وكالة البيارق الإعلامية
يجفّف محمد سيّد العرق على جبينه وينظّف ملابسه بعدما انتهى من إزالة الغبار من مكيّف مُعطّل في الرياض حيث لا يجد "وقتا للراحة" في بلد لا يستغني عن المكيّفات صيفا أبدا.
من غرف النوم الى صالات الاستقبال وحتى المطابخ، لا تخلو المنازل السعودية من مكيّفات الهواء التي تعمل كلّها بلا توقف تقريبا خلال الصيف الذي تلامس خلاله درجات الحرارة 50 درجة مئوية. وهي تصدر أطنانا من الانبعاثات الكربونية التي تزيد من وطأة الاحترار المناخي، رغم جهود تقوم بها الحكومة لمحاولة الحدّ من استعمالها.
وفيما يعتلي عماله بقمصانهم الزرقاء سلما معدنيا لتنظيف فلتر مكيّف في فيلا بشرق الرياض، يقول السوداني سيد (28 عاما) "فصل الصيف يشهد ضغط عمل غير طبيعي. الأمر مُجهد للغاية لكننا نشعر بمسؤولية لتوفير الهواء البارد للزبائن".
خلال دقائق، يتأكّد فريقه المكوّن من ثلاثة عمال آسيويين من نسبة الفريون ونظافة الفلتر وجودة دوران المروحة وسرعتها وقوة الضاغط إضافة إلى دقة برمجة جهاز التحكم.
بعد تناثر الغبار من فلتر المكيّف داخل المنزل بفعل ضغط الهواء، تتساقط قطرات مياه داكنة اللون ممزوجة بأوساخ من الوحدة الخارجية، قبل أنّ تستعيد الوحدتان بياضهما بعد إنهاء الفريق عمله.
تعلو الابتسامة وجه صاحب المنزل مشعل عياد (37 عاما) الذي يعتبر أنّ "المكيّف هو قلب البيت (السعودي) النابض".
ويؤدي الاستعمال المكثّف للمكيفات إلى أعطال متكررة، تتسبّب بضغط شديد على الفنيّين.
ويبدأ سيد وفريقه عملهم منذ الثامنة صباحا وحتى السادسة مساء على الأقل بلا توقف تقريبا صيفا. ويقول "أزور بين أربعة وستة مواقع يوميا لأعمل على 30 مكيفا بين تركيب وصيانة".
ويتنقّل فريقه بين هذه المواقع في شاحنة صغيرة بيضاء يقودها بنفسه، لكنّ مكّيفها الضعيف لا يبرّد جزءها الخلفي حيث يلتقط الفنيون أنفاسهم بين المهام، في مفارقة صارخة لما يقدّمونه لزبائنهم.
والسعودية مترامية الأطراف في قلب الجزيرة العربية معتادة على فصول صيف لا تُحتمل خصوصا في وسط البلاد وشرقها حيث تتجاوز الحرارة 40 درجة مئوية.
خلال النهار، تكون الشوارع مقفرة. ويحظى العديد من العمّال بفترة راحة إجبارية بين الثانية عشرة والثالثة عصرا بين حزيران/يونيو وأيلول/سبتمبر.
ويضطر سيد وفريقه للعمل خلال هذه الفترة "لكن داخل المنازل وليس على الوحدات الخارجية قدر الإمكان"، مفسرا أن "لا وقت للراحة".
- "صيانة لا إصلاح" -
في منطقة الخليج، وهي من أكثر مناطق الكوكب حرا، تمتدّ فترة الحرّ عادة بين نيسان/أبريل وتشرين الأول/أكتوبر. ويُنصح السكان دوما بصيانة المكيّفات قبل ذروة الصيف، خصوصا بعد العواصف الرملية في فصل الربيع التي تؤثر على كفاءة المكيّفات.
وتتراوح كُلفة صيانة وحدة المكيف الواحد في الصيف بين 100 إلى 150 ريال (26,6 إلى 80 دولارًا).
ويؤكّد فارس الفريدي الذي يدير شركة لإصلاح