوصف بالإضافة؟
الإضافة نوعان:
أ- الإضافة اللفظية:
وهي إضافة الوصف [أي أحد المشتقات العاملة (اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة)] إلى ما يعمل فيه (إضافة "عالية" مثلاً إلى "السرعة"). وهي لا تفيد تعريفاً [أي لا يكتسب المضاف تعريفاً من إضافته إلى المعرَّف بـ (ألْ)] ولذا يصحّ أن تقع مواقع النكرات (حين يكون المضاف مجرداً من أل)، نحو:
أعرف صديقاً راجحَ العقلِ، مرموقَ المكانةِ، كريمَ الطبعِ.
والأصل: أعرف صديقاً راجحاً عقلُه، مرموقةً مكانتُه، كريماً طبعُه.
ثم أضيفَ اسم الفاعل (راجحاً) إلى فاعله، واسم المفعول (مرموقة) إلى نائب فاعله، والصفة المشبهة (كريماً) إلى فاعلها، وذلك بغية التخفيف اللفظي بحذف التنوين.
فإذا أردنا أن نصف بهذه الأوصاف معرفةً، وجب إدخال أل على المضاف، لأن الصفة والموصوف يتطابقان في التعريف والتنكير، نحو:
جاء خالدٌ / الرجلُ الراجح العقل، المرموقُ المكانةِ، الكريمُ الطبع.
وقد شاع استعمال الإضافة اللفظية في الكتابات العلمية الحديثة، ولكن مع عدم مراعاة قاعدة تَطابُق الصفة والموصوف في التعريف، وهذا ما أشار إليه عنوان البحث.
ب - الإضافة المعنوية:
وهي تفيد المضاف تعريفاً يكتسبه من المضاف إليه المعرفة. ويمتنع فيها دخول (أل) على المضاف (لأن المعرَّف لا يعرَّف، كما يقولون!...).
(83/1)
وضابطها أن يكون المضاف فيها اسماً جامداً، نحو: نورُ الشمسِ (ولا يقال: النورُ الشمسِ!)،
§ أو وصفاً مضافاً إلى غير معموله، كقاضي الولاية، ومأكولِ الناس، ومعبودِ الجماهير، ومَلِكِ العصر...، تقول: جاء الشيخ قاضي الولاية؛ نَفِدَ الطعامُ مأكولُ الناسِ؛ سافر المغنّي معبودُ الجماهيرِ...
§ أو اسمَ فاعلٍ يدلّ على زمن ماضٍ فقط (بِقَرِينة، وللقرينة الاعتبار الأول)، نحو: كُرِّمَ الرجلُ مُنقذُ الطفلِ من الغرق.
§ أو اسمَ فاعلٍ خالياً من الدلالة الزمنية (مُطْلَقَ الزمن)، نحو: جاء الفتى قائدُ الطائرة.
وسنبحث فيما يلي أحوال إضافة المشتقات العاملة.
1- الصِّفة المشبَّهة (باسم الفاعل):
إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها لفظية أبداً. تقول:
أعرف رجلاً جميلَ الصورةِ، حَسَنَ الهيئةِ، طيِّبَ الأرومةِ، قويَّ العزيمةِ...
وأعرف رجلاً قبيحَ السيرةِ، سريعَ الغضبِ، كثيرَ الأولاد...
هذا صاروخٌ بعيد / قريب المدى...
والأصل: أعرف رجلاً جميلةً صورتُه، حسنةً هيئتُه إلخ...
فإذا عُرِّف الموصوف وجب إدخال (أل) على المضاف، لتُطابق الصفةُ الموصوف في التعريف، نحو:
لا تُجادِل إلا الرجلَ السّمْحَ الخُلُقِ، العَفَّ القولِ، الأمينَ الزللِ.
إنما يفوز برضا الناسِ الحلْوُ القولِ، الكريمُ الطبعِ، الشجاعُ القلبِ.
تحيةً للرجل الرفيعِ القدْرِ، المتواضعِ.
أُطْلقَ الصاروخُ البعيد / القريب المدى....
يعجبني الناظمُ الجيدُ الشِّعر...
§ ثمة صفات غلبتْ عليها الاسمية فصارت كالاسم الجامد، وإضافتها معنوية بدليل أننا نصفها بمعرفة. تقول:
جاء رئيسُ القسمِ (الجديدُ)؛ وصل زعيمُ الطائفةِ (الجديدُ)؛ جاء أمين المكتبة (الجديد)...
§ قد تشير القرينةُ إلى غلبة الاسمية على الصفة المشبهة، عند استعمالها أحياناً في تراكيب معينة، فتكون إضافتها معنوية أيضاً.
تقول: جاء الرجلُ عظيمُ القومِ / كبير الكهنة... (هنا يمتنع دخول أل على المضاف).
(83/2)
ولكن تقول: أحبُّ الكتابَ العظيمَ الفائدةَ (العظيمةَ فائدتُه) / الكبيرَ النفع (الكبيرَ نفعُه).
§ ملاحظة مهمة:
من المعلوم أن في النسبة معنى الصفة، كما قال صاحب (جامع الدروس العربية 2/71). لأنك إذا قلت (هذا رجلٌ بيروتيّ) فقد وصفْتَه بهذه النسبة. وهناك ألفاظ منسوبة تُستعمل - في الكتابات العلمية - صفاتٍ بعد إضافتها إلى معرفة، وتكون إضافتها لفظية، نحو:
طلاءٌ فحميُّ التركيب ? استعملتُ الطلاءَ الفحميَّ التركيب.
حاكمٌ عنصريُّ النَّزعة ? عُزل الحاكم العنصريُّ النَّزعة.
من مصطلحات المعلوماتية:
برنامجٌ غَرَضِيُّ التَّوَجُّه ? أُنجزَ البرنامجُ الغرضيُّ التوجُّه.
2- اسم المفعول:
إذا أُضيفَ اسم المفعول (من الفعل المتعدي لمفعول واحد) إلى مرفوعه، صار حُكْمُه حُكْمَ الصفة المشبهة، فتكون إضافته لفظية، نحو:
جاء رجلٌ مسموعُ الكلمةِ، مرموقُ المكانةِ، محمودُ السيرةِ.
والأصل: جاء رجلٌ مسموعةٌ كلمتُه، مرموقةٌ مكانتُه، محمودةٌ سيرتُه.
فإذا عُرِّف الموصوف، وجب إدخال (أل) على المضاف، تقول:
جاء الرجل المسموعُ الكلمةِ، المرموقُ المكانةِ، المحمودُ السيرةِ.
وفيما يلي أمثلة على اسم المفعول المضاف إلى مرفوعه:
مُثَبَّط المناعة، مسلوب الحرّية، مجهول القَدْر، مكتوف اليدين، مُرَوَّع القلب، مأمون القيادة...
3- اسم الفاعل:
3-1- إضافة اسم الفاعل (من الفعل اللازم) إلى فاعله تجعل حكمه حكم الصفة المشبهة، فتكون إضافته لفظية لا تفيد التعريف، نحو:
جاء رجلٌ راجحُ العقلِ، مستدير الوجه...
وصلتْ قواتٌ متعددة الجنسيات ومعها أسلحة متوسطة المدى...
والأصل: جاء رجلٌ راجحٌ عقلُه، صائبٌ رأيُه... معتدلةٌ قامته...
وصلت قوات متعددةٌ جنسياتها، ومعها أسلحةٌ متوسطٌ مداها.
فإذا عُرِّف الموصوف، وجب إدخال (أل) على المضاف، لتُطابق الصفةُ الموصوف في التعريف.
تقول: جاء الرجل الراجحُ العقلِ، الصائبُ الرأيِ... المعتدل القامة...
(83/3)
وصلت القوات المتعددة الجنسيات ومعها الأسلحة المتوسطة المدى.
3- 2- وتكون إضافة اسم الفاعل (المشتق من فعلٍ مُتعدٍّ) إلى مفعوله:
§ لفظيةً إذا دلّت على الحال أو الاستقبال، نحو:
?كلُّ نفْسٍ ذائقةُ الموتِ?.
?هذا عارضٌ مُمْطِرُنا?.
عرفتُ رجلاً مخْلصَ المودّةِ، منْصِفَ الناسِ، حافظَ الودِّ...
هذا رجلٌ عابرُ النهرِ الآن / غداً.
أرى ضوءاً فائقَ الشدة. (فائق هنا ليس اسم فاعل من فعل فاق المتعدي، بل صفة بمعنى الممتاز).
فإذا عُرِّف الموصوف، وجب إدخال (أل) على المضاف. تقول:
على النفسِ الذائقةِ الموتِ أن تهتمَّ بأُخراها.
انظر الرجلَ العابرَ النهرِ الآنَ / غداً. [ولنا أن نقول، بإعمال اسم الفاعل المحلّى بأل: انظر الرجلَ العابرَ النهرَ أمسِ / الآن / غداً (بنصْبِ النهرَ، لا بإضافته إلى العابر!).]
جاء الرجلُ المخلصُ المودةِ، المنْصفُ الناسِ، الحافظ الودِّ...
أرى الضوءَ الفائقَ الشدة.
§ لفظيةً إذا أفادت الاستمرار المتجدد (تجدُّدَ الحَدَثِ مستمراً)، نحو:
عرفت رجلاً صادقَ الوعدِ، مكْرِمَ الضيفِ، صانعَ المعروفِ، مُقيمَ الصلاةِ، مُخْرجَ الزكاة...
فإذا عُرِّف الموصوف، وجب إدخال (أل) على المضاف:
جاء الرجلُ الصادق الوعدِ، المكرم الضيفِ، ... المقيمُ الصلاةِ...
?... والصابرين على ما أصابهم والمُقيمي الصلاةِ...? (الحج / 35)
3-3- وتكون إضافة اسم الفاعل (من الفعل المتعدي) إلى مفعوله معنوية فتقع مواقع المعارف، ويمتنع إدخال (أل) على المضاف في الحالات الآتية:
§ إذا دلَّت على المُضِيّ (بِقَريْنة، وللقرينة الاعتبار الأول)، نحو:
?الحمد لله فاطرِ السموات والأرض?.
جاء الرجلُ عابرُ النهرِ أمسِ.
جاء الرجلُ مُنقِذ الطفلِ من الغرق.
اعتُقل الرجلُ قاطعُ الطريقِ.
سُجن الرجلُ سارق المصْرِفِ.
§ إذا دلّت على الدوام والاستمرار، نحو:
?حم، تَنْزِيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافرِ الذنبْ وقابلِ التَّوْب?.
(83/4)
تُبْ إلى الله واسعِ الرحمة والمغفرة.
انتصرَ الحقّ قاهرُ الباطل.
§ إذا كانت خالية من الدلالة الزمنية، أي لا دليل معها على نوع الزمن الذي تحقق فيه معناها. بعبارة أخرى إذا كان المضاف والمضاف إليه معاً يعبِّران عن صفةٍ مطْلقةِ الزمن، تشير إلى أن الموصوف معروف بأنه كذا.
فمثلاً: (مدير المدرسة) معرفة، بدليل أننا نصِفه بمعرفة فنقول: وصل مدير المدرسة الجديد. لذا نقول: وصل الأستاذ مدير المدرسة: يمتنع هنا دخول أل على المضاف (مدير).
- تأخرت الفتاة بائعة الحليب.
- قرأت قصة الصحابي كاتب الوحي.
- انقرضت الدينصورات آكلة اللحم.
- جُهِّزت الصواريخُ عابرةُ القارات.
- أبْحَرت الغواصة قاذفة الصواريخ.
مراجع في هذا البحث:
- عباس حسن، (النحو الوافي) الجزء الثالث - دار المعارف بمصر.
- صلاح الدين الزعبلاوي، (اسم الفاعل)، مجلة التراث العربي، العدد 58، اتحاد الكتّاب العرب بدمشق.
(83/5)
81 - متوازي أضلاع؛ متوازي الأضلاع؛ المتوازي الأضلاع
كثير حدود؛ كثير الحدود؛ الكثير الحدود
في التراكيب المكونة من مضاف ومضاف إليه مثل: صغير الأبعاد، متماثل المناحي، كثير اللغات، متساوي الأضلاع، كثير الأضلاع... إبهامٌ وعدم تحديد. وحين يقرؤها المرء أو يسمعها لا يتبادر إلى ذهنه شيءٌ محدد، لأنها أوصاف تنطبق على عدة أشياء. ثم إن المضاف فيها لم يكتسب تعريفاً بإضافته إلى معرفة (انظر الفقرة السابقة). فهذه التراكيب نكرات.
ويزول الإبهام إذا سبق تلك التراكيبَ موصوفٌ. فإن كان نكرة أمكن نعته بها، نحو: معجمٌ كثير اللغات؛ مضلَّعٌ كثير الأضلاع؛ مثلّث متساوي الأضلاع. قصرٌ كبير الغرف، فيه قاعة عظيمة المرايا، ومسبح صغير الأبعاد...
جاء في (المعجم الوسيط):
"المُعَيَّن: ما كان شكله مُسطَّحاً[نكرة] متساويَ الأضلاع[نكرة] الأربعة المستقيمة المحيطة به، غير قائم الزوايا[نكرة]."
§ فإذا عَرَّفنا الموصوف بألْ وأردنا نعته قلنا:
- المعجم الكثير اللغات مفيد.
- المثلث المتساوي الأضلاع زواياه متساوية.
- يسمى المضلَّع الرباعي المتساوي الأضلاع والقائم الزوايا مربّعاً.
أي نُدخِل (أل) على المضاف ليصبح التركيب (المضاف + المضاف إليه) معرفة (لأن النعت يطابق المنعوت في التعريف والتنكير).
أما المصطلحات: (متوازي الأضلاع)، (متوازي السطوح)، (كثير الحدود)... فلا إبهام فيها إذا ذُكِرت وحدَها كما أوردناها الآن؛ وهي مستغنيةٌ عن موصوفها، لأنها أعلامٌ على أشياءَ محدَّدةٍ مُتعارفة، ويَفهم القارئ أو السامع المقصود بها فوراً، فهي معارف اصطلاحاً، [أورد (المعجم الوسيط) أسماء بعض الأشكال الهندسية كما يلي: المثلث، المربع، المخمّس، المسدَّس، المعيَّن، متوازي الأضلاع، متوازي السطوح].
ذلك أن:
متوازي الأضلاع صنفٌ محدَّد معروف من المُضلَّعات،
متوازي السطوح صنفٌ محدَّد معروف من المجسَّمات،
كثير الحدود صنفٌ محدَّد معروف من التوابع.
(84/1)
ونلاحظ أنه يمكن أن يلي التراكيب السابقة (اسم موصول) - وهو لا يلي إلا المعرفة ! - أو وصفٌ محلّى بأل - والنعت يطابق منعوته في التعريف والتنكير - فنقول:
- إن متوازي الأضلاع الذي أنشأناه هو...
- إن متوازي الأضلاع المرسوم في أعلى الصفحة هو...
- إن كثير الحدود الذي درسناه هو من الدرجة الثالثة.
- إن كثير الحدود المدروس آنفاً له أهمية خاصة...
وإذا أردنا تنكير هذه المصطلحات، نجرِّد المضاف إليه من (أل)، نحو:
- ارسم متوازيَ أضلاعٍ بحيث يكون...
- ... وبذلك نحصل على كثير حدودٍ من الدرجة الثانية.
§ أما إذا لم تَرِد التراكيب المذكورة آنفاً وحدَها، فتكون حينئذٍ نكرات تصِف أشياء أخرى غير التي تُفهم منها وحدها. فإن كان الموصوف نكرة أمكن نعته بها، فنقول مثلاً:
-
(84/2)
82- وَقَعَ ذلك أخيراً / بِأَخَرَةٍ / حديثاً / قبل مدة قصيرة / قريباً... لا: مُؤَخَّراً!
جاء في (المعجم الوسيط): "المُؤَخَّر: نهاية الشيءِ من الخَلْف. يقال: مُؤَخَّر السفينة، ومُؤَخَّر البناء. والمؤخَّر من الدَّيْن أو الصّداق [بفتح الصاد وكسرها]: ما أُجِّل منه."
وجاء أيضاً (أخيراً): "يقال: لَقِيْتُه أخيراً، وجاء أخيراً: آخِرَ كلِّ شيء."
وفي التنْزيل العزيز: ?كَمَثَلِ الذين مِن قَبْلهم قريباً ذاقوا وَبالَ أَمْرِهم? أي: مَثَلُهم كَمَثَل الذين من قَبْلهم بزمنٍ قريب (تفسير الجلالين).
(85/1)
83- على حِدَةٍ، على حِدَتِهِ، على حِدَتِها (لا: على حِدا، ولا: على حِدى، ولا: على حِدَه!)
جاء في معجم (متن اللغة /وحد):
"وَحَدَ يَحِدُ وَحْداً وحِدَةً: صار وَحْدَه". وجاء فيه:
"الحِدَةُ: كالعِدَة (مَصْدر). تقول: جَعَلَه على حِدَةٍ، أي مُنْفرداً وَحْدَهُ. وتقول: فَعَلَه من ذات حِدَتِهِ، وعلى ذات حِدَتِه ومن ذي حِدَتِه، أي من ذات نَفْسِه ومن ذات رأيه. وتقول: جَلَسَ على حِدَتِه، وعلى حِدَتِهما، وعلى حِدَتِهم، وعلى حِدَتِهِنَّ."
ولا بدّ من التفريق بين الهاء والتاء المربوطة، بوضع نقطتين فوق التاء، وإنْ كنا نقف عليها هاءً!.
قال مصطفى صادق الرافعي (وحي القلم 2/266):
"قال: هذا مجنون وليس بنابغة؛ بل هذا من جهلاء المجانين؛ بل هو مجنون على حِدَتِهِ."
(86/1)
84- حِكاية حِكايات (لا: حكايا!)
تُجمع (حكاية) بالألف والتاء: حكايات، مثل: دعاية (دعايات)، بداية (بدايات)، نهاية (نهايات)، رماية (رمايات)، إلخ...
أما: تَحِيَّة، تكِيّة، هديّة، صبيّة، مَزِيّة، قضيّة... فهذه كلها تجمع جمع تكسير على: تَحايا، تكايا، هدايا، صبايا، مَزايا، قضايا... وتجمع جمعاً قياسياً بالألف والتاء (بعد حذف التاء المربوطة طبعاً!)، فنقول: هديّات، صبيّات، مَزِيّات، قضيّات.
وأما السَّحايا فمفردها سِحَاءة. وأما المِرآة فتُجمع على المَرائي والمرايا.
(87/1)
85- عَمود، لا: عامود!
لهذه الكلمة معانٍ عديدة توردها المعاجم. وتُجْمَع على: أعمدةٍ وعُمُدٍ وعَمَدٍ، ولا وجه لكتابتها بالألِف! كما يفعل الآن غير قليل من الناس!.
(88/1)
86- فَعَلَ ذلك تَحَسُّباً لِكِّل طارئ (لا: ... تَحَسُّباً من كل طارئ!)
للتحسُّب مَعْنيان؛
الأول: التَعَرُّف. جاء في معجم (أساس البلاغة): "خَرَجا يَتَحسَّبان الأخبار: يَتَعَرَّفانِها."
الثاني: توقُّعُ الأمر وتَحَيُّنه، أي تَطَلُّب وقتِه وحينِه.
فإذا قيل: فعل ذلك تحسُّباً لكل طارئ، فالمعنى: ... توقُّعاً واستعداداً له.
ويصح أن يقال: فعل ذلك تَحَفُّظاً من كل طارئ، أي احترازاً منه وتَوَقِّياً له.
(89/1)
87- الاستثناء والحَصْر بالأداة (إلاّ)
أولاً: المستثنى بـ (إلاّ):
إذا قلنا: (نجح الطلابُ إلا زيداً)، فإن (زيداً) هو المستثنى، ولفظ (الطلاب) هو المستثنى منه، و(إلا) هي أداة الاستثناء. وعلى هذا لا يكون مستثنى بغير مستثنى منه.
ونلاحظ في المثال السابق أن المستثنى منه جاء قبل (إلا)، وأن الكلام قبل (إلا) تام المعنى، وهذا ما نصادفه في معظم حالات المستثنى بـ (إلا). ولكن يمكن أن يتقدم المستثنى على المستثنى منه فيكون الكلام قبل (إلاّ) غير تام، نحو: نجح إلاَّ زيداً الطلابُ. قال الشاعر:
وماليَ إلا آلَ أحمدَ شيعةٌ ماليَ إلا مذهبَ الحقِّ مذهبُ
سننظر الآن في الحالات التي يكون فيها الكلام قبل (إلا) تاماً؛ فيصحّ حينئذٍ في المستثنى بـ (إلاّ) النصبُ دائماً. غير أنه إذا سبقه نَفْيٌ أو نَهْيٌ أو استفهام، جاز مع النصب إتباعُه على البدلية مما قبله:
أ- الكلام قبل (إلا) تام ومُثْبَت، نحو: جاء الأصدقاء إلا سعيداً.
ب- الكلام قبل (إلا) تام ومسبوق بنفي، نحو: ما جاء الأصدقاء إلا سعيداً.
ويصحّ هنا: ما جاء الأصدقاءُ إلا سعيدٌ. (سعيدٌ: بدل من "الأصدقاءُ").
ج- الكلام قبل (إلا) تام ومسبوق بنهي، نحو: ?ولا يَلتفِتْ منكم أَحَدٌ إلا امرأتَك?.
ويصحّ في غير القرآن: امرأتُك: بدل من (أَحَدٌ).
د- الكلام قبل (إلا) تام ومسبوق باستفهام، نحو:
?ومَنْ يَقْنَطُ مِن رحمة رَبِّهِ إلاّ الضالّون?؟
ويصحّ في غير القرآن: الضالّين: مستثنى منصوب. أما الضالون، فبدلٌ من ضمير (يقنطُ) وهو فاعل.
هـ - الكلام قبل (إلا) مَنْفيٌّ بـ (لا) النافية للجنس(164)، وهو - مع خبر (لا) المذكور أو المحذوف - تام المعنى، نحو:
§ لا رَجُلَ في الدار إلاّ زيداً/ زيدٌ.
§ ?فاعْلمْ أنه لا إلَهَ إلاَّ اللهُ?.
(90/1)
ويجوز في غير القرآن أن نقول: لا إله إلا اللهَ [النصب على الاستثناء، والرفع على البدلية: بدلٌ من الضمير المستتر في الخبر المحذوف وتقديره (موجودٌ)، وتقدير الضمير (هو)].
ثانياً: الحَصْر أو القَصْر:
إذا كان الكلام قبل (إلا) غير تامّ المعنى، ويعتمد على نَفْي أو نَهْي أو استفهام، وليس في العبارة مستثنى منه، فلا يكون التركيب استثناءً، بل حَصْراً، ويكون حُكْم الكلمة بعد (إلا) من حيث الإعراب تابعاً للسياق.
أ - النفي بـ (ما) أو (لم) أو (إنْ النافية) أو (لا)، والنهي والاستفهام.
في هذه الحالات، تَجَاهَلْ (إلاّ) وأداةَ النفي أو النهي أو الاستفهام وأعْرِبْ! نحو:
- ما رأيتُ (لم أَرَ) منه إلاَّ خيراً.
التركيب بلا حصْر هو: رأيت منه خيراً. [ النفي بـ (لم) أقوى منه بـ (ما): ?لم يَلِدْ ولم يُولَدْ?].
- ?ما على الرسول إلاّ البلاغُ?.
التركيب بلا حصر هو: على الرسول البلاغُ. البلاغُ: مبتدأ مؤخَّر.
- ?إنْ أنتَ إلاّ نذيرٌ?. (إنْ = ما).
التركيب بلا حصر هو: أنتَ نذيرٌ. نذيرٌ: خبر للمبدأ أنت.
- لا يَعْلمُ الغيبَ إلا اللهُ.
- لا يجوز أن يقود هذه السيارات إلا السائقون المكلفون بذلك.
ولكنْ:
لا يجوز أن يقود هذه السيارات أَحَدٌ إلا السائقون / السائقين...
[ لأن الكلام الآن قبل (إلاّ) تام! والتركيب تركيب استثناء].
- ?لا تقولوا على الله إلا الحقَّ?. (لا) الناهية، تجزم الفعل المضارع (بحذف النون هنا).
التركيب بلا حصر هو: تقولون على الله الحقَّ.
- ?فَهَلْ يُهْلَكُ إلا القومُ الفاسقون?؟
التركيب بلا حصر هو: يُهلكُ القومُ الفاسقون.
ب - النفي بـ (ليس). تَجَاهَلْ (إلا) وأَعْرِبْ، وإنِ انعكس المعنى!
- ليس في الدار إلاَّ رَجُلٌ. (رجلٌ: اسم ليس).
- ليس بينهما إلا ليالٍ. (ليال: اسم ليس).
- ليست الشهادةُ إلا خلوداً. (خلوداً: خبر ليس).
(90/2)
88- الخطأ في استعمال: (عَدا)
- (عَدا) كلمةٌ تستعمل للاستثناء، وتكون:
1- غير مسبوقة بـ (ما):
فيُنصب الاسم بعدها على المفعولية [لأن (عدا) هنا فعل]، نحو: جاء أصدقائي عدا سعيداً.
أو يُجرُّ الاسم بعدها [لأن (عدا) هنا حرف جرّ]، نحو: جاء أصدقائي عدا سعيدٍ.
ولا يجوز أن يليها الحرف (عن) بوجهٍ من الوجوه! فمن الخطأ أن يقال: تتسع الطائرة لمئة راكب عدا عن الملاّحين. والصوابُ: حَذْفُ (عن)!
وعلى هذا فقط أخطأ الكاتب الأديب - رحمه الله - حين قال: "... وذلك تطويلٌ قد يُضيّع الغاية من إقامة الدعوى، عدا عمّا في ذلك من نفقات قد يعجز عنها المدَّعي، المفروض فيه أن لا يجد ما يتبلّغ به". والصواب: "... عدا ما في ذلك من نفقات قد يعجز عنها المدَّعي، المفترض فيه أنه لا يجد ما يتبلّغ به."
2- مسبوقة بـ (ما)، وفي هذه الحالة لا يجوز إلا النصب على المفعولية، نحو:
جاء أصدقائي ما عدا سعيداً.
إذا كان المستثنى بـ (عدا) ضميراً للمتكلم (الياء)، نحو: (أطال الخطباء الكلامَ عدايَ)، كان (عدا) حرف جر، و(الياء) مبني عل الفتح في محل جر.
وإذا كان ضمير المتكلم مسبوقاً بنون الوقاية، كان هذا الضمير (الياء) في محل نصب (مفعولاً به)، نحو:
تُمَلُّ النَّدامى ما عَدِاني فإنني بكل الذي يهوى نديمي مُوْلَعُ
- يجب عدم خلط (عدا) التي للاستثناء، بالفعل (عدا)، الذي من معانيه:
عَدا يَعْدُو عَدْواً وعُدُوًّا وعَدَوَاناً: جرى جَرْياً.
عدا فلاناً عن الأمر عَدْواً وعُدْواناً: صَرَفَهُ وشَغَله. ومنه المَثَل المشهور: "ما عدا مما بدا؟" أي: ما صَرَفَكَ عما بدأت به؟ أو: ما منعك مما ظهر لك؟
عدا الأمرَ، وعن الأمر عَدْواً وعُدْواناً: جاوزه وتركه
عدا عليه عَدْواً وعَداءً وعُِدْواناً: ظَلَمه وتجاوز الحدّ.
(91/1)
89- (سِوى) و(غير) وإضافتهما إلى الأسماء
(سوى) و(غير) تضافان أبداً إلى الاسم، الظاهر أو الضمير (لا إلى الحرف!) ويشترط في الاسم بعدهما أن يعرَب مضافاً إليه دائماً، فهو مجرور أو في محل جر.
لذا من الخطأ أن يقال: لم أحصل سوى على كتاب واحد. لا تَسْتعِن سوى (غير) بالله.
والصواب أن يقال: لم أحصل على سوى كتاب واحد. لا تَسْتعِن بسِوى (بغير) الله.
والضمائر أسماء. ومنها ما هو للرفع، ومنها ما هو للنصب والجر. ومنها ما هو متصل ومنها ما هو منفصل.
أما ضمائر النصب والجر المتصلة فهي: الياء والكاف والهاء و(نا). [الضمير الأخير يكون للرفع أيضاً].
يقال: للمتكلم: سِواي، سِوانا. غيري، غَيرِنا.
وللمخاطب: سِواكَِ (الكاف للخطاب)، سِواكما، (الميم مع الألف تدلاّن على التثنية)، سِواكم (الميم حرف يدل على جمع الذكور)، سِواكُنَّ (النون المشدّدة المفتوحة حرف يدلّ على جمع النِّسْوة)، غيرَكِ، غيرَكما، إلخ....
وللغائب: سِواه...، غيرَه... [مِثْلُ الهاء في الحكم، الضمائر المتصلة: ها، هما، هم، هنَّ؛ علماً بأن الثلاثة الأخيرة تكون ضمائر رفع منفصلة أيضاً].
ولا يجوز أن تضاف (سوى) أو (غير) إلى ضمائر الرفع المنفصلة، لأنها مبنية على الضم (نحنُ)، أو في محل رفع (أنا، أنتِ، أنتما، أنتم، أنتُنَّ، هو، هي)، فلا تكون مضافاً إليه!
أي لا يصحُّ أن يقال: سِوى أنا/ سوى نحن (كما قال أحد المتحدثين في الإذاعة!)
أو: غير أنا / غير نحن....
بدلاً من: سواي، سوانا، غيري، غيرنا...
(92/1)
90- (إلاّ) و(لولا): دخولهما على الضمير
سواء كانت (إلاّ) أداة استثناء أو حَصْر، يمكن أن يَليَها اسمٌ ظاهِرٌ منصوبٌ أو مرفوعٌ أو مجرور؛ وأن يليها ضمير منفصل (أو متصل أحياناً) للرفع أو النصب تَبَعاً للمقام.
فمثال الاسم الظاهر قوله تعالى: ? فاعْلَمْ أنه لا إلهَ إلا اللهُ?.
ومثال ضمير الرفع المنفصل قوله تعالى:? اللهُ لا إلهَ إلا هوَ الحيُّ القَيُّوم?.
وقوله تعالى:? لا إلهَ إلاّ أنتَ سبحانك?.
وقول عمرو بن معدي كرب:
قد علِمتْ سلمى وجاراتُها ما قَنْطَرَ الفارسَ إلاَّ أنا
ومثال ضمير النصب المنفصل: جاءني أمسِ الضيوفُ إلاّ إياكَ.
? وإذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ في البحر ضلَّ مَنْ تَدْعونَ إلا إيّاه?.
ومثال ضمير النصب المتصل: جاءني أمسِ الضيوفُ إلاّكَ،
وقولُ المتنبي لسيف الدولة:
ليس إلاّكَ يا عليُّ هُمامٌ سيفُه دونَ عِرْضِهِ مَسلُولُ
وقول الآخر:
أعوذُ بربِّ العرشِ من فِتْيةٍ بَغَتْ عليَّ فمالي عَوْضُ إلاّهُ ناصرُ
أي: فمالي أبداً ناصرٌ إلاَّ إياه.
ملاحظة: جاء في كتاب الدكتور إبراهيم السامرائي: (الفعل زمانُه وأبنيتُه /12)، نقلاً عن الأستاذ إبراهيم مصطفى في كتابه (إحياء النحو) ما يلي:
"ونَعْلم من أسلوب العرب أن الأداة إذا دخلت على الضمير، مالَ حِسُّهم اللغوي إلى أن يصلوا بينهما، فيستبدلون بضمير الرفع ضمير النصب، لأن ضمير الرفع لا يوصَل إلا بالفعل، ولأن الضمير المتصل أكثر في لسانهم، وهم أحب استعمالاً له من المنفصل. قال ابن مالك (صاحب الألفية):
وفي اختيارٍ لا يجيء المنفصل إذا تَأتَّى أن يجيء المتصل."
(93/1)
ومن ذلك الأداة (لولا): إذ لا يكون الاسم الظاهر بعدها إلا مرفوعاً؛ ففي التنْزيل العزيز: ?ولولا فَضْلُ اللهِ عليكم ورحمتُه ما زَكَا منكم من أحدٍ أبداً?. وعلى هذا إذا لم يأتِ بعدها اسم ظاهر مرفوع، وَلِيَها ضمير رفع منفصل. ولكن العرب يقولون: لولاهُ ولولا هُوَ، ولولاكم ولولا أنتم: يستعملون ضمير النصب المتصل، وضمير الرفع المنفصل.
وقد صرّح ابن الأنباري بجواز وقوع الضمير المتصل محل المنفصل. [انظر مقالة الأستاذ صلاح الدين الزعبلاوي في مجلة التراث العربي (العدد 53، الصفحة 45)].
(93/2)
91- جواز استعمال بعض الكلمات، مثل: (بَحْت، مَحْض، صِرْف، قليل، كثير، ضِدّ، قريب، بعيد) لوصف المذكَّر والمؤنث والمفرد والجمع
- جاء في (المعجم الوسيط): "بَحُتَ الشيءُ يَبْحُتُ بُحُوتَةً وبَحْتاً: خَلَص ولم يخالطْه غيرُه. البْحتُ: الصِّرْفُ الخالص لا يخالطُه غيرُه. "
فالبحت - كما نرى - مَصْدر، لذا يجوز الوصف به، ويستوي حينئذ المذكَّر والمؤنَّث والمفرد والمثنى والجمع: (انظر حاشية الفقرة 48، الوصف بالمصدر). يقال: شرابٌ بَحْتٌ: غير ممزوج، ويقال: إنسانٌ عربي بحت: أي خالص النَّسَب، وعربيّةٌ بحت. وقد يؤنث ويُثَنَّى ويُجمع، فيقال: عربيةٌ بَحْتَةٌ؛ رياضيات بحتة / بحت؛ أَعْرابٌ بَحْتٌ وبُحُوتٌ.
- وجاء فيه: "الصِّرْفُ: الخالص لم يُشَبْ بغيره. يقال: شراب صِرْفٌ: غير ممزوج."
قال الخليفة عمر بن الخطاب: ما الخَمْرُ صِرْفاً بأذْهَبَ لعقول الرجال من الطمع. (الخمر مؤنثة).
يقال: خمْرٌ صِرْف. ويقال، مثلاً: المواقف الوطنية الصِّرْف.
- وجاء فيه: "مَحَضَ فلاناً يَمْحَضُه مَحْضاً: سقاه لبناً خالصاً لا ماء فيه. ومَحَضَ فلاناً الوُدَّ أو النُّصْحَ: أخلصه إياه."؛ "المَحْضُ: كل شيء خَلَصَ حتى لا يشوبَهُ شيءٌ يخالطه". فالمحض - كما نرى - مصدر. لذا يجوز الوصف به، ويستوي حينئذٍ الذكر والأنثى والجمع. وإن شئتَ ثَنَّيتُ وجَمَعْت. يقال: لبنٌ مَحْضٌ: خالصٌ لم يخالطه ماء، حلواً كان أو حامضاً. ويقال: الظرفية المحض؛ الإضافة المحضة (أي المعنوية أو الحقيقية).
- وجاء فيه: "القليل: ضِدُّ الكثير، .... ويقال: قومٌ قليل."
قال السَّمَوْءل:
تُعَيِّرنا أنّا قليلٌ عديدُنا فقلتُ لها إنّ الكِرام قليلُ
وما ضَرَّنا أنّا قليلٌ وجارُنا عزيزٌ، وجارُ الأكثرين ذليلُ
وقال الشاعر:
أَلَمْ تَعْلمي، يا عَمْرَكِ الله أنني كريمٌ على حينِ الكرامُ قليلُ؟
(94/1)
- وجاء فيه: "الكثير: نقيض القليل؛ يقال رجالٌ كثير وكثيرة وكثيرون؛ ونساء كثير وكثيرة وكثيرات."
- وجاء في (معجم ألفاظ القرآن الكريم): "الضِدُّ: المخالِف والمنافِس، للواحد والجمع. وفي التنْزيل العزيز:? كَلاّ سيكفُرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضِدًّا? المُراد: الخصوم."
- وجاء في (المعجم الوسيط): "القريب: الدّاني في المكان أو الزمان أو النَّسَب. يقال: مكان قريب، ومَحَلَّةٌ قريب، وهُمَا وهُمْ وهُنَّ قريب. وفي التنْزيل العزيز:? إن رحمةَ الله قريبٌ من المُحْسِنين?."
- وجاء فيه: "البعيد: المتنائي... وقالوا: (ما أنتم مِنّا ببعيد): جعلوا المفرد وغيره، والمؤنث وغيره في هذه الكلمة سواء."
(94/2)
92- حول تنوين الصَّرْف والوقوف على الساكن
التنوين: نونٌ ساكنةٌ زائدةٌ، تَلْحَق لفظاً أواخر الأسماء النكرات، وتُفارقُها خطًّا، نحْوُ: كتابٌ، كتابٍ، كتاباً. ونلاحظ أن تنوين النصب يقتضي زيادةَ أَلِفٍ على أواخر الكلمات المنصوبة المُنَكَّرة.
وإذا لحِقَتْ ألِفُ تنوين النصب الهمزةَ المتطرِّفَة، فإنها تبقى منفردةً على السطر، إذا كان الحرف الذي قبْلَها لا يتصل بما بعدها، نحوُ: أخذت جزءاً يسيراً. أما إذا كان ما قبلَها يتصل بما بعدها فتُكتب على نَبْرة، نحوُ: حملت عبئاً ثقيلاً (الأصل عِبْء).
وتُحذف ألِفُ تنوين النصب وجوباً في المواضع التالية:
1- من أواخر الكلمات المنتهية بهمزة قبلَها ألِف، نحو: بناءً، ماءً، سماءً، دعاءً، إلخ.... وعلى هذا لا يصحّ أن يُكتب: "بناءاً على القرار..."، أو "شربت ماءاً بارداً..."
2- من أواخر الكلمات المنتهية بتاءٍ مربوطةٍ، نحوُ: تلقَّيتُ رسالةً لطيفةً.
3- من أواخر الكلمات المنتهية بهمزةٍ فوق الألِف، نحو: دخل ملجأً، ارتكب خطأً.
4- من أواخر الكلمات المنتهية بألِفٍ ليّنة (قائمة، أو بصورة الياء) نحو: كسرتُ عصاً طويلةً؛ رأيت فتىً نحيلاً.
قاعدة مهمة: العربي لا يقف على متحرك!
فلا يقول مثلاً: جاء المعلِّمُ (بضّم الميم) ويسكت، بل يقول (جاء المعلمْ) فيقف على الساكن. ثم إنه لا يقف على مُنَّون، مع أن التنوين سُكون؛ فلا يقول مثلاً - في حالتي الرفع والجرِّ - (جاء بَشيرُنْ) و(هو على خَطَئِنْ)، بل يقول (جاء بشيرْ) و(هو على خطأْ)، فيحذف التنوين ويُسَكِّن!
أما في حالة النصب، فإنه لا يحذف التنوين عند الوقوف، بل يَقْلِبُه ألِفاً (لفظاً فقط، ولا تُكتب الألف بعد الهمزة!)، فلا يقول مثلاً (رأيتُ بشيرَنْ) بل يقول (رأيت بشيراْ). وعلى هذا لا يصحُّ أن تقول: (شربتُ ماءَنْ) ولا (شربتُ ماءْ)، بل تقول: (شربتُ ماء(اْ)) و(ارتكبَ خطأَ(اْ)) و(هذا أيضاْ)، وهكذا....
ملاحظة:
(95/1)
حين يُستعمل التركيب "صباحَ مساءَ" - الذي يفيد الدأب والاستمرار - فإنه يُبنى على فتْح جزأيه. يقال مثلاً: (إنها تزوره صباحَ مساءَ منذ أسابيع). فإذا أُريدَ الوقف على كلمة (مساء) يوقَف عليها بالسكون (صباحَ مساءْ) لأنها، في هذا التركيب، غير منوَّنة أصلاً.
وكذلك التركيب "ليلَ نهارَ" - الذي يفيد الدوام والاستمرار - نحو: (يعمل المصْنعُ ليلَ نهارَ طَوال الشتاء). فإذا أُريدَ الوقوف على كلمة (نهار) يوقف عليها بالسكون (ليلَ نهارْ) لأنها، في هذا التركيب، غير منونة أصلاً.
ولكن يقال مثلاً: تذاع الأخبار صباحاً ومساءَ(اْ). تتواصل الدوريات ليلاً ونهاراْ. لأن (مساءً) تنوَّن إذا دَرَجَ المتكلم، نحو:... صباحاً ومساءً كلَّ يوم؛ وكذلك (نهاراً).
أما في قصيدة أحمد شوقي في رثاء عمر المختار (من الكامل):
رَكَزُوا رُفاتَكَ في الرِّمال لِواءً يَستَنْهضُ الواديْ صباحَ مَسَاءَاْ
فقد اقتضى الشِّعْرُ إشباعَ حركة الرَّوِيِّ (القافية) بـ (أَلِفِ الإطلاق): مساءَاْ. وتُلفظ (لِواءاْ) على المنهاج، لأنها في الأصل مُنَوَّنة: لِواءً!
ملاحظة ثانية:
إنِ اضْطُرَّ مَن يقرأ الآية:? ... فإمّا مَنًّا بَعْدُ وإما فِداءً حتى تضعَ الحربُ أوزارَها...? إلى الوقوف على كلمة (فداءً) نَطَقَ بها [فِداءَ(اْ)]! أما إنْ أراد الوقوف على كلمة (أولياءَ) في الآية: ? أَفَحَسِبَ الذين كفروا أن يَتَّخذوا عبادي من دوني أولياءَ إنّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ للكافرين نُزُلاً? فَيَنْطق بها (أولياءْ) لأنها في الأصل غير مُنَوَّنة (ممنوعة من الصَّرْف).
(95/2)
93- حول بعض حالات المنع من التنوين (المنع من الصَّرْف)
الاسم المَصْروف هو الذي يجوز أن يلحقه التنوين والجرُّ بالكسْرة. أما الاسم الممنوع من الصَّرْف فلا يُنوَّن، ويُجرُّ بالفتحة نيابةً عن الكسرة. وهناك أسماءٌ على وزن (أَفْعال) تنتهي بهمزة (غير زائدة) قَبْلها ألِفٌ زائدة. وهذه كلُّها - باستثناء كلمة (أشياء) - مَصْروفة أي تُنوَّن. ومن الخطأ أن تُعامَل معاملة (أشياء)! تقول: أنباءٌ؛ أنباءً؛ أنباءٍ.
ومن هذه الأسماء: آراءٌ، أخطاءٌ، أضواءٌ، أجزاءٌ، أعباءٌ، أبناءٌ، آباءٌ، أنحاءٌ، أرجاءٌ، أزياءٌ، أحياءٌ، أبهاءٌ، أعداءٌ، إلخ...
أما (أشياء) فشذَّت سماعاً: فهي لا تُنَوَّن، وتُجرُّ بالفتحة نيابة عن الكسرة، نحو: هذه أشياءُ جميلةٌ؛ رأيتُ أشياءَ جميلةً. (لا يقال: أشياءٌ، أشياءً!) وفي التنْزيل العزيز:? يا أيها الذين آمنوا لا تَسألوا عن أشياءَ إنْ تُبْدَ لكم تَسُؤْكم?.
- ومِثلُ (أفعال) المذكورة (إفْعال)، نحو: إملاءٌ، إحياءٌ، إعطاءٌ، إعياءٌ...
- ومن الممنوع من التنوين:
أ- كل اسم إيقاع وزنه (مَفاعِل) أو (مَفاعِيل) أي كلُّ جَمْعٍ كان بعد ألِفِ تكسيره:
- حَرْفان (وقد يكون أحد الحرفين مُدْغماً في الآخر)، نحو: مساجد، معابد، دراهم، تجارب، طبائع، جواهر، ... خَواصّ، مَوادّ، عَوامّ، دوابّ...
- ثلاثة أحرف أَوسَطُها ساكن، نحو: مصابيح، قناديل، دنانير، عصافير، مناديل، أحاديث، تهاويل، كراسيّ، أناسيّ (جمع إنسان)...
ب- الأسماء المنتهية بهمزة زائدة قَبْلها ألِفٌ زائدة. وأهمّ هذه الأسماء ما كان على وزن:
- فَعْلاء، نحو: صحراء، حسناء، شقراء، شمطاء، نجلاء، عمياء، لمياء، عرجاء...
- فُعَلاء، نحو: علماء، شعراء، جهلاء، شهداء، كرماء، زملاء، دُنآء (ج دَنِيء)...
(96/1)
- أَفْعِلاء، نحو: أنبياء، أولياء، أوفياء، أغنياء، أذكياء (مفرد كلٍ منها رباعي معتلّ اللام)، أطبّاء، أحِبّاء، أعزّاء، أذلاّء، أشدّاء... (طبيب، حبيب، عزيز، ذليل، شديد).
ج- ما كان من الأسماء وزنه (أَفْعَل) سواء كان صفةً مؤنثها فَعْلاء (نحو: أحمر حمراء، فلا يدخل في هذه المجموعة أَرْمَلٌ أرملةٌ!) أو عَلَماً (أحمد؛ أسعد) أو اسم تفضيل مؤنثه فُعْلى (أفضل، فُضْلى).
ملاحظة: لا يُجرُّ الممنوع من الصرف بالكسرة إلا في حالتين:
1- إذا اقترن بـ (أل) كقول الشاعر:
وإذا افتقرْتَ إلى الذخائِرِ لم تَجِدْ ذخراً يكون كصالح الأعمالِ
1- إذا أُضيف إلى اسمٍ بَعْدَه:
? لقد خَلَقْنا الإنسانَ في أحسنِ تقويم?.
ومن مظاهرِ الثقافة...
(96/2)
94- النَّسَب إلى (الكيمياء)
القاعدة، عند النسب إلى الاسم الممدود، هي النظر في همزته: فإن كانت أصلية بقيت على حالها، وإن كانت للتأنيث قُلبت واواً، وإن كانت منقلبة عن أصلٍ جاز إبقاؤها وقلبها واواً.
وقد أعاد مجمع القاهرة سنة 1969 النظر في النسبة إلى (كيمياء)، بعد أن ناقشتها لجنة الأصول مناقشة تامة، وانتهى إلى القرار الآتي:
"يجوز إثبات الهمزة في النَّسَب إلى (كيمياء) ... ولكن قلْبها واواً أَوْلى."
وعلى هذا نقول: كيميائي وكيمياوي، وهذا ما أورده (المعجم الوسيط).
أما النسب إلى (الكِيماء)، وهذا ما قاله بعض الأقدمين من السَّلف، فهو (الكيماوي)، ولم يورد (المعجم الوسيط) -معجم مَجْمع القاهرة- هذه الكلمة إلا في الطبعة الثالثة! ثم إنه استعمل لفظ (كيميائي) صفةً للعاقل ولغيره! ولا داعي للتمييز بينهما كما اقترح بعضهم: فكلمة (لغويّ) مثلاً، تستعمل صفة للعاقل ولغيره. تقول: عالِمٌ لغوي، وبحث لغوي.
أخيراً: تُستعمل كلمة (فيزيائي) لوصف العاقل وغيره. وأرى - للمُشاكلة - أن نقتصر على استعمال كلمة (كيميائي).
جاء في (أخبار الحكماء) للقفطي أن ثمة كتاباً للفيلسوف الكِندي اسمه: (التنبيه على خدع الكيميائيين) عاش الكندي من 796 إلى 873 م.
(97/1)
95- تَبْيِيْن، لا: تَفْنِيْد !
جاء في (المعجم الوسيط): "فَنَّد رأيَ فلان: أَضْعَفَهُ وأبْطَلَه. فَنَّدَ فلاناً = أَفْنَدَهُ: خَطَّأَ رأْيه." وفي التنْزيل العزيز حكايةً عن يعقوب: ?إني لأجدُ رِيحَ يوسفَ لولا أنْ تُفَنِّدوْنِ? أي لولا أنْ تُفَنِّدوني(1): لولا أنْ تُسَفهِّوا رأيي لَصَدَّ قتموني.
يقال على الصواب:
· هذا زَعْمٌ يَسهُل تفنيده: أي يسهل إبطاله وبيان زَيْفه.
· يمكن بسهولة تفنيد هذا الادعاء !
ويَستعمل بعض الناس هذه المادة، خطأً، في غير ما وُضِعت له، فيقولون، مثلاً: فَنِّدْ لي هذه النفقات الإجمالية ! يريدون: بَيِّنْ لي تفصيلاتها.
(1) حذف الياء التي هي ضمير المتكلم من آخر الأفعال جائز، مثل: أكْرَمَنِ = أكرمني، أَهانَنِ = أهانني؛ إيايَّ فاعبدونِ = فاعبدوني. ( النحو الوافي 1/ح 186).
(98/1)
96- حَوْلَ
جاء في (المعجم الوسيط): "الحَوْلُ من الشيء: الجهات المحيطة به. يقال: رأيتُ الناسَ حَوْلَه."
وجاء فيه: "دَارَ: طاف حَوْلَ الشيء."
وجاء فيه: "حامَ حَوْلَ الشيء وعليه حَوْماً وحَوَماناً: دارَ. وفي الحديث: (مَنْ حامَ حولَ الحِمَى يُوشِك أن يقع فيه) أي: مَن قارَبَ الآثام قَرُبَ اقترافهُ لها."
وجاء في معجم (متن اللغة): "هو حَوْلَ الشيء: أي يَطِيفُ به من جوانبه." [يَطِيف = يَطُوف].
وجاء فيه: "دارَ حَوْلَ البيت: طافَ حَوْلَه."
وجاء في معجم (أساس البلاغة): "قَعَدُوا حَوْلَه."
وجاء في (معجم ألفاظ القرآن الكريم): "حَوْلُ الشيء: ما يُحيط به، ويُستعمل منصوباً، وتارةً مجروراً بِمِنْ."
وفي التنْزيل العزيز: ?قال لِمَنْ حَوْلَه ألا تَسْتمِعُون?.
وفي التنْزيل العزيز: ?ولو كنتَ فظّاً غليظَ القلب لا نْفَضُّوا مِن حَوْلِك?.
يستبين بما سبق أنه إذا قلنا: تدور الأرضُ حَوْلَ الشمس، كان الكلام مستقيماً. وإذا قلنا: يدور الدولاب حَوْلَ مِحوره، كان الكلام سليماً.
وإذا قلنا: دارَ النقاش حَوْلَ الموضوع الفلاني، كان الكلام مجازاً، بمعنى أن النقاش تناول الموضوع من جوانبه المختلفة.
وكذلك إذا قلنا: أدارَ المحُاضِرُ الحديثَ حول الزكاة.
أو إذا قلنا: أدارَ صاحبُ البرنامج الإذاعي الحلقة حول الأدب الأُمَوِيّ.
ومن المجاز أيضاً:
- "... فقلت أنت تحوم حول أبي نُواس في قوله ..." (الأغاني 7/220).
- " ...وفي المناقضات التي دارت بين الفرزدق وجرير حول زواج بنت زيق..." (الأغاني 10/303). [ناقضَ الشاعرُ الشاعرَ: قال أحدهما قصيدةً فنَقَضَها صاحبُه عليه رادّاً على ما فيها معارضاً له (المعجم الوسيط). ثم إن الحِوار والمُساجلة أيضاً يجري كلٌّ منهما بين شخصين فأكثر، فكأنهما ( فكأنهم) يتناولون الموضوع من جوانب مختلفة.]
- " ... حِوار حول تبذيره المال." (الأغاني 12/37).
(99/1)
- " ... مُساجَلة حولَ جارية يقال لها مليحة." (الأغاني 23/39).
وغالباً ما تستعمل كلمة (حَوْل) في هذه الأيام استعمالاً يُجانبه التوفيق:
والوجه أن يقال:
- دراسات في اللغة.
- تقرير عن الجلسة. (أجاز مَجمْع اللغة العربية بالقاهرة تضمين حرف الجر (عن) معنىً - يُضاف إلى معانيه المعروفة- هو "الاتصال والتعلُّق والارتباط")
- ألقى محاضرة عن...
- حديث عن الجاحظ.
- معلومات عن المقاييس.
- معطيات عن كذا.
- كتاب في الهندسة.
- مَراجع في المقاييس.
- آراء القراء في الكتاب.
- كتب فصلاً في / عن البلاغة.
- توضيحُ فتوى/توضيحٌ لفتوى فلان.
- ملاحظات (على/ تتعلق بـ) الأسباب ...[ بمعنى تعقيب/ استدراك على]
- إرشادات ذات صِلة / تتصل ب كذا..
- ...شكّ في الدلالة...
- ...تعاليمه الخاصة بإدارة الجودة...
- جاءنا تساؤلات عن مرض (الجمرة الخبيثة)
وفي التنْزيل العزيز: ?عَمَّ يَتَساءِلون عن النبأ العظيم?
فقد قال بعضُهم:
- دراسات حول اللغة.
- تقرير حول الجلسة.
- ألقى محاضرة حول.....
- حديث حول الجاحظ
- معلومات حول المقاييس.
- مُعطيات حول كذا.
- كتاب حول الهندسة.
- مَراجع حول المقاييس.
- آراء القُرّاء حول الكتاب.
- كَتَبَ فَصْلاً حول البلاغة.
- توضيح حول فَتْوى فلان.
- ملاحظات حول الأسباب الموجبة للقانون..
- إرشادات حول كذا...
- لا يوجد أيُّ شكّ حول الدلالة على...
- أفادت تعاليمه حول إدارة الجودة كثيراً
- جاءنا تساؤلات حول مرض (الجمرة الخبيثة)
(99/2)
97- عَكَسَ، انعكس؛ انعكاس
مما جاء في (المعجم الوسيط):
"عكسَ الشيءَ يعكِسه عكْساً: قَلَبه؛ وعَكَسَ على فُلانٍ أَمْرهُ: رَدَّه عليه. انعكسَ الشيءُ: ارتدَّ آخرُهُ على أَوَّله."
وقد استعمل العالم العربي الشهير ابن الهيثم (قبل ألف سنة) الفعل المطاوع (انعكس) كثيراً في بحوثه في علم الضوء، مثل: (إذا لقي الضوء جسماً صقيلاً فهو ينعكس عليه) أي يرتّدُّ عنه. هذا هو الأصل في الاستعمال.
ويَستعمل الآن كثيرٌ من الناس (الانعكاس) ترجمةً للكلمة الإنكليزية (أو الفرنسية) Repercussion. ولا بأس في هذا: فقد شرح المعجم (المورد) هذه الكلمة كما يلي:
"1- ارتداد 2- ترجيع صدى 3- المضاعَف: أثرٌ تالٍ أو مُتلكِّئ (أو نتيجة غير مباشرة)"
وهذا يعني أنه يمكن - عند ترجمة الكلمة الإنكليزية (أو الفرنسية) - استعمال (الارتداد أو الانعكاس أو ردّ الفعل) أحياناً، لا دائماً !
فلا بأس في قولهم: "وقد حذَّر الرئيسان... من الانعكاسات الخطِرة لهجوم عسكري على أفغانستان يجري خارج الأمم المتحدة." أي: حذّرا من ردود الأفعال الخطِرة...
أما قولهم: ( ... وهذه الأرقام تبيّن انعكاس (!) فقدان الأمن على الحالة الاقتصادية.)
فالوجه أن يقال: (... تُبيّن أثر فقدان الأمن في الحالة الاقتصادية.)
والآن، ما الرأي في الاستعمالات الآتية، التي نصادفها في مجلات هذه الأيام؟ أليس البديل (المذكور بين قوسين) هو الكلمة أو العبارة التي لا تحتاج إلى تخريج متكلَّف؟
1- ... وله ( فكتور هيغو) عينان واسعتان عميقتان تنعكس (فيهما)! (تُشِعُّ منهما / تتجلّى فيهما) عبقريته ونبوغه.
2- ... فقد تعددت آراء الباحثين حوْل (!) حقيقة ما ذهبت إليه جان دارك، هل هو انعكاسٌ لِ (نتيجة / تعبير عن) أحاسيس عامة كانت سائدة بين الفرنسيين؟
3- ... فهذان الحدثان انعكسا بشكلٍ (!) مباشر على (كان لهما أثرٌ مباشر في) حياة جان دارْك.
(100/1)
4- ... ثم إن الرقابة هنا تعكِس (تشير إلى / تعبِّر عن / تُظهِر / تفضح) خوف السلطات واهتزاز موقفها...
5- ... وانعكس ذلك على (وتأثرت بذلك) حالة الإنتاج والتجارة. وانعكس بدرجةٍ أكبر على (وتأثرت بقدْرٍ أكبر) حالة العمالة.
6- ... انخفضت نسبة المشتغلين بالتشييد، وهو قِطاعٌ يعكِس (يظهِر / يبيِّن / يُبرِز) حالة الاستقرار أو حالة التوتر.
7- ... وجرى تحديث هذه النسخة لتعكس (لتُظْهِر / لتُوِضح / لتُبيّن / لتُبرِز / لتصِفَ / لتشرَحَ) الوضع العالمي الراهن والتحديات الجديدة.
كتب طه حسين ( جريدة الجمهورية الصادرة بتاريخ 18/12/1953) مقالاً مطّولاً جاء فيه: "... فكّل أدب في أي أمة من الأمم، إنما يصور نوعاً من أنواع حياتها، ولوناً من ألوان شعورها وذوقها وتفكيرها وانعكاس (!) الحياة في نفوسها..."
تُرى، هل ساهم كلام طه حسين فيما صنعه مَجْمع القاهرة بعد ذلك؟ فقد أجاز هذا المجمع مِثْلَ قولهم:
["عكسَتِ الرحلةُ آثاراً طيبة على وجوه المشتركين فيها" أي ردَّت إلى نفوسهم آثاراً حميدةً واضحة تبَيَّن تأثيرُها على وجوههم واتضح.
وقولهم: "انعكس على العمال إهمال رؤسائهم فتهاونوا في أعمالهم." أي ارتد إليهم إهمال الرؤساء فأثرَّ فيهم، وتبيَّن تأثيره في إهمالهم.
فالعكسُ هو الردُّ والتأثير والتوضيح، والانعكاس هو الارتداد والتأثير والاتضاح"].
انتهى كلام المجمع القاهري !!
جاء في معجم المجمع (المعجم الوسيط): "رَدَّهُ: مَنَعَه وصَرَفَهُ؛ أَرْجَعَهُ."!
قلت: أليس الوجه أن يقال:
- تركتِ الرحلةُ آثاراً طيبةً على وجوه المشتركين فيها.
- انتقلت عدوى الإهمال من الرؤساء إلى العمال فتهاونوا في أعمالهم. أو: تهاون العمال في أعمالهم نتيجةً لإهمال رؤسائهم.
أخيراً، للكاتب- في كل حال- أن يَتَخيَّر بين (الجيد) و(المقبول)...
(100/2)
98- (مادام) المصدرية الشرطية أو الظرفية الشرطية
جاء في (المعجم الوسيط): "دام الشيء يدوم دَوْماً ودواماً: ثَبَتَ. (مادام): يقال: لا أجلسُ ما دُمْتَ قائماً: مدةَ قِيامك."
يقال على الصواب: يستحق المَرْءُ الاحترام والتكريم مادام شريفاً.
ويرى بعض العلماء أنه لا يصحّ تَقَدُّم (مادام) - أي لا يصحّ أن تجيء في صدر الجملة، نحو: (مادام عليٌّ مجتهداً في دروسه فسيكتب له النجاح.) - وأنه يجب تأخرُّ (مادام) عما يكون مظروفاً أو جملة، نحو: ? ... وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دُمْتُ حَيّاً?. ونحو:
لا طِيْب للعيش مادامت منغَّصَةً لَذَّاتُه بادِّ كار الموتِ والهَرَمِ
والحق، أن تَقَدُّم (مادام) هذه قديم صحيح، ورد في كلام الفصحاء. قال عبد الرحمن الداخل (ت 171هـ)، وكان من البلاغة بالمكان العالي:
مادام من نَسْلي إمامٌ قائمٌ فالمُلْكُ فيكم ثابتٌ متواصلُ
وقال الخليل الفراهيدي لرسول سليمان بن علي (عمِّ السفّاح والمنصور) وهو يشير إلى خبزٍ بيده: "مادمت أجده فلا حاجة لي إلى سليمان."
وقد أورد الأستاذ صبحي البصّام - في مقالة نشرتها مجلة (مَجْمَع اللغة العربية بدمشق، المجلد 57، الجزء الرابع، ص 639) - 24 شاهداً قديماً فصيحاً على استعمال (مادام) المصدرية الشرطية. ونلاحظ اقتران جوابها بالفاء، على المنهاج في الحالات التي يقتضيها جواب الشرط.
والملاحَظ في أيامنا هذه أن (مادام) تُستعمل في غير ما وُضعت له:
فيقولون:
- ومادُمْتَ قد جئت إلى دمشق فَلِمَ لم تَزُرْني؟
- عليك ألاّ تُحْجِم عن مساعدته مادمت وَعَدْته!
- ومادُمْنا نعرف أثره الخطِر فيجب أن نحتاط
والوجْه أن يقال:
- وإذ قد جئت إلى دمشق فَلِمَ لم تَزُرْني؟
- عليك ألاّ تحجم عن مساعدته بعد أن وعَدْته!
- ولأننا نعرف أثره الخطِر، يجب أن نحتاط.
(101/1)
وقديماً قال الجاحظ (الحيوان 2/261): "وإذ قد وجدناه...، فكيف لا نقضي..." وقال ابن سِيْدَه (اللسان 14/301): "وإذ هي خمسة، فظاهر أمرها..."
(101/2)
99- قَلَّما، طالما
هاتان الكلمتان لا يليهما إلا فِعل: (قلَّما) يليها فعل مضارع أو ماض؛ أما (طالما) فمخصوصة بالماضي.
1- جاء في (المعجم الوسيط): "قَلَّ الشيءُ يَقِلُّ قِلَّةً: نَدَرَ. وقلَّ: نَقَصَ. ويقال: هو يقلُّ عن كذا: يصغُر عنه. وقد تتصل (ما) بـ (قَلَّ) فتفيد النفي الصِّرف أو إثبات الشيءِ القليل. يقال: قلّما يُخْلِفُ النبيل وعْدَه. قلّما تجد الصديقَ الوفيّ."
قال مصطفى صادق الرافعي (وحي القلم 2/220): "... وقلّما رأيت رجلاً يستحقها إلا وهو لا يحتاج إليها."
2- جاء في معجم (متن اللغة): "طال الشيءُ: امتدَّ."
وجاء في (المعجم الوسيط): "طال يطول طُولاً: علا وارتفع."
(طالما) مركّبة من (طال) و( ما). ومعناها: طال، كقول الحريري في مقالته الصنعانية:
"طالما أيقظك الدهرُ فتناعَسْت." [أيقظ: فعل ماض !]. أي طال إيقاظ الدهر إياك.
طالما أوْفَيْتَ بوعدك: طال إيفاؤُك بوعدك.
طالما نصحت لك ألاّ تشارك هذا الرجل. طالما حذّرتك (من) مَغَبَّة هذه الأعمال!
في هذه النماذج استُعملت (طالما) استعمالاً صحيحاً. ولكن كثيراً ما يُخْطئون في استعمالها: فيقولون:
- لن ينجح فلان طالما هو منغمس في اللهو.
- طالما أنت بخير فأنا بخير! (يليها هنا ضمير!)
- لِمَ لا يشتري سيارة طالما يملك مالاً كثيراً؟ [يليها هنا مضارع، لا ماض !!]
- سوف تنجح طالما تسهر الليالي في الدراسة.
والوجهُ أن يقال:
- لن ينجح فلان ما بقي / مادام منغمساً...
- أنا بخير ما دُمْتَ بخير.
- لم لا يشتري سيارة، وهو يملك الكثير من المال؟
- سوف تنجح لأنك تسهر الليالي...
(102/1)
100- (إنْ) و(إذا) الشرطيتان: أوجه الشبه والاختلاف بينهما
سنقْصِر الحديث فيما يلي على (إنْ) و(إذا) الشرطيتين، علماً بأنهما تكونان غير شرطيتين أيضاً.
[قد تتجرد (إذا) للظرفية المحض، غير متضمنة معنى الشرط. فتكون ظرفاً للحال بعد القَسَم، نحو: ?والنجم إذا هوى?؛ ?والليل إذا يغشى? فهي هنا بمعنى (حين). وتكون للزمان الماضي، نحو:? حتى إذا ساوى بين الصَّدَفَيْن قال انفُخُوا?؛ وللاستمرار في الماضي دون الشرط، نحو: ?وإذا رأوا تجارةً أو لَهْواً انفضّوا إليها?؛ ?وإذا لقُوا الذين آمنوا قالوا آمَنّا?. وتكون للوقت المجرّد، نحو: صَلِّ إذا طلع الفجر، أي وقتَ طلوعه.]
للشرط جملتان: جملة للشرط، وأخرى للجواب (أو الجزاء).
(إنْ) أداة شرط جازمة - ومن المقرر أن أداة الشرط الجازمة - مهما تكن صيغة فعل الشرط أو جوابه - تجعل زمن شرطها وجوابها مستقبَلاً خالصاً، نحو:
إنْ جئتني أكرمتُك. إن تَجِئْني أُكرمْك.
(إذا) ظرفٌ للمستقبل غالباً، متضمن معنى الشرط غالباً. وقد اجتمع النوعان -الظرفية الشرطية والظرفية المحضة - في قول الشاعر:
إذا أنت لم تَتْركْ أخاك وزَلَّةً - إذا زَلَّها - أو شكتما أن تَفَرَّقا
وتضاف (إذا) الظرفية الشرطية إلى جملة فعلية خبرية هي -في الأكثر- ماضوية. وقد اجتمع النوعان في قول الشاعر:
والنفس راغبةٌ إذا رغَّبْتَها وإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تَقْنعُ
ومثال الجملة الخبرية المضارعية أيضاً:
وإذا تكون كريهةٌ أُدعى لها وإذا يُحاسُ الحَيْسُ يدعى جُنْدُبُ
والماضي في شرطها أو جوابها مستقبَلُ الزمن، سواء أكان ماضي اللفظ أم كان ماضياً معنىً وحُكْماً دون لفظ، وهو المضارع المجزوم بـ (لَمْ)، نحو:
إنَّ السماء إذا لم تَبْكِ مٌقْلَتُها لم تضحكِ الأرض عن دانٍ من الثَّمرِ
(كُسِرت كاف تضحك لالتقاء الساكنين).
إذا أنت أكرمتَ الكريمَ مَلكْتَهُ وإنْ أنت أكرمْتَ اللئيم تَمَرَّدا
أحكام (إنْ) و(إذا)
(103/1)
1ً- يمتنع وقوع فعل الشرط ماضيَ المعنى حقيقةً، فلا يصحّ أن نقول: إنْ هَطَل المطر أمسِ يشرب النبات. وأما قوله تعالى على لسان عيسى عليه السلام: ?إن كنتُ قلتُه فقد عَلِمتَه? فالقرائن تدل على أن المراد: إنْ يثْبتْ في المستقبل أني قلتّه فقد عَلِمتَه.
2ً- تختص (إذا) الشرطية بالأمر المتيقَّن (أي المحقَّق الحصول) أو المظنون (أي المرجَّح حصوله وتَحَقُّقُه)، ولكن الأول هو الأغلب، نحو:
- إذا أقبل الشتاء أقيمُ عندكم. (لا بد أن يأتي الشتاء!)
- إذا جئت أكرمتُك. (أنت على يقين من مجيئه)
- آتيك إذا احْمَرَّ البُسْرُ، والبُسْرُ لا بد أن يحمرّ فهو التمر قبل أن يصبح رُطَباً.
3ً- وتختص (إنْ) الشرطية بالمشكوك فيه (الذي يتساوى فيه تَوَقُّع الحصول وعدم التوقّع) أو بالمستحيل، أو -أحياناً- بالمحقَّق (لنكتة بلاغية)، نحو:
- إنْ تدرسْ تنجحْ. (الدراسة مشكوك فيها: قد تحصل وقد لا تحصل!).
- إنْ جئتَ أكرمتُك.
- ?قلْ إن كان للرحمن ولدٌ فأنا أول العابدين? هنا استحالة! الرحمن لم يلد ولم يُولَد!
- ?وما جعلْنا لبَشَرٍ من قبلك الخُلْد، أفَإنْ مِتَّ فَهمُ الخالدون؟? أُنزل الموت -وهو محقَّق- مَنْزلة المشكوك فيه لإبهام زمنه.
- إذا قال الأب لابنه: (إنْ كنتَ ابني فَافْعلْ كذا) فالشرط مُحقَّق! والغرض استنهاض الهمة!
وعلى هذا تختص (إذا) الشرطية بمتيقَّن الوجود بحكم معنى الظرف، كما تختص أداة الشرط (إنْ) بالمستحيل. وتشتركان في المشكوك فيه والمحتَمَل بحكم معنى الشرط.
والقرائنُ وحدَها هي التي تعيّن اليقين، أو الظن، أو الشك، أو الاستحالة...مع الدلالة على الشرطية في كل حالة.
(103/2)
4ً- وقد وُضعتْ (إنْ) -في الأكثر- لتعليق الجواب تعليقاً مجرداً يراد منه الدلالة على وقوع الجواب وتَحقُّقه، بوقوع الشرط وتَحقُّقِه [سواء أكان الشرط سبباً في وجود الجواب، نحو: إن تطلع الشمس يَخْتَفِ الليل، أم غير سبب، نحو: إن كان النهار موجوداً كانت الشمس طالعة].
مثال ذلك قوله تعالى: ?وإنْ تُبْدُوا ما في أنفسِكم أو تُخْفوه يحاسِبْكم به الله?.
5ً- حُكْم (إذا) -مع أنها غير جازمة- هو حكم أدوات الشرط الجازمة [ومنها (إنْ)] من حيث اقترانُ جوابها بالفاء أو عدمُه. وهناك قاعدتان:
القاعدة الأولى:
إذا لم يَصْلح الجواب لأن يكون شرطاً -وذلك بأنْ كان جملةً اسميةً، أو فعلية فِعْلها طلبيّ أو جامد أو مسبوق بـ (ما) النافية، أو (قد)، أو (لن) أو (س) أو (سوف) أو (ربّما) أو (كأنما)- وَجَبَ اقترانه بالفاء؛ ويلخّص معظمَ هذه القواعد البيتُ الآتي:
اِسميةٌ طلبيةٌ وبجامدٍ وبما وقد وبِلن وبالتنفيس
وفيما يلي نماذج فصيحة تبيّن كل حالة:
1ً- الاسمية:
· ?وإذا مَسَّهُ الشّرُّ فذو دُعاءٍ عريض?. (ذو) من الأسماء الخمسة.
· ?وإذا سألَكَ عبادي عني فإني قريب?. (إنَّ) حرف مشبّه بالفعل يدخل على الاسم والضمير (وهو اسم أيضاً).
· إذا أُقيمت الصلاة فلا صلاةَ إلا المكتوبة (حديث شريف).
· إذا أتيتم الصلاةَ فعليكم السكينة. (حديث شريف). حرف الجر (على) دخل على ضمير (اسم)!
· اِبدأ بنفسك فانْهَهَا عن غَيِّها فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ
(أنت ضمير منفصل).
· إذا وَرَّثَ المُثْرون أبناءَهم غِنىً وجاهاً، فما أشقى بني الحكماء
(ما) اسمية للتعجب (نكرة تامة).
· إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى فأكثرُ ما يجني عليه اجتهادُه
(أكثر) اسم تفضيل.
· إذا كان لا يريد أن يسمعَ صوتَ الحق، فَهَيْهاتَ أن يسمع صوتَ إنسان.
(هيهات) اسم فعل.
· إذا لم ينتفع بهذا الدواء فعندئذٍ لا بُدَّ من الجراحة. (عندئذ) ظرف، أي اسم.
(103/3)
· ?إنْ ينصُرْكم الله فلا غالب لكم?؛ (غالب) اسم فاعل.
· إنْ تَصفحْ فالصفحُ أجمل.
· ?إنْ أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، وإنْ أسأتم فَلَها?. الضمير (ها) اسم.
2ً- الطلبية:
ومنها الأمر، والنهْيُ، والدعاء، والاستفهام، والعَرْض، والتحضيض، والتمني، والترجّي.
الأمر:
· ?إذا جاء نصْرُ الله والفتح،.......فَسَبِّحْ بحمد ربك?...
· إذا أكَلَ أحدكم فَلْيأكُل بيمينه. (حديث شريف).
· وإذا قَصدْتَ لحاجةٍ فاقْصِدْ لمُعترِفٍ بقدرك (الإمام الشافعي).
النهي:
· ?يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم?. (لا) الناهية جزمت المضارع بحذف النون.
· ?قال إنْ سألْتُك عن شيءٍ بَعْدَها فلا تصاحِبْني?.
· إذا دخل أحدُكم المسجد فلا يجلسْ حتى يركع ركعتين. (حديث شريف).
الدعاء:
· ربِّ إنْ أدْعُك لما يرضيك فاستجبْ، وإنْ أتّجهْ لما يغضبُك فَلْتُرشِدْني للسَّداد.
اللام هنا لام الدعاء الجازمة!
· إنْ يمُت المجاهد فيرحَمُه الله! (برفع يرحمه!) [لا يقال: إنْ يَمُت المجاهد يرحَمْه الله (بلا فاء) لأن هذا غير معلوم لنا على جهة القطع!]
الاستفهام:
· ...?وإنْ يخذلكْم فمَنْ ذا الذي يَنصُرُكم من بعده؟?.
· ...وإذا كان ذلك كذلك، فكيف يكون (شَعَلَ) هو الفصيح؟
· إذا سنحت لك الفرصة، فَهَلْ تتركُها تَفِرّ؟ (الفاء) تدخل على أدوات الاستفهام: (هل، كيف، أين...).
· إذا لاحت لك الآمال، أَفَتَقْعُدُ عن السعي وراءها؟ (الفاء تأتي بعد همزة الاستفهام).
· إذا صحّ أنَّ في المسألة قَوْليْن، أَفَيسُوغُ أن نقْطع بالتخطئة؟
3ً- الفعل الجامد:
· ?إنْ تَرَنِ أنا أَقَلَّ منك مالاً وولداً، فعسى ربي أن يُؤْتِينِ خيراً من جَنَّتِك?.
· ?وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جُناح?...
· إذا المرءُ لم يَخْزُنْ عليه لسانَه فليس على شيءٍ سِواه بِخَزَّان!
4ً- (ما) النافية:
· إذا مرَّ بي يومٌ ولم أَتَّخِذْ يداً ولم أستفِدْ علماً فما ذاك من عمري
(103/4)
· ?فإنْ تَوَلَّيْتُم فما سألتكم من أجْر?.
· إذا كانت النُّعمى تكدَّر بالأذى فما هي إلا مِحْنةٌ وعذابُ
5ً- قد:
· ?إن يَسْرِقْ فقد سَرَقَ أخٌ له من قَبْل?.
· ?إلاّ تنصروه فقد نصره الله?.
· إذا قلتَ لصاحبك أَنْصِتْ يوم الجمعة والإمام يخطب، فقد لَغَوْت. (حديث شريف).
6ً- لن:
· إذا لم تعمل بجِدٍّ ونشاط فلن تنجح وتبْلغَ العُلا.
· ومَنْ هابَ الرجالَ تَهيَّبُوهُ ومَنْ حَقَرَ الرجالَ فلن يُهابا (الإمام الشافعي).
(مَنْ: أداة شرط جازمة!).
7ً- س / سوف:
· ?وإنْ خِفْتُم عَيْلةً فسوف يُغنيكم الله من فضله?.
· إذا صبرتَ على هذا مدة أسبوع، فسيكون بمقدورك الاستمرار فيه طويلاً.
8ً- رُبَّما / كأنّما:
· (رُبَّ) تدخل على اسم نكرة مجرور، فجملتها جملة اسمية! نحو: رُبّ ضارة نافعة.
· (كأنّ) حرف مشبّه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر، فجملته جملة اسمية.
تختص (ربّما) بالدخول على الجُمل ماضوية ومضارعية.
تدخل (كأنّما) على الجمل الاسمية والفعلية.
· إنْ تجِئْ فَرُبَّما أجيءُ.
· ?..أنه مَنْ قتل نفْساً بغير نفْسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنّما قتل الناسً جميعاً?.
فائدة: يكثر وقوع (ما) الزائدة بعد (إذا). كقول الشاعر:
إذا ما بَدَتْ ليلى فكُلّي أعْينُ وإنْ هي ناجتْني فكُلِّي مسامع
(كل) اسم.
ولستُ -إذا ما صاحبٌ خانَ عهدَهُ وعندي له سِرٌّ - مذيعاً له سِرَّا
القاعدة الثانية: أحكام فعل الجواب:
يجوز أن تكون الجملة الجوابية للشرط الجازم مُثْبَتةً أو مَنْفِيّةً بـ (لا). وقد اجتمع الأمران في قول الشاعر:
ومَنْ يغتربْ يَحْسَبْ عدوّاً صديقَهُ ومَنْ لا يكرِّم نفسه لا يكرَّمِ
أولاً: إنْ كان فعل الجواب ماضياً متصرّفاً مجرداً من (قد) و(ما) وغيرهما مما يتصل به ويوجب اقترانه بالفاء، فَلَهُ ثلاثة أضرب:
(103/5)
أ ) فإنْ كان ماضياً لفظاً ومعنىً، فالواجب اقترانه بالفاء على تقدير (قد) قبله، كقوله تعالى: ?إنْ كان قميصه قُدَّ من قُبُلٍ فصدقت?. أي: فقد صدقت.
ب ) وإنْ كان ماضياً في لفظه (أو حُكْمه) مستقبلاً في معناه، غير مقصود به وعدٌ أو وعيد، امتنع اقترانه بالفاء، نحو:
· ?إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم?.
· آية المنافق ثلاثٌ: إذا حَدَّثَ كذَب، وإذا وَعَدَ أخْلف، وإذا اؤْتُمِنَ خان. (حديث شريف).
· إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمِئتَ، وأيُّ الناس تصفو مشاربه؟
(بشار بن برد)
· إذا أنت لم تَعرفْ لنفسك حقَّها هواناً بها، كانت على الناس أهونا
· إذا أمكن استعمال الضمير المتصل، لم يَجُزْ استعمال الضمير المنفصل؛ تقول (سافرتُ) لا (سافَرَ أنا!).
· وإن رأَوْني بخيرٍ ساءهم فرحي وإنْ رأوني بِشَرٍّ سَرَّهم نكدي
(الإمام الشافعي)
· إنًّ اللئام إذا أذلَلْتهم صَلَحُوا على الهوان، وإنْ أكرمْتَهم فَسَدوا
ج- وإنْ قُصِد بالماضي الذي معناه المستقبل وعدٌ أو وعيد، جاز اقترانه بالفاء على تقدير (قد)، إجراءً له مُجْرى الماضي لفظاً ومعنىً، للمبالغة في تَحقُّق وقوعه، وأنه بمنزلة ما وقع. ومنه قوله تعالى: ?ومَنْ جاء بالسيئة فَكُبَّتْ وجوههم?؛ وجاز عدم اقترانه مراعاةً للواقع، وأنه مستقبل في حقيقته وليس ماضياً، نحو:
· إذا الملِكُ الجبّار صَعَّر خَدَّهُ مَشَيْنا إليه بالسيوف نعاتبه
ويندرج تحت الوعد والوعيد ما كان غير صريح في أحدهما، ولكنه ملحوظ في الكلام، مرادٌ منه، فيدخل الدعاء بنوعيه (الخير والشرّ). فمن الدعاء بالخير قول الشاعر:
· وإذا ارتحلْتَ فَشَيَّعَتْكَ سلامةٌ حيث اتجهْتَ ودِيْمةٌ مِدرارُ
ومن الدعاء بالشرِّ:
· إذا لم يكن فِيْكُنَّ ظِلٌّ ولا جَنَىً فأبْعَدكُنَّ اللهُ مِن شجراتِ
(103/6)
ثانياً: إنْ كان فعل الجواب مضارعاً يَصْلُح فعلاً للشرط، وكان مُثْبتاً أو مَنْفياً بـ (لا)، جاز تَجَرُّدُه من الفاء (مع وجوب جزمه إنْ كانت الأداة جازمة)، وجاز اقترانه بالفاء مع وجوب رفْعه، نحو:
· ?وإنْ تعودوا نعُدْ?؛
· ?وإنْ تَعُدُّوا نعمة الله لا تحصوها?.
· ?وإنْ يَسْلبْهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه?.
· فإنْ تَدْنُ مِنّي تَدْنُ منك مودتي وإنْ تَنْأَ عني تَلْقَني عنك نائياً
(الإمام الشافعي).
· أذِقْنا شرابَ الأُنس يا من إذا سقى مُحباً شراباً لا يُضام و لا يَظْما
(الإمام الشافعي).
· وإذا تكون كريهة أُدعى لها وإذا يُحاس الحَيْس يدعى جُنْدُبُ
(أبو العيناء)
· والنفس راغبةٌ إذا رغّبْتَها وإذا تُردُّ إلى قليلٍ تَقنعُ
· ?ومن عاد فينتقمُ اللهُ منه?.
· ?فمَنْ يؤمن بربّه فلا يخافُ بخْساً ولا رَهَقاً?.
· ?وإذا رأيتَهم تعْجبُك أجسامُهم?.
· إذا كان الأمر في اللغة المعوَّل عليها هكذا وعلى هذا، فيجبُ أن يقلَّ استعمالها
(ابن جنّي).
· إنْ قَلَّمَ أظافيره أو جزَّ شَعْرَهُ يجبْ أن يَدْفِن! (الكليات لأبي البقاء الكفوي 5/127).
[يُستعمل (يجب) في كلامهم أحياناً بمعنى (يُسْتحبّ)].
مصادر البحث
1- النحو الوافي؛ عباس حسن -دار المعارف بمصر.
2- جامع الدروس العربية؛ الشيخ مصطفى الغلاييني - المكتبة العصرية، صيدا - بيروت.
3- الكفاف؛ يوسف الصيداوي - دار الفكر بدمشق.
4- الأدوات النحوية؛ صلاح الدين الزعبلاوي - مجلة التراث العربي، العدد 53- اتحاد الكتاب العرب بدمشق.
5- الشرط والقَسَم؛ صلاح الدين الزعبلاوي - مجلة التراث العربي، العدد 50- اتحاد الكتاب العرب بدمشق.
6- الكليات، لأبي البقاء الكفوي - وزارة الثقافة والإرشاد القومي (إحياء التراث العربي).
(103/7)
101- الفَوْرُ، التّوُّ، تَوًّا، لِتَوِّه
1) جاء في معاجم اللغة:
"الفَوْر: أول الوقت. يقال: ذهبتُ في حاجةٍ ثم أتيتُ فلاناً من فَوْري، أي قبل أن أسْكُن."
كما يقال: فعلتُ ذلك من فوري، وفوراً، وفَوْرَ وصولي، أي في غليان الحال، وقبل سكون الأمر.
وفي التنْزيل العزيز: ?بلى إنْ تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يُمْدِدْكم رَبُّكم...?
جاء في (معجم ألفاظ القرآن الكريم): أي من أول وقتهم بلا إبطاء.
2) جاء في معجم (الصحاح): "التَّوُّ: الفَرْد. جاء الرجل تَوًّا، إذا جاء وحده."
وجاء في (اللسان) و(القاموس المحيط): "التَّوُّ: الفرد. يقال: جاء تَوًّا أي فرْداً، أو جاء قاصِداً لا يُعَرِّجه شيء، فإنْ أقام ببعض الطريق فليس بتَوٍّ."
3) جاء في المعجم (الوسيط): "التَّوَّةُ: الساعة من النهار أو الليل."
يقال: جاء التَّوَّةَ: أي الساعةَ / الآنَ !
وقد شاع في اللغة المعاصرة مِثلُ قولهم: جاء تَوًّا، يريدون به: جاء الآن.
وأجاز مَجْمعُ القاهرة هذا الاستعمال الشائع باعتبار أنه يمكن أَخْذُه من قول العرب: جاء تَوًّا: أي قاصداً لم يَتَخلَّفْ في الطريق.
قال مصطفى صادق الرافعي (وَحْي القلم 2/42): "...فَيَرى بداية كل شيءٍ مادّي هي نهايته في التَّوِّ واللحظة، فلا وجود له إلا عارضاً مارًّا..."
وقال (وحي القلم 2/258): "كأنه قائم لِتَوِّهِ من النوم، فلا تزال في عينيه سِنَة..."
وقال (وحي القلم 1/169): "... بمَعِدَةٍ تهضم لِتَوِّها وساعتها..."
(104/1)
102- صِيْغتا الفعل: (الماضي) (المضارع) ودلالاتهما الزمنية
الفعل في العربية لا يُفصح بصِيَغه عن الزمان، وإنما يتحصَّل الزمان من بناء الجملة: من السياق !
أولاً: فصيغة ( فَعَلَ) أي الماضي، لها دلالات كثيرة في الإعراب عن الزمان (تتجاوز العَشر ):
1- فهي في أغلب الأحوال تدل على حدثٍ تَمَّ في زمن ماض، قد لا نستطيع ضبطه وتعيينه، نحو: سافر زيد.
2- وتأتي لتشير إلى أن الحدث جرى في اللحظة التي وقع فيها الكلام، كما يجري في العقود، نحو: بِعْتُك وزوّجْتُك.
3- وتستعمل للإعراب عن وقوع أحداث في زمان يَقْرب من الحال ( زمن التكلم)، نحو قول مقيم الصلاة: قد قامت الصلاة، ونحو قولنا: قد وَعَيْتُ مقالك، وهاأنا مُجِيْبُك عن سؤالك.
4- وتأتي مع الظرف الشرطي ( إذا ) للإشارة إلى الزمان المستقبل، نحو: إذا جئتَني أكرمتُك.
5- وتستعمل في أسلوب الدعاء بالخير، وهو - من غير شك - يشير إلى المستقبل، نحو: رضي الله عنه، رحمه الله، غفر الله له، أحسن الله إليك (أُخْرِج الكلام في صورة الخبر ثقة بالاستجابة!).
كما تأتي في الدعاء بالشر منفية بـ (لا)، نحو: لا ردَّه الله، لا رحِمَه الله...
6- وتستعمل مع الظرف (لمّا) في جملةٍ فيها حَدَثان وقعا في الماضي، بحيث تم الأول في اللحظة التي بدأ فيها الثاني، نحو: لمّا جاءني أكرمْتُه.
7- وقد تقع موقع المضارع - الذي هو غالباً للحال والاستقبال - كقوله تعالى:
?ونادى أصحابُ الجنة أصحابَ النار? (الأعراف /44).
وهذا النداء إنما يكون يوم القيامة!
وقولِه: ?وبرزوا لله جميعاً? (إبراهيم /21). والمراد: يبرزون يوم القيامة.
ومِثله: ?أَتى أمرُ الله فلا تستعجلوه? (النحل /1). والمراد: يأتي.
ومِثله: ?كلما نَضِجت جُلودُهم بَدَّلناهم جلوداً غيرها? (النساء /56).
وكل أولئك حكايةٌ لحالهم يوم الحساب ! قال الحطيئة:
شهد الحطيئةُ- يومَ يَلْقى ربَّه! أن الوليدَ أحقُّ بالعُذْرِ
(شهد) هنا بمعنى (يشهد)!
(105/1)
ثانياً: ويأتي بناء (يَفْعَلُ) أي المضارع:
1- للإعراب عن حدثٍ من قبيل الحقائق الثابتة، نحو: تشرق الشمس كلَّ يوم، كلُّ حيّ يموت.
2- وللإعراب عن حدثٍ جرى وقوعه عند التكلم، واستمر واقعاً، وهذا ما يسمى بـ (الحال) نحو: فقلت لصاحبي: أَراكَ في حِيْرة من أمرك، فقال لي: أَحْسبُك مُدْركاً أمري.
3- الإشارة إلى الماضي إذا كان مسبوقاً بـ (لم): فإذا قيل: (لم يَكتبْ) فكأنه قيل: (ما كَتَب)، بيد أن النفي بـ (لم + المضارع) أقوى: ?لم يلد ولم يولد? !
4- الدلالة على أن الحدث كان مستمراً في زمان ماضٍ، وذلك إذا سبقه (كان)، نحو: كان النبي (عليه الصلاة والسلام) يوصي بمعاملة الجار بالحُسنى.
5- للدلالة على الماضي، فلا يكون معناه الحال ولا الاستقبال، كقوله تعالى:
?إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض: ما وَعَدنا الله ورسولُه إلا غُروراً?. (الأحزاب /12)
وقوله ?...إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن...?. (التوبة /40).
وقوله ?...إذ تمشي أُختُك فتقول هل أدلّكم على من يَكْفُلُه... .?(طه /40).
ومثله ?ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي? (الإسراء /85).
ومثله ?فلِمَ تقتلون أنبياء الله من قَبْلُ!? (البقرة /102).
6- للدلالة على استمرار العمل، دون التقيد بماضٍ أو حاضرٍ أو مستقبل، كقوله تعالى: ?إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي? (النحل /90).
و?وعنده مفاتح الغيب لا يعْلمها إلا هو، ويعْلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعْلمها? (الأنعام /59).
7- للدلالة على المستقبل، إذا دخلت عليه السين أو سوف ...
ثالثاً: قد يقع المضارع موقع الأمر، من ذلك قوله تعالى:
?قل لعباديَ الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم...? (إبراهيم/31).
?وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن? (الإسراء /53).
أي: أقيموا الصلاة، وأنفقوا مما رزقكم الله، وقولوا التي هي أحسن ...
(105/2)
ومثله: ?قل للمؤمنين يغُضّوا من أبصارهم ويحفظوا فُروجهم...? (النور /30).
مصادر البحث:
- القرآن الكريم.
- (اللباب في النحو) عبد الوهاب الصابوني، مكتبة دار الشرق - بيروت 1973.
- (الفعل، زمانه وأَبْنِيته)، د. إبراهيم السامرائي، مؤسسة الرسالة.
(105/3)
103- متى يَصِحُّ إضافة الاسم إلى الفعل؟ بعض أحكام الظرف
كثيراً ما نصادف في هذه الأيام تراكيب مثل: (في حال قام بذلك فإنه يعاقَب).
والوجه أن يقال: (في حال قيامه بذلك).
· جاء في مجلة علمية: "تمثل هذه القيمةُ الارتفاع المتوقع في درجة حرارة الكرة الأرضية في حالة تضاعفتْ كمية ثنائي أكسيد الكربون في الهواء."
والوجه أن يقال: ... في حال تضاعُفِ ...
· جاء في معجم علمي: "...بحيث يمكّنِه من قياس المدى في حال طَرَأَ تشويش على رادار التَّتَبُّع."
والوجه أن يقال: ...في حال طَرْءِ/طُرُوْءِ تشويش...
· جاء في فقه اللغة للثعالبي: "إضافة الاسم إلى الفعل من سنن العرب كأن تقول: هذا عامُ يُغاث الناس، وهذا يومُ يدخل الأمير."
تبدو عبارة الثعالبي مطلقة، والحق أن ثمة قيداً يقيدها وهو أن يكون الاسم المضاف:
1- ظرفَ المكان (حيثُ)، وهو مبني على الضم، ويضاف في الأكثر إلى الجملة الفعلية، نحو قوله تعالى: ?وأَخْرِجُوهم من حيثُ أَخْرجوكم?.
?ومَنْ يَتَّق اللهَ يجعلْ له مَخْرجاً ويَرْزُقْه من حيثُ لا يَحْتَسِب?.
ويضاف إلى الجملة الاسمية، نحو: جلستُ حيثُ الجلوسُ مُريح، فإن تلاها مفرد فهو مبتدأ محذوف الخبر، نحو: مكثنا حيث الظِلُّ، أي مكثنا حيث الظلُّ ممتدٌ.
2- ظرفَ زمان مُبْهماً، أي نكرة تدل على زمنٍ غير محدود ببداية ونهاية، مثل:
إذ، حين، وقت، مدة، زمن؛ وكذلك: يوم وساعة، بشرط ألا يراد بواحد منهما ومما سبقهما مدةٌ محدودة بساعات محصورة ودقائق معدودة، وإنما يراد مدة مَحْض.
فإذا أضيفت أسماء الزمان المبهمة المُعْرَبَة إلى الجمل الفعلية فإنها تُبنى - جوازاً- على الفتح، ويجوز فيها الإعراب، ولكن البناء على الفتح أفضل إذا أضيفت إلى جملة فعلية فِعْلها مبني بناءً أصلياً (هو بناء الماضي) أو عارضاً (هو البناء الطارئ على المضارع بسبب اتصاله بنون التوكيد أو نون النسوة).
فمثال الأصلي:
(106/1)
على حينَِ عاتبت المَشِيبَ على الصِّبا وقلتُ: أَلَمَّا أَصْحُ والشيبُ وازعُ
ومثال العارض:
لأجتذبنْ منهنَّ قلبي تَحَلُّماً على حينَِ يَسْتَصْبِيْنَ كلَّ حَليمِ
فيجوز في الظرف (حين) في البيتين إما الإعراب والجر المباشر بـ (على)، وإما البناء على الفتح في محل جر، والبناء أحسن.
أما إذا أُضيفَ ظرف الزمان المبهم المُعْرَب إلى فعلٍ مضارع معرب، فيجوز في المضاف الإعراب والبناء على الفتح، ولكن الإعراب أفضل.
ففي قوله تعالى: ?هذا يومَُ ينفعُ الصادقين صِدْقُهم?. يجوز في كلمة (يوم) الرفع والنصب، والرفع أولى.
ملاحظة: (إذْ) هي في أكثر أحوالها ظرف للزمان الماضي المبهم، ومعناها: زمن؛ وقت؛ حين. وتضاف إلى الجملة الفعلية والاسمية نحو:
فَرِحْنا إذْ قَدِمْتَ قُدومَ سَعْدٍ وإذْ رُؤْياك في الأيام عِيْدُ
وفيما يلي نماذج فصيحة من إضافة ظرف الزمان المبهم إلى الفعل، ففي التنْزيل العزيز:
?قال رَبِّ فأنْظِرْني إلى يومِ يُبعثون?.
?وسلامٌ عليه يومَ وُلِدَ ويومَ يموتُ ويومَ يُبْعثُ حياً?.
وقال عليه الصلاة والسلام:
(مَنْ حَجَّ فلَمْ يَرْفُثْ ولم يَفْسُق رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّه).
ونرى أن كلمة (كيومَ) مبنية على الفتح.
والمعنى: رجع وحالُهُ كحالِهِ يومَ ولدته أُمُّه، إذ لا يستقيم تشبيه الإنسان باليوم!
مراجع البحث:
1- النحو الوافي ( عباس حسن ): 2/300-303؛3/28 و 78 و 84 و 88.
2- الكفاف ( يوسف الصيداوي ): 1/459.
(106/2)
104- هَمَزتا القَطْع والوَصْل
يُخطئ كثيرون في كتابة الهمزة الابتدائية (في أول الكلمة) - فضلاً على الهمزة المتوسطة والمتطرفة - كما يخطئون في القراءة: فينطقون بالهمزة حيث يجب عدم النطق بها. وسأتحدث هنا عن الهمزة الابتدائية فقط، من حيث كتابتها والنطقُ بها.
الهمزة حرف يقبل الحركة، وهي أول حروف المعجم. وهي صوت شديد مخرجه من الحنجرة.
وتكون في أول الكلمة؛ نحو: (أَب، أُم، أَخَذَ، إلى)، أو وسطها؛ نحو: (بئر، سأل، لئن)، أو آخرها؛ نحو: (دِفْء، ظمِئ، برِيْء).
وحين تأتي في أول الكلمة يقال لها (ألِفٌ يابسة). وهي تسمى ألِفاً على المجاز لا على الحقيقة. [لأن الألِف لا تكون إلا ساكنة، ولا تقبل أيَّ حركة، وهذه هي (الألف اللّينة) أحد حروف المَدِّ؛ كالحرف الثالث من (كتاب، حصان) والحرف الأخير من (يحيى، كبرى، صغرى). ونلاحظ أن الألف اللينة المتطرِّفة (أي الواقعة في آخر الكلمة) تُرسم أحياناً بصورة الياء المُرْسَلة، أي المهملة (غير المنقوطة) كما في: متى، سلمى، عظمى. وفي حالات أخرى (تُبيِّنُها قواعد معروفة) تكون ألِفاً قائمة، كما في دنيا، عُليا... ].
1- تُرسم الهمزة (همزة القطع) في أول الكلمة ألِفاً، وهي تَثْبُت نُطْقاً في ابتداء الكلام ودَرْجِهِ، ولهذا سُمِّيت (همزة القطع) أو الفصل.
وتوضع علامة القطع (ء) فوق الألِف في حالتي الفتح والضَم، وتحتها في حالة الكسْر، نحو: أَهدى أَحمدُ أحسنَ ما أُهدي إليه من كُتبٍ لأخيه أُسامة.
ملاحظة: هناك غير قليل من الأفعال الثلاثية المهموزة الأول (أي المبدوءة بهمزة القطع، نحو: أبى، أتى، أخذ، أرق، أسر، أسف، أفل، أكل، أَلِفَ، ألِمَ، أمر، أمل، أمن، أنس، أنِف...).
وهناك الكثير من الأفعال الرباعية المهموزة الأول (وهي ثلاثية زِيد في أولها همزة القطع، نحو: أَكْرَمَ، أبْعَدَ، أقام...).
وليس في اللغة أفعال رباعية مُجَرَّدة مهموزة الأول.
(107/1)
إن همزة ماضي الفعل الرباعي المهموز، ومَصْدرِه وأَمْرِهِ هي همزة قطع، نحو: أكْرَمَ إكْراماً، أَكْرِمْ؛ أقام إقامةً، أقِمْ.
وكذلك همزة ماضي الثلاثي المهموز ومصدره، نحو: أسِف أَسَفاً.
أما همزة الأمر من الثلاثي المهموز فسنتحدث عنها فيما بعد (وهي همزة وصل!).
2- ألِف الوَصْل- وتسمى أيضاً همزةَ الوصل- وهي تَثْبتُ نُطْقاً في الابتداء وتسقط في الدَّرْج.
وهي "إنما اجتُلبتْ - كما قال الخليل - لئلا يُبدأ بساكن، لتكون هذه الألِف عماداً وسُلَّماً للوصول إلى الساكن."
فلا يقال مثلاً (سْمَعْ) بل يقال (اِسْمَعْ). وهي تُرسم في أول الكلمة ألِفاً بلا علامة القطْع (ء) دائماً.
ولبيان حركتها عند النطق بها إذا بدأ بها الكلام، يوضع فوقها فتحة (اَلْكتاب) أو ضمة (اُمْرُؤ) أو يوضع تحتها كسرة (اِسْم، اِبن).
وتسقط همزة الوصل في النطق عند وصْل (دَرْج) الكلام. ولبيان أنها ألِف وصل، يُرسم فوقها أحياناً كثيرة علامة الوصل (صـ) - وهي صادٌ صغيرة كأنها تقول صِلْ! - نحو: مااسْمُكْ؟ (تُلفظ: مَسْمُكْ؟)؛ قُمْ وانْصَرِفْ!
أحكام همزة الوصل:
أ - تُرسم همزة الوصل قبل لام التعريف الساكنة في (ألْ)، نحو: اَلْقَمر، اَلْجَبَل، اَلْجامعة... [تلفظ لام التعريف هذه إذا تلاها حرفٌ قمري؛ والحروف القمرية تجمعها العبارة التالية: (إبْغِ حَجَّكَ وخَفْ عقيمه). أما بقية الحروف فهي شمسية.
أما إذا وَلِيَها حرف شمسي فلا تلفظ، ويُشدَّد الحرف الشمسي، نحو: اَلشَّمْس، اَلطَّيْر؛ اَلنَّبات...] وتكون مفتوحةً دائماً (إذا بدأ بها الكلام!).
ب - وهي همزة الأسماء التالية: اِسم، اِبن، اِبنة، اِثنان، اِثنتان، اِمرأة؛ اَيْمُ، اُمرؤ. وحركتها- إذا بدأ بها الكلام- الكسْرُ إلا في كلمة القَسَم (اَيم) فتُفتح (يقال: اَيْمُ الله لَأَفعلنَّ كذا). وتُضَمّ في (اُمرؤ) إذا ضُمّت الراء، وتكسر إذا فُتحت الراء أو كُسِرت: اِمْرَأ، اِمْرِئ.
(107/2)
ج - وهي همزة ماضي الفعلين الخماسي والسّداسي (المبدوءين بهمزة زائدة) ومصدرهما وأَمْرِهما، وتكون مكسورة مطلقاً.
- الخماسي: زِنة (اِنْفَعَلَ: اِنسَحَبَ، اِنْسِحاب، اِنْسحِبْ)
- و زِنَة (اِفْتَعَل: اِخْترعَ، اِخْتراع، اِخْترِع)
- و زِنَة (اِفْعَلَّ: اِرْتدَّ، اِرْتداد، اِرتدّْ / اِرْتَدِدْ *(ولكن: اِرْتدُّوا أنتم!)
*ملاحظة: في الأفعال المشددة الآخر، يجوز الإدغام والفكُّ في حالتين:
- حالة الأمر المبني على السكون (أي صيغة الأمر للمفرد لا للجمع!)
- حالة الفعل المضارع المجزوم بالسكون.
السُّداسي: زِنَة (اِسْتَفْعَلَ: اِسْتعملَ، اِستعمال، اِستعمِلْ)
(اِستوعَبَ، اِستيعاب، اِستوعِبْ)
و زِنَة (اِفْعَوْعَلَ: اِخْشَوشَنَ، اِخشيشان، اِخشَوشِنْ)
و زنة (اِفْعَلَلَّ: اِقْشَعَرَّ، اِضْمَحَلَّ، اِشْرَأَبَّ).
و زنة (اِفْعَالَّ: اِخْضارَّ، اِخْضارَّةً، اِخضارّْ، اِخْضارِرْ).
ملاحظة (1): تُضم همزة الوصل في ماضي الخماسي والسداسي المبني للمجهول، نحو: اُنْطُلِقَ، اُسْتُخْرِجَ. يستثنى من هذا الحكم، الخماسيُّ الذي قبل آخره حرف مَدٍّ، فتكسر في أوله، نحو: اِعْتاد، اِقْتاد (مبني للمعلوم)- اِعْتِيْدَ، اِقْتِيْدَ (مبني للمجهول).
ملاحظة (2): الحرف الثاني من مصادر الأفعال الخماسية والسداسية ساكنٌ كما نرى. وهذه الأسماء- المصادر يمكن أن تُحَلَّى بـ (ألْ) وفيها اللام ساكنة أيضاً، فيلتقي ساكنان، نحو اَلْا خْتراع (لأن همزة المصدر تسقط عند الوصل). وبسبب التقاء الساكنين تُكْسَر لام (ألْ) ويلفظ هذا الاسم المُعَرَّف كما يلي: اَلِخْتراع. فإذا سُبق هذا الاسم بكلمةٍ مّا، سقطت همزة الوصل منه عند وصل تلك الكلمة به، نحو: (قيمة الاختراع)، وتلفظ الكلمتان موصولتين معاً كما يلي: قِيْمَتُلِخْتراع.
د- وهي همزة صيغة الأمر من الفعل الثلاثي.
يصاغ الأمر من المضارع بحذف حرف المضارعة وبناء آخره:
(107/3)
- على السكون، نحو: يَفْتَحُ- اِفْتَحْ- يَكتُبُ- اُكْتُبْ، يَجْلِسَ- اِجْلِس.
- على الفتح، نحو: يَحْترمُ- اِحْتَرِمَنْ والدَيك؛ اِسْمَعَنَّ نُصْح والدَيك.
- على حذف حرف العلة، نحو: يسعى _ اِسْعَ (الأصل: اِسعى)
يدعو - اُدْعُ.
يرمي - اِرْمِ.
- على حذف النون نحو: يخرجان- اُخْرُجا.
يذهبون - اِذْهبوا.
تَسْعَيْنَ - اِسْعَيْ.
ونلاحظ أن همزة الوصل في صيغة الأمر تكون- في بَدْءِ الكلام- مكسورة إلا إذا كان الحرف الثالث من صيغة الأمر مضموماً بضَمَّةٍ أصلية، فتُضم حينئذ، مثل: اُكتُب، اُدْعُ، اُخْرُجا.
قال الإمام ابن الجزري:
وابْدأْ بِهَمْز الوَصْل من فِعلٍ بِضَمّْ إن كان ثالثٌ من الفعل يُضَمّْ
واكْسِرْهُ حالَ الكَسْرِ والفَتحِ، وفي الأسماء - غيرَ اللام- كسْرُها، وفي
اِبْنٍ مع ابنةِ امْرِئٍ واثْنَيْنِ وامرأةٍ واسْمٍ مع اثْنَتَيْن
وفيما يلي نماذج خاصة بالفعل الثلاثي المهموز الأول:
أسِفَ يأسَفُ اِئْسَفْ؛ أمَلَ يأمُلُ اُؤْمُلْ؛ أفَلَ يأْفُل اُؤْفُلْ
ملاحظة: جَرَت العربُ على أن تَحذف في صيغة الأمر همزة الفعلين: أَخَذَ و أَكَلَ! فتقول: خُذْ و كُلْ!
ولكن متى تكون ضمة الحرف الثالث غير أصلية؟
الجواب: في صيغة الأمر للجمع من الفعل المعتل الآخر بالياء، فهذه تحذف في صيغة الأمر كما ذكرنا. تقول:
يمشي? اِمْشي? اِمْشِْ (للمفرد، بعد حذف الياء)
اِمْشِيوا ? اِمشِوْا (للجمع، بعد حذف الياء)
ولكن الضمة هي التي تناسب الواو، فتقول إذن: اِمْشُوا!
فضمة الشين في (اِمْشُوا) غير أصلية، ولذلك كسرت همزة الوصل، ولا يقال: اُمْشُوا!
ومثله: يرمي- اِرمي- اِرْمِ- اِرْميوا- اِرْمِوا- اِرْمُوا
يأتي- اِئْتي- اِئْتِ- اِئتِيوا- اِئْتِوا- اِئْتُوا
ملاحظة: أجازوا ضم وكسر همزة الوصل، في المعتل الآخِر بالواو، إذا اتصل بياء المخاطبة، فَصَحَّ أن تقول: اُدْعِيْ و اِدْعِيْ
(107/4)
105 - العَدَد
كثيرون يعانون في التعبير عن العدد، صعوبةً ناشئةً عن وجود صيغتين - بدلاً من واحدة - وذلك تَبَعاً لكون المعدود مذكراً أو مؤنثاً.
فالأعداد العشرة الأولى - المسماة اصطلاحاً أعداداً مُفردة، تمييزاً لها من الأعداد المركَّبة والمعطوفة- هي:
للمعدود المذكَّر: واحد، اثنان، ثلاثة.... ثمانية، تسعة، عشَرة.
للمعدود المؤنث: واحدة، اثنتان، ثلاث..... ثَمانٍ، تِسعٌ، عَشْرٌ.
ونلاحظ ما يلي:
الأعداد (3-10) للمذكر مختومة بتاء التأنيث، أي إن صيغتها مؤنثة.
الأعداد(3-10) للمؤنث مجردة من تاء التأنيث، أي إن صيغتها مذكرة.
وفيما يلي نماذج من استعمال الأعداد المفردة والمركبة والمعطوفة والعقود:
المعدود مؤنث
المعدود مذكر
غرفة واحدة، طالبة واحدةٌ
قلم واحد
الأعداد المفردة
غرفتان اثنتان، طالبتان اثنتان
قلمان اثنان
ثلاثُ غُرَفٍ، ثلاث طالباتٍ
ثلاثةُ أقلام
ثمانيْ غرفٍ، ثمانيْ طالباتٍ
ثمانيةُ أقلام
عَشْر غرف، عشْر طالباتٍ
عشَرةُ أقلام
إحدى عشْرة غرفةً، إحدى عشرة طالبةً
أحدَ عشَر قلماً
الأعداد المركبة
اثنتا عشْرة غرفةً، اثنتا عشرة طالبةً
اثنا عشَرَ قلماً
ثَلاثَ عشْرة غرفةً، ثلاث عشْرة طالبةً
ثلاثةَ عشَرَ قلماً
ثمانيْ عشْرةَ غرفةً، ثمانيْ عشْرة طالبةً
ثمانيةَ عَشَرَ قلماً
عشرون غرفةً ... تسعون طالبةً
عشرون، ثلاثون، أربعون... تسعون قلماً
ألفاظ العقود
إحدى وعشرون غرفةً/طالبةً
واحدٌ وعشرون قلماً
الأعداد المعطوفة
اثنتان وعشرون غرفةً/طالبةً
اثنان وعشرون قلماً
ثلاثٌ وعشرون غرفةً/طالبةً
ثلاثة وعشرون قلماً
ثمانٍ وعشرون غرفةً/طالبةً
ثمانية وعشرون قلماً
تِسْعٌ وتسعون غرفةً/طالبةً
تسعة وتسعون قلماً
نستنتج مما سبق القواعد الآتية:
1- الواحد والاثنان يوافقان المعدود في التذكير والتأنيث.
(108/1)
2- ألفاظ العدد من ثلاثة إلى عشَرة تخالف المعدود في التذكير والتأنيث، أي تكون على عكسه، وذلك في الأحوال الثلاثة: سواءٌ كانت مفردةً أو مركَّبةً أو معطوفاً عليها.
فإذا كان مفرد المعدود مذكراً (قلم / رجل) استُعملت صيغة العدد المؤنثة، وبالعكس، إذا كان مفرد المعدود مؤنثاً (غرفة / طالبة) استُعملت صيغة العدد المذكرة. هذا هو معنى المخالفة !
3- العدد (10) يوافق المعدود في الأعداد المركبة (على حين يخالفه - كما رأينا- إذا كان مفرداً.)
4- تُفتح شين العَشرة والعَشر مع المذكر، وتُسَكَّن مع المؤنث، سواء أكان ذلك في عدد مفرد أم مركّب.
تقول: عَشَرةُ رجالٍ، أَحَدَ عَشَرَ كوكباً؛ وعَشْرُ فتياتٍ، واثنتا عشْرةَ عيناً.
5- ألفاظ العُقود لا تَتَغيَّر في التذكير والتأنيث.
أحكام العدد والمعدود:
1- الأعداد المفردة (3-10) تُعرب تَبَعاً لِمَحلِّها من الجملة، تقول:
جاء خمسةُ رجالٍ / خَمْسُ فتياتٍ، رأيت خمسةَ رجالٍ / خمسَ فتياتٍ، مررت بخمسةِ رجالٍ / بخَمْسِ فتياتٍ.
· إذا كانت هذه الأعداد بالصيغة المؤنثة فمعدودها جمع تكسير مجرور (لأنه مضاف إليه، والعدد هو المضاف)، نحو: أربعة طلابٍ وخمسة أقلامٍ (ولكن: ستةُ عصافيرَ!)
عصافير: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف.
· وإذا كانت بالصيغة المذكَّرة فمعدودها جمعُ تكسير مجرور، أو جمعُ مؤنثٍ سالِمٌ، نحو: ثلاثُ أَذْرُعٍ، أربعُ تُحَفٍ، خمسُ طالباتٍ [ولكن: سَبْعُ مدارسَ: لأن (مدارس) ممنوعة من الصرف].
2- الأعداد المركبة (11-19) مَبْنيَّة على فَتْح الجزأين (البناء هو لزوم آخِر الكلمة حالةً واحدة).
فَهمُا مفتوحان أبداً، تقول:
جاء أَحَدَ عَشَرَ رجلاً، رأيت أَحَدَ عَشَرَ رجلاً، مررتُ بأحَدَ عَشَرَ رجلاً،
جاء إحدى عشْرةَ امرأةً، رأيتُ إحدى عشْرةَ امرأةً، مررتُ بإحدى عشْرةَ امرأةً.
(108/2)
جاء خمسَ عشْرةَ امرأةً، رأيتُ ثلاثَ عشْرةَ امرأةً، مررتُ بأربعَ عشْرةَ امرأةً.
أما العدد(12) فيُعامل جزؤه الأول معاملة المثنى. تقول:
جاء اثنا عشَرَ رجلاً، رأيت اثنيْ عشَرَ رجلاً، مررتُ باثني عشَرَ رجلاً.
جاء اثنتا عشْرةَ امرأةً، رأيت اثنتي عشْرةَ امرأةً، مررتُ باثنتي عشْرةَ امرأةً.
3- الأعداد المعطوفة تُعرب تَبَعاً لمحلها من الجملة، تقول:
جاء خمسةٌ وعشرون طالباً، أمضى فلانٌ خمساً وعشرين ليلةً، وحصل على ثمانٍ وعشرين درجةً.
جاء خمسٌ وعشرون طالبةً، أمضتْ فلانةُ خمسةً وعشرين يوماً، (فلانةُ لا تنوَّن: ممنوعة من الصرف!).
4- الأعداد (11-99) بما فيها من عقود، معدودها مفرد منصوب أبداً، سواء أكان المعدود مذكراً أم مؤنثاً.
5- ألفاظ العقود ملحقة بجمع المذكر السالم فتُعرب إعرابه: تُرفع بالواو والنون، وتُنصب وتُجرُّ بالياء والنون.
6- يستعمل العدد (8) مع المعدود المؤنث استعمال الاسم المنقوص، وهو غير ممنوع من الصرف (انظر الفقرة 79). تقول:
العدد مفرد: جاء ثمانيْ طالباتٍ - رأيتُ ثمانيَ طالباتٍ- مررتُ بثمانيْ طالباتٍ.
العدد مركب: جاء ثماني عشْرةَ طالبةً- رأيتُ ثمانيْ عشْرةَ طالبةً- مررتُ بثمانيْ عشْرةَ طالبةً. [يصحُّ أن تقول: رأيتُ ثمانَ عشْرةَ طالبةً، بفتح جزأَيْ العدد كبقية الأعداد المركبة.]
العدد معطوف عليه: جاء ثمانٍ وعشرونَ طالبةً - رأيتُ ثمانياً وعشرين طالبةً- مررتُ بثمانٍ وعشرين طالبةً. [ويجوز أن تقول: رأيتُ ثمانيَ وعشرين طالبةً، باعتبار (ثماني) اسماً ممنوعاً من الصرف - مع أنه ليس بجَمْعٍ - لأن إيقاعه (مَفَاعِل)!]
مئة وأَلْف
· لفظ (مئة) مؤنث، يقال: مئة واحدة (انظر الفقرة 35)، ويستعمل هذا اللفظ نفسه للمعدود المذكر أو المؤنث. مُثنّاه (مئتان) في حالة الرفع، و(مئتين) في حالتي النصب والجّر.
والمئة ومثناها وحين يضاف إليها عدد مفرَد، معدودها مفرد مجرور، تقول:
(108/3)
عندي مئةُ كتابٍ، ومئتا روايةٍ، وثلاثُمئةِ دينارٍ/ ليرةٍ.
قرأت مئةَ كتابٍ، ومئتي روايةٍ، وأنفقت ثلاثَمئةِ دينارٍ/ ليرةٍ.
عندي ثمانمئةِ كتابٍ - اشتريت ثمانمئةِ كتابٍ - حصلت على ثمانمئةِ كتابٍ.
ملاحظة: أجاز مجمع القاهرة فصْل الأعداد من ثلاث إلى تسع عن (مئة).
والحق أن الوصل أحسن من الفصل، وقد جرى عليه علماء الأمة الثقات عدة قرون (منهم: سيبويه، المبرِّد، ابن منظور، الفيروزآبادي، الزَّبيدي، إلخ...). لذا الأفضل أن تكتب: ثلاثمئة، خمسمئة، ثمانمئة...
· تجمع (مئة) على (مئات) ويكون معدودها جمعاً مجروراً، نحو:
سافر مئاتُ الرجالِ، في هذا السجلّ مئاتُ الصُّورِ لمئاتِ التلميذاتِ، قرأت مِئاتِ الصفحاتِ.
ويقال أيضاً: شاهدت مئاتٍ من الجنود.
· لفظ (أَلْف) مذكر وجمعه آلاف وأُلوف، ويُستعمل هذا اللفظ نفسه للمعدود المذكر أو المؤنث، مثناه (أَلْفان) في حالة الرفع، و(أَلْفَيْن) في حالتي النصب والجّر، تقول:
في المكتبة ألفُ كتابٍ- قرأت ألفَ صفحةٍ- يقدَّر عددُهم بألفِ رَجلٍ.
في المكتبة ألفا كتابٍ- قرأت ألْفَيْ صفحةٍ- يقدَّر عددُهم بألفَيْ رَجلٍ.
· تضاف الأعداد المفردة (3-10) إلى (آلاف)، تقول: عندي ثلاثةُ آلافِ كتابٍ وأربعةُ آلافِ ليرةٍ.
· الأعداد المركبة والعقود تلحقها كلمة (ألف) المفردة المنصوبة، نحو:
كان عددُ سكان بلدتنا سبعة عشَرَ ألفاً، وصار الآنَ عشرينَ ألفاً.
في مكتبة البلدة أحَدَ عشَرَ ألفَ كتابٍ، وفي مكتبة المدينة عشرون ألفَ كتابٍ.
في الحالات السابقة جميعاً، يكون المعدود الذي يلي كلمة (ألف) مفرداً مجروراً. أما إذا استُعملت كلمة (أُلوف/آلاف) وحدها، أو سَبَقَتْها كلمة مئات أو عشرات، فيكون المعدود جمعاً مجروراً، نحو: سافر لِلْحَجِّ آلافُ الأشخاصِ، بل عشراتُ آلافِ الأشخاصِ، بل مئاتُ آلافِ الأشخاص.
ويقال أيضاً: استعرض القائد ثلاثةَ آلافٍ من الجنود.
تعريف العدد
(108/4)
إذا أُريد تعريف العدد وكان العدد مضافاً، أُدخِلت الأداة (أل):
أ - على المعدود، نحو: جاء سبعةُ الطلبةِ الذين فازوا- قرأتُ مئةَ الصفحةِ التي حدثتني عنها.
أنفقتُ ألفَ الليرة الذي ادخرتُه- أنفقت ستة آلاف الليرة التي ادخرتها.
قرأت عن حرب ستةِ الأيامٍ (بين العرب واليهود)، ولكن: حرب الأيام الستة.
ب - أو على العدد، نحو: حرب الستة أيامٍ، قرأت المئة صفحة- نُفَّذ مشروع الألفِ كتابٍ.
ج - أو على العدد والمعدود معاً، نحو: حرب الستة الأيام- قرأت المئة الصفحة.
· وإذا كان العدد مركباً أُدخِلت (أل) على صَدْره، نحو: قرأت الثلاثَ عشْرةَ روايةً.
كتَبَ الأربعةَ عشَرَ حرفاً الأولى من الأبجدية، (الأولى: صفة لمجموع الأربعة عشر حرفاً ).
· وإذا كان العدد مكوناً من معطوف ومعطوف عليه، أُدخِلت (أل) على الجزأين، نحو:
- أطعمتُ الأربعَ والعشرينَ دجاجةً صغيرةً، (صغيرة: صفة لكل دجاجة، لذلك بقيت مُنكَّرة).
- أمضيتُ الأربعَ والعشرينَ ساعة الماضية في المزرعة، (الماضية صفة للأربع والعشرين ساعة، لذلك عُرِّفت).
· وإذا كان العدد من العقود دخلت (أل) عليه، نحو:
- أمضى سعيدٌ الأربعينَ سنةً الأخيرةَ في التدريس.
- الدرجة (في الهندسة): قسمٌ من التسعين قسماً المتساوية، التي تنقسم إليها الزاوية القائمة (المعجم الوسيط).
(108/5)
106 - الوصف بالعدد: الأعداد الترتيبية
· يصاغ اسم على وزن (فاعل) من الأعداد المفردة من اثنين إلى عشَرة، ليَصِف ما قبله ويدل على ترتيبه.
أما العدد واحد فيقابله الوصف (أَوَّل).
· ويصاغ مثل ذلك من صُدور الأعداد المركبة (11-19). ويكون اسم الفاعل المصُوغ من الأعداد المركبة مبنياً- كأصله- على فتح الجزأين، ماعدا الجزء الأول من العددين الترتيبيَّيْن: الحاديْ عشَر، والثانيْ عشَر، فإنهما يُبْنَيَان على السكون.
· ويُشتق من الأعداد المعطوفِ عليها صيغةُ (فاعل) ويُذكر بعدها العِقْد معطوفاً عليها بالواو.
ويكون اسم الفاعل من الأعداد المتعاطفة مُعْرَباً كأصله.
· والعدد الترتيبي يوافق موصوفه من حيث التذكير والتأنيث والتعريف والتنكير، فيقال:
تلميذٌ ثالثٌ؛ الفتاة الثانية؛ البابُ الخامسَ عَشَرَ؛
الساعةُ / الحلْقةُ / الطبعةُ الرابعةَ عشْرة؛
غداً هو اليومُ الخامسُ والعشرون من هذا الشهر.
سيصل سعيدٌ في اليومِ السابعِ والعشرين. ذلك لأن الصفة (العدد الترتيبي هنا) تطابق الموصوف دائماً! فيجب أن يتطابقَ المذكّران، ويتطابقَ المؤنثان!
· يُستعمل أحياناً (تنوين النصب للأعداد الترتيبية) وذلك عند التعداد المُرتَّب.
فيقال: أولاً، ثانياً...
وفيما يلي قائمة تبين الأعداد الأصلية والترتيبية وتنوين النصب للترتيبية.
تنوين النصب
الأعداد الترتيبية
الأعداد الأصلية
أولاً
أوَّلٌ (الأَوَّل)
واحد
ثانياً
ثانٍ (الثاني)
اثنان
ثالثاً
ثالثٌ (الثالث)
ثلاثة
حاديْ عشَر
حاديْ عشَر (الحادي عشر)
أَحَدَ عَشَر
ثانيْ عشَر
ثانيْ عشَر (الثاني عشر)
اثنا عشَر
ثالثَ عشَر
ثالثَ عشَر (الثالث عشر)
ثلاثة عشر
عشرين
عشرون (العشرون)
عشرون
حادياً وعشرين
حادٍ وعشرون (الحادي والعشرون) (2)
واحد وعشرون (1)
ثانياً وعشرين
ثانٍ وعشرون (الثاني والعشرون)
اثنان وعشرون
مئة
مِئة (المئة)
مئة
أولاً بعد المئة (4)
الأول بعد المئة (3)
واحد ومئة
(109/1)
(1) يقال أيضاً: أحدٌ وعشرون.
(2) يقال أيضاً: الواحد والعشرون، والأحد والعشرون.
(3) يقال أيضاً: الحادي والمئة.
(4) يقال أيضاً: حادياً ومئة.
فائدة: لفظ العِقْد المنسوب يدل على العدد المعطوف عليه، من الواحد إلى التاسع، فيقال: حدث هذا في الأربعينيّات، أي في الأعوام المعطوفة على الأربعين: من الواحد والأربعين إلى التاسع والأربعين.
وفي هذا المعنى لا يقال: (أربعينات)، لأن المتكلم لا يريد جَمْع الأربعين، وإنما يريد أعداد العِقْد الذي يلي الأربعين. (مجمع القاهرة - كتاب الألفاظ والأساليب: 1/77 ، 78 ، 84).
(109/2)
107 - التأريخ، وتقسيم ليالي الشهر
يؤرخ العرب بالليالي، ففي اليوم الأول من الشهر يقولون: لِليلةٍ خَلَتْ، وفي الخامس يقولون: لِخَمْسٍ خَلَوْنَ من شهر كذا... وهكذا إلى اليوم الرابع عشَرَ، وفي اليوم الخامسَ عشَرَ يقولون: للنِصْف من شهر كذا.
ويقولون في اليوم السادسَ عشَرَ: لأِربعَ عشْرةَ ليلَةً بَقيَتْ من شهر كذا، وفي التاسع والعشرين: لآخِرِ ليلةٍ بقيت، وفي اليوم الثلاثين: لآخر يومٍ من شهر كذا.
وتُقْسَم ليالي الشهر الثلاثون إلى ثلاثة أقسام متساوية، يَضمُّ كلٌّ منها عَشْرَ لَيالٍ، فيقال:
أ - العَشْرُ الأُوَل (أو الأُوْلى، مفرد الأُول).
ب - العَشْرُ الوُسَط (أو الوُسْطى، مفرد الوُسَط).
ج - العَشْر الأَوَاخِر (أو الآخِرة، مفرد الأواخر).
جَ - العَشْرُ الأُخَر (أو الأُخْرى، مفرد الأُخَر). [تجيء (الأُخرى) في الاستعمال بمعنى (الآخِرة) التي تدل على الانتهاء (مؤنث الآخِر)، وهي هنا بهذا المعنى? وتجمع (آخِرة) على (أَواخِر): فاعلة ? فواعل. ولهذا لك أن تقول: العَشْر الأُخَر أو الأواخِر (أو الآخِرات إنْ شِئت !).]
· ومن الخطأ - كما يقول صاحب (المصباح المنير /عشر) - قول العامة: العَشْر الأَوَّل، أو الأوسط أو الآخِر: "لأن المراد بالعَشْر، الليالي؛ وهي جَمْعُ مؤنثٍ فلا توصف بمفرد مذكر بل بمثلها."
· بيد أن جمع مؤنث ما لا يعقل يوصف بمثله (بجمعٍ مؤنث)، وبمفرد مؤنث أيضاً. تقول: السُّفُنُ (السَّفينات) جارياتٌ وجَوَارٍ وجارية!
(110/1)
108 - العَقْد والعِقْد
أورد (المعجم الوسيط) الذي أصدره مجمع القاهرة، لكلمة العَقْد المعاني المتباينة الآتية:
1- ما عُقِد من البناء.
2- العَهْد.
3- اتفاق بين طرفين... كعقد البيع والزواج والعمل.
4- العَقْد من الأعداد: العشَرة والعشرون... إلى التسعين.
وأورد المعجم نفسه لكلمة العِقْد معنىً واحداً هو:
- خيطُ يُنْظم فيه الخرز ونحوُه يحيط بالعنق.
وأورد معجم (متن اللغة) لكلمة العَقْد خمسة معانٍ، إضافةً إلى المعاني الثلاثة الأولى التي أوردها (الوسيط) وليس فيها ما يتعلق بالأعداد! وقال عن العِقد: القلادة.
ولم أجد العَقْد بالمعنى العددي في (لسان العرب) ولا في (القاموس المحيط)! في حين أورَدَها بالفتح، بهذا المعنى - كما يقول العدناني في (معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة/458) - بطرس البستاني (في محيط المحيط) وسعيد الشرتوني (في أقرب الموارد) و إدوَرْد لَيْن (في مَدِّ القاموس).
ولكن أوردها بالكسر، بالمعنى العددي- كما يقول العدناني- الزمخشري (في مقدمة الأدب) وفرايتاغ.
ووجدْتُها، بالمعنى العددي، مضبوطة بالكسر في سبعة مواضع بالمجلد الرابع (الطبعة الثالثة) من (النحو الوافي) وذلك عند الكلام على العدد، في الصفحات: 518؛ 522 (مرة في المتن، وثلاث مرات في الحاشية)؛ 562؛ 563 !
ويعجبني رأي الزمخشري- الذي تابعه عليه عباس حسن صاحب النحو الوافي، عضو مجمع القاهرة - لأن العِقد العددي يَنْظِم (يضمّ) عشَرة أعداد، مثلما تَنْظِم القلادة الخرز.
وإذا كان للعَقد ثمانية معانٍ متباينة، فَلِمَ لا يكون للعِقد معنيان متقاربان؟!
(111/1)
109- ما؛ فيما؛ مِمّا؛ بما فيه...؛ بما في ذلك...
1- تأتي الأداة (ما) على وجوهٍ كثيرة تزيد على عشرة: فتكون موصولية (بمعنى الذي / التي... لغير العاقل)، واستفهامية، ونافية، ومصدرية... الخ؛ وتجيء أحياناً بمعنى ( شيء) (مغني اللبيب /392).
قال عليه الصلاة والسلام: "تركتُ فيكم ما إن اعتصمتمُ به (فـ) لن تَضِلُّوا أبداً: كتاب الله وسُنَّة نبِيِّه." [يجوز في هذه الحالة ومثيلاتها اقتران جواب الشرط بالفاء وعدم اقترانه، لأن فعل الشرط ماض!]
قال الناقد اللغوي إبراهيم اليازجي (في تقريظ الجزء الأول من ديوان مصطفى صادق الرافعي): "... في كلامٍ تضمَّن من فنون المجاز وضروب الخيال، ما إذا تَدَبَّرْتَه وجدته هو الشِّعْرُ بعينه."
2- تدخل (في) على (ما) الموصولية فتتصل بها: فيما. وفي التنْزيل العزيز:
· ?ثم إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون?.
· ?إن ربك هو يَفْصِلُ بينهم يومَ القيامة فيما كانوا فيه يختلفون?. يقال: اختلفوا في الشيء.
· شارك فلانٌ فيما خططوا وفيما صنعوا. (يقال: شارك في الأمر.)
· الفَأْلُ: قولٌ أو فعلٌ يُستبشر به، وقد يستعمل فيما يُكره. (المعجم الوسيط).
· " فإذا بدا قولٌ لمعترِضٍ فيما عَرَضْنا له... فإنما ينبغي أن يشير إلى محل اعتراضه."
· "... لكن أقواله فيما عدا ذلك سديدة غزيرة المادة."
· صَنَّف فلانٌ كتباً كثيرة لم يَنْته إلينا منها- فيما أعلم إلا خمسة.
وكثيراً ما تصادف عباراتٌ تحوي التركيب (فيما إذا)، نحو:
· ... هذا كله فيما إذا كان المأثور قطعياً، أما إذا كان...
· إنما يشترط الدليل فيما إذا كان المحذوف الجملة بأسرها...
إن حَذْف (فيما) من العبارتين يجعل كلاً منها سليمةً معافاة. والأفضل أحياناً تغيير بنية العبارة، نحو:
· ...ومحل الخلاف فيما إذا أُطلق هذا اللفظ بلا قرينة.
وبعد التغيير: ومحل الخلاف هو إطلاق هذا اللفظ بلا قرينة.
(112/1)
· واختلف أهل العلم فيما إذا كان أحد الزوجين رقيقاً، فذهب أكثرهم إلى...
وبعد التغيير: واختلف أهل العلم في حالة كون أحد الزوجين رقيقاً...
3- تدخل (مِن) على (ما) الموصولية فتُدغم النون هكذا: مِمّا. يقال:
· اشتريتُ مما اشتريتم وأكلتُ مما أكلتمُ.
· ومما هو جدير بالذكر والتنبيه...
· "... وثمانون فَرَساً مما يَصْلح للوُصَفاء والحشم." (نفح الطيب 1/359).
وقد اعترض الناقد اللغوي صلاح الدين الزعبلاوي، رحمه الله، على قول القائل: (كلَّفني فلانٌ كذا وكذا وألحَّ عليّ، مما دعاني إلى...) لأنه ليس بمستقيم، وصحَّحَه هكذا: (كلفني...، وألحّ عليّ، وهذا ما / مما دعاني إلى...) ويمكن أيضاً قلب العبارة بقولك: (ومما دعاني إلى فعل كذا أنّ فلاناً كلفني إياه وألح ّعليّ بشأنه).
4- تدخل الباء على (ما) الموصولية، نحو: اشترى بما معه من المال.
· وإذا قلت: صادر رجال الجمارك حقائبه بما فيها (أي: مع الذي فيها)،
· أو قلت: اشترى فلانٌ المنزل بما فيه (أي: مع الذي فيه)،
كان كلامك سليماً مستقيماً.
ولكن شاع في أيامنا استعمال (بما) استعمالاً لا وجه لتأويله!
· من ذلك قولهم: اشترى البيت بما فيه الأثاث.
والصواب: اشترى البيت بما فيه من أثاث.
أو: اشترى البيت بأثاثه / مع أثاثه.
· وقولهم: اشترى المزرعة بما فيها الدار.
والوجه أن يقال: اشترى المزرعة وفيها / ومعها الدار.
· وقولهم: جاء المدعوّون بما فيهم سعيد وعمر.
والصواب: جاء المدعوّون ومنهم / بينهم سعيد وعمر.
· وقولهم: فقدتْ حقيبتها بما فيها النقود ومفاتيح السيارة.
والوجه أن يقال: فقدتْ حقيبتها بما فيها من نقودٍ ومفاتيح.
أو: فقدتْ حقيبتها وفيها نقودٌ ومفاتيح السيارة.
· وقولهم: نُهبت محتويات المكتبة بما فيها المخطوطات الثمينة.
والصواب: نُهبت محتويات المكتبة ومنها / وضمنها / ومعها المخطوطات الثمينة.
· وقول أحدهم: ... على سلسلة من العوامل بما في ذلك مساعَدتهُ على مقاومة...
(112/2)
والوجه أن يقال: ... على سلسلة من العوامل ويشمل ذلك مساعَدتَهُ على مقاومة...
أو: ... على سلسلة من العوامل يدخل فيها مساعَدتُهُ على مقاومة...
(112/3)
110- الخطأ في التراكيب الشبيهة بـ (لا أعلم ما إذا كان...)
كثيراً ما تُصادَف تراكيب - يبدو أنها ناجمة عن الترجمة الحرفية - من النمط الآتي:
1.لا أعرف ما إذا كنت راضياً أو غاضباً.
2.أسألكم عما إذا كنتم ترغبون في ذلك.
3.أعلمونا فيما إذا كنتم تريدون البقاء هناك.
4.لا أدري إنْ كان قد حدث هذا. (أين جواب الشرط؟!!).
ويمكن تصحيح العبارات السابقة باستعمال صيغة الاستفهام، أو بتغيير بنية العبارة:
1.لا أعرف، أكنتَ راضياً أم غاضباً؟
2.أسألكم، أترغبون في ذلك أم لا ؟
3.أعلمونا، أتريدون البقاء هناك؟ أو: إذا كنتم تريدون البقاء هناك فأعلمونا.
4.لا أدري، أَحَدَثَ هذا أم لا؟
وفيما يلي نماذج من أفصح الكلام. فقد جاء في التنْزيل العزيز:
? قال سننظُرُ أَصَدَقْتَ أم كنتَ من الكاذبين?؟
?... قال هذا من فضل ربي لِيَبْلُوَني أَأَشكرُ أم أَكْفُرُ?؟
? قال نَكِّروا لها عرشَها نَنْظُرْ أتهتدي أم تكونُ من الذين لا يهتدون?؟
? قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين?؟
وفيما يلي نماذج صادفْتُها أثناء مراجعتي لبعض المقالات العلمية، مع تصحيحها:
1. أما مسألة ما إذا كان إرضاء المستهلك يسفر عن...
أما السؤال: أَيُسفر إرضاء المستهلك عن... فجوابُه...
2. يجدون صعوبة في تحديد ما إذا كانت المعلومات كافية أم لا ؟
يجدون صعوبة في اتخاذ قرار بشأن المعلومات: أهي كافية أم لا ؟
3. تحدد المقاييس ما إذا كان الإعلان يعزِّز المقدرة أو لا.
تحدد المقاييس ما يلي: أَيُعزِّز الإعلان المقدرة أم لا؟
4. يوضح هذا المثال ما إذا كانت القرارات تؤدي دوراً هاماً.
وهذا المثال يوضح النقطة الآتية: هل تؤدي القرارات دوراً هاماً؟
5. ليست القضية فيما إذا كان الإعلان فعالاً أو لا.
ليست المسألة مركوزة في كون الإعلان فعالاً أو لا.
6. ... لتحديد فيما إذا كانت السلسلتان متساويتين أم لا.
... للحُكم على تساوي السلسلتين أو عدمه.
(113/1)
7. ... لمعرفة إن كان المفتاح مضغوطاً.
... لنعرف: هل المفتاح مضغوط؟
(113/2)
111- هذا رجُلٌ ناهيك من رجل! هذا رجلٌ حسْبُك/ هَمُّك/جازيك من رجل!
· جاء في (القاموس المحيط): "هذا رجلٌ حَسْبكَ من رجل: أي كافٍ لك من غيره."
يقال:
- حسْبُك من شرٍّ سماعُه: يكفيك أن تسمعه لتشمئزّ منه.
- حسْبُه فخراً نجاحُه!
- حسْبُك (بحَسْبِك) درهمٌ: اِكْتفِ به؛ يكفيك!
- قرأتُ ثلاثة كتب وحسْبُ (حسْبُ): وهذا كافٍ!
- قرأتُ ثلاثة كتب فحسْبُ: أي لا غير (فقط)!
· قال في (لسان العرب /همّ): "هذا رجلٌ همُّك من رجل، وهِمَّتُكَ من رجل: أي حسْبُك."
وقال (نهى): "رجلٌ نَهْيُك من رجل، وناهيك من رجل، ونهاك من رجل: أي كافيك من رجل، كله بمعنى حسْبُ. وتأويله أنه بِجِدِّه وغَنائه ينهاك عن تطلب غيره."
وقال: "وهذه امرأة ٌ ناهيتُك من امرأة! "
· جاء في معجم (متن اللغة): "أغنى عنه غَناء فلان: ناب عنه وأجْزأ مُجْزَأَه: كفاه."
وجاء فيه: "ناهيك منه: كلمة تعجُّبٍ واستعظامٍ، أي كافيك من رجل."
· وقال بشار: ...وحَبَّروا خُطَباً ناهيك من خُطَب!
· وجاء في نفح الطِّيْب (1/110):
ناهيك من فرْدٍ أَغَرَّ مُمَدَّحٍ رَحْب الذَّرا حُرِّ الكلام مُحَسَّدِ
( يقال: هو كريم الذَّرا: كريم الطبيعة. والذَّرا: الملجأ.)
وجاء فيه (1/176): "... وناهيك بهما (أي بِتَيْنِك الشاعرتين) في الظَّرف والأدب."
· وجاء في الكليات (4/360): "ناهيك منه / به: صيغة مدحٍ مع تأكيد طلب، أي حسْبُك وكافيك."
· وجاء في (البصائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي: "ناهيك بأبي القاسم عالماً وراوياً وثقة."
· قال الفرّاء: ناهيك بأخينا (الباء للمبالغة في المدح).
يقال: حسْبُنا بفلانٍ أديباً نابغاً.
ويقال: ناهيك بالإيجاز هدفاً.
هذه نماذجُ فصيحةٌ تبين الاستعمال الصحيح لكلمة (ناهيك) التي لا يندر في هذه الأيام أن تُستعمل استعمالاً غير سليم.
(114/1)
- فقد قال كاتب معروف ( في مجلة واسعة الانتشار جداً!): (... إضافة لبرامج الألعاب الإلكترونية التي يدمن عليها ملايين الأطفال على كوكب أرضنا، ناهيك عن مغامرات الإبحار عبر شبكة الإنترنيت.)
والوجه أن يقال: ... بَلْهَ مغامرات...؛ أو: دَعْ عنك مغامرات...
- وجاء في مجلة أخرى راقية: "... فالمعروف أن ما يبدو حياةً رخيّة، يمكن أن يُورِثَ أيَّ إنسانٍ تآكلاً (كذا) روحياً، ناهيك عن المرض."
والوجه أن يقال هنا: ... إنْ لم يُسبِّب المرض / فضلاً على المرض / دَعْ عنك المرض؛ وذلك بحسب المعنى الذي يريده الكاتب. والوجه أن يقال: تَأَكُّلاً لا تآكلاً.
- وجاء في تقديم أحد المعاجم: "تَوجَّه اهتمام المؤلف إلى الشواهد بحيث (كذا) استقى من القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، والشعر العربي القديم، ناهيك بلفتاته الصرفية المتعلقة بالإفراد والتثنية والجمع و..."
والوجه أن يقال: ... إلى الشواهد، فاستقى من... القديم، إضافة إلى لفتاته...
(114/2)
112- أرجو أن يُوافِيَني كتابُكم
من الخطأ الشائع قولهم مثلاً: أرجو أن توافوني بكتابكم قبل نهاية الشهر الحالي.
أو: أرجو أن توافوني بمعلوماتكم حول الموضوع الفلاني.
والصواب: أرجو أن يوافيَني كتابُكم...؛
أرجو أن توافيَني معلوماتُكم عن الموضوع ...
فقد جاء في معاجم اللغة: "وافى القومَ يُوافيهم موافاةً: أَتاهم. وافى الموتُ أو الكتابُ فلاناً: أدركه."
(115/1)
113- أدَّى العملَ الموكولَ إليه / المُوْكَلَ عليه
من الخطأ الشائع قولهم مثلاً: نجح فلانٌ في أداء العمل الموكل إليه!
والصواب: نجح فلان في أداء العمل الموكول إليه / الموكل عليه.
فقد جاء في معاجم اللغة:
وَكَلَ الأمر إلى فلانٍ يَكِلُهُ وَكْلاً و وُكولاً: سَلَّمه إليه؛ فَوَّضَه إليه واكتفى به.
فالأمر موكول إليه.
وفي التنْزيل العزيز: ?وأُفَوِّضُ أمري إلى الله?.
وجاء أيضاً: أَوْكَلَ العملَ على فلانٍ يُوْكِلُهُ إيكالاً: خَلاَّه كلَّه عليه.
فالعمل مُوْكَلُ عليه.
(116/1)
114- (أحد) و(إحدى)
(أحد) و(إحدى) من أسماء العدد. وكلٌّ منها في المثالين السابقين يصف ما قبله، ويضاف إلى ما بعده. والمضاف إليه: إما جمعٌ لمذكَّر (نحو: مختَرَع مخترعات) أو لمؤنث (نحو: أداة أدوات).
والأصل أن تُراعي كلمة (أحد / إحدى) المضافة مُفْردَ المضاف إليه في التذكير والتأنيث، كما جاء في المثالين المذكورين. فهل يَصحُّ مراعاة المُحَدَّث عنه (الموصوف بأحد أو بإحدى)؟ أي هل يقال:
التلفزة إحدى المخترعات العجيبة؛ الهاتف الخلوي أحد الأدوات المدهشة.
الجواب: لا ضَيْرَ في ذلك، قياساً على الضمير واسم الإشارة إذا اختلف مرجعهما مع ما بعدهما، إذ يقال:
1)- في حالة الضمير: المطالعة نافعة، وهي أمرٌ محمود / وهو أمر محمود.
2)- في حالة اسم الإشارة: الفاكهة مفيدة، وهذه غذاء جيد / وهذا غذاء جيد.
وقد بحث هذه المسألة كلٌ من الزمخشري (538 هـ) والسُّهيلي (581 هـ) وابن خروف (616 هـ). ويجد القارئ مزيداً من الشرح والتفصيل في كتاب (لُغويات 1/130) لمحمد علي النجار.
ولكن لا يصحُّ أن يقال: (دار النقاش حول صُنع إحدى المعجمات)، إذ ليس في هذه العبارة مُتحَّدثٌ عنه يسبق (إحدى)! ولا بد إذن من مراعاة مفرد المضاف إليه المذكر (معجم)، أي: دار النقاش حول صنع أحد المعجمات / المعاجم.
(117/1)
115- أَشْيَعُ معاني (دُوْنَ)
لهذه الكلمة مَعانٍ كثيرة... فهي تأتي:
1- بمعنى (تحت)؛ 2- بمعنى (فوق)؛ 3- بمعنى (أمام). يقال: مَشَى دونَهُ: أي أمامه.
قال النابغة: "... ولا يَحُولُ عطاءُ اليومِ دونَ غدِ" أي: لا يقف عطاء اليوم حاجزاً أمام عطاء الغد. وقال حسان بن ثابت:
تَرَكَ الأحبَّةَ لم يقاتل دونَهم ونَجَا برأس طِمِرَّةٍ و لِجامِ
4- بمعنى (وراء). يقال: جَلَسَ دون َالأمير: أي خَلْفَهُ.
ويقال: هذا أميرٌ على ما دونَ جيحون، أي على ما وراءه.
5- بمعنى (قَبْل). يقال: دونَ النصر أهوال؛ دونَ النهرِ قتال، أي قبل أن تصل إلى ذلك.
وفي المَثَل: "دونَ ذلك خَرْطُ القتادَ" يُضرب للشيء لا يُنال إلا بمشقة عظيمة.
6- بمعنى استبعاد ما تُضاف إليه، نحو:
· ... فَصَوَّبَ الاستعمال الأول دونَ الثاني.
· ... واقتصر على الفَتْح دونَ الكسْر.
· ... المقصود بالحديث هو الحديد دونَ المواد الأخرى.
· قال الرافعي في (إعجاز القرآن /323): "فنأخذ بالجملة دون تفصيلها."
7- بمعنى (أَقَلَّ من)، نحو: ?ويَغْفر ما دونَ ذلك لمن يشاء?؛ هُم دونَنا عدداً !
8- بمعنى (غير / سوى)، نحو: ?إنْ يَدْعون من دونه إلا إناثاً?.
ونحو: قام من فَوْرِهِ دون إبطاء، أي من غير إبطاء.
9- بمعنى التقصير عن الغاية. قال المرزوقي: "وقد يَحْبِسُ قِلَّةُ المال صاحبَهُ دونَ ما يهتم له أو يهتم به." أي قد تجعل قلة المال صاحبَه يُقصِّر عن غايته في تحقيق ما يهتم له.
10- بمعنى يفيد الاختصاص ونفْيَ الشركة، نحو:
· ... ولقد كان من فضله عليَّ دونَ كثيرٍ من الآخرين أنْ...
· ... وليس هذا أمراً خاصاً بالإنسان وحدَه دونَ الكائنات الحية الأخرى.
(118/1)
· جاء في (كتاب أسرار الحكماء /149) للمستعصِمي البغدادي: "قالت أعرابية للأمير خالد القسْري: ونصيحتي للأمير أن يأمر لي بخادمٍ وما يُصْلحني وإياها. قال خالد: هذه نصيحة لكِ دوننا! قالت: ما هي لي دونَك! لكَ أجرُها وذكْرها وثناؤها وعلاؤها، ولي نفعُها."
11- اسم فِعْل أمْر بمعنى (خُذْ): دونَكَ الدرهمَ / الكتابَ: خُذْهُ!
هذا، وقد جاءت كلمة (دون) في القرآن الكريم بمَعان ٍأخرى أوردها (معجم ألفاظ القرآن الكريم) الذي أصدره مَجمع القاهرة،
منها: التجاوز: ?أَفَتتَّخذونه وذُرِّيته أولياءَ من دوني? (الكهف /50).
ومنها: من جهتها: ?... لم نجعلْ لهم من دونها ستراً? (الكهف /90).
(118/2)
116- بِدُوْن
· جاء في كتاب مصطفى صادق الرافعي (تحت راية القرآن /40) نقلاً عن الأمير شكيب أرسلان، الذي وَصَفَه الرافعي بأنه: حُجة الأدب، وسيدِّ كُتَّاب العصر:
"... فَرَجَّحوا كلَّ جديد كيف كان، وبدون محاكمة، وذلك ليقال إنهم رُقاةٌ عصريون."
وجاء في الصفحة 41 على لسان الأمير نفسه: "... فليس صواب الشيء وعدمه هو الحاكم عند هذه الفئة، بل هو مصدر الشيء بدون نظرٍ إلي أيّ اعتبار آخر."
· أجاز ابن جنّي والبَطَلْيَوْسي وضع (الباء) مكان (من) قبْل (دون) مادام المعنى لا يتغير ! انظر (معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة /235).
· قال الرافعي في كتابه (إعجاز القرآن /103): "... استقلال الإدارة وقوتها، وهذا هو الذي يكون عنه الأمر بالمعروف، ولا يكون بدونه البتة..."
· "... استقلال النفس من أَسْر العادات والأوهام، ولا يكون الإيمان على الحقيقة بدونه."
· وقال طه حسين في كتابه (الأيام) الجزء 3:
"وجعل الفتى يبحث عن كاتب هذين البيتين بدون أن يصل من بحثه إلى شيء."
وقال: "... وامتداد حياته على هذا النحو بدون أن يتغير قليلاً أو كثيراً."
· وجاء في (المعجم الوسيط /القَرْض):
"القَرْض الحسن: قرضٌ بدون ربحٍ أو فائدة تجارية(مو)."
(119/1)
117- لامُ التقوية
· من المعلوم أن المفعول به قد يتقدم على فاعله، أو على فاعله وفِعْله أيضاً؛ تقول: قرأ خالد كتابين؛ قرأ كتابين خالد؛ كتابين قرأ خالد.
· وقد تدخل اللام على المفعول به إذا تقدَّمَ فِعلَه، نحو قوله تعالى:
?الذين هم لِربِّهم يَرْهبون?، و?إنْ كنتم لِلرؤيا تَعْبُرون?
· وقد تدخل عليه إذا تأخر عما يعمل عمل الفعل، كالمصدر والصفات (أي: اسم الفاعل وصيغ المبالغة)، نحو قوله تعالى: ?مُصدِّقاً لِما معهم?، و?فعّالٌ لِما يريد?.
ونحو قول علىّ كرّم الله وجهه (النحو الوافي 2/475): "لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر العاملين به." وأصل الكلام: "... التاركينه..."
· قال الزَّجّاجيّ (كتاب اللامات /23): "لِطول معاناتهم له وكدِّهم فيه وتَأْميلهم إياه." فالمعاناة مصدر فعل (عانى) المتعدي بنفسه. يقال عانى الشيءَ. وكان في وسع الزجاجي أن يقول (لطول معاناتهم إياه) كما فَعَل مع المصدر الثاني (تأميلهم). [جاء في (مغني اللبيب /287): ضَرْبي لزيدٍ حسن].
· وعلى هذا:
1- تقول: أستحسِن مساعدتَك الضعيفَ / لِلضعيفِ.
2- وتقول: أنا فاعلٌ الشيءَ / لِلشيءِ.
كلُّه عربي جيد. ومجيء لام التقوية مع الصفات أكثر ما يكون. ففي التنْزيل العزيز:
?فمنهم ظالم لنفسه?، و ?حافظات للغيب?، و ?نَزَّاعةً للشَّوَى?، و ?لَوَّاحةٌ للبَشَر?، و?سمّاعون للكذب، أكّالون للسُّحْت?.
3- وتقول: أفعلُ ما تشاء؛ وما تشاء أفعل؛ ولما تشاء أفعل.
[قال الأب أنستاس ماري الكرملي (النحو الوافي، 2/476، الحاشية): "زعموا أنه لا يقال: (يمكن لأحدكم...)، وعندي أنه يجوز. والنحاة تسمي هذه اللام (اللام المعترضة بين الفعل المتعدي ومفعوله)، وهي كثيرة الورود في كلامهم." وهذه اللام للتوكيد (مغني اللبيب /284).]
· وفي التنْزيل العزيز: ?وأُمِرْتُ لأنْ أكون أولَ المسلمين?.
قال كُثيِّرُ عَزَّة:
(120/1)
أريد لأنسى ذكْرها، فكأنما تَمَثَّلُ لي ليلى بكل سبيل.
· قلت: جاء في (المصباح المنير): "أمكنني الأمرُ: سَهُلَ وتيسَّر"، فالفعل (أمكن) مُتعدٍّ كما نرى. وقولك: (لا يمكن أحداً أن يفعل هذا)، صحيحٌ فصيح.
وقال ابن القوطيَّة: "تقول أمكن الشيءُ إذا تيسَّر" فالفعل لازم. وقولك: (لا يمكن لأحدٍ أن يفعل هذا)، صحيح فصيح كذلك.
ومثله: حَقَّ الأمرُ؛ (الفعل لازم). يقال: لا يحِقُّ لأحدٍ أن...
ومثله: صَحَّ قولُه؛ (الفعل لازم). يقال: صحَّ لي على فلان كذا = ثبت لي عليه كذا.
قال التوحيدي في مقابساته: "لا يمكن للإنسان أن يثقّف ما يقول ويقوِّم ما يعمل"!
· تقول: يمكن الإنسان أنْ... / يمكن للإنسان أنْ...
(120/2)
118- تحريك الواو والياء بالفتحة بعد الناصب
إذا وقع الاسم أو الفعل المختوم بواوٍ أو ياءٍ في محل نصب، وجب إظهار الفتحة على الواو أو الياء. تستبين صحة هذه القاعدة بالنظر في أفصح الكلام، وهو التنْزيل العزيز؛ قال تعالى:
- ?وجاءت سيّارةٌ فأرسلوا واردَهم فأدْلى دَلْوَه? (يوسف /19).
يقال: إن السّهوَ من طبيعة الإنسان. وإن الحَشْوَ من الكلام لا خير فيه. وإن اللَّغْوَ من الكلام لا يُعْتَدُّ به.
?... وألقى في الأرض رواسيَ أن تَمِيْدَ بكم...? (لقمان /10).
قال الحطيئة:
من يَفْعلِ الخيرَ لا يَعْدَمْ جَوَازيَه لا يذهبُ العُرْف بين اللهِ والناسِ
تقول: تَضَمَّنَت القصيدة مبانيَ متينةً ومعانيَ رائعةً.
وتقول: كتب المُراجع حواشيَ مفيدة.
- ?يا قَوْمَنا أجيبوا داعيَ الله...? (الأحقاف /31).
- ?كَلاّ إذا بَلَغَتِ التراقيَ وقِيْلَ مَنْ راقٍ? (القيامة /26 و27).
- ?...وكَفَّ أيْدِيَ الناس عنكم...? (الفتح /20).
- ?وهو الذي كفَّ أيْدِيَهم عنكم وأيْدِيَكم عنهم ببطْن مكّة...? (الفتح /24).
- ?فأولئك عسى اللهُ أن يعفُوَ عنهم...? (النساء /99).
- ? لن نَدْعُوَ من دونه إلاهاً...? (الكهف /14).
- ?وقُلْ عسى أن يَهْديَنِ رَبّي لأقْربَ مِن هذا رَشَداً? (الكهف /24).
- ?فعسى رَبّي أن يُؤْتِيَنِ خيراً من جَنَّتِك...? (الكهف /40).
- ?...حتى أَبْلُغَ مَجْمعَ الَبحْرين أو أمضيَ حُقُباً? (الكهف /60).
- ?قال هذا من فضل ربي لِيبلُوَني أأشكرُ أم أكْفُرُ? (النمل /40).
- ?... لن يُؤْتِيَهم الله خيراً...? (هود /31).
- ?... يُريدُ أنْ يُغْوِيَكم...? (هود /34).
- ?... لِتَجْريَ الفُلْك فيه بأمْره...? (الجاثية /12).
- ?...بقادرٍ على أنْ يُحْيِيَ الموتى? (الأحقاف /33).
- ?... حتى يأتيَنا بُقْربان...? (آل عمران /183).
- ?... لِيُرِيَكم من آياته...? (لقمان /31).
- ?... لِيَجْزِيَهم اللهُ أحسنَ ما كانوا يعملون? (التوبة /121).
(121/1)
- ?ولَنَبْلُوَنَّكُم حتى نعلمَ المجاهدين منكم والصابرين ونَبْلُوَ أخباركم? (محمد /31).
· ومع كل هذا، نرى أن (الضرورة الشعرية) التي أجازها بعض النحاة، وعابها آخرون بشدة، ألجأت بعض الشعراء - وبينهم علماء كبار كالمتنبّي والمعرّي - إلى مخالفة القاعدة المذكورة آنفاً. انظر على سبيل المثال نقد أبي هلال العسكري لهذه الضرورات في كتاب (اللُّباب في النحو /355)، تأليف عبد الوهاب الصابوني.
(121/2)
119- خَصَّ؛ خاصّ بكذا / لكذا؛ خَصَّهُ كذا / بكذا؛ مخصوص
جاء في معاجم اللغة:
1- "خصَّ الشيءُ يَخُصُّ خصوصاً: نقيض عَمَّ، تَعلَّق بجهة معيَّنة"؛ فالخاصُّ نقيض العامّ / الشامل.
تقول: حالة / سيارة / مدرسة / مؤسسة / ظاهرة خاصّة! قطاع خاص.
خاصٌّ بكذا/ لكذا: مقصورٌ عليه/ له فقط.
تقول: موقف خاص بالوزارة / بالسفارة / للشركة...
قال الفّراء: هذا وصفٌ لا حظَّ فيه للمذكَّر، وإنما هو خاص للمؤنث (اللام للاختصاص!).
وقال ابن خالويه: "...لأن الرحمن خاصٌّ للّه!"
وقال مصطفى صادق الرافعي (تاريخ آداب العرب 3/36): "وقد اخترعوا في تلك الدولة أثواب المنادمة، وهي خاصة بالشعراء والأدباء."
2- خَصَّه الشيءُ: تعلَّق به.
تقول: هذا أمرٌ يخصُّني وحدي: يتعلق بي وحدي.
وتقول: وهذا أمر لا يخصّني: ليس من شأني / لا يهمني.
فيما يخص كذا... = فيما يتعلق بكذا...
3- خصَّ فلاناً بكذا خصّاً وخصوصاً وخصوصية...: آثره به على نفسه (أَفْرده به دون غيره، كما جاء في اللسان)، فهو خاصّ (اسم الفاعل) وذاك مخصوص (اسم المفعول).
تقول: خصَّه بالُودِّ / بعنايته...
وباستقراء مجموعة من التعابير المتضمنة كلمة (مخصوص) تبيَّن لي ما يلي:
أ- فلانٌ مخصوصٌ بكذا: مفرَدٌ بكذا، متميز بكذا / كذا مقصور عليه.
· قال ابن منظور في مقدمة (اللسان): ...سيدنا محمد المُشَرَّف بالشفاعة، المخصوص ببقاء شَريعته إلى يوم الساعة.
· وقال محمد بن أحمد بن جبير الكناني (614 هـ) الأندلسي حين كان في بغداد وحضر مجلس عبد الرحمن ابن علي الجوزي: "فشاهدنا مجلس رجل ليس من عمرو ولا زيد، وفي جوف الفرا كلّ الصيد، آية الزمان، وقُرَّة عين الإيمان، رئيس الحنبلية والمخصوص في العلوم بالرتب العليّة، إمام الجماعة..."
ب- الشيء الفُلاني مخصوص بكذا:
أولاً: متفرِّد بكذا / متميز بكذا.
· جاء في (نفح الطيب 1/130): "وأما الثغر وَجهاته والجبال المخصوصة ببرْد الهواء فيتأخر بالكثير من ثمره."
(122/1)
وجاء في (نفح الطيب 1/130): "وله خواص في كرم النبات، يوافق بعضها أرض الهند المخصوصة بجواهر الإنبات."
· وجاء في (تاريخ آداب العرب 3/26) للرافعي: "فإنك ترى كلَّ بحر من البحور (الشِّعرية) مخصوصاً بنوع من المعاني."
ثانياً: مقصور على كذا:
· قال أبو البقاء الكفوي (1094 هـ) صاحب (الكليات 3/153):
"الدعاء مخصوص بالطلب من الله تعالى."
· وقال ابن قتيبة:
"القافلة مخصوصة بالجماعة الراجعين إلى وطنهم."
(قَفَلَ يَقْفل قُفُولاً: رجع من السَّفَر.)
· الغَرْسُ مخصوص بالشجر؛ والزرع مخصوص بالحب والبذر.
· وقال ابن قيّم الجوزية في (بدائع الفوائد 2/280): "لم تكن فيه التاء (المربوطة) المخصوصة بالتحديد والنهاية."
ج- لفلانٍ أشياءُ مخصوصة به: مقصورة عليه.
· قال ابن خلدون في (مقدمته) عن أهل التصوف: "...ثم لهم مع ذلك آدابٌ مخصوصة بهم."
د- كذا مخصوص بفلان / لفلان: مقصور عليه.
· جاء في (نفح الطيب 1/223): "وغفائر الصوف (جمع غِفارة) الصُّفْر مخصوصة باليهود، ولا سبيل إلى يهودي أن يتعمَّم البتة."
· وقال الزجّاجي في كتابه (اللامات): "لأنها وإن كانت صفات مشتقات فلن تطلق معرَّفة بالألِف واللام إلا مخصوصة لمن وُضعت له اتفاقاً."
هـ- مخصوص: معيَّن.
· قال الشيخ الحملاوي في (شذا الَعْرف /87): "للجَمْع صِيَغٌ مخصوصة."
· وقال الراغب الإصبهاني في (معجم مفردات ألفاظ القرآن): "...بل إنما يُتَقَبَّل إن كان على وجهٍ مخصوص."
· وقال الجواليقي: "... فمنها (الأخطاء!) ما يضعه الناس في غير موضعه أو يَقْصِرَونه على مخصوص وهو شائع."
· وتقول كتب النحو: "النداء: هو الدعاء بأحرف مخصوصة تسمى أدوات النداء."
· جاء في (نفح الطيب 1/614): "لأن لها أرضاً يسيح عليها نهرُ في وقت مخصوص من السنة."
· جاء في (المعجم الوسيط): "الحال: في البلاغة: الأمر الداعي إلى إيراد الكلام الفصيح على وجهٍ مخصوص وكيفيةٍ معيَّنة."
(122/2)
· وجاء فيه: "عيَّن الشيءَ: خصَّصه من الجملة."
فالشيءُ معيَّنٌ؛ أي: مخصَّصٌ من الجملة.
وجاء فيه: "عيَّن المال لفلان: جَعَلَهُ عَيْناً مخصوصة به" أي: مقصورة على فلان.
(122/3)
120- في (الاستمثال) و(الأَمْثَلَة)...
أ- جاء في (المعجم الوسيط): "الأَمْثَل: تفضيلٌ مِن مَثُلَ"، أي مِن فَضُلَ.
فالأمثل = الأفضل؛ وهي المُثْلى = الفُضْلى.
ومن المعلوم أن اسم التفضيل ممنوع من الصرف (لا يُنوَّن!)؛ تقول: هذا حَلٌّ أَمْثَلُ؛ وجدتُ حلاًّ أَمْثَلَ.
ب- ثمة حاجة في كثير من العلوم إلى ترجمة الفعل to optimize sth الذي يعني جَعَلَ الشيءَ أَمْثَلَ، وإلى ترجمة مصدره optimization. فهل يمكن ترجمته بالفعل (أَمثَلَ يُمْثِلُ إمْثالاً)؟ وهو فِعلٌ رباعي همزته مزيدة وتُحذف في المضارع، كما تحذف في بقية الأفعال الرباعية المشابهة، نحو: أَكْرَمَ يُكرِمُ إكراماً.
الجواب: لا، لا يمكن، لأن الفعل (أَمْثَلَ) له معنًى مغاير!
جاء في (لسان العرب): "أمثَلَ الرَّجُلَ: قَتَلَهُ بقَوَدٍ (أي قِصاصاً).
وأَمثَلَ القتيلَ: جَعَلَهُ مُثْلَةً، أي جدع أنفه وأذنه وشيئاً من أطرافه..."
ج- قد يقول قائل: إن الفعل (أمثل) المذكور هو فعل رباعي مزيد بالهمزة في أوَّله. فلِمَ لا نعتمد الفعل (أَمْثَل) باعتباره فعلاً رباعياً مجرداً، أي همزته أصيلة، لا تحذف في المضارع، ويُصرَّف كما يلي:
أَمْثَلَ يُؤَمْثِلُ أَمْثَلَةً (على غرار: نمذج ينمذج نمذجةً؛ حَوْسَب يحوسب حوسبةً، دحرج يدحرج دحرجة...)؟
في الجواب نقول: ليس في العربية أفعال رباعية مجردة مهموزة الأول، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، إذا استُعمل المصدرُ (أمثلة) مقابل optimization ولم يُضْبط بالشكل ( بفتح الثاء) أمكن النطق به خطأً بكسر الثاء، كأنه جمع (مثال)، وهذا مدعاة للالتباس والغموض وضياع المعنى!
د- يمكن أن نشتقَّ من مادة (م ث ل) فعلاً سداسياً وِزان (استفعل) أي: استَمْثَلَ يَستَمْثِلُ اسْتِمثالاً. إذ من المعلوم أن من دَلالات هذه الصيغة (بالسِّين والتاء) أنها تفيد الطلب. يقال: استنجد: طلب النجدة؛ استقدم فلاناً: طلب قدومه، إلخ...
(123/1)
فيكون: استمثل الشيءَ: طلب جَعْلَه أمثلَ، أو- توسّعاً- جَعَلهَ أَمْثَلَ.
ونرى أن هذه الصيغة تحقق الغرض المطلوب، ولا تحْدِث التباساً في المعنى.
والخلاصة:
يمكن ترجمة الفعل optimize بـ(استمثل) وترجمة مَصْدَرِهِ optimization بـ (استمثال).
(123/2)
121- تذكرة ببعض أحكام واو العطف و واو المعِيَّة
جواز قولك: (تتناسب المسافة مع السرعة)، وقولك: (يتحد الكبريت مع الحديد).
أولاً:
· يُعطف الاسم الظاهر على الظاهر، نحو: جاء زيدٌ وخالدٌ.
· ويعطف الضمير على الضمير، نحو: أنا وأنت زميلان (ضميرا رفع).
أكرمتهم وإياكم (ضميرا نصب).
· ويعطف الضمير على الاسم الظاهر، نحو: جاءني زيدٌ وأنت (ضمير رفع).
أكرمت سعيداً وإياك (ضمير نصب).
· ويعطف الاسم الظاهر على الضمير، نحو: ما جاءني إلا أنت وزيدٌ (ضمير رفع منفصل).
ما رأيتُ إلا إياك وزيداً (ضمير نصب منفصل).
?إنّا مُنَجُّوْكَ وأَهْلَكَ?. (ضمير نصب متصل).
ولكن لا يَحْسُن العطف (وبعض النحاة يمنعه!) على الضمير المتصل والضمير المستتر المرفوعَيْن إلا بعد توكيدهما بالضمير المنفصل:
فلا يحسُن أن تقول: جئتُ وزيدٌ، لأن الوجه أن تقول: جئتُ أنا وزيدٌ.
ولا يحسُن أن تقول: زيدٌ جاء وسعيدٌ، لأن الوجه أن تقول: زيدٌ جاء هو وسعيدٌ.
وفي التنْزيل العزيز: ?فاذْهَبْ أنتَ وربُّك فقاتِلاْ إنّا هاهنا قاعدون?.
?اِذهبْ أنتَ وأخوك بآياتي ولا تَنِيا في ذِكْري?.
جاء في (نفح الطِّيْب 1/412): "...كان يعمل هو وأولادُه بأيديهم."
وجاء فيه (1/635): "وكان هو وصاحبُ الروض المدفون بإزائه أَلِيْفَيْ صَبْوَة."
· ويُعطف على الضمير المجرور. والكثير الغالب إعادة الجارّ، نحو: مررتُ به وبِهِم. أحسنتُ إليك وإلى وأخيك.
ثانياً:
إذا قلتَ: (جاء زيدٌ وخالدٌ) لا يلزم من مجيئهما هذا أن يتصاحبا فيه.
فإذا أردت المصاحبة فعلاً قلت: (جاء زيدٌ مع خالد) والمعنى أنهما جاءا معاً، في وقت واحد.
ويمكن أداء هذا المعنى بقولك: (جاء زيدٌ وخالداً) بالنصب على المَعِيَّة (المفعول معه).
هذه الواو التي بمعنى (مع) هي (واو المعية).
ونرى أنه إذا جاز العطَف في الكلام جاز الوجهان (مع اختلاف المعنى!):
1. العطف، نحو:
جاء زيدٌ وخالدٌ؛ جئتُ أنا وزيدٌ؛ ثم دخلتُ أنا وهو.
(124/1)
[من خصوص العطف بالواو مُجرَّد إشراك الفاعلين في الحدث: المجيء أو الدخول.]
2. النصب على المعية (المفعول معه)، نحو:
جاء زيدٌ وخالداً؛ جئت أنا وزيداً، ثم دخلت أنا وإيّاه. (التعبير الأخير شائع على ألسنة الناس!)
[تفيد واو المعية المصاحَبة والإشراك في الحدث أحياناً، إذا احتمل معنى الفعل المشاركة. فإذا قلتُ: (مَشَيْتُ والبحرَ) فليس بيني وبين البحر مشاركة، إذ البحر لا يمشي! والمعنى المقصود هو أني كنت مصاحباً له في مَشْيي ومقارناً له.] أي:
جاء زيدٌ مع خالد؛ جئتُ مع زيد، ثم دخلتُ معه.
وإذا لم يَجُزِ العطف [ذكرنا أنه لا يقال: جئتُ وزيدٌ] تَعيَّن النصب على المعية، أي: جئتُ وزيداً ثم دخلتُ وإيّاه.
· وإذا قلتَ: (زيدٌ جاء) بتأخير الفعل، وأردت العطف على ضمير الرفع المستتر (الفاعل) فالأفصح - كما ذكرنا - أن تؤكده بضمير رفع منفصل قبل العطف فتقول: زيدٌ جاء هو وخالد. فإذا قلتَ: (زيدُ جاء وخالداً) كان المعنى أنهما جاءا معاً، أي: زيد جاء مع خالد.
§ مما سبق نلاحظ ما يلي:
1- واو العطف لا تَلِي مباشرة ضمير الرفع المتصل.
2- واو العطف تلي ضمير الرفع المنفصل.
3- واو المعية تلي ضميرَيْ الرفع: المتصل والمنفصل.
وعلى هذا لك أن تقول: أرجو أن تكون أنتَ والعزيزان زيدٌ وخالدٌ بخير.
هنا يكفي العطف، لأنه يفيد التشريك (الإشراك) في الحُكم (كون الجميع بخير!) وهو المراد بالكلام. ولكن لك أن تقول:
أرجو أن تزورنا أنت والعزيزان... (تشريك): الزيارة ليست جماعية بالضرورة !
و أرجو أن تزورنا أنت والعزيزين... / مع العزيزين ... (مصاحبة / معيَّة).
تَفاعَلَ معه:
اشتهرت الأفعال وِزان (تَفَاعَلَ) في خمسة مَعَانٍ (دلالات): سنَعرِض أربعةً منها باختصار، ثم نبحث الخامس بشيءٍ من التفصيل.
1- التظاهر بالفعل دون حقيقة، نحو: تَمارَضَ، تشاغَلَ، تغافَلَ، تجاهَلَ، تناوَمَ، تغابَىَ، تحامَقَ، تعامى...
(124/2)
2- حصول الشيء تدريجاً، نحو: تزايد النِّيْلُ؛ توارَدَتِ الإبل...
3- مطاوعة فاعَلَ، نحو: باعَدْتُه فتباعَدَ...
4- مجرد وقوع الحدث، نحو: تثاءَبَ؛ تفانى في العمل (أجهد نفسه فيه حتى كاد يفنى)...
5- التشريك بين اثنين فأكثر، أي يتعدد الفاعل، إذ لا يكتفي الفعل بفاعل فَرْد، نحو: تنازَعَ القومُ: اختلفوا؛ تخاصَمَ القوم: اختصموا؛ تقاتَلَ القومُ: اقتتلوا؛ تفانى القومُ: أفنىَ بعضُهم بعضاً في الحرب.
تباريَاْ؛ تبارى الفتيان، تبارى زيدٌ وخالدٌ.
تصافح الرجُلان: صافح كلٌ منهما الآخر؛ تصافح زيد وخالد.
تخاصم الرجُلان أو تخاصم زيد وعمرو. تنافَسَاْ؛ تسابَقَاْ؛ تجادَلاْ، الخ...
كما نرى يُعطف الفاعل الثاني على الأول بالواو، لأن من خصوص العطف بالواو إشراك الفاعلين في الحدث.
فإذا أريد عطف الفاعل الثاني على ضمير رفع مستتر، فالأفصح تأكيده بضمير رفع منفصل قبل العطف. تقول:
· سعيدٌ تبارى هو وزيد.
· اختِيرت المواد بحيث تتناسب هي وحاجةُ العمل.
· ...كلام المرء يتناسب هو ومستوى المخاطَب.
- هنا ينشأ سؤال مُهم: إذا كان قولنا: (تبارى فلانٌ و فلان) صحيحاً فصيحاً، فهل يصحّ أن نقول: (تبارى فلان مع فلان)؟ بتعبير آخر، إذا كان معنى الفعل يفيد اشتراك الفاعلين في الحدث ?والاشتراك في الحدث (في حالة أفعال المشاركة: التشريك) يقتضي المصاحبة بطبيعة الحال?، فهل ثمة محلّ لإحلال أداة المصاحبة (مع) محل العاطف (و)؟
الجواب: ذهب بعض النقّاد إلى امتناع قول القائل (تفاعل معه)، ورأى بعضهم الأخذ بما جاء في كلام الفصحاء والقياس عليه!
· قال ابن جني في (الخصائص 1/453): "...أما تزاحم الرباعي مع الخماسي فقليل."
· جاء في (خزانة الأدب 1/122) للبغدادي: "روى المرزباني... أن الوليد بن عبد الملك تشاجر مع أخيه مَسْلَمة."
· جاء في (المستَطْرَف) للأبشيهي: "وتخاصم بدويّ مع حاجٍّ عند منصَرَف الناس."
(124/3)
· وقال الجاحظ في بعض رسائله (كتاب الحجاب): "يتلاقى مع المعارف والإخوان والجُلساء."
وقال المرزوقي: "...طلباً للتلاحق معها."
وعلى هذا لك أن تقول:
- تنافستُ أنا وسعيدٌ، أو تنافستُ مع سعيدٍ.
- تخاصم خالدٌ وقيسٌ / تخاصم خالدٌ مع قيسٍ.
- خالدٌ متخاصمٌ هو وقيس أو متخاصم معه.
- تسابق أحمدُ وأخوه / مع أخيه.
- الأجور تتناسب (لا تتناسب) هي ومقدارُ العمل.
- الأجور تتناسب (لا تتناسب) مع مقدارِ العمل.
- يتفاعل هذا الحمض و/ مع المعدن (الحديد مثلاً).
- في الحركة المنتظمة تتناسب المسافة المقطوعة و/ مع سُرعةُِ الحركة.
- في الحركة المنتظمة المسافة المقطوعة تتناسب هي وسرعةُ الحركة / تتناسب مع سرعة الحركة.
- في الحركة المنتظمة تكون المسافة المقطوعة متناسبة مع سرعة الحركة.
افتعل معه:
الأفعال زنة (اِفْتَعَلَ) اشتهرت في ستة معانٍ، منها التشارك (المشاركة / التشريك)، نحو: اختصم زيدٌ وعمرو، بعطف الفاعل الثاني بالواو على الأول.
جاء في معاجم اللغة: اجتمع القومُ؛ اتحد الرجُلان؛ اتفق الشيئان. ولكن:
- جاء أيضاً في (الصحاح) للجوهري: "اجتمع معه."
- وجاء في (اللسان) لابن منظور: "اجتمع معه، واتفق معه."
- وفي (الكليات 1/35) لأبي البقاء الكفوي: "...اتحاد النفس مع العقل."
- وفي (سِرِّ الفصاحة) للخفاجي: "...بانفرادها واشتراكها مع المعاني."
- وفي (زهر الآداب) للحصري القيرواني: "...ما هُم مشتركون فيه مع سائر الحيوان."
- وفي (النهاية) لابن الأثير: "... أي أيدينا تلتقي مع يده وتجتمع."
- وفي (شرح الحماسة) للمرزوقي: "... قالت هذه المرأة لما التقيت معها."
وعلى هذا لنا أن نقول:
- يتحد الكبريت و/ مع الحديد.
- زيدٌ مختصم هو وقيس، أو مختصم معه.
ملاحظة: للاستزادة انظر كتاب (مع النحاة /350-363) للأستاذ صلاح الدين الزعبلاوي، علماً بأن الكثير من مادة هذه الفقرة وسابقتها مقتبس من هذا الكتاب.
(124/4)
122- منذ، قبْل
(منذ) ظرف للزمان مبني على الضم (وتكون حرفَ جرٍّ، وتكون اسماً مجرداً من الظرفية).
و(قَبْل) ظرف للزمان السابق أو المكان السابق؛ وهو مُبْهَم لا يفهم معناه إلا بالإضافة لفظاً أو تقديراً. وهو مبني على الضم إذا قُطع عن الإضافة، وينصب إذا أُضيف. تقول:
جاء فلانٌ قبل فلانٍ؛ داري قبلَ داره. في هذين المثالين أضيف الظرف (قبل) لفظاً.
ومثال إضافته تقديراً قوله تعالى: ?لله الأمرُ من قبْلُ ومن بَعْدُ?.
إنّ ما دعاني إلى الحديث عن هذين الظرفين (منذ) و(قبل) هو أن الخلط بينهما في الاستعمال صار واسع الشيوع في أيامنا... وفي هذا إساءة جديدة إلى لغتنا الشريفة.
فمتى يصحّ استعمال (منذ)؟
أولاً: تُستعمل (منذ) حرفَ جرٍّ أصلياً، بشرط أن يكون المجرور وقتاً، معيَّناً لا مُبْهماً، ماضياً أو حاضراً.
يقال في السؤال: منذ كم يوماً سافرت؟ منذ متى سافرت؟ منذ أيِّ وقتٍ سافرت؟
ويقال: ما رأيته منذ قدومِ خالد (أي: ما رأيته منذ وقت قدوم خالد!)
وتكون بمعنى:
1- (مِنْ)؛ نحو:
· ما رأيتُه منذ يومِ السبت الأخير (أي: بدءاً من يوم السبت الأخير).
· أنت حربٌ على ابنك عمّار إذن منذ اليومِ (طه حسين، الوعد الحق /27)
· أنت ابنٌ لي منذ اليومِ (طه حسين، الوعد الحق /93).
· إذن، أنت صديقي منذ الآن!
· قال الجاحظ (البيان والتبيين): "وكان عندنا منذ نحوِ خمسين سنة شاعر يَتَزَيّا بِِزِيِّ الماضين."
2- (مِن و إلى) معاً، أي من بداية المدة المذكورة إلى نهايتها؛ بشرط أن يكون الزمان نكرة، معدوداً لفظاً أو معنىً ليكون معيَّناً! نحو:
· ما رأيته منذ ثلاثة أيام (أي: من بدايتها إلى نهايتها).
· ويجوز أن تقول: منذ شهرٍ / دَهْر، لأنهما في حكم المعدود (الدهر متعدد في المعنى!).
ويكون الفعل قبلها:
· ماضياً مَنفِيّاً يصحّ أن يتكرر معناه، نحو: ما رأيته منذ يومِ الجمعة.
(125/1)
· ماضياً مُثْبتاً، معناه ممتد متطاول [أي: في طبيعة الحدث معنى الاستمرار، كالسَّيْر والنوم والكلام...] نحو:
- سِرْتُ منذ طلوعِ الشمس.
- سجنوه منذ سنتين (وهو لا يزال سجيناً). ولكن: سجنوه شهراً قبلَ سنتين!.
- عُقِد منذ وقتٍ قريب مؤتمر في دمشق. (انعقاد المؤتمر فيه استمرار). والوصف (قريب) فيه نوع من تعيين الوقت (والتعيين شرط كما ذكر آنفاً).
ملاحظة(1): لا يصح استعمال (منذ) إذا كان الفعل قبلها مُثْبتاً، معناه غير ممتدٍ ومتطاولٍ (ليس في طبيعته معنى الاستمرار؛ نحو: كَسَرَ، قَتَلَ، اِنهارَ، وَقَعَ، وصل، جاء...).
فلا يقال: والوجه أن يقال:
· انكسر الصحن منذ يومين
· انكسر الصحن قبل يومين
· اِنهار الجسر منذ شهر
· اِنهار الجسر قبل شهر
· حدثت الجريمة منذ أسبوع
· وقعت الجريمة قبل أسبوع
· بدأت ثورة المعلومات منذ عشر سنوات
· ... المعلومات قبل عشر سنوات
ملاحظة(2): يمكن أن يكون الفعل قبل (منذ) مضارعاً بمعنى الماضي (انظر الفقرة 102)؛ نحو: "...ويصبح عمّارٌ منذ ذلك اليوم زعيماً من زعماء المعارضة." (الوعد الحق /152).
ويمكن أن يكون بصيغة الأمر؛ نحو: "..فكُنْ لها زوجاً منذ الآن." (الوعد الحق/56).
وفيما يلي نماذج من استعمال (منذ)- وردت في مجلة شهيرة واسعة الانتشار- بعضها سليم وبعضها غير صائب:
- هذه السيدة نذرت نفسها منذ عشراتِ السنين للذود عن التراث العربي الإسلامي.
- هذه المشكلة ليست وليدة أيامنا هذه، فهي مطروحة لدى الدوائر الحكومية المختصة منذ ربعِ قرن أو يزيد.
في هذين المثالين استعمال (منذ) سليم. لننظر الآن في هاتين العبارتين:
· أُنشئت مدينة ?ينيسيا منذ ألف سنة تقريباً. والوجه أن يقال: ...قبل ألف سنة...، لأن الإنشاء لم يمتد ألف سنة!
· سبق أن أصدر هذا الكاتب منذ بضع سنوات كتاباً بعنوان (شخصيات في تاريخ). والوجه أن يقال: ...قبل بضع سنوات...، لأن الإصدار ليس له صفة الامتداد والتطاول.
ويمكن القول:
(125/2)
· سكن الناسُ دمشقَ منذ خمسة آلاف سنة (ولا يزالون!).
وصادفتُ في مقالة علمية النماذج الآتية:
- زار فلانٌ المكان المذكور منذ عِقْدٍ مضى! الصواب: قَبْل عقد، لأن الزيارة لم تمتد عشر سنين!
- رأى العالم الإنكليزي روبرت هوك الحقيقة الجديدة عبر عدسات مجهر (مكروسكوب) منذ! 300 سنة.
- رأى عالم الفلك الأمريكي إدوين هابل الحقيقة عبر مِقْراب (تلسكوب) منذ! 80 عاماً.
- لقد قمتُ منذ! سنتين تقريباً بأول محاولة لي للتنبؤ بـ...
والصواب في هذه النماذج استعمال (قَبْلَ) مكان (منذ).
ثانياً: تُستعمل (منذ) اسماً ظرفاً، وتدخل على:
· جملة اسمية: ما سافرتُ منذ الجوُّ مضطربٌ.
· جملة فعلية ماضوِية: أسرعتُ إليك منذ دعوتني؛ ركب أخي منذ حَضَرَت السيارة.
ثالثاً: تستعمل (منذ) اسماً مجرداً من الظرفية إذا وقع بعدها اسمٌ مرفوع (لا جملة!)؛ نحو:
· ما سافرتُ منذ الشهرُ الماضي (منذ: مبتدأ؛ الشهر: خبر).
· ما رأيته منذ يومان.
· قال دِعْبِل الخُزاعي:
ألم تَرَ أني مُذْ ثلاثون حِجَّةً أَرُوْحُ وأغْدو دائم الحَسَراتِ
ملاحظة: (مُذْ) و(مُنْذُ) تتماثلان في كل شيء إلا اللفظ، ولا يمتنع بعدهما إلا مجيء الاسم منصوباً.
مراجع في البحث:
· (النحو الوافي 2/518) لعباس حسن.
· (جامع الدروس العربية 3/68، 187، 219) للشيخ مصطفى الغلاييني.
· (الكفاف /588) ليوسف الصيداوي.
(125/3)
123- خطأ آخر في استعمال اسم التفضيل
سبق في الفقرة (47) ذكر الأخطاء التي ينبغي تجنُّبها، وفيما يلي خطأ آخر!
· جاء في إحدى المجلات: "مدينة مومباسا ثاني أكبر مدينة في كينيا."
وفي هذا التركيب نظر (ثاني أكبر!)، وهو من جنايات الترجمة الحرفية!second largest
إن الصيغة (أكبر) تعني -حين تُضاف- أن ما يتصف بها يحتل المرتبة الأولى من حيث الكِبَر؛ وهذا يقتضي ألاّ يشاركه في هذه المرتبة شيءٌ آخر، فهو وحيد مُتفرِّد بهذه الصفة (أكبر). بعبارة أخرى، ليس هناك أول أكبر، وثاني أكبر، وثالث أكبر...! خلافاً لما يقال في الإنكليزية...
لذا فالوجه أن يقال: مدينة مومباسا هي الثانية بعد أكبر مدينة في كينيا.
أو: مدينة مومباسا هي الثانية كِبَراً في كينيا.
· وجاء في المجلة نفسها: "وإفريقيا هي موطن (!) ثاني أكبر بحيرة للماء العذب (بحيرة ?كتوريا)."
والوجه أن يقال: "وفي إفريقيَّة توجد البحيرة العذبة الثانية كِبَراً (بحيرة ?كتوريا)."
أو: "وتقع في إفريقية بحيرة ?كتوريا، وهي الثانية كِبَراً بين بحيرات العالَم العذبة المياه."
· وجاء في مجلة أخرى: "القهوة هي ثاني أكبر سلعة متداولة في العالَم."
والوجه أن يقال: "القهوة هي الثانية بعد أوسع (لا أكبر!) السلع تداولاً في العالم."
ذلك بأن (أوسع السلع تداولاً) هي سلعة وحيدة متفردة بهذه الصفة، وليس لها ثانية وثالثة..
ويمكن القول: "القهوة هي السلعة الثانية سَعَةَ تداولٍ في العالم."
· وجاء في أحد الكتب: "الزُّهَرَةُ هي ثاني أقرب كوكب إلى الشمس."
(الأقرب هو عُطارد).
والوجه أن يقال: "الزُّهَرَة هي الكوكب الثاني قُرْباً من الشمس."
وفي اللغة الإنكليزية يقولون:
Jupiter is the largest planet of the solar system, fifth in order from the sun.
(المشتري) هو أضخم كواكب المنظومة الشمسية، وهو الخامس من حيث البُعد من الشمس (عن الشمس).
(126/1)
[ من الواضح أن (بَعد الأضخم) يأتي ما هو أقل ضخامةً، وأن (بعد الأقرب) يأتي منطقياً ما هو أبعد.]
لذا يمكن أن نقول عن المشتري: ... هو الخامس بعد أقرب الكواكب إلى الشمس (من الشمس).
Venus is the sixth largest planet of the solar system and second in order from the sun.
(الزُّهَرَة) هي الكوكب السادس بعد أضخم كواكب المنظومة الشمسية، وهي الكوكب الثاني بعد أقرب الكواكب من / إلى الشمس.
جاء في (المعجم الوسيط): "الزُّهَرَة: أحد كواكب المجموعة الشمسية التسعة، ثاني كوكبٍ في البُعد عن الشمس، يقع بين عطارد والأرض. وهو ألمع جرم سماوي باستثناء الشمس والقمر."
(126/2)
124- تراكيب (استثنائية)...
هذه الفقرة تكمل الفقرة 88. يقال:
· اتفق فلانٌ وفلانٌ في كل شيء عدا كذا / ما عدا كذا؛ [(ما) هنا مصدرية].
· اختلفا في كذا وكذا، واتفقا فيما عدا ذلك. [(ما) هنا موصولية].
· نجح جميع الطلاب عدا خالدٍ / ما عدا خالداً.
· أورد المؤلف أخبار جميع الفِرق، ولم يَسْتَثْنِ إلا الرابعة.
· جاء في (نَفْح الطِّيْب 1/564) للمقَّرِيّ: "وطُولُه (أي جامع الزهراء) من القبلة إلى الجوف- حاشا المقصورةِ- ثلاثون ذراعاً."
وفي ص 1/564: "فطول هذا المسجد أجمع من القبلة إلى الجوف- سوى المحرابِ- سبعة وتسعون ذراعاً."
· جاء في (المعجم الكبير) - إصدار مَجْمع القاهرة:
"الثَّنِيَّة: الاستثناء. يقال: حَلَفَ يميناً ليس فيها ثَنِيَّة."
· وجاء في (نفح الطيب 1/116):
"... و وَصِيَّته لهم... المشتملة على النصائح الكافية، والحِكَم الشافية من كل مَرَضٍ بلا ثُنْيَا..."
· لم ينجح من أولئك الطلاب أحد، باستثناء سعيد.
[من المعلوم أن من معاني (الباء): "المصاحَبَة"، فَقَوُلك: (باستثناء كذا)، يكافئ قولك: (مع استثناء كذا).]
· أورد المؤلف أخبار جميع الغَزَوات بلا استثناء / بغير استثناء / بدون استثناء / ولم يَسْتَثْن منها واحدة.
[يقال: (جاء بلا زادٍ)؛ و(غضب بلا سبب) أي: غضب من لا شيء. (مُغْني اللبيب /322). (لا) في العبارتين الأولى والثانية نافية معترضة بين الخافض والمخفوض.
يقول الكوفيون: إن (لا) اسم مجرور بالباء، و(زادٍ) مضاف إليه (هذا الاسم).
ويقول غيرهم: إن (لا) حرف (زائد)، و(زادٍ) مجرور بالباء.
وثمة تراكيب كثيرة شائعة تٌُستعمل فيها (بلا). يقال: لا دخانَ بلا نارٍ؛ عاقبهم بلا شفقةٍ أو رحمة؛ حرب بلا هوادة أدَّت إلى استسلامٍ بلا قيدٍ أو شرط، الخ...
(127/1)
وجاء في معجم (متن اللغة): "(غير) تكون بمعنى (لا): ?فمن اضطُرَّ غيرَ باغٍ ولا عادٍ?؛ (غير) في الآية منصوبة على الحالية. وعلى هذا تقول: بغير استثناء / بلا استثناء.]
· جاء عنوان أحد قرارات مجمع اللغة العربية في القاهرة كما يلي:
" إباحة جَمْعِ (فَعْلٍ) على أفعالٍ بغير استثناء."
· جاء في (المعجم الوسيط): " الزُّهَرَة: أحد كواكب المجموعة الشمسية التسعة، ثاني كوكب في البعد عن الشمس، يقع بين عُطارد والأرض. وهو ألمع جرم سماوي باستثناء الشمس والقمر."
(127/2)
125- عائدية نعت (صفة) المركَّب الإضافي
صادفتُ في مقالة علمية العناوين الفرعية الآتية:
جاء في المقال:
والوجه أن يقال:
· الأسطورةُ الخاطئة للتاريخ
· أسطورةُ التاريخ الخاطئة
· الأسطورةُ الخاطئة للحجم
· أسطورةُ الحجم الخاطئة
· الأسطورةُ الخاطئة للالتزام
· أسطورةُ الالتزام الخاطئة
· الأسطورةُ الخاطئة للدِّقة
· أسطورةُ الدقةِ الخاطئةُ
وقد وردتْ شبيهات هذه العبارات في مقالات أخرى.
من الواضح أن عبارات المقال ركيكة... أما العبارات المقابلة لها فهي الصحيحة!
قد يقول قائل: في العبارة الصحيحة الأخيرة، إذا لم تُضبط كلمة (الخاطئةُ) بضمةٍ فوق التاء المربوطة، فقد ينصرف ذهن القارئ إلى أنها صفة للدقة.
وفي الجواب أقول: إن هذا الكلام يخالف القاعدة (التي سأوردها بعد قليل)، ثم إن السياق يبين أن (الخاطئة) صفة للأسطورة، لأن الدقة توصف بأنها عالية أو منخفضة، لكنها لا توصف بأنها خاطئة!! أما في بقية العبارات الصحيحة فالنعت المؤنث لا يمكن أن يكون للمضاف إليه المذكَّر، فهو حتماً للمضاف المؤنث!
وأما القاعدة التي أوردها صاحب (النحو الوافي 3/167) فتنص على أنه:
"إذا وقع بعد المركَّب الإضافي نعتٌ، فهو للمضاف؛ لأن المضاف هو المقصود الأساسي بالحُكم. أما المضاف إليه فهو قَيْدٌ." نحو:
· جاء تلميذُ عليٍّ المجتهدُ. [المضاف (تلميذ) هو المقصود بالحكم، بالاجتهاد، لا مُعَلِّمُه!]
يُستثنى من القاعدة السابقة حالتان:
1- أن يقوم دليل على أن المقصود بالنعت هو المضاف إليه؛ نحو:
معاوَنةُ الفتاةِ الملهوفةِ واجب؛ وبَذْلُ الجهدِ الصادقِ لإنقاذها واجب. [الملهوف: المظلوم المضطر يستغيث ويتحسِّر (المعجم الوسيط)]
من الواضح أن الملهوفة هي الفتاة (لا المعاونة!)، وأن الصادق هو الجهد (لا البذل!).
2- أن يكون المضاف هو لفظة (كُلّ).
فالأحسن في هذه الحالة مراعاة المضاف إليه، لأنه المقصود الأساسي.
(128/1)
أما المضاف (كل) فجيء به لإفادة الشمول والتعميم؛
نحو:
· كلُّ حكومةٍ رشيدة هي دعامة لرقيّ وطنها. (مراعاة المضاف (كل) ضعيفة هنا!).
ونحو:
· كلُّ فتىً مجتهدٍ فائزٌ. فالنعت (مجتهد) هو للمضاف إليه (فتى)، لأن المضاف جاء لإفادة التعميم لا للحكم عليه.
· وأما نحو: جاءني رسولُ عليٍّ الظريف... فالنعت للمضاف، ولا يكون للمضاف إليه إلا بدليل، لأن المضاف إليه جاء لغرض التخصيص، ولم يجئ لذاته.
وفي التنْزيل العزيز:
· ?ويبقى وجهُ ربِّك ذو الجلال والإكرام ? (الرحمن /27).
· ?وهو الغَفُور الوَدُود ذو العَرْشِ المجيدُ? (البروج /14 و 15).
· ?تَباركَ اسمُ ربِّك ذي الجلال والإكرام? (الرحمن /78).
(128/2)
126- طريق، طريقة، طريقة من الطُّرُق، خاصّة من الخصائص
جاء في معاجم اللغة (الوسيط، ومتن اللغة، وغيرهما) أن من معاني:
الطريق:
1- السبيل المَسْلوكة؛ السبيل يطرقها الناس وغيرهم.
2- الممر الواسع الممتد، أوسع من الشارع.
3- مسلك الطائفة من المُتَصَوِّفة. وهذه اللفظة تذكَّر وتؤنث وتجمع على (طُرُق).
طُرُق الطعن (في قانون المرافعات): الوسائل القضائية التي يلجأ إليها المحكوم عليه ابتغاء إلغاء الحكم أو تعديله (مجمع القاهرة).
وفي التنْزيل العزيز: ?إن الذين كفروا وظلموا لم يكنِ اللهُ ليغفرَ لهم ولا لِيَهْديَهُم طريقاً إلا طريقَ جهنّم خالدين فيها أبداً...?
?...فاضرِبْ لهم طريقاً في البحر يبساً...?.
?...يَهدي إلى الحق وإلى طريقٍ مستقيم...?.
الطريقة:
1- الطريق؛ 2- السيرة؛ 3- المذهب والأسلوب (مجاز)؛ 4 - الطبقة.
وتجمع (الطريقة) على (طرائق). وفي التنْزيل العزيز:
?... ويَذْهَبَاْ بطريقتكم المُثْلى? أي بمذهبكم وشريعتكم الفُضْلى.
?...إذ يقول أمثلهم طريقةً إنْ لبِثْتم إلا يوماً?: أعدلهم رأياً ومذهباً.
?وأن لو استقاموا على الطريقة لأسْقيناهم ماءً غدقاً? الطريقة: مِلة الإسلام.
?... كُنّا طرائقَ قِدداً?: مذاهبَ وأحوالاً مختلفة الأهواء.
?ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كُنّا عن الخَلْق غافلين?: سبع سماوات طباقاً: سبع طبقات بعضها فوق بعض.
· قال الشيخ محمد الخضر حسين (محاضرات إسلامية /225):
"...وجدتْ نفوساً لم تتلقّن تعاليم الدين على طريقة الاستدلال الصحيح."
نلاحظ أن الطريقة لا تختلف عن الطريق في المبنى إلا بالهاء (التاء المربوطة)، أما في المعنى فمن معانيها (الطريق) أيضاً! وليس هذا شأن كل كلمتين زادت إحداهما على الأخرى بالهاء: فثمة فرق كبير بين اللمْحة واللمْح، وكذلك بين المُهلة والمُهْل، والمُدَّة والمُدّ، الخ...
(129/1)
[اللمحة: النظرة العَجْلى؛ اللمْح: يقال لأُرِينَّك لمحاً باصراً: أمراً واضحاً! وأكثر استعماله في الوعيد!]
الذي يهمّنا هنا هو أنه إذا استُعملت (الطريقة) مجازاً بمعنى: السبيل / النهج / الأسلوب، لم يكن غريباً أن يقال: (طريقة من الطرق) مثلما يقال: (طريق من الطرق).
قال الرافعي في كتابه (تحت راية القرآن /61):
· "ولا أمضَوا فيه بإجماعٍ معروف ينتهي إليه عِلم أو يقف عليه طريق من طرق الرواية."
· وقال (ص 131): "وهذه الطريقة التي تسمى علمية هي في التاريخ أجهلُ الطرق": الطريقة: الأسلوب هنا.
· وقال (ص 131): "...ثم تلك الطريقة هي أيسر الطرق، وخاصة على مَن كان قليل الاطلاع": الطريقة: النهج...
· وقال الشيخ محمد الخضر حسين (محاضرات إسلامية /169): "...وأرشد إليها على طريقة أقرب إلى العقول، وأدعى إلى العمل عليها من الطرق التي سلكها الفلاسفة."
· عند الحديث عن التصوُّف والمُتَصوِّفين، يتحدثون عن الطرُّق المنتمية إلى الصوفيَّة. فيذكرون الطريقة الصوفية الشاذلية، والطريقة النقشبندية، الخ... ويترجمون لِ "شيخ الطريقة."
جاء في (المعجم الوسيط): "الصوفي: من يتبع طريقة التصوُّف." وجاء: "الصوفيَّة: التصوُّف."
وعَقَدَ الشيخ محمد الخضر حسين في كتابه (محاضرات إسلامية /91) فصلاً عنوانه: (الطُّرق الصوفية في الوقت الحاضر)
ونلاحظ أنهم يقولون (الطريقة) و(الطُّرق) لا (الطرائق)!
· جاء في كتاب (مباهج اللغة والأدب /339) للدكتور عبد الكريم اليافي:
"فالعِشْق منقبة من مناقب الإنسان عندهم، وخاصة من خصائصه."
نلاحظ أنه لم يقل: وخاصّة من خواصّه، أو خصيصة من خصائصه!
(129/2)
127- من طريق كذا؛ على طريق كذا؛ عن طريق كذا
أولاً:
· قال أبو هلال العسكري (الفروق في اللغة /45):
"وكذلك يكون المخطئ من طريق الاجتهاد مطيعاً، لأنه قصد الحقَّ واجتهد في إصابته."
· وقال الإمام الغُماري في كتابه (الإقناع):
"... لقوله صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح المتفق عليه، والمرْوِيِّ عنه من طريق أَزْيَدَ من عشرة من الصحابة..."
· وقال الشيخ محمد الخضر حسين (دراسات في اللغة /13):
"... والناظر في العلوم و... من الألفاظ التي دخلت في اللغة من هذا الطريق فاتسع به نطاقها."
· وقال الرافعي (تحت راية القرآن /157):
"وهل جاء هذا الشِّعر إلا من الطريق التي جاءت منها الأساطير والتاريخ..."
· وقال في المرجع السابق (ص 40):
"...و(هذه الفئة) تأتي ذلك (أي نَقْضَ قواعد القرآن) من طريق نبذ القديم والبالي والأخذ بالجديد والحالي."
· وجاء في (المعجم الوسيط /نقل):
" المنقول: ما عُلم من طريق الرواية أو السماع، كعلم اللغة أو الحديث ونحوهما، وهو يقابل المعقول."
· وقال الرافعي (وحي القلم 3/288):
"... بل هم (العرب) يَمُرُّون في بعض بيانهم من طريق هذه الكلمة: بيضة الخدر."
· وقال الشيخ محمد الخضر حسين (محاضرات إسلامية /138):
"... ولم يكن بينهما اتصال إلا من طريق المراسلة."
· وقال الشيخ محمد الخضر حسين (محاضرات إسلامية /175):
"... في أن يصل إليها ولو من طريق غير مشروعة."
ثانياً:
· قال في (اللسان /فجر):
" قال ابن جني: وقول سيبويه إن فَجارِ معدولةٌ عن الفَجْرَة تفسيرٌ على طريق المعنى لا على طريق اللفظ."
· وقال الرافعي (تحت راية القرآن /200):
"... على أن ما قاله... هو كاستنتاج الرافضة وعلى طريقهم في الرأي والفكر."
· وقال اللغوي المعاصر صبحي البصّام (مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق 58/4/829):
"... دخلت العلوم الأجنبية في الحضارة الإسلامية قديماً على طريق النقل..."
· وجاء في (الكليّات 3/153) للكفوي:
(130/1)
"والطلبُ إن كان بطريق العُلْو، سواء كان عالياً حقيقة أوْ لا، فهو أمْر؛ وإن كان على طريق السُّفْل، سواء كان سافلاً في الواقع أم لا، فدعاء."
· وجاء في (نَفْح الطيب 1/93): "فقال على طريق التضمين، وقد غلب عليه الشوق والحنين..."
· وقال الشيخ محمد الخضر حسين (محاضرات إسلامية /224):
"...تقتحمها أقلام تسعى للتنفير من الدين على طريق الحطّ من شأن علماء الدين."
ثالثاً:
· جاء في (الكليّات 5/104) للكفوي:
"ويثبت الوجود له تعالى بطريق البرهان لاستلزام الوجود."
· وجاء فيها (5/64):
"وقد يُراد بالهاء الحرف الدّالّ على التأنيث غير الألف بطريق عموم المجاز..."
· وجاء في (المعجم الوسيط /ضمن):
"تضمّنت العبارةُ معنىً: أفادتْه بطريق الإشارة أو الاستنباط."
· وقال الشيخ محمد علي النجّار (لغويات /27):
"... هو استعمال جاء بطريق التوسّع والتجوُّز."
· وقال الشيخ محمد الخضر حسين (محاضرات إسلامية /88):
"... وأَنكر أن تكون هذه المعاني مأخوذة من القرآن ولو بطريق الإشارة."
رابعاً:
· جاء في (المعجم الوسيط /الإذاعة):
"الإذاعة: نقل الكلام والموسيقى وغيرهما عن طريق الجهاز اللاسلكي."
نلاحظ أن الأقدمين ومن تابعهم على أساليبهم لم يستعملوا (عن طريق). ولكن قال عليّ ابن محمد الهَرَوِيّ (415 هـ) صاحب كتاب (الأُزهِيّة في علم الحروف /278): "تكون (عن) مكان (من) و(على) و(الباء)"؛ وأورد على هذا شواهد من أفصح الكلام. وربما كان ذلك وراء الاستعمال الحديث الشائع: (عن طريق)، كما ورد آنفاً في المعجم الوسيط الذي أصدر مَجْمعُ اللغة العربية في القاهرة طبعته الأولى سنة 1960 والثالثة سنة 1985.
?? تُبين النماذج المذكورة آنفاً استعمال كلمة (طريق) في التراكيب (من طريق، على طريق، بطريق، عن طريق) استعمالاً مجازياً مقبولاً.
وقد شاع في أيامنا استعمال بعض هذه التراكيب استعمالاً يُجانِِبُهُ التوفيق غالباً.
(130/2)
وفيما يلي نماذج مأخوذة من بعض المَجلاّت.
· ... الطريقة الوحيدة لهزيمة (الإرهابيين) هي أَخْذُ الحرب إليهم عن طريق ملاحقتهم أينما كانوا.
(الأحسن: ... بملاحقتهم أينما كانوا!).
· ... يحاول الكاتب أن يُقنع القارئ بنظريته عن طريق حُججٍ قوية وموضوعية.
(الأحسن: ... وذلك بإيراد حججٍ...)
· ... لأنه يُبين التطورات التي لا يحصل المُشاهد الغربي عليها عادةً عن طريق التقارير الإخبارية المحدودة.
(الأحسن: عادةً من التقارير...).
· ... محاولة مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل عن طريق وضع قواعد وضوابط جماعية.
(الأحسن: ... الشامل بوضْع قواعد و...)
· ... العمل على رفع مستوى كفاية خريجي مدارسنا عن طريق تطوير أساليب التعليم و...
(الأحسن: ... مدارسنا، وذلك بتطوير أساليب...)
· ... قد يحدث الانتقال عن طريق الصُّدْفة أو عمداً.
(الأحسن: ...الانتقال مصادفةًً أو عمداً)
· سافر فلانٌ بطريق البَرِّ / بطريق البحر / بطريق الجوّ.
(الأحسن: سافر فلانٌ بَرّاً / بحراً / جواً)
(130/3)
128- بالنظر إلى كذا؛ نظراً إلى كذا؛ نظراً لكذا
مما جاء في (المعجم الوسيط):
1- نَظَرَ الشيءَ: أبصره. 3- نَظَرَ فيه: تَدَبَّره وتَفَكَّر فيه.
2- نظر إلى الشيءِ: أبصره وتأمله بعينه. 4- نَظَرَ لفلان: رَثى له وأعانه.
قال في (القاموس المحيط): "النَّظَرُ: الفكر في الشيء تُقَدِّره وتقيسه."
وجاء في (محيط المحيط): "نظراً إلى كذا، وبالنظر إليه: ملاحظةً واعتباراً له."
ويعزِّز هذا التفسيرَ عبارةٌ وردت في كتاب الشيخ محمد الخضر حسين (محاضرات إسلامية /8): "... وَضْعُ آثار النفوس العالية على مِحَكِّ النظر والاعتبار."
· جاء في (الكليّات 5/250) للكفوي: "(السيْن) فرع (سوف): فمن استعمل (سوف) نَظَرَ إلى الأصل، ومن استعمل (السين) نظر إلى الإيجاز والاختصار." [أي: اعتبر الأصل]، [أي: اعتبر الإيجاز والاختصار].
وقال الشيخ محمد الخضر حسين في كتابه (محاضرات إسلامية /22):
"ونظراً إلى قاعدة المساواة قال علماء الأصول..." [أي: واعتباراً لقاعدة المساواة..]
· وقال الشيخ نفسه في كتابه (دراسات في العربية وتاريخها /46): "وهذا المذهب- بالنظر إلى ما يحتمله التركيب من الوجوه المقبولة في القياس- مذهب وجيه." [أي: باعتبار ما يحتمله التركيب...].
وفي (ص 49): "وقد يختلفون في القياس نظراً إلى ما يقف لهم من الأحوال التي تعارض السماع." [أي: اعتباراً لما يقف لهم...].
وفي (ص 178): "أما الحديث الوارد على وجهٍ واحد، فالظاهر صحة الاحتجاج به، نظراً إلى أن الأصل الرواية باللفظ، وإلى تشديدهم في الرواية بالمعنى." [أي: على اعتبار أن الأصل... وباعتبار تشديدهم...].
· وقال الشيخ محمد علي النجار في كتابه (لغويات /139):
"المَصْدر الذي يوصَف به لا يتغير في العدد، وذلك نظراً إلى أصله: فإن المصدر يقع على الحَدَث قَلَّ أو كثُر." [أي: اعتباراً لأصله...، يُريد: المصدر لا يتغير إذا وُصف به مفرد أو مثنى أو جمع ].
(131/1)
ورد في بداية هذه الفقرة معنى (نَظَرَ لفلان).
· قال مصطفى صادق الرافعي (تحت راية القرآن /294):
"...كان يُبطن الكفر ويُظهر الإسلام. فَتَعالَمَ الناسُ ذلك منه، فَوسِعُوه إشفاقاً عليه ونظراً له."
أما (نظراً لكذا) فقد استُعمل هذا التركيب أحياناً بمعنى (نظراً إلى كذا)، كما استُعمل بمعنى (بسبب كذا).
· جاء في (نفح الطيب 1/276): "وأَقَرَّه بمدينة إشبيلية لاتصالها بالبحر نظراً لقربه من مكان المجاز."
· وجاء فيه (1/516): "...انصرفنا من منازلة قرطبة نظراً للحشود التي نَفِدَتْ مُعِدّات أَزْوادها."
· وقال الدكتور عبد الكريم اليافي (مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 74، الجزء الأول، سنة 1999):
§ "... وإذا ظهرت (الزُهرة) في الصباح قيل لها نجم الصباح نظراً لوضاءتها." (ص 165).
§ قال الأستاذ الأجنبي الجليل: " إننا نتحدث دائماً بالعربية حين نتكلم في الفلك، وذلك نظراً لكثرة أسماء النجوم بالعربية." (صفحة171).
§ "وعالجه علماء البلاغة العربية في قسم المعاني، أولِ أقسام البلاغة نظراً لمكانته." (صفحة 175).
§ وجاء في كتاب (قواعد اللغة العربية) لمؤلِفِيْه: حفني ناصف ورفاقه، في مبحث اسم الإشارة:
"تقول: ذلِكَ وذلِكِ وذلكما وذلكم وذلكنّ نظراً للمخاطب." [أي: اعتباراً للمخاطب / على حَسَب المخاطب / وفقاً للمخاطب.]
(131/2)
129- بُعْدٌ، أبعاد
كثيراً ما تُستعمل في الكتابات المعاصرة كَلِمَتا (بُعْد) و(أبعاد) استعمالاً لا هو على الحقيقة، ولا على المجاز.
· جاء في (المعجم الوسيط): "البُعد: اتساع المدى. ويقولون في الدعاء عليه: بُعداً له: أي هلاكاً. وقالوا: إنه لذو بُعد: ذو رأي عميق وحزم. ويقال (بُعْدَك): يُحذِّره شيئاً من خَلْفِه."
وجاء فيه: "المدى: المسافة. والمدى: الغاية".
هذه معاني كلمة (بُعْد) العربية.
· أما كلمة dimension الإنكليزية فقد شرحها معجم أكسفورد على النحو الآتي:
أولاً: في حالة إفرادها:
1- قياس، بُعد (من أي صنف: طول، عرض، ارتفاع، ثخانة، الخ...)؛ مدى. يقال: ما هي أبعاد الغرفة؟
2- مجازاً: مَظهر، جانب، نحو: للمسألة جانب لم نناقشه.
ثانياً: في حال جَمْعها بحرف s:
1- حجم؛ مقدار؛ قَدْر؛ شأن، نحو: مخلوق عظيم الحجم (لا الأبعاد).
2- حجم بالمعنى المجازي؛ نحو: لم أدرك حجم المشكلة!
ويعطي معجم وبستر شروحاً مماثلة.
ويلاحظ القارئ المدقق فيما يُنشر في مجلات ومطبوعات هذه الأيام استعمال كلمتي (بُعْد وأبعاد) استعمالاً يجانبه التوفيق، ويجعل الجملة في غاية الركاكة.
فقد جاء في عدة أعداد من مجلة راقية و واسعة الانتشار العبارات الآتية:
1- "...بيد أن المصطلح (التسامح) اتخذ أبعاداً غير الأبعاد اللغوية، وصار يعبّر عن موقف ثقافي- اجتماعي."
والوجه أن يقال: ...اتخذ دلالاتٍ غير الدلالة اللغوية...
2- "...ويقود إلى التفكير في أصول هذا المصطلح ومنابِعِهِ وأبعاده الثقافية والاجتماعية والنفسية..."
والوجه أن يقال: ...ومنابِعِهِ وآثاره الثقافية و...
3- عنوان المقال: (البرمجيات: البُعد الثقافي)!
والوجه أن يقال: البرمجيات: الوجه / الجانب الثقافي.
4- "... وتُلقي الضوء على الأبعاد الجديدة للمعلوماتية..."
والوجه أن يقال: ... على الجوانب / المظاهر الجديدة للمعلوماتية...
(132/1)
وإضافة إلى ما ذكر، يمكن الكاتبَ (للكاتب) الحريص على سلامة اللغة، أن يستعمل بدلاً من (بُعد) و(أبعاد) ما يقتضيه السياق من الكلمات الآتية:
مَعنى / مَعانٍ؛ مغزى؛ صعيد؛ عواقب؛ حجم، إلخ...
(132/2)
130- اللام المُوْصِلة إلى المفعول
· قال صاحب (جامع الدروس العربية 3/14): "فإذا كان الفعل ناصباً لمفعولَيْن، فالأصلُ تقديم المفعول الأول، لأن أصلَه المبتدأُ، في باب (ظَنَّ)، ولأنه فاعلٌ في المعنى في باب (أعطى)، نحو: (ظَنَنْتُ البَدْرَ طالعاً) [الأصل: البَدْرُ طالعٌ]، ونحو: (أعطيتُ سعيداً الكتابَ) [(سعيد) و(الكتاب) ليس أصلهما مبتدأ وخبر]. ويجوز العكس إنْ أُمِنَ اللَّبْس، نحو: (ظننتُ طالعاً البدرَ)، ونحو: (أعطيتُ الكتابَ سعيداً)."
· جاء في كتاب (اللامات /161) للزَّجّاجيّ بتحقيق د. مازن المبارك، بابٌ عنوانه: (باب اللام التي تكون موصِلةً لبعض الأفعال إلى مفعولِيْها وقد يجوز حذفها): "وذلك قولُك: نصحتُ زيداً، ونصحتُ لزيد، والمعنى واحد.
وكذلك تقول: شكرتُ لزيدٍ وشكرتُهُ... وكذلك تقول: كِلْتُ لزيدٍ الطعامَ وكِلْتُهُ الطعامَ." وعلى هذا: كِلْتُ زيداً الطعامَ = كلتُ لزيدٍ الطعامَ!
ثم يستدرك الزجّاجي فيقول: "وهذا ليس بِمَقِيْس، أعني إدخال هذه اللام بين المفعول والفعل... ألا ترى أنه غير جائزٍ أن يقال: ضربتُ لزيدٍ وأكرمتُ لعَمْرٍو، وأنت تريد: ضربتُ زيداً وأكرمتُ عَمْراً."
]لا حاجة إلى زيادة واو (عمرو) عند تنوين النصب، لأن (عُمَر) لا يُنوَّن! ممنوع من التنوين (الصَّرْف)[.
· وقولُه (وهذا ليس بمقيس، إلخ...) معناه أن عِلَّة عدم جواز القياس هي فساد المعنى.
فإذا لم يتغير المعنى أمكن القياس؛ أي في وسعنا استعمال هذه اللام مع بعض الأفعال المتعدية بنفسها إلى مفعولَيْن ليس أصلهما مبتدأ وخبر، على غرار (كالَ زيداً الطعامَ).
ألا ترى أن قولَك: (أعطيتُ لسعيدٍ الكتابَ) أو (أعطيتُ الكتابَ لسعيدٍ) يؤدي معنى (أعطيتُ سعيداً الكتابَ)؟
· يقال في اللغة: أَوْلَى فلاناً معروفاً: أي صَنَعَهُ إليه.
أولى فلاناً ثِقَتَهُ: أي مَنَحَهُ إيّاها.
(133/1)
قلت: ألا يبقى المعنى على حاله إذا قيل: أولى لفلانٍ معروفاً / أولى معروفاً لفلان. أولى لفلانٍ ثِقَتَه / أولى ثقتَه لفلان؟
ملاحظة مهمة:
إن جواز تقديم المفعول الثاني على المفعول الأول لا يعنى أن المعنى لا يتغير البتة. وتبحث كتب البلاغة دواعي التقديم والتأخير ودلالاتهما.
· استناداً إلى ما سبق أرى أنه لم يخطئ الذي قال:
"...مع إيلاءِ عنايةٍ خاصةٍ للطرفين"
والأصل أن يقول: "...مع إيلاء الطرفين عنايةً خاصةً..."
· وليس هذا شأن الذي قال: "...تُوْلى عنايةٌ خاصة بالفروق بين الألفاظ..."
والوجه أن يقول: "...تُوْلى عناية خاصة للفروق..."
والأصل: "...تُولى الفروق عنايةً خاصة..."
· يقال: "...مَنَحَ فلاناً ثِقَتَهُ."
ويمكن القول: "منح لفلانٍ ثِقتَه / منح ثِقتَه لفلان."
· يقال: "أعار فلاناً الشيءَ: أعطاه إيّاه عاريَّةً"، (كأنه قيل: أعطاه إياه وقتياً (موقتاً)، لأن العارِيَّة = العارَة: ما تعطيه غيرَك على أن يُعيده إليك. يقال: كلُّ عارةٍ مُسْتَرَدّة).
ومن المجاز ما قاله كاتبٌ: "ونُعِيْر اهتماماً أعظمَ لِسَدَّ هذا النقص الكبير في المعاجم."
الأصل: نُعير سدَّ النقص اهتماماً.
أو: نعير اهتماماً لسدِّ النقص.
(133/2)
131- أَوَّلَ مَرَّة، (لا: لأَوَّلِ مرة!)
وَرَدَ التركيب (أول مرة) في التنْزيل العزيز تسع مرات، منها: ?قُل يُحْييها الذي أنشأها أول مرة?.
وكثيراً ما نصادف في أيامنا هذا التركيب بعد إدخال اللام عليه: (لأول مرة!)، ولا أرى لهذه اللام وجهاً، إذ لا يستقيم في هذا التركيب أيٌّ من معانيها الكثيرة. فمثلاً:
يقولون:
1- يُقام في دمشق معرض المخطوطات لأول مرة.
والوجه أن يقال: يُقام في دمشق معرض المخطوطات أول مرة.
والأحسن: يقام في دمشق أول معرض للمخطوطات.
ويقولون:
2- الأمير فلان يزور دمشق غداً لأول مرة.
والوجه أن يقال: غداً الأمير فلان يزور دمشق أول مرة.
ويقولون:
3- وقد شمل القصف المدينة كلَّها لأول مرة.
والوجه أن يقال: وهذه أول مرة يشمل فيها القصف المدينة كلها.
ويقولون:
4- سمحت السلطات للصحفيين لأول مرة بحضور محاكمات المعتقلين.
والوجه أن يقال: سمحت السلطات للصحفيين - وهذه أول مرة / وهذا أول سماح بحضور...
ويقولون:
5- الأديبة فلانة التي مَنَحَتْها الأكاديمية الفرنسية ولأول مرة في تاريخها جائزة البلاغة والشعر.
والوجه أن يقال: ...التي كانت أوَّل امرأة تمنحها الأكاديمية...
أو: التي كانت أَوَّلَ مَن منحتها الأكاديمية في تاريخها...
أو: التي كانت الأُولى في تاريخ الأكاديمية التي حصلت على...
ويقولون:
6- وُجِّه أمس إلى فلان تحذير للمرة الأخيرة.
والوجه أن يقال: وُجِّه...... تحذير أخير.
ويقولون:
7- مَرَّرَ يده على جذع شجرته المفضلة للمرة الأخيرة.
والوجه أن يقال: مَرَّرَ يده... ... مرةً أخيرة.
ويقولون:
8- أمس عُوقب فلانٌ للمرة الثالثة.
والوجه أن يقال: أمس عُوقب فلان مرةً ثالثة.
9- جاء في إحدى الدراسات عن الذخيرة اللغوية:
(134/1)
"أما اللغوي فلأول مرة في تاريخ البحوث اللغوية ستكون تحت تصرفه أعظم مُدَوَّنة نَصِّيَّةٍ شهدها التاريخ - ما عدا دواوين العرب اللغوية - ولأول مرة حقيقةً سيستغلّ هذه المدونة على شكل مندمج، أي بصورة قاعدة معطيات؛ ولأول مرة أيضاً يمكنه أن يستغل ما فيها أينما كان..."
أقول: ليته قال:
أما اللغوي فستكون تحت تصرفه- وهذه أول مرة في تاريخ البحوث اللغوية- أعظم مدونة... وسوف تكون المرة الأولى التي يَستغل فيها هذه المدونة... والمرة الأولى التي يستغل فيها...
أو: أما اللغوي فستكون هذه أولَ مرة في تاريخ البحوث اللغوية يُوضع فيها تحت تصرفه أعظمُ مُدَوَّنة.
10- لا عيب في قول مَن قال:
...كانت تلك هي المرة الأولى التي يترجِم فيها أديبٌ عربي إحدى الملاحم الأوربية.
(134/2)
132- مُدَّةَ كذا، (لا: لُمِدة كذا)
ظروف الزمان وأسماء الزمان كلها صالحة للنصْب على الظرفية (وتُعرب مفعولاً فيه) سواء أكانت مُبْهَمَة، نحو: انتظرتُ مُدةً؛ سِرْتُ زمناً؛ صَبَرتُ دهراً.
أو مختصة صالحة للجواب على (متى)، نحو: أُسافر يومَ الخميس.
أو معدودة تصلح جواباً لِ (كم): نحو: سأغيب يومين / شهرين...
ومما يَنوب عن الظرف فيُنصب على أنه مفعول فيه:
العدد المميَّز بالظرف، نحو: سافرت ثلاثين يوماً.
( الأصل: سافرت مدةَ ثلاثين يوماً).
1- العدد المضاف إلى الظرف، نحو: لزمتُ الدارَ ستةَ أيامٍ؛ سافرتُ أربعَ ساعات.
( الأصل: لزمت الدار مدةَ ستة أيام. سافرت مدة أربع ساعات).
2- صفة الظرف، نحو: وقفتُ طويلاً، أي: وقفتُ زماناً طويلاً.
وكثيراً ما نصادف في هذه الأيام ظرف الزمان (مُدَّة) أو غيره وقد أُدخلت عليه اللام. ولا أرى لهذه اللام وجهاً. فعلى سبيل المثال:
والوجه أن يقال
يقولون
1- يستمر المعرض / المؤتمر مدة أسبوعين
والأوجز: يستمر المعرض أسبوعين!
1- يستمر المعرِض/ المؤتمر لمدة أسبوعين
2- عمل فلان في الشركة يومين فقط.
2- عمل فلان في الشركة ليومين فقط.
3- حصل فلان على إجازة مدتها 4 أيام.
3- حصل فلان على إجازة لمدة 4 أيام.
4- سافر في جولة... مدتها أسبوع.
أو: ... تستغرق أسبوعاً/ تمتد أسبوعاً...
4- سافر فلان في جولة تفتيشية لمدة أسبوع.
5- ... بيروت طَوال ثلاثة أيام مؤتمر...
أو: عقد... وقد دام المؤتمر ثلاثة أيام.
5- عُقد في بيروت، ولمدة ثلاثة أيام مؤتمر إشهار (المؤسسة العربية للتحديث الفكري).
6- تأثيرات هذا الدواء الجانبية ضعيفة، ولا تدوم طويلاً/ وتدوم زمناً قصيراً..
6- التأثيرات الجانبية لهذا الدواء تكون(كذا) خفيفة(كذا) ولمدة قصيرة.
7- ... صالح سنتين بدءاً من تاريخ إصداره.
7- جواز السفر هذا صالِحٌ لمدة سنتين بدءاً...
8- شغل فلان سنواتٍ طويلةً منصبَ...
(135/1)
8- شَغلَ فلانٌ لسنوات طويلةٍ منصب المدير العام..
9- انتخب فلان ليرأس الجمعية مدة سنتين.
أو: انتخب فلان رئيساً للجمعية ومُدّته سنتان.
لا يصح: انتخب رئيساً مدة سنتين، لأن الانتخاب ليس له ديمومة!
9- انتُخب فلانٌ رئيساً للجمعية لمدة سنتين.
(135/2)
133- مُهِمَّة، مَهَمَّة؛ مُهِمٌّ، هامٌّ
أورد الناقد اللغوي صلاح الدين الزعبلاوي رحمه الله بحثاً رَصِيْناً في كتابه (لغة العرب)، رأيت أن أقتبس منه تعميماً للفائدة.
· للفعل الثلاثي (هَمَّ يَهُمُّ هَمًّا) مَعانٍ؛
منها ما يتعلق بالحزن والقلق ]المَصْدر- الهَمُّ- شائع الاستعمال بهذا المعنى[. يقال: هَمَّهُ الأمرُ: أَقْلَقَهُ وأَحْزَنَهُ، فالأمرُ هامٌّ (اسم الفاعل)، وهو مَهْمُوم (اسم المفعول).
ومنها ما يتعلق بالطلب والقصد والإرادة. يقال: لا مَهَمَّةَ لي: أي لا أَهُمُّ بذلك ولا أفعله، أو لا أُريد.
و( مَهَمَّة) هنا، مَصْدر ميميٌّ من الفعل هَمَّ. فإذا قيل: ذهب فلانٌ في مَهَمَّةٍ، فالمعنى: مضى في قَصْدٍ أو مَطْلب.
· نَصَّت المعاجم على أن الفعلين: الرباعي (أَهَمَّ) والثلاثي (هَمَّ) بمعنى واحد. ولكن زيادة الهمزة تعني التأكيد والمبالغة. ومن أجل هذا قالت العرب (المُهِمّ) للأمر الشديد، ولم يقولوا (الهامّ)! وهذا فَرْقُ ما بينهما.
وقد استُعمل الفعل (أَهَمَّ يُهِمُّ إهْماماً) بمعنيين:
1- الأمر الشديد، نحو: تداعى القومُ لِمُهمٍّ أو مُهِمَّةٍ (اسم الفاعل)، أي تَنادَوْا لأمرٍ شديدٍ نزل بهم.
2- الأمر تضطلع به فيشْغلك ويَعْنيك.
فإذا أردتَ التعبير عن الأمر الذي يُفوَّض إليك فتتولاّهُ وتَحْمِلُ مؤونته وتَبِعَتَهُ، فقُلْ: مُهِمَّة، لأنها أَوْلى من (مَهَمَّة) في هذا الاستعمال، وألصق بالمعنى المراد.
ملاحظة: المُهِمُّ: ما يسترعي الاهتمام من الأمور؛ وما يدعو إلى اليقظة والتدبير.
(136/1)
134- المَصْدَرُ المِيْميُّ
هو مصدرٌ قياسي يُبدأ أبداً بميمٍ زائدة (وبسبب لزوم هذه الميم أَوَّلَه، سَمَّوْهُ ميمياً)، ويساوي
المصدرَ الأصلي في المعنى والدلالة على الحَدَث؛ وقيل أيضاً إنه آكَدُ من معنى المصدر
الأصلي.
وهو يُصاغ من الفعل الثلاثي على وزن (مَفْعَل)، بفتح الميم والعين وسكون الفاء، نحو: مَنْصَر ومَذْهَب ومَضْرب؛ ويلازم الإفراد والتذكير، ولا تلحقه تاء التأنيث إلا سماعاً في رأي كثير من النحاة.
ويُصاغ من غير الثلاثي على زِنَةِ اسم المفعول.
أولاً: نماذج من المصدر الميمي المشتق من الثلاثي:
· مَأكَل ( = أَكْل)؛ مَغْنم ( = غُنْم)، مَقْدم ( = قُدوم)؛ مَرام ( = رَوْم)؛ مَفَرّ ( = فِرار)، مَدْخَل ( = دُخول).
· وشَذَّ فجاء على (مَفْعِل) بكسر العين:
مَبيت، مجيء، مرجِع، مسِير، مشِيب، مصِير، مَزِيد، مَوْعِد ( = وَعْد)؛ مَوضِع ( = وَضْع)، مَولِد ( = ولادة)؛ مَوْثِق ( = ثقة).
· ومما لحِقَتْه تاء التأنيث:
- الوَلَدُ مَبْخَلَة، مَجْبَنة، مَحْزَنَة.
- الشكر مَبْعَثَةٌ لنفس المُفُضِل، والكُفْر مَخْبَثَةٌ لنفس المُنْعِم.
- مَحَبَّة (مِن حَبَّ يَحِبُّ حُباًّ و حِباًّ)؛ مَخافة، مَقالة، مَحْمَدة، مَفْسَدة، مَهْلكة، مَنْصَبَة... مَنال ومَنالة ( = نَيْل)، مَفاز ومَفازة ( = فَوْز)، مَسعى ومَسْعاة، مَنْدم ومَنْدمة، مَعَاب ومَعَابة، مَوَدَّة، مَهَمَّة، مَسَرَّة، مَذَمَّة، مَبَرَّة، مَشَقَّة...
وشذَّ فجاء على (مَفْعِلة) بكسر العين:
مَعِرفة، مَعْصِية، مغْفِرة، مَعِيْشة، مَقْدِرة، مَوعِظة...
ثانياً: نماذج من المصدر الميمي المشتق من غير الثلاثي:
مُدْخَل ( = إدخال)، مُخْرَجِ (إخراج)، مُجْرى (إجراء)، مُقام ومُقامة (إقامة)، مُغْنَى ومُغْناة (إغناء)، مُنطَلَق (انطلاق)، مُنقَلَب (انقلاب)، مُصاب (إصابة)...
(137/1)
ملاحظة: تُشارك المصدرَ الميميَّ في وزن (مَفْعَل) أسماءُ الزمان والمكان المشتقة من الفعل الثلاثي، إذا كان مضارعه مفتوح العين أو مضمومها وصحيح الآخِر، نحو: ذَهَب يذهَب مَذْهَب، دخَل يدخُل مَدْخَل.
أما أسماء الزمان والمكان من الثلاثي الذي مضارعه مكسور العين صحيح الآخر فتصاغ على وزن (مَفْعِل) بكسر العين، نحو: يجلِس مَجْلِس؛ يغرِس مَغْرِس (على حين المصدر الميمي من هذين الفعلين هو: مَجْلَس، مَغْرَس!).
(137/2)
135- متى يُجمع مفعول على مفاعيل؟
نشرت مجلة (العربي) [العدد 225؛ آب 1977) بحثاً رصيناً للناقد اللغوي محمد خليفة التونسي رحمه الله، عنوانه هو عنوان هذه الفقرة. وقد رأيت أن ألخَّصه لفائدته الكبيرة.
- ذهب كثير من النحاة القدامى إلى أن جموع التكسير سماعية، خلافاً لما ذهب إليه مجمع اللغة العربية في القاهرة سنة 1937.
[قرر مجمع القاهرة سنة 1937 جواز قياس ما لم يُسمع على ما سُمع، وأن المَقيس على كلام العرب هو من كلام العرب.
"يُخطئ مَن يتوهّم أن كل جموع التكسير سماعية: فهناك جموع التكسير المطّردة التي قد يكون إلى جانبها جموع سماعية للمفردات المدروسة." انظر (النحو الوافي 4/634)، لمؤلفه عباس حسن.]
- وجد القدماء في المعاجم مثالين فقط: ملعون ملاعين، مشؤوم مشائيم، فمنعوا القياس عليهما.
- وجد بعض المتأخرين في النصوص الأدبية المأثورة عن الفصحاء أمثلة أخرى: مجنون مجانين، منكود مناكيد، مشهور مشاهير، مملوك مماليك، ميمون ميامين...
- الكلمات التي وردت على وزن (مفعول) أربعة أنواع:
1- الأول يُستعمل مصدراً محضاً للدلالة على الحدث؛ وما كان كذلك لا يُجمع البتة ]انظر الفقرة 54: جَمع المصدر[، نحو قولنا: "هذا الرجل لا معقول له، ولا مجلود، ولا ميسور" أي لا عقل له، ولا جلد، ولا يسار. وأمثلة هذا النوع نادرة.
2- الثاني يُستعمل صفةً خالصة كما في قولنا: (كلّ أب مربوط بأولاده). فإذا جمعنا كلمة (مربوط) هنا قلنا: (الآباء مربوطون بأولادهم، والأمهات مربوطات بأولادهنّ) أي: تُجمع جمع سلامة (مذكر سالم أو مؤنث سالم)، ولا تجمع جمع تكسير (مرابيط!!). وأمثلة هذا النوع كثيرة جداً، منها: مسرور مسرورون، مبتور، معقود...، شاعر مطبوع، شعراء مطبوعون...
(138/1)
3- الثالث: أسماء مصطلحات، أو أسماء ذوات وهيئات، نحو: مفعول (مصطلح نَحْويّ) مفاعيل، موضوع (محور الكلام) مواضيع، محلول (سائل فيه مادة مُنحلَّة) محاليل، مولود مواليد، محصول محاصيل، مكتوب (رسالة) مكاتيب، مجهول مجاهيل، مشروع مشاريع، مرسوم مراسيم، منشور مناشير، مفهوم مفاهيم، مضمون (مُحتوى) مضامين، مشروب مشاريب، معجون معاجين، منسوب (مُستوى) مناسيب، مستور (سِرٌّ) مساتير، مركوب (نوع من النعال) مراكيب، مرجوع (الوشم الذي أُعيد سواده) مراجيع، مشحوف (نوع من الزوارق الصغار) مشاحيف... [مرجوحة مراجيح، مقصورة مقاصير، مطمورة مطامير...[
4- الرابع: كلمات تدل على النَّسَب:
- يُنسب إلى الاسم عادة بزيادة ياء مشددة في آخره، نحو: عرب عربيّ، حجاز حجازي...
- وهناك كلمات تدل على النسب بغير هذه الصيغة اليائية، نحو: سَيّاف: ذو سيف؛ لَبَّان: ذو لبن...
- وثمة كلمات كثيرة على وزن مفعول تدل على النَّسَب، نحو:
مجنون (ذو جنون) مجانين؛ منكود (ذو نكد) مناكيد؛ مشهور (ذو شهرة) مشاهير؛ ملعون (ذو لعنة) ملاعين؛ مشؤوم (ذو شؤْم) مشائيم؛ متبوع (ذو أتباع) متابيع؛ معتوه، مخبول، مهبول، منكور، مملوك، منحوس...
ملاحظة:
بعض الكلمات قد تُستعمل مصدراً بحتاً (فلا تُجمع!)، نحو: فلانٌ لا ميسور له؛ أو صفة خالصة (فتُجمع!) نحو: هو ميسور اللقاء? هم مَيْسُورو اللقاء (جمع مذكر سالم).
أما إذا أردناها نسبة بمعنى ذي يسار فتجمع جمع تكسير على (مياسير). فالمهم في جمع مفعول أو عدم جمعه على مفاعيل هو الدلالة في الاستعمال.
[جاء في (نَفْح الطِّيْب 2/57): "سِيْروا إلى الله عُرْجاً ومكاسير، فإن انتظار الصحة بِطالة."
من المفيد أن أذكّر بما ورد سابقاً (الفقرة 53) عن قياسية "جمع الوصف لمذكَّر غير العاقل" بالألف والتاء. ومن الوصف اسم المفعول. يقال: مأكول مأكولات، مشروب مشروبات، ملبوسات، مزروعات، محفوظات، ممنوعات مخطوطات، مسروقات منشورات، إلخ...
(138/2)
136- آتى يُؤْتي إيتاءً - آتى يُؤاتي مؤاتاةً
في العربية أفعال تحتمل صيغتُها وزنين: أَفْعَلَ وفاعَلَ. ومن المعلوم:
أن مضارع الوزن الأول ومصدرَه هما: أفعَلَ? يُفْعِلُ إفْعالاً،
وأن مضارع الوزن الثاني ومصدرَه هما: فاعَلَ? يفاعِلُ مُفاعلةً.
من هذه الأفعال: آجَرَ يُؤْجرُ إيجاراً - آجر يُؤاجِرُ مؤاجَرَةً - آنس يُؤْنَس إيناساً- آنس يُؤانس مؤانسةً...
ملاحظة: ثمة أفعال شبيهة بالمذكورة، ولكن لها وزن واحد فقط:
· إما (أَفْعَلَ)، مثل: آمَنَ يُؤْمن إيماناً؛ آوى يُؤْوي إيواءً؛ آلى يُؤْلي إيلاءً (إن صيغة مصدر هذا الفعل- الذي يعنى حَلَفَ / أَقْسَمَ- تطابق صيغة مصدر الفعل: أَوْلَى يُوْلي إيلاءً! يقال: أولى فلاناً معروفاً؛ أو: أَوْلاه اهتماماً...)
· وإما (فاعَلَ) مثل: آسى يُؤاسي مؤاساة- آخى يؤاخي مؤاخاةً...
ومما يستوقف النظر أن معاجم اللغة لا تشير غالباً إلى أن ثمة وزنين للفعل؛ وبعضها يشرح الفعلين بحيث تتداخل معانيهما! سنشرح هنا معانيَ كلِّ فعلٍ على حِدَتِه.
أولاً: آتى (أفعَلَ) يؤتي إيتاءً (أصله أأتى بهمزتين!)؛ صيغة الأمر: أَفْعِلْ: آتِ!
1- آتاهُ الشيءَ: جاء به إليه. وفي التنْزيل العزيز:? قال لِفَتَاةُ آتِنا غداءَنا?.
2- آتى فلاناً الشيءَ: أعطاه إياه. وفي التنْزيل العزيز:
?ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخِرة حسنةً?.
?وآتى المالَ على حُبِّه ذوي القُربى واليتامى والمساكين?.
?وآتِ ذا القُربى حقَّه?.
?ومَن قُدِرَ عليه رِزُقُه فلْيُنْفِقْ مما آتاه اللهُ?.
3- آتى الزكاة: أدّاها، دَفَعها.
4- آتى إليه الشيءَ: ساقه إليه. وفي الحديث: "مَن آتى إليكم معروفاً فكافِئوه."
ثانياً: آتى (فاعَلَ) يؤاتي مُؤاتاة (أصله أاتى)؛ صيغة الأمر: فاعِلْ: آتِ!
1- آتى فلاناً على الأمر: وافقه وطاوعه وجاراه. وفي الحديث: "خير النساء المؤاتية / المواتية لزوجها."
(139/1)
وفي (أساس البلاغة): "تقول: فلانٌ كريم المواتاة جميل المواساة. وهذا أمر لا يواتيني."
يقال: لا تُؤاتِهِ على مَعْصية!
2- آتَتْ فلاناً الفُرصة: سَنَحَتْ / عَرَضَتْ له.
3- آتى فلاناً بكذا: جازاه به.
ثالثاً: أهل اليمن لا يهمزون هذا الفعل فيقولون: واتاه على الأمر يواتيه مواتاةً و وِتاءً [زِنة (فِعال)].
(139/2)
137- رئيس- رئيسيّ (1)
جاء في كتاب (جامع الدروس العربية) للشيخ مصطفى الغلاييني:
أ - "في النسبة معنى الصِّفَة، لأنك إذا قلت (هذا رجلٌ بيروتيّ) فقد وصفته بهذه النسبة. فإن كان الاسم صفةً، ففي النسبة إليه معنى المبالغة في الصفة..."
إذن تجوز النسبة (أو النَّسَب) إلى الاسم وإلى الصفة.
ب - يفيد النسبُ الانتماءَ أو الصلة أو الارتباط. فإذا قلنا مثلاً: (هذا رجلٌ دمشقيّ)، فالمعنى أن المنسوب (دمشقي) ينتمي إلى المنسوب إليه (دمشق).
كما يفيد الشَّبَهَ أحياناً: فإذا قلنا: (هذا مُركّبٌ عجينيّ، وذاك سائل حليبيّ، ولهذا الطفل جِلدٌ حريريّ)، فالمعنى أن للمركّب صفات العجين (أو يشبه العجين)، وأن السائل يشبه الحليب، وأن جلد الطفل كالحرير...
ج - كلمة ( رئيس) في الأصل صفة تعنى في دلالتها اللغوية: الشريف، وسَيِّد القوم، أي مَن له الصدارة والتقدم على سواه. لذا يوصف بها - على سبيل التشبيه - الشخص المُبرِّز في علمه أو فنّه أو فضله. وقديماً قالوا: الشيخ الرئيس ابن سينا.
كما يوصف بها الشيء الذي يَنْزل من غيره من الأشياء مَنْزلة السيد من قومه. ففي الجسم البشري أعضاءٌ لا يعيش الإنسان بفقد واحد منها (هي: القلب، والدماغ، والكبد، والرئتان، والكليتان) وقد وُصِفت قديماً بأنها (الأعضاء الرئيسة).
د -كثيراً ما نصادف في كتابات المُحْدَثين عبارات مثل: عنصر رئيسيّ، وظيفة رئيسية، شخصيات رئيسية، الخ... ويُخَطِّئ بعضُ النقّاد هذا الاستعمال، أي الوصف بصيغة النسَب إلى (رئيس)، قائلين بأن التعبير لا يصحّ إلا بدون ياء النسَب المشددة!
أما حُجّتهم في ذلك فهي أن الوصف بـ (رئيسي) لم يرد في الكتابات القديمة، وأن المنسوب يختلف عن المنسوب إليه. فالدمشقي هو غير دمشق، مثلما أن الملكيّ هو غير المَلِك!
(140/1)
هـ - بيد أن استعمال كلمة (رئيس) اتسع في العصر الحديث، وصارت لَقَباً للأشخاص عادةً، يَدُلُّ في الاستعمال على منصب أو وظيفة؛ من ذلك: رئيس الدولة، رئيس الجمهورية، رئيس مجلس الوزراء، رئيس المحكمة، رئيس الجامعة، الخ...
وبعبارة أخرى، الصفة (رئيس) غَلبتْ عليها الاسميّة، فصارت - في العصر الحديث - كالاسم الجامد، إضافتها معنوية (تُكسبها تعريفاً) بدليل أننا نَصِفُها بمعرفة فنقول: رئيسُ الدولة الـ جديدُ.
ومن المعلوم أن الاسم الجامد (الذي لا يُؤوَّل بمشتق) لا يوصف به إلا إذا لَحِقتْه ياء النسَب المشدّدة! (انظر الفقرة 139).
وفي رأي النقّاد المتشدِّدين "يصحُّ النسَب إلى (رئيس) في أصل معناه، بأن يقال: (مرسوم رئيسيّ) أي صادر عن الرئيس"! ]كما يقال مرسوم ملكيّ[. لكن هذا غير مألوف البتة، والمألوف أن يقال: مرسوم جمهوري، أو مرسوم رئاسي...
ويترتَّب على رأي النقّاد - من التقابل بين (مرسوم رئيسي) و( مرسوم ملكيّ)- أن لفظ (رئيس) انجذب إلى الاسمية وصار يقابل لفظ (مَلِك)، وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه آنفاً.
و- لكن الحياة حافلة بالأشخاص والأشياء والأفكار والاتجاهات، الخ... ذوات الأهمية الخاصة في بابها أو التَمَيُّز على أشباهها، أو التأثير في سواها. وكلٌّ منها بهذا ينتمي إلى مفهوم (رئيس) ويأخذ بحظٍّ منه. وللدلالة على ذلك يستعمل المحدَثون الوصف بصيغة النسَب، فيقولون: (الشخصيات، أو العناصر، أو الاتجاهات) الرئيسية.
وحين يصف الكاتب (العنصر) بأنه (رئيسيّ) فإنه يقصد إلى أن يَنسُب إلى العنصر صفات المنسوب إليه (رئيس) على جهة التشبيه (انظر الفقرة ب). فإذا قال: (هذا عنصر رئيسيّ في الموضوع)، عَنَى أن العنصر يَنْزل من عناصر الموضوع مَنْزلة الرئيس ممن يليه في الترتيب مكانةً. فهو إنما يريد تشبيه العنصر في مكانه من العناصر الأخرى بالرئيس في مكانه، وهو مكان الرئاسة والتَّصَدُّر.
(140/2)
والجدير بالملاحظة أن صيغة (رئيسيّ) هذه قد استقرت في دلالتها المشار إليها؛ ولا يصحّ استعمالها إلا إذا كان الموصوف (عنصر، عضو، شخصية) جزءاً من مجموعة من جنسه. وقد أصدر مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1968 قراراً سوَّغ فيه استعمال الوصف (رئيسيّ).
(1) استفدت عند إعداد هذا البحث من مناقشات أعضاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الواردة في (كتاب الألفاظ والأساليب) الجزء الأول الصادر سنة 1977؛ غير أني عالجتُ المسألة من زاوية مختلفة جداً.
(140/3)
138- جواز النسبة إلى جمع التكسير، وإلى ما جُمِع بالألِفِ والتاء من الأعلام
أصدر مَجْمع اللغة العربية في القاهرة سنة 1937 القرار الآتي:
"المذهب البَصْريّ في النسَب إلى جمع التكسير أن يُرَدَّ إلى واحِدِهِ، ثم يُنسَب إلى هذا الواحد. ويرى المجمع أن يُنسب إلى لفظ الجمع عند الحاجة، كإرادة التمييز أو نحو ذلك."
فقد رأى المجْمع أن النسبة إلى الجمع قد تكون في بعض الأحيان أَبْيَنَ وأدقَّ في التعبير عن المراد من النسبة إلى المفرد. لذا عَدَلَ عن مذهب البصريين القائلين بقَصْر النسبة على المفرد، إلى مذهب الكوفيين المترخِّصين في إباحة النسبة إلى الجمع توضيحاً وتبييناً، علماً بأن المسموع عن العرب من المنسوب إلى جمع التكسير غير قليل. وفيما يأتي نماذج شائعة.
- أنصاريّ: نسبةً إلى الأنصار أهل مدينة الرسول الذين ناصروه حين هاجر إليهم.
- الثعالبيّ: نسبةً إلى ثعالب، وهي قبائل من العرب شتى؛ وقد عُرف بهذه النسبة غير واحد.
- الجواليقيّ: نسبةً إلى جواليق جمع جُِوالق، وهو وعاء من صُوف أو شَعْر أو غيرهما، كالغِرارة، (وهو عند العامة شُِوَال). لقبُ عالِمٍ لُغويّ توفي ببغداد سنة 539هـ.
- مُلوكيّ: يقال مثلاً: لباسٌ / طعامٌ ملوكي: يليق بالملوك.
- ملائكيّ: يقال مثلاً: وجْهٌ ملائكيّ: كوجه الملائكة!
- عشائري: نسبة إلى عشائر. يقال: نظامٌ عشائريّ.
- كُتُبِيّ: هو بائع الكُتب. يقال: السُّوق الكُتُبيّة.
- أحيائيّ: نسبة إلى أحياء. يقال: عالِمٌ أحيائي.
- الجواهريّ: هو من يصنع الجواهر أو يبيعها. وهو لقب محمد حسن باقر (توفي 1266 هـ)؛ ولقب الشاعر مهدي الجواهريّ (من فحول شعراء القرن العشرين).
- سكاكينيّ: لقب من يصنع السكاكين أو يبيعها.
- صناديقي: لقب من يصنع الصناديق أو يبيعها.
- أما الصَّحابيّ (ويُجمع على صَحَابة) فهو مَن لقي النبيّ عليه الصلاة والسلام مؤمناً به ومات على الإسلام.
(141/1)
- وأما الأَعرابيّ (ويُجمع على أَعْراب) فهو أحد سكان البادية.
- وأما العَربيّ، فهو المنسوب إلى العرب، وهُم أُمَّةٌ من الناس كان منشؤها شبه جزيرة العرب.
فالألفاظ: صحابة وأعراب وعرب ليست جموع تكسير!
- الدُّوَليّ: العالميّ (نسبة إلى الدُّوَل): يقال: مطار / مَعرِض دمشق الدُّوَلي. عُقِد مؤتمر دُوَليّ...
]الدَّوْلي: المنسوب إلى الدَّوْلة. يقال: جامعة دَوْلية، تمييزاً لها من الجامعات الأهلية الخاصة.[
وفي عام 1974 أصدر مجمع القاهرة قراراً أجاز فيه النَّسَب إلى ما جُمِع بالألِف والتاء من الأعلام وما يجري مجراها، دون حذف الألِف والتاء.
فالسّاداتيّ: هي النسبة إلى مَن اسمه السادات.
وعَطِيّاتيّ: هي النسبة إلى مَن اسمها عطيات.
وكذلك ما يجري مجرى الأعلام من أسماء الأجناس والحِرَف والمصطلحات، مما يدلُّ على مُعَيَّن، مثل: الساعاتيّ، والآلاتيّ، والمخلّلاتي... وذلك فِراراً من اللّبْس إذا حُذفت الألِف والتاء عند النسب.
· من المعلوم أن كلمة (علاقة) مثلاً تُجْمع- تكسيراً- على علائق، وتُجْمع- تصحيحاً- على علاقات. فإذا أُريدَ النَّسَب إلى جملة علاقات قيل: علائقيّ! إذ لا يصحّ النسب إلى ( علاقات) لعدم انطباق القرار المجمعي عليها!
مراجع البحث
- النحو الوافي 4/724-741، لعبّاس حسن.
- كتاب في أصول اللغة 2/90 (من مطبوعات مجْمع القاهرة).
- كتاب في أصول اللغة 4/698 (من مطبوعات مجْمع القاهرة).
(141/2)
139- الاسم الجامد، متى يَصِحُّ النعتُ به؟
الأصل في النعت (الصفة / الوصف) أن يكون اسماً مشتقاً، كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبَّهة، واسم التفضيل، نحو: جاء الرجلُ المجاهدُ. هذا حَلٌّ مقبولٌّ. هذا عالِمٌ عظيمٌ. خالدٌ بطلٌ أشجعُ من غيره. وقد يكون جملة اسمية أو فعْليّة.
وقد يكون اسماً جامداً مُؤَوَّلاً بمشتق، وذلك في تسعِ صُوَرٍ، منها:
1- ما دَلَّ على تشبيه، نحو: قابلتُ رجلاً أسداً، أي شجاعاً كالأسد. رأيتُ رجلاً ثعلباً، أي محتالاً كالثعلب. كان السَّجَّان رجلاً وَحْشاً، أي قاسياً كالوحش.
2- المصدر، بشرط:
أ - أن يكون مفرداً(1) مُذَكَّراً(2).
ب - أن يكون مصدر فِعْلٍ ثلاثي.
ج- ألاّ يكون ميمياً.
ويقول علماء البلاغة إن النعت بالمصدر أبلغ في أداء الغرض من النعت بالمشتق، وإنه يكون من باب المبالغة (أو من باب مجاز الحذف أو المجاز المرسَل). وقد ورد كثيراً في التنْزيل العزيز وفي غيره:
· ?... إنّا سَمِعنا قرآناً عَجَباً? (الجِنّ 1)، أي عجيباً.
· ?... َلأَسْقيناهُم ماءً غَدَقاً? (الجن 16)، أي كثيراً.
· ?ومَن يُعْرِض عن ذِكْرِ رَبِّه يَسْلُكْهُ عذاباً صَعَداً? (الجن 17)، أي شديد المشقة.
· ?وجاؤوا على قميصه بِدَمٍ كذِبٍ? (يوسف 18)، أي كاذب.
· هؤلاء شُهودٌ صِدْقٌ، أي صادقون.
· عندي لَبَنٌ حَلْبٌ، أي مَحْلوبٌ.
· القائد الرَّمْز: أي الرامِز إلى (الدالُّ على / المشير إلى) طموحات شعبه وأمانيه.
3- الاسم الجامد الذي لَحِقَتْهُ ياء النَّسَب المشَدَّدة، نحو:
· هذا رجلٌ حَلَبِيٌّ، أي منسوبٌ إلى حَلَب.
· هذا قَمْعٌ وَحْشيٌّ، أي نُسبتْ إليه صفة قسوة الوحش. ]لا يقال: هذا قَمْعٌ وَحْشٌ![.
§ جاء في إحدى المجلاَت الشهيرة: "إن الحوارَ والتسامحَ هو المبدأ الأساسُ في علاقات البَشر."
وجاء في المقال نفسه(!):"أما شركات الإنتاج فهي العامل الأساسيّ في رفع الدراما السورية وفي أزْمتِها اليوم."
(142/1)
أقول: (الأساس) ليس مصدراً ليُنْعتَ به: المبدأ الأساس! وقبل إبداء الرأي في هذا التركيب، لِننظر في بعض معاني كلمتي (مبدأ) و(أساس) في معاجم اللغة.
مبدأ الشيء: أَوَّلُه؛ - مُنْطَلَقُه؛ قواعده الأساسية التي يقوم عليها ولا يخرج عنها.
يقال مثلاً: مبادئ عِلم الميكانيك: قواعده الأساسية.
الأساس:
- قاعدة البناء التي يُقام عليها.
- أصل كل شيء ومبدؤه؛ ومنه: أساس الفكرة، وأساس البحث.
- التعليم الأساسيّ: الخبرة العلمية والعملية التي لا غنى عنها للناشئ.
لذا فالوجه أن يقال: الحِوار والتسامح هما أساس العلاقات بين البشر.
أما (المبدأ الأساسيّ) فمعناه: القاعدة الأصلية. فالمبدأ الأساسيّ في التعامل بين الدُّوَل مثلاً، هو الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين.
و (الفكرة الأساسية) لروايةٍ تمثيلية، هي الفكرة الأصلية التي انطلقت منها الرواية.
وأما التركيب (العامل الأساسيّ) الذي جاء في المقال، فهو تركيب سليم يُفهم منه نسبة صفات الأساس إلى أحد عوامل رفع الدراما السورية...
ولكن يمكن استعمال (العامل الأساسيّ) في سِياقٍ آخر بمعنى (العامل الذي لا غنى عنه): نحو: العامل الأساسي في النمو الاقتصادي لدولةٍ ما هو التخطيط السليم ومتابعة تنفيذه.
ويستعمل الوصف (أساسيّ) أيضاً بمعنى (جوهريّ)، أي بخلاف (الثانوي)...
يقال: أساسيّات الموضوع: مبادئه أو أصوله الجوهرية.
العامل الأساسي: العامل الجوهري؛ العامل الذي لا غنى عنه...
(1) إلا إذا غلبتْ عليه الوصفية لكثرة استعماله نعتاً فيجوز تثنيتُهُ وجَمْعُهُ، نحو:
هذا قاضٍ عَدْلٌ (أي عادل). هذه قاضيةٌ عَدْلٌ (أي عادلة).
هذان قاضيان عدل (أو عَدْلان). هاتان قاضيتان عدل (أو عَدْلان).
هؤلاء قُضاة عدل (أو عُدول). هؤلاء قاضيات عدل (أو عدول).
(2) إلاّ إذا سُمِع بالتأنيث أصلاً، نحو رَحْمة، شفقة...
(142/2)
فلانٌ رجلٌ ثِقةٌ، أي موثوقٌ (به). فلانةُ امرأةٌ ثِقةٌ. (فلانة لا تُنَوَّن!).
هذا طبيبٌ رَحْمةٌ، أي رحيمٌ.
فلانٌ حُجَّةٌ، أي عالِمٌ ثَبَتٌ.
(142/3)
140- بَلْ
(بل): أداةٌ تكون:
أ- حرف عطف إذا دخلت على المُفْرد (أي ما ليس جملة):
1- فإذا سبقها كلام مُثْبَتٌ أو أمرٌ، كانت للعُدول عنه إلى شيءٍ آخَرَ، نحو: (قال زهيرٌ نثراً، بل شِعراً)، (جاء سعيد، بل خالد)، (قل شِعراً، بل نثراً)، (اِشربْ ماءً، بل حليباً).
2- وإذا سبقها نَفْيٌ أو نَهْيٌ كانت للاستدراك بمعنى (لكْن): تُقَرِّرُ ما قَبْلها وتُثْبِت خِلافه لما بعدها، نحو: (ما زرعتُ قمحاً، بل قُطْناً)، (ما زهيرُ خطيبٌ بل شاعرٌ). (لا نَزُوْرُ العدوَّ، بل الصديقَ)، (لا تُصاحبْ جاهلاً، بل عالِماً)، ( لا تُصادقِ الأحمق، بل العاقلَ).
3- وإذا كان الكلام قبلها منفياً بـ (ليس) أو (ما) الحجازية العاملةِ عمل (ليس)، وجب رَفْعُ ما بعدها، نحو: (ليس خالدٌ شاعراً، بل كاتبٌ)، كاتب: خبر لمبتدأ محذوف تقديره ( هو). (ما سعيدٌ كسولاً، بل مجتهد). (ما هذا بَشَراً، بل مَلاك).
ب - حرف ابتداء، إذا دخلت على الجملة (لا المُفرد):
1- فتُفيد حيناً إبطال المعنى الذي قبلها والردَّ عليه بما بعدها، نحو: ?أم يقولون به جِنَّةٌ، بل جاءهم بالحقّ? (المؤمنون 70). (قيل: زيدٌ شجاع، بل هو جبان)، فتكون هنا (للإضراب الإبطالي).
?ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون? (آل عمران 169).
?ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أمواتٌ، بل أحياءٌ ولكن لا تشعرون? (البقرة 154).
?لا تَحْسَبوه شَرّاً لكم، بل هو خَيْرٌ لكم? (النور 11).
قال عمر بن شأس:
لَسْنا نموت على مضاجعنا بالليل، بل أدواؤُنا القتلُ
2- وتفيد حيناً الانتقال من معنىً إلى معنىً آخر، فلا يُنْقَضُ الأول ولا يُبْطَل، نحو:
?قد أفلح مَن تَزَكّى وذكر اسمَ رَبِّه فَصَلَّى* بل تُؤْثرون الحياة الدنيا? (الأعلى 14-16)، فتكون هنا (للإضراب الانتقالي).
قال ابن قَيِّم الجَوزيّة: "وهذا يشهد بأنَّ القرآنَ، بل هاتان السورتان من أعظم أعلام النُّبُوَّة."
(143/1)
· قد تُزاد (لا) قبل (بل) للتوكيد، نحو: (خالدٌ متعلمٌ، لا بل عالمٌ). بل: حرف عطف. (ما ودَّعتُ زهيراً يومَ سفره، لا بل ودَّعْتُ الأُنسَ والطمأنينة). بل: حرف ابتداء.
· قد تُزاد (الواو) بعد (بل) فتفيد هذه الأداة الجديدة (بل و) الاستدراك مع الإضافة. وقد استعملها الأقدمون منذ القرن الثاني الهجري، وتتابع استعمالها في كل القرون اللاحقة حتى أيامنا هذه. فهي- خلافاً لما جاء في المعجم الوسيط- ليست من كلام المُحْدَثين! جاء في ديوان أبي نُواس (توفي سنة 195 هـ تقريباً):
ما حُجّتي فيما أتيتُ وما قَوْلي لربيّ، بل وما عُذْري؟
واستعملها ابن الرومي، وابن سينا، وابن رشد، والآمدي، وابن خَلدون، وابن الجزري، وكثير غيرهم.
· تجيء (كلاّ) قبل (بل) فتفيد الردْعَ والزَّجْر الموجَّه إلى ما قبلها، مثل:
?بل يُريد كلُّ امْرِىءٍ منهم أن يُؤتَى صُحُفاً مُنَشَّرة * كلاّ بل لا يخافون الآخرة? (المدّثر 53). ردعٌ لهم عما أرادوه.
(143/2)
141- صحة قولك: (بِرُّ الوالدين ثاني أفضل الأعمال)(1)
جاء في إحدى المجلات: "مدينة مومباسا ثاني أكبر مدينة في كينيا." وفي هذا التركيب نظر (ثاني أكبر!). وهو من جنايات الترجمة الحرفية: second largest !
· إن صيغة التفضيل (أَفْعَل) ]أكبر، مثلاً[ حين تُضاف إلى نكِرةٍ مُفْردة، تعني أن المفضَّل الموصوف بها يحتل المرتبة الأولى من حيث الكِبَر؛ وهذا يقتضي ألاّ يشاركه في هذه المرتبة شيء آخر، فهو وحيد متفرّد بهذه الصفة: أكبر. بعبارة أخرى، ليس هناك أول أكبر وثاني أكبر، وثالث أكبر... خلافاً لما يقال في الإنكليزية.
لذا فالوجه أن يقال: مدينة مومباسا هي الثانية بعد أكبر مدينةٍ في كينيا.
أو: مدينة مومباسا هي الثانية كِبَراً في كينيا.
· وحين تضاف صيغة (أفعل) إلى مثنىّ نكرة أو جمعٍ نكرة، يكون المفضَّل مثنىًّ أو جمعاً، نحو: هذان أفضلُ رجُلين؛ المجاهدون أفضلُ رجال.
· أما إذا أُضيفت صيغة (أفعل) إلى معرفة، ففي هذه الحالة يمكن أن يكون المفضَّل مفرداً أو مثنى أو جمعاً! ذلك أنه يقال: هو / هي / هما / هم / هُنَّ أفضل القوم.
وعلى هذا فإن عبارة (أكرمُ الرجال) مثلاً، يمكن أن تَعنيَ مفضَّلاً مفرداً، أو جمعاً، بحسَب ما يقتضيه السياق. فإذا قلنا:
حاتمٌ أكرم الرجال، كان المفضلَّ مفرداً.
وإذا قلنا: عليٌّ من أكرم الرجال، كان المفضل جمعاً، وعليٌّ واحدٌ منهم. وفي هذه الحالة يمكن وضع ترتيب للأشخاص (أو الأشياء) المفضَّلة. فيمكن أن نقول: حاتمٌ أكرم الرجال، وعليٌ ثاني أكرم الرجال، وسعيدٌ ثالث أكرم الرجال... الخ.
(144/1)
جاء في (البحر المحيط) لأبي حيّان النحْوي (654/745 هـ) في تفسير قوله تعالى: ?ووَصَّيْنا الإنسان بوالديه حُسْناً...? (العنكبوت 8): "إذ كان بِرُّ الوالدين ثاني أفضل الأعمال، إذ في الحديث الصحيح، أيُّ الأعمال أفضل؟ فقال: الصلاة على ميقاتها،(2) قال: ثم أيّ؟ قال: ثم بِرُّ الوالدين، وإن كان عُقوقهما ثاني أكبر الكبائر، إذ قال عليه الصلاة والسلام: ألا أُنَبِّئكم بأكبر الكبائر؟(3) الإشراك بالله وعقوق الوالدين."
(1) هذه الفقرة تُكْمِل الفقرة 123.
(2) أقول: إذن، الصلاة أفضلُ الأعمال، وبِرُّ الوالدين ثاني أفضلِ الأعمال.
(3) واضح من السياق أن (أكبر الكبائر) كبيرتان، لا كبيرة واحدة: (1) الإشراك بالله+ (2) عقوق الوالدين.
(144/2)
142- المثابة، بمثابة
كنت أوردتُ في الفقرة 65 استعمالات عصريةً لكلمة (المثابة) بمعنى (مَكانة، مَنْزِلة) واعترضتُ عليها استناداً إلى معنى هذه الكلمة الذي أورده (المعجم الوسيط).
وقد تبيّن لي أني لست أول المعترضين، إذ سبقني:
1- عبّاس أبو السعود في كتابه (أزاهير الفصحى).
2- محمد العدناني في (معجم الأخطاء الشائعة).
3- صلاح الدين الزعبلاوي في كلمة نشرتها جريدة (الثورة) الدمشقية بتاريخ 2/10/1983.
وسبب الانتقاد لدى الجميع، هو أن المعاني المعجمية لا تُسَوِّغ الاستعمال المعتَرَض عليه.
والحقيقة التي لا شكّ فيها- كما جاء في مقدمة الجزء الأول من (المعجم الكبير) الذي يُصْدره مَجْمع اللغة العربية بالقاهرة- هي أن (العربية ليست مقصورةً على ما جاء في المعجمات وحدها، بل لها مَظَانُّ أخرى يجب تَتَبُّعُها والأخذ عنها، وفي مقدمتها كتب الأدب والعلم.)
وبالفعل وقفتُ في أثناء مطالعاتي لبعض ما قاله أو كتبه عددٌ من البلغاء والفصحاء، على استعمال كلمة (المثابة) بِمَعَانٍ، منها ما لم يَرِد في المعاجم، وهذا ما يُوجِب إدخال المعاني غير المعجمية في المعاجم الحديثة.
· جاء في (المعجم الكبير): "المثابة: مجتمع الناس، الملجأ، المَرجِع، المنْزل، موضع حِبالة الصائد، الجزاء." ( للطاعة، أي المَثُوبة = الثواب).
وجاء فيه: "مثابة البئر: مبلغ جُمُوم مائها"، أي: منتهى تَجَمُّع مائها.
وفي التنْزيل العزيز: ?وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأَمْناً? أي: مَرجعاً يثوبون إليه من كل جانب، كما جاء في (تفسير الجلالين).
· وجاء في (لسان العرب /جمم): "وفي حديث عائشة: بلغها أن الأحنف قال شِعراً يلومها فيه فقالت: سبحان الله، لقد استفرغَ حِلْمَ الأحنف هجاؤُه إيّاي، أَلِيَ كان يَسْتجِمُّ مثابةَ سَفَهِه؟ أرادت أنه كان حليماً عن الناس، فلما صار إليها سَفِهَ، فكأنه كان يُجِمُّ سَفَهَه لها، أي يُريحُه ويجمعه."
(145/1)
أقول: أَجَمَّ الماءَ ونحوه يُجِمُّهُ: تركه يتجمّع. فالمعنى: أَلِيَ كان يترك سَفَهَهُ يتجمّع حتى صار مُجْتَمَعُهُ (مثابتُه) هذا الهجاء؟
ومن المعلوم أن الأحنف بن قيس اشتهر بالحلم، وأن كلام أم المؤمنين قيل في القرن الهجري الأول!
· وجاء في رسالة (ألفاظ الشمول والعموم) للمرزوقي (توفي 421 هـ)، وهي منشورة في كتاب: (رسائل ونصوص في اللغة والأدب والتاريخ) بتحقيق د. إبراهيم السامرائي، مكتبة المنارة، الزرقاء، الأردن، في الصفحة 130:
"... بدلالة أن قوله تعالى: ?السارق والسارقة فاقطعوا أَيديهما? بمثابة قوله لو قال: من سرق فاقطعوا يَدَه."
وجاء في كتاب (دلائل الإعجاز) للإمام عبد القاهر الجرجاني (471 هـ) في مبحث (مواضع التقديم والتأخير):
- في الصفحة 121: "فإذا قلتَ: (أَزَيْداً تَضرب؟) كنت قد أنكرت أن يكون (زيد) بمثابة أن يُضرب، أو بموضع أن يُجْترأ عليه ويُسْتجازَ ذلك فيه."
- وفي الصفحة نفسها: "...جَعَله كأنه قد ظن أن طنين الذباب بمثابة ما يَضِيْر."
- وفي الصفحة 125: "...فلو قلتَ... كان في التناقض بِمنْزلة أن تقول..."
- وفي الصفحة 118: "... ألا ترى أنّ من المُحال أن تزعم أنّ المعنى في قول الرجل لصاحبه: (أتخرجُ في هذا الوقت؟)... أنه أنكر أن يكون بمثابة من يفعل ذلك، وبموضع مَن يجيء منه ذاك..."
نلاحظ أن إمام البلاغة يستعمل (بمثابة) بمعنى: بموضع، بمنْزلة، بمكانة، بمرتبة.
· وجاء في كُتيِّب (تاج العروس، الحاوي لتهذيب النفوس) لابن عطاء السكندري (709 هـ)، في الصفحة 53: "فالقلب بمثابة العين..."
وفي الصفحة 54: "فالقلب بمثابة السقف، فإذا أُوقِد في البيت نار صعِد الدخان إلى السقف فَسَوَّده، فكذلك دخان الشهوة إذا نبت في البدن صعِد دخانه إلى القلب فَسَوَّده."
· وجاء في (البحر المحيط) لأبي حيّان النحْوي (745 هـ)، في الصفحة 112:
(145/2)
"... والحجة له وعليه مذكورة في علم النحو؛ وما كان بهذه المثابة- ممنوعاً عند بعضهم، عزيزاً حذفُه عند الجمهور- ينبغي ألاّ يُحمل عليه كلام الله تعالى."
· وجاء في كتاب (بدائع الفوائد) لابن قَيِّم الجوزيّة (751 هـ)، في الصفحة 673:
"...وما هذا ]الإنسان[ إلا بمثابة مَن بيْن زَرْعِه وبين الماء ثلمة يدخل منها الماء..."
يستبين بالشواهد المذكورة أن كلمة (مثابة، بمثابة) استُعملت في اللغة الفصحى بمعنى: المرجع، المنزلة، المكانة، المرتبة، كاف التشبيه...
إن ما سبق لا يعني أن جميع ما اعترضتُ عليه في الفقرة 65 مقبول؛ ويتحقق القارئُ صحةَ هذه النتيجة إذا أعاد النظر في تلك الفقرة.
(145/3)
143- لا تَقُلْ: (... تحت طائلة الحجز / القانون...)
مما جاء في معاجم اللغة (لسان العرب وغيره) قولُهم:
الطَّوْل والطائل والطائلة: الفضل والقدرة، والغِنى، والسَّعَةُ، والعُلُوّ.
أصل الطائل: النفع والفائدة. يقال:
- (هذا أمرٌ لا طائل فيه) إذا لم يكن فيه غَناء ومَزِيَّة؛ لا فائدة تُرجى منه.
- (لم يظفر منه بطائل) أي بفائدة.
- (ما هو بطائل) يقال للشيء الخسيس الدُّوْن.
- (أموال طائلة) أي كثيرة غزيرة.
ولكن يقال أيضاً: بينهم طائلة، أي عداوةٌ وتِرَةٌ (الترة: الثأر).
كما نرى، لا صلة بين معنى الطائلة في اللغة، وبين المراد من هذه الكلمة في الاستعمال الخاطئ الشائع. ومصدر الخطأ- على الأرجح- الترجمة الحرفية!
فمثلاً، مقابل العبارة الشائعة: (ممنوعٌ وقوف السيارات تحت طائلة الحجز) يقال في الإنكليزية: NO PARKING. وغالباً ما تكون هذه الكلمة كافية في التحذير. فإذا أُريدَ بيان ما يترتب على المخالفة، يقال في الإنكليزية:
Under penalty of... (لاحِظْ كلمة under: تحت!).
ويقال في الفرنسية:
Sous peine de ... (لاحِظْ كلمة sous: تحت!).
فالوجْهُ أن يقال: ممنوعٌ وقوفُ السيارات! (من الضروري رسم إشارة التنبيه: !).
وإذا كان هذا التحذير غير رادع لبعض الناس، فيمكن أن يقال:
- ممنوعٌ وقوف السيارات، ويَتَعرَّض المخالف للعقوبة!
أو: - لا تَقِفْ سيارتَك هنا، و إلاّ تَعَرَّضتْ للحجز!
أو: - وقوف السيارة هنا يُعرِّضها للحجز!
وفي مقامٍ آخر يمكن أن يقال:
- لا تفعلْ كذا و إلاّ عاقَبَكَ القانون!...
- لا تفعل كذا، و إلاّ فالقانون يَطُوْلُك! ]لا: يَطالُك![.
(146/1)
144- هذه خامس معركة (لا: خامسة معركة!) أو: هذا آخِرُ خَمْسِ معارك
تعقيب على قولين: للرافعي والعدناني
1- عالجتِ الفقرة 106 الأعداد الترتيبية، وهي أسماءٌ يوصف بها؛ وتصاغ من الأعداد المفردة (من اثنين إلى عشرة) على وزن (فاعِل) للمذكر، و(فاعِلة) للمؤنث. أما العدد (واحد) فيقابله الوصف (أَوَّل) للمذكّر، و(أُوْلى) للمؤنث. والعدد الترتيبي يصف ما قَبْله ليدلّ على ترتيبه، وهو يطابق موصوفه من حيث التذكير والتأنيث والتعريف والتنكير، فيقال مثلاً: فصلٌ رابعٌ، قناةٌ ثانية؛ الباب السابع، الطبعة الخامسة.
2- جاء في (معجم الأخطاء الشائعة /86) لمحمد العدناني:
"ويقولون: هذه خامس معركة انتصر فيها جيشنا. والصواب: هذه خامسة معركة؛ لأن العدد الترتيبي يطابق المعدود في التذكير والتأنيث، سواءٌ أكان صفة، أم مضافاً إلى المعدود."
اعتراض العدناني هو إذن على تذكير كلمة (خامس) المضافة إلى المعدود المفرد المؤنث النكرة: معركة. لكنه لم يُورد شاهداً على كلامه، ولم يذكر مرجعاً يؤيده. وسنبيّن أن كلامه جانَبَ الصواب.
صحيح أنه يقال، مثلاً: (استمعتم إلى ثانية النشرات الإخبارية)، لكن (ثانية) هنا مضافة إلى معدودٍ مؤنثٍ جَمْعٍ ومعرفة!
ومِثْله قول العرب: (رماه بثالثة الأثافي) (جمع الأُثْفِيَّة): أي رماه بداهيةٍ كالجبل!
3- وكان مصطفى صادق الرافعي (توفي سنة 1937) قال قبل العدناني بزمن طويل (وحي القلم 1/114): "قلت: يا أبا محمد، هذا آخِرُ أربع مرات تَغْضب عليك غضب الطلاق."
وقال في حاشية الصفحة المذكورة: "هذا هو التعبير الصحيح لمثل قول الناس (هذه رابع مرة). ولم يذكر الرافعي أيضاً مرجعاً يؤيد كلامه. وربما تأثر في قوله هذا بما جاء في (لسان العرب) و(القاموس المحيط) و(تاج العروس): "يقال: أتيتُك آخِرَ مرتين وآخِرةَ مرتين: المرة الثانية من المرتين."
(147/1)
وربما اطّلع كذلك على كلام الصحابي الشهير أبي هريرة، الذي قال لمن أتاه ثلاث مرات في ثلاث لَيالٍ، وهو يَعِدُ في كل مرة أنه لن يعود ثم يعود... قال له:
"هذا آخِر ثلاث مرات إنك تزعم لا تَعُود ثم تعود..." ]انظر الحديث 2311 في صحيح البخاري بشرح القسطلاني.[
فما الرأي في حاشية الرافعي وكلام العدناني؟
4- لم أجد فيما لديّ من كتب النحو شرحاً مفصَّلاً لأحكام (إضافة الصفة إلى موصوفها."
وقد تَطَوَّل عليَّ الأستاذ الفاضل محمد علي حمد الله فساعَفَني بِطَلِبَتي بأنْ زوّدني بالحُكم العام.
وقبل أن أُورِد ما ذكره لي أقول: جاء في الكلام الفصيح إضافة الوصف المذكر إلى الموصوف المؤنث.
ففي التنْزيل العزيز: ?قل يُحْيِيْها الذي أنشأها أوَّل مرة?.
وقال عنترة:
جادتْ له كفّي بعاجِلِ طعنةٍ ورَشَاشِ نافذةٍ كَلَوْن العَنْدم
(العَنْدم: نبات أحمر).
قال الأستاذ الكريم: (الطعنة) اسم مؤنث، فلماذا لم يقل (عاجلة) بتاء تأنيث؟
الجواب: الأصل أن يأتي النعتُ (الوصف / الصفة) بعد مَنْعُوته (موصوفه)، هكذا: بطعنةٍ عاجلةٍ. ولكن لمّا جِيء بالوصف قبل موصوفه سقطتِ النَّعْتِيَّة النحْوية، وسقط معها واجب التَّبَعِيَّة للموصوف جِنساً وعدداً ومحلاًّ؛ وبسقوطها اللفظي سقطت المطابقة الجنسية، فعاد اللفظ إلى التذكير، لأنه الأصل في الأسماء، والتأنيث عارض.
ومثل هذا يقع لاسم التفضيل، وهو وصفٌ مشتق أيضاً، عندما يضاف إلى نكرة، نحو: جادتْ له كفّي بأعجلِ طعنةٍ.
ومن الأدلة على أن التذكير أصلٌ والتأنيث فرعٌ، قولنا: (سَرَّني ما عندك من حِكْمة). ولا نقول: سَرَّتْني، مع أن الحكمة هي المقصودة هنا، ثم جِيءَ بـ (مِن) التَّبْيِيْنِيَّة لتبيِّن (أو لتُميِّز) اسمَ الموصول المْبهَم، وهو هنا (ما) الصالحة لمذكر ومؤنث.
هذا كُلُّه إذا كان المضاف إليه مفرداً نكرة؛ فإن جاء مفرداً معرفة صَحَّ أيضاً، نحو: واثق الخطوة، قوِيُّ العزيمة، هَدَّارُ النَّبْرة. أ هـ.
(147/2)
5- أقول: الكلام السابق هو على إضافة الوصف بوجهٍ عام. فإذا كان الوصف المضاف عدداً ترتيبياً (ثانٍ، ثالث، رابع...) فإنه يضاف مذكَّراً إلى مفرد نكرة (نحو: هذا خامس زلزال، وهذه خامس معركة، ولا يقال: هذه خامسة معركة)؛ ولا يضاف إلى مفرد معرفة، أي لا يقال: هذا خامس الإعصار، وهذه خامس المعركة.
وإذا أضيف إلى جمعٍ معرفة وَجَبتِ المطابقة الجنسية (أي من حيث التذكير والتأنيث) وخرج عن كونه صفةً للمضاف إليه مُقَدَّمةً عليه. يقال: هذا ثاني الفائزين. وهذه خامسة المعارك.
6- أما العدد الترتيبي (أَوَّل) فتنطبق عليه أحكام اسم التفضيل لأن وزنه (أَفْعَل). فإذا أضيف إلى نكرة (مذكر / مؤنث / مفرد / مثنى / جمع) وجب إفراده وتذكيره في كل الأحوال. يقال:
هذا أول قرار؛ هذه أول مرة (ولا يقال: أُوْلى مرة ! بل المرة الأولى).
هما / هم أول طالبَيْن / طلاّب من اليمن.
هما / هُنَّ أول طالبتين / طالبات من اليمن.
وإذا أضيف إلى معرفة خرج عن كونه صفةً للمضاف إليه مُقدَّمةً عليه. ونُميِّز هنا حالتين:
أ -المعرفة مفردة، نحو: أول الشهر / الفصل؛ أول السنة / الدراسة. فكلمة (أول) هنا لا يفيد الترتيب لأن المعنى هو: بداية الشهر / الفصل / السنة / الدراسة...
ب - المعرفة جمع، نحو: هو أول التلاميذ؛ هي أول / أُوْلى الطالبات؛ ونحو: هم أول / أوائل الطلاب؛ هُنَّ أول / أُوْلَيَات الطالبات.
أي يجوز هنا إفراد المضاف وتذكيره، ويجوز مطابقته لِما قَبْله.
ملاحظة: (الآخِر) نقيض المتقدّم. وتستعمل كلمة (آخِر) للإشارة إلى ما يكون ترتيبه في النهاية، فتضاف إلى المذكر والمؤنث والمفرد والجمع. يقال:
هذا آخِر امتحان. هذا آخِر المدعُوِّين، تلك آخِر مرة رأيته فيها. هذه العبارة هي آخِر كلمات خطبته...
7- وإليك أقوالاً مقتبسة من كلام بعض أئمة القرون الهجرية السابع والتاسع والثاني عشر والثالث عشر.
(147/3)
· جاء في (صُبح الأعشى في صناعة الإنشا 3/32) للقلقشندي (821 هـ): "قال ابن عبد السلام (660 هـ): ومِساحة رأس السِّيْن من أول سِنٍّ منها إلى ثالث سِنٍّ كثلثي أَلِفٍ." ( من المعلوم أن السِّنَّ مؤنثة).
· وجاء فيه (3/493): "ثم وَلِيَها عنه أبو منصور ثالث مرة في السنة المذكورة."
· وجاء في مقدمة (فتح الباري 1/107) لإمام ابن حجر العسقلاني (852 هـ): "قوله (حقة) هي التي دخلتْ في رابع سنة من الإبل. قيل سُمِّيت بذلك لأنها..."
· وجاء في (فتح الباري 3/27): "فقد صرّح البخاري في خامس ترجمة من أبواب التهجّد بخلافِهِ..."
· وجاء فيه ( 3/319): "وابن اللبون الذي دخل في ثالث سنة فصارت أُمُّه لبوناً بوضع الحمل..."
· وجاء في (لسان الميزان 5/242) لابن حجر العسقلاني: "وهو في رابع سنة."
· وجاء في (تهذيب التهذيب 3/115): "وحكى البارودي أنه أَسْلم سادس سنة..."
· وجاء في (شرح الزرقاني 2/463) للإمام الزرقاني (1122 هـ): "ولو لم يَدَعْ لهم ثالث مسألة ما سألوه."
· وجاء في (نيل الأوطار 4/366) للإمام الشوكاني (1255 هـ): "الثامن والثلاثون: أول ليلة أو تاسع ليلة أو سابع عشرة أو إحدى وعشرين أو آخِر ليلة."
· وجاء في (التبيان، شرح بديعة البيان) لابن ناصر الدين (وهو من رجال القرن التاسع الهجري) وهو يترجم للإمام البرزالي: "وفي خامس حِجَّة حَجَّها مُتْهِماً مات." (مُتْهِماً: أي قاصداً الطريق السهلة البحرية لِتِهامة.)
8- الخلاصة:
يستبين بما سبق صحة التراكيب الشائعة الاستعمال الآتية:
لكَ منّي عاطرُ التحية / خالص المودّة / عميق المحبة...
لمسْتُ منه صادق الهمّة / عظيم المَسَرَّة / طِيْبَ النّية...
تَقَبَّلَ اللهُ صالحَ الأعمال ( دُعاء! ).
(147/4)
145- أمّا؛ أمّا إذا...
· (أمّا) المشددة الميم حرف شرط وتوكيد، وتَلزم الفاءُ جوابَها أبداً. ولا يَفصل بين (أمّا) وفائها إلاّ:
أ- اسمٌ، نحو قوله تعالى: ?أمّا السفينةُ فكانت لمساكين يعملون في البحر...?.
?فأمّا اليتيم فلا تَقْهر، وأما السائل فلا تَنْهر، وأما بنعمة رَبِّكَ فحَدِّث?.
الكسول يخسر، أما المجتهد فيربح.
ويُعرَب الاسم الواقع بين (أمّا) وفائها على حسَب موقعه من العبارة: مبتدأً، مفعولاً به، الخ... بتعبير آخر: "الكلام بعد (أمّا) على حالته قبل أن تدخل (أمّا) عليه":
خالدٌ مجتهدٌ ? أمّا خالدٌ فمجتهدٌ.
ب- أو شرط، نحو ما جاء في التنْزيل العزيز:
?وأمّا إنْ كان من أصحاب اليمين فسلامٌ لك من أصحاب اليمين?.
أما إنْ كنت جادّاً في كلامك فلي موقف آخر!
· (إذا(100)): [انظر الفقرة 100].
(إذا) ظرف للمستقبل غالباً، متضمنٌ معنى الشرط غالباً.
والماضي في شرطها أو جوابها مستقبَل الزمن، سواء أكان ماضي اللفظ، أم كان ماضياً معنىً وحُكماً دون لفظ، وهو المضارع المجزوم بـ (لم) نحو:
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمِئتَ، وأيُّ الناس تصفو مَشاربُه
ومن أحكام فعل جواب (إذا) [حين يكون ماضياً متصرفاً مجرداً من (قد) و(ما) وغيرهما مما يتصل به ويوجب اقترانه بالفاء] أنه إنْ كان ماضياً في لفظه (أو حكمه) مستقبلاً في معناه، غير مقصود به وعد أو وعيد، امتنع اقترانه بالفاء، نحو:
"آية المنافق ثلاث: إذا حَّدث كذَب، وإذا وعد أَخلَف، وإذا اؤتُمن خان." (حديث شريف).
· أمّا إذا...
يقال مثلاً: (إذا درستَ نجحتَ، وإذا تقاعستَ رسبتَ)، وهذا كلام صحيح مبنىً ومعنىً.
ونلاحظ أن جواب (إذا) في العبارتين فعل ماض في لفظه يفيد المستقبل في معناه، لذا لم يقترن بالفاء لأن الاقتران ممتنع في هذه الحالة كما بيَّنا آنفاً.
ولكن كيف نكمل العبارة الآتية:
(إذا درستَ نجحت، أمّا إذا تقاعست...)؟
(148/1)
إنّ وجود (أمّا) يقتضي الفاء في الجواب قطعاً، فلا يصحّ أن يقال هنا (رسبتَ) بلا فاء. ويمتنع اقتران الفاء بفعل ماض يفيد المستقبل، أي لا يصحّ أيضاً أن يقال (فرسبْتَ). والصواب هو: فترسُب.
وفي التنْزيل العزيز: ?فأمّا الإنسان إذا ما ابتلاه رَبُّه فأكرَمَهُ ونَعَّمَهُ فيقول ربّي أكْرمَن وأمّا إذا ما ابتلاه فَقَدَرَ عليه رزقه فيقول ربّي أهانن? (الفجر 15 و 16).
ولكن لك طبعاً أن تقول:
(إذا درستَ نجحتَ، أمّا إذا تقاعستَ فلَعِبْتَ ولَهَوْتَ فتَرسُب)، لأن (فلعبتَ ولَهوتَ) جزءٌ من جملة الشرط معطوفٌ عليه.
وقد استغربتُ ورود العبارات الآتية في مقال يتحدث عن الإعراب وحركاته:
- "أما إذا تغيرت دلالته بعد أداة، استحق النصب!"
والوجه أن يقال: أما إذا...، فيستحق النصب.
- "أما إذا أُريدَ له أن يدل على الزمن الماضي، اتصل بـ (لم) أو (لمّا) وسكن آخره!."
والوجه أن يقال: أما إذا...، فيتصل بـ... ويسكن آخره.
- "أما إذا قُيِّد ذاتياً، بُنِي على أخف الحركات وهي الفتحة"!
والوجه أن يقال: أما إذا...، فَيُبنى على أخف الحركات...
· جاء في (اللسان /ويل): "قال الجوهري: ... هذا إذا لم تُضِفْهُ، فأما إذا أضفتَ، فليس إلا النصب..."
هنا دخلت الفاء على (ليس) وهي كلمة تدل على نفي الحال (لا الماضي)!
· وجاء في (مجمع الأمثال 1/130): "قال المنذر: أما إذا استثنيت، فلستُ قابلاً منك شيئاً..."
· وجاء في (الأدب المفرد 1/393): "... أما إذا أبيتم، فأعطوا الطريق حقَّه..."
هنا دخلت الفاء على فعل أمر.
· وجاء في (نفح الطيب 6/66):
أما إذا استنجدتني من بعد ما ركدت لما جنت الخطوب رياحي
فإليكها مهزولة وأنا امرؤ قررت عجزي واطّرحتُ سلاحي
· وجاء في (صبح الأعشى 1/307): "أما إذا أبيت، فإني أحببت عليّاً على عدله في الرعية وقَسْمه بالسَّوِيَّة..."
هنا دخلت الفاء على جملة اسمية.
(148/2)
· وجاء في (اللسان /كفأ): "فأما إذا وَضَعَ السجع في مواضعه من الكلام، فلا ذمَّ فيه..."
· وجاء في (جمهرة خطب العرب 2/401): "أما إذا جزى اللهُ المتواخين خيراً بفضل تواصلهما، فجزاك اللهُ عني أفضل الجزاء..."
هنا دخلت الفاء على فعلٍ ماض، يفيد المستقبل في معناه، لكنه يفيد الدعاء: أي مقصود به (وَعْد)، لأن الدعاء بنوعيه (بالخير والشر) يندرج تحت الوعد أو الوعيد، ولهذا جاز اقتران هذا الفعل الماضي بالفاء.
(148/3)
146- حالات خاصة لجواب الشرط
أولاً: جواز عدم اقتران جواب الشرط بالفاء - حين يكون جملة اسمية - إذا كان فعل الشرط ماضياً. ذكرنا في الفقرة (100) الحالات التي يجب فيها اقتران جواب الشرط بالفاء. ومن هذه الحالات أن يكون الجواب جملة اسمية، نحو: إنْ تصفحْ فالصفح أفضل.
ولكن يجوز عدم اقتران الجواب بالفاء إذا كان فعل الشرط ماضياً.
قال الإمام العكبري في كتابه: (إملاء ما مَنَّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن 1/260): "قوله تعالى: ?...وإنْ أطعتُمُوهُم إنكم لمشركون?. حذف الفاء من جواب الشرط، وهو حَسَنٌ إذا كان الشرط بلفظ الماضي، وهو هنا كذلك، وهو قوله: (وإن أطعتموهم)."
إنِ اجتهدتَ فأنتَ فائز إنِ اجتهدتَ أنت فائز.
إنْ لم تتقاعس فالنجاحُ حليفُك إن لم تتقاعس النجاحُ حليفُك.
ثانياً: جواز عدم اقتران جواب الشرط بالفاء - حين يكون فِعل أمر - إذا كان فعل الشرط ماضياً.
- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه [تاريخ الطبري 4/94]: "إنَّ الله عظّم الوفاء، فلا تكونون أوفياءَ حتى تَفُوْا؛ مادمتم في شك أجيزوهم وفُوْا لهم.
علق الناقد اللغوي الكبير صبحي البصّام (مجلة مجمع دمشق 58/4/833) على قول ابن الخطاب بقوله: "وحذْف الفاء من (أجيزوهم) من الفصيح." [نذكّر هنا بأن (مادام) مصدرية شرطية!]
- وجاء في (نفح الطِّيْب 1/485):
إنْ كنتَ مِنّا أبِشِرْ بخيرٍ أولا، فأيقنْ بكلِّ شَرِّ
ثالثاً: جواز الجزم والرفع في جواب الشرط - حين يكون فعلاً مضارعاً إذا كان فعل الشرط ماضياً.
يقول الشيخ مصطفى الغلاييني في كتابه (جامع الدروس العربية 2/200): "الرفْعُ حسَنٌ، والجزم أحسن!"
- قال تعالى: ? مَن كان يريد زينة الحياة الدنيا نُوَفِّ إليهم أعمالهم?، بجزم جواب الشرط.
- ومن الرفع قول زهير بن أبي سُلْمى:
وإنْ أتاه خليلٌ يومَ مَسْغبةٍ يقول لا غائب مالي ولا حرمُ
- وقول عروة بن الورد:
(149/1)
وإنْ بَعُدُوا لا يأمنُون اقترابه تَشَوُّفَ أهلِ الغائب المُتَنَظِّرِ
- وقول أحمد شوقي:
إنْ رأتني تَمِيلُ عني كأنْ لم تَكُ بيني وبينها أشياءُ
- إنْ قُمْتَ أَقُمْ / أَقومُ؛ إن لم تَقُم أَقُمْ / أَقومُ!
(149/2)
147- أحكام (إنْ) المكسورة الخفيفة
ترِدُ (إنْ) على أَوْجُهٍ:
1- أوّلها: أن تكون شَرطية، نحو: (إنْ تَدرُسْ تنجحْ). ونلاحظ أن الجواب / الجزاء، أي (تنجح) مُسَبَّبٌ عن الشرط (تدرس). بعبارة أخرى، النجاح مُعلَّقٌ على تحقيق الدراسة.
· وفي التنْزيل العزيز: ?وإنْ تَعوْدوا نَعُدْ?؛ ?إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لهم?.
· ويكثر وقوع (ما) الزائدة بعد (إنْ) الشرطية، فتُدغم فيها النون نطقاً وكتابة؛ كقوله تعالى في الوالدين: ?إمّا يَبْلُغنَّ عندك الكِبَرَ أحدهما أو كلاهما فلا تَقُلْ لهما أُفٍّ...? وتسمّى في هذه الصورة: (إنْ) المؤكَّدة بـ (ما).
· ملاحظة: هنالك حالات يُحذف فيها فعلُ الشرط، أو جواب الشرط، أو كلاهما. فمثلاً: يُحذف فعل الشرط بعد (إنْ) المردَفة بـ (لا)، نحو: تكلمْ بخير وإلاّ فاسكُتْ (أي: وإلا تتكلم بخير فاسكت).
2- ثانيها: أن تكون (شَرطية معترضة)(1) ولا يكون (لشَرطها) جواب! وليس المراد بـ (الشرط) هنا حقيقة (التعليق)، لأن التعليق يقتضي تَرتُّبَ أمر على أمر (كما في إن تدرس تنجح).
وفيما يلي بعض الأمثلة:
· قال أبو العلاء المعرّي:
وإني وإنْ كنتُ الأخيرَ زمانُه لآتٍ بما لم تستطِعْه الأوائلُ
· وقال ابن الرومي متحدثاً عن أُنْسِ الخليل:
خليلٌ أظلُّ إذا زارني كأني أُنْشأُ خَلْقاً جديدا
أراني-وإنْ كثُر المؤنسون- ما غاب عني، وحيداً فريدا
بلَوْتُ سجاياه في النائبات فلم أَبْلُ مِنهُنَّ إلا حميدا
[(الواو) قبل (إنْ) حالية. ما غاب عني = طَوال غيابه عني.]
· الحريص- وإنْ كثُر مالُه- بخيل.
· هذه النسخة- وإنْ لم يسقط منها أوراق وأبواب بتمامها- قد عَرِيَتْ من سمات الأصالة.
· أُحبُّ ابني وإن عصاني.
· ذلك دورٌ مضى، وإنْ بقيَتْ آثاره.
ملاحظة: (إنْ) بالمعنى المذكور تقول عنها بعض المراجع أنها بمعنى (لو)؛ فقد جاء في معجم (متن اللغة): [وتكون بمعنى (لو)، نحو أَكْرِمْه وإنْ أَهانَكْ].
(150/1)
والمراد بـ (لو) هنا (لو الوصلية) أي حين تكون حرف وصل لتقوية المعنى، ووصْل بعض الكلام ببعض، نحو قوله تعالى:
?... لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قُرْبى? (المائدة 106).
?... وما أنتَ بمُؤمنٍ لنا ولو كنا صادقين? (يوسف 17).
وفيما يلي مزيد من الأمثلة:
جاء في (المعجم الوسيط /بنو):
الابن: ابنُ الابن وإنْ نَزَلْ.
وجاء فيه (لو):
لَظَلَّ صدى صوتي وإنْ كنتُ رِمَّةً لِصوتِ صدى ليلى يَهِشُّ ويَطْرب
3- ثالثها: أن تكون نافية ً مُهمَلةً بمعنى (ما)، وتدخل:
أ- على الجمل الاسمية، نحو: إنْ سعيدٌ إلا شاعر. ?إن الكْافرون إلا في غُرور?.
ب- على الجمل الفعلية، نحو: ?إن يقولون إلا كذباً?. و ?إن أردنا إلا الحُسْنى?.
4- رابعها: أن تكون نافية تعمل عمل (ليس)، نحو: إن أحدٌ خيراً من أحدٍ إلا بالعافية. أي: إلا بكثرة ضيوفه. (العافية) جمع (العافي) وهو الضيف.
أو: إلا بدفْع المكروه وصَرْف الأذى.
5- خامسها: أن تكون مُخفَّفة من (إنَّ)- فتكون للتوكيد- في هذه الحال تُهمل، أي: لا تعمل، ويؤتى بعدها في الكلام بلامٍ تسمى (اللام الفارقة)، نحو:
إنْ خالدٌ لمجتهدٌ، وإنْ نظنّه لمن الناجحين.
6- سادسها: أن تكون زائدة، وتدخل على الجمل الاسمية والفعلية، نحو:
ما إنْ جاء زهير حتى انصرف.
وقول الشاعر:
فما إنْ طِبُّنا جُبْنٌ ولكن منايانا ودَوْلَةُ آخرينا
[طِبُّنا= عادتنا]
7- سابعها: أن تكون بمعنى (إذا)، نحو قوله تعالى: ?يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إنِ اسْتَحَبّوا الكُفر على الإيمان...? (التوبة 23).
8- ثامنها: أن تكون للتفصيل، فلا تجزم ولا تعمل شيئاً، وإنما تفيد التفصيل، نحو:
- قد قيل ما قيل إنْ(2) صِدقاَ وإنْ كذباً فما اعتذارك من قولٍ إذا قيلا ؟
- سِرْ مُسْرعاً إنْ راكباً وإنْ ماشياً.
- زهير مُمتدحٌ إنْ حاضراً وإنْ غائباً.
- هذه البضاعة رائجة إن في الداخل وإنْ في الخارج.
(150/2)
وهي ترِد أيضاً في الجمل المكوَّنة من (اسم شرط) متضمِّنٍ معنى حرف الشرط (إنْ) من غير ذكرٍ صريح لهذا الحرف.
[من المعلوم أن أدوات الشرط هي: حرف الشرط (إنْ)، وأسماء الشرط، ومنها: مَن، ما، متى، حيثما.]
فإذا اقتضى الأمر (بدلاً) يفصّل مجمل اسم الشرط (المبدَل منه) ظهر مع البدل حرف الشرط (إنْ) ليوافق المبدلُ المبدلَ منه في تأدية المعنى، نحو:
· الشرط للعاقل: مَنْ يُجاملْني إنْ صديقٌ وإنْ عَدُوٌّ أجامِلْهُ. الأصل قبل التفصيل: (مَن يجاملْني أجاملْه). فكلمة (صديق) بدل تفصيل من (مَنْ) الشرطية، و(إنْ) للتفصيل.
· الشرط لغير العاقل: ما تقرأْ إنْ جيداً وإن رديئاً تتأثرْ به نفسُك.
فكلمة (جيداً) بدل من كلمة (ما)، و(إن) للتفصيل.
· الشرط الدال على الزمان: متى تزُرْني إنْ غداً وإنْ بعد غد أسعدْ بلقائك.
فكلمة (غداً) بدل من (متى)، و(إنْ) للتفصيل.
· الشرط الدال على المكان: حيثما تجلسْ إنْ فوق الكرسي وإنْ فوق الأريكة تجدْ راحة. فكلمة (فوق) بدل من (حيثما)، و(إنْ) للتفصيل.
§ مصادر البحث:
· (النحو الوافي) لعباس حسن، 4/434.
· (جامع الدروس العربية) للشيخ مصطفى الغلاييني، 2/193.
· (الكفاف) ليوسف الصيداوي، 418.
(1) وقيل إنها (وَصْلِيّة)، وقيل إن معناها (التعميم) لا (التعليق).
(2) كثيراً ما تُحذف (كان) هي واسمها ويبقى خبرها بعد (إنْ) الشرطية، و(لو) التي للتقليل.
فالأصل هنا: ... إنْ كان المَقُول صدقاً وإن كان كذباً...
... إن كنت راكباً وإن كنت ماشياً...
... إن كان حاضراً وإن كان غائباً...
وفي الحديث: التمِسْ ولو خاتماً من حديد. والتقدير: ولو كان المُلْتَمَسُ (ما تلتمِسُه) خاتماً من حديد.
(150/3)
148- متى تُكسَر همزة (إنَّ) بعد فعل القول؟
أولاً: يجب فتح همزة (إنَّ) في موضع واحد هو: أنْ تقع مع معمولَيْها (أي اسمها وخبرها) جزءاً من جملة مفتقرة إلى اسم مرفوع، أو منصوب، أو مجرور، ولا سبيل للحصول على ذلك الاسم المطلوب إلا من طريق مصدر مَسْبوكٍ من (أنَّ) مع معموليها. ففي مثل: (سَرَّني أنك بارٌّ أهلَك) لا نجد فاعلاً صريحاً للفعل (سَرَّ) مع حاجة كل فعل إلى فاعل. ولا وسيلة هنا للوصول إليه إلا بسَبْك مصدر مؤوَّل من (أنَّ) مع معموليها، فيكون التقدير: سَرَّني بِرُّكَ أهلَك.
علمت أنك مسافر علمتُ سفرك
تألمتُ من أنَّ صديقي مريض تألمت من مرض صديقي
[انظر (النحو الوافي 1/642).
ثانياً: إذا لم يَصِحَّ أنْ يُسْبك من (أنّ) ومما بعدها مصدر، وَجَبَ كسر همزتها، نحو:
?إنّ ربَّكَ لَيحكُم بينهم?.
?إنَّ في ذلك لَعِبْرة?.
?إنا فتحنا لك فتحاً مُبيناً?.
ثالثاً: إذا كان الكلام بعد فعل (القول) أو مشتقاته يحكي(يَروي) نَصَّ المَقُول بلفظه، وَجَبَ كسْر همزة (إنّ)، نحو: ?قال إني عبد الله?.
?قال إنه يقول إنها بقرةٌ صفراء?.
فتعبير (إنه يقول) يعني أنّ هذا نص كلام سيدنا موسى، و(إنها بقرة صفراء) نص كلام ربِّه تعالى.
قال الشاعر:
تُعَيِّرُنا أنّا قليلٌ عديدُنا فقلت لها: إنّ الكرامَ قليلُ
· أما إذا كان (القول) بمعنى الظن فلا تكسَر همزة (إن)، نحو:
(أتقول المراصد أن الجوَّ بارد في الأسبوع المقبل؟) أي: أتظن ذلك؟
- وكذلك تُفتح همزة (أنّ) بعد (قال) إذا لم يُرِدِ المتكلمُ حكايةَ مفعولها، نحو:
قال القاضي أنّه يوافق على مقترحات المحامي.
ولكن: قال القاضي: إني أوافق على مقترحات المحامي.
- لننظر في هذه العبارة: قال اني أُحبّ الشِّعر.
إذا كسرتَ همزة (إنّي)، فالمعنى أن هذا هو نَصُّ كلامه، أي هو يُحب الشِّعر.
وإذا فتحتها: (أنّي)، كان معنى كلامك أنه قصد أنك أنت تحب الشعر.
(151/1)
· تأتي الباء بعد فعل (قال) ومشتقاته إذا كان المقصود به الاعتقاد أو الرأي، نحو:
(يقول بعض العلماء بأنَّ الكون يتمدد)، أي: يقولون بتمدد الكون، هم يَرَوْن ذلك، يعتقدونه.
(يقول فلانٌ بأنَّ النظرية الفلانية هي الفُضلى!)
والخلاصة: تكسر همزة (إنّ) بعد القول إذا قصدتَ الحكاية: وهي نقل الجملة بلفظها.
وتفتح همزة (أنّ) بعد القول إذا لم تقصد الحكاية!
(151/2)
149- دخول حروف الجر على (حيث)
( حيث) ظرف مكان مبني على الضم. هذا هو المشهور. ومما جاء في (المعجم الكبير) الذي يصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة:
"حيث: أشهر استعمالاتها أن تكون ظرف مكان، يضاف إلى الجملة الاسمية أو الفعلية، وإلى الفعلية أكثرُ، سواء أكانت مثبَتَةً أم منفيّة. وتكون مجرورة أو مَبْنِية في محل جر بعد حروف الجّر: مِن، الباء، في، إلى؛ أو إذا كانت مضافاً إليه بعد (لدى)."
§ فمثال إضافتها إلى جملة فعلية مثبتة:
?فَكُلُوا منها حيث شئتم رَغَداً? (البقرة 58).
قال الشاعر:
وما المرء إلا حيث يَجعلُ نفسَه ففي صالح الأخلاق نفْسَكَ فاجْعَلِ
§ ومثال إضافتها إلى جملة فعلية منفية:
?وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون? (النحل 26).
?ومن يَتَّقِ اللهَ يجعلْ له مَخرجاً ويرزُقْه من حيث لا يحتسب? (الطلاق 3).
§ ومثال إضافتها إلى جملة اسمية:
- جلستُ حيث الجلوسُ مُريح.
- هنا تطيب الحياة حيث الشمل ملتئمٌ وحيث الجمع مؤتلف.
فإن تَلاها مُفردٌ (أي ما ليس جملة) فهو مبتدأ محذوف الخبر، نحو:
(مكثنا حيث الظلُّ)، أي مكثنا حيث الظلُّ ممتد.
ومن النحاة الكبار من يجرُّ هذا المفرد، نحو: أنا مقيمٌ حيثُ الهدوءِ وحيثُ الاطمئنانِ.
وحُجَّتهُم أمثلةٌ مسموعة فصيحة، كقول الشاعر:
ويطعنهم تحت الحُبا بعد ضربهم بِبِيْض المواضي حيثُ لَيِّ العمائمِ
وقد أجاز مجمع القاهرة قياسية إضافة (حيث) إلى الاسم المفرد، على أن يُجَرَّ ما بعدَها.
· مِن حيثُ:
ورَدَ هذا التركيب كثيراً في التنْزيل العزيز. وقد ذكرنا آنفاً مثالين من سورتي النحل والطلاق.
وفيما يلي أمثلة أخرى:
?وأَخْرِجوهم من حيث أخرجوكم? (البقرة 191).
?إنه يراكم هو وقبيلُه من حيث لا تَرونَهم? (الأعراف 27).
?سنستدرِجُهم من حيث لا يعلمون? (الأعراف 182).
قال أبو العتاهية:
وقد يهلِك الإنسان من باب أَمْنِهِ وينجو بإذنِ اللهِ من حيثُ يَحْذَرُ
· بحيثُ:
(152/1)
§ قال الحُطيئة (توفي 45 هـ/665 م):
فَلَمْ أشتُمْ لكم حَسَباً ولكن حَدَوْتُ بحيث يُسْتمعُ الحُداءُ
§ وجاء في كتاب (دلائل الإعجاز) للإمام عبد القاهر الجرجاني (474 هـ):
ص 425: "... وأنّ قلبه قلب لا يخامره الذعر ولا يدخله الرَّوع، بحيث يُتَوهَّم أنه الأسد بعينه."
ص 427: "... رأيت رجلاً هو من الشجاعة بحيث لا يَنْقُص عن الأسد."
ص 448: "... إن الاستعارة، لَعَمري، تقتضي قوةَ الشَّبَه وكونَه بحيث لا يَتميَّز المشَبَّهُ عن المشبَّه به."
وتكرر هذا الاستعمال كثيراً في هذا الكتاب...
§ وجاء في (رسائل إخوان الصفا 3/33) [من القرن الرابع الهجري]:
"... بل إنما ذمّهم بحيث أنهم لا يفقهون أمر المعاد."
§ وجاء في (أساس البلاغة /عقب) [توفي الزمخشري 538 هـ):
"ولم أجد من قولك مُتَعَقَّباً أي مُتَفَحَّصاً، يعني أنه من السَّداد والصحة بحيث لا يحتاج إلى تَعَقُّب."
· في حيثُ:
§ جاء في (نهج البلاغة /177) تحقيق الإمام محمد عبده:
"وغَمُضت مداخل العقول في حيث لا تبلُغُه الصفات لِتناوُلِ عِلم ذاته سبحانه."
§ وجاء في (المغني 6/133) للإمام ابن قُدامَة المقدسي (689 هـ):
"... وقد يكون الصبغ لا يحصَّل إلا في حيث يحتاج إلى مؤنة كثيرة..."
§ وجاء في (الأغاني 13/37):
"روى ابن الأعرابي عن أرطأةَ بن سُهَيَّة أنه هجا حُباشة الأسدي؛ فقال:
أَبْلِغْ حُباشةَ أني غيرُ تاركِهِ حتى أُذَلِّلَهُ إذ كان ما كانا
........... ...........
قد نَحْبِس الحقَّ حتى ما يُجاوِزنا والحقُّ يحبسنا في حيثُ يلقانا"
§ وجاء في (نفح الطيب 1/652):
"قال أبو القاسم العطار، أحد أدباء إشبيلية ونُحاتِها:
ما كالعَشِيَّة في رُواء جَمالها وبلوغ نفسي منتهى آمالها
ما شئتُ شمس الأرض مُشْرِقَةَ السَّنا والشمس قد شَدَّتْ مَطِيَّ رحالها
في حيث تنساب المياه أراقماً وتُعِيْرك الأفياءُ بُرْدَ ظلالها"
· إلى حيثُ:
§ جاء في (أساس البلاغة /أرب):
(152/2)
"يقولون: أَلْحِق بمآربك من الأرض، أي اذهبْ إلى حيث شِئت."
§ وجاء فيه (ثني):
"ثنيت فلاناً على وجهه، إذا رجَّعه إلى حيث جاء."
§ وجاء فيه (خوص): قال ذو الرمة:
مُراعاتَكِ الآجالَ ما بين شارعٍ إلى حيث حادت عن عَناق الأواعس
§ وقال إبراهيم بن هرمة (176 هـ):
سالت به شعبة الوفاء إلى حيث انتهى السهل وانتهى الجبل
§ وقال إبراهيم بن العباس الصولي (243 هـ):
أُعَوِّذه دائماً بالقرآن وأرمي بطَرْفي إلى حيث حلْ
فأضحت يدي قصدها واحدٌ إلى حيث حلَّ فلم يرتحلْ
· لِحَيْثُ:
§ قال الَعْرجي (120 هـ):
لحيث ما شِئتِ فهو معترفٌ قد صار للحُبّ في الهوى مثلا
§ وقال أبو نواس ( ت 198 هـ):
وصاحب الفرحة مستوفز لحيث ما يبلغه عنّي
· لدى حيثُ:
قال زهير بن أبي سُلْمى (أساس البلاغة /رحل):
فشَدَّ ولم يفزع بيوتاً كثيرة لدى حيثُ أَلْقَتُ رَحْلها أُمُّ قَشْعَمِ
أم قشعم: المَنِيَّة.
· على حيثُ:
جاء في (نهج البلاغة /185) تحقيق الإمام محمد عبده:
"وتحتها ريحٌ هَفَّافةٌ تحبسها على حيث انتهت من الحدود المتناهية."
(152/3)
150- جمع الأسماء والصفات زِنَة (فَعِيْل)
أولاً: تُجمع الأسماء وِزان (فعيل) على 13 وزناً، منها خمسة أوزان قياسية، والبقية سماعية...
فالقياسية:
فُعْلان، نحو: قميص قمصان، قضيب قضبان، رغيف، خليج، كثيب...
أَفْعُل (للمؤنث المعنوي)، نحو: طريق أَطْرُق، سبيل أسبُل؛ يمين أَيْمُن...
أَفْعِلة (للمذكر)، نحو: رغيف أرغفة، سرير أَسِرَّة...
فَعائل (للمؤنث المعنوي)، نحو: خريق خرائق... ( أي: الريح الباردة؛ والمنخفض من الأرض وفيه نبات بين أرضين لا نبات فيهما!). وشَذَّ (لأنه مذكر): مديح مدائح، ضمير، ضريح، فريد...
فُعُل (لغير المضعَّف وغير مُعتل اللام) نحو: رغيف رُغُف، طريق طُرق، قضيب، غدير، خليج...
ثانياً: تجمع الصفات وِزان (فعيل) على 15 وزناً، منها أربعة قياسية، والبقية سماعية...
فالقياسية:
أَفْعِلاء (المعتل اللام) ، نحو: نبيّ أنبياء، قويّ، غني، ذكي، تقي...
(أو المضعّف للمذكر العاقل)، نحو: عزيز أعزاء، طبيب، شحيح، خليل، ضرير...
وشذّ: صديق، بريء...
فِعال (الصحيح اللام بمعنى فاعل)، نحو: كريم كِرام، صغير، طويل، ظريف، سمين، قويم، صبيح...
فَعْلى (إذا كان الوصف بمعنى مفعول، داّلاً على آفة أو مكروه يصاب به الحيّ)، نحو: قتيل قَتْلى، جريح جرحى، أسير أسرى، صريع صرعى...
(أو إذا كان وصفاً للفاعل للدلالة على هُلْكٍ أو تَوجُّع) نحو: مريض مرضى، شتيت شَتّى، كَسِير كسْرى...
فُعَلاَء (الصحيح اللام وغير المضعَّف لمذكر عاقل بمعنى اسم الفاعل يدلّ على مدحٍ أو ذَمّ)، نحو: لطيف لُطفاء، حكيم حكماء، كريم، ظريف، خبير، رحيم، حليم، نظير، شريك، وسيط، عميل...
وشذ (لأنه بمعنى مفعول) شهيد، أسير، سجين، قتيل (ومن الفصيح الذي تستعمله العامة: قُتَلاء!)
ويستثنى أربعة ألفاظ لا تُجمع على فُعلاء وإنما على فِعال، وهي: صغير، طويل، سمين، صبيح...
(153/1)
ولم يُحْكَ (مما جُمع على فُعلاء) وصفٌ لغير مذكر عاقل إلا نادراً، إذا كان أصله أن يكون للعاقل. فقد جاء في معجم (متن اللغة): "القرين: البعير المقرون بآخر، والقرين: الِمثْل في السِّن، والمصاحب المقارن، ج: قُرَناء..."
فيكون جمعه هذا على المجاز. وجُمع على فُعلاء ما هو للعاقل المؤنث كما هو الحال في القرينة. فقد جاء في (متن اللغة): "القرينة: الزوجة ( مجاز)... ج قُرَناء!."
وكذلك جمعوا فقيهة على فُقهاء (كأن الفقه في الأصل للمذكر).
جاء في (المعجم الوسيط): "النظير: المُناظر، والمِثْل والمُساوي. وفلانٌ منقطع النظير: منفرد في بابه. ج نُظَراء."
النظيرة: مؤنث النظير... ج نظائر... النظائر المُشِعَّة: ذرّاتٌ لعنصر واحد... واحدتها: النظيرة المشعة..
وقد جمع نظير على نظراء لغير العاقل. فقد جاء في (المعجم الوسيط /فرد): "استفرد الشيءَ: اختاره وحدَه من بين نُظرائه!."
وعلى هذا يصح أن نجمع القرين والوسيط والنظير على فُعلاء (مجازاً) ولو لم يكن لمذكر عاقل.
(153/2)
أكتب تعليقك هتا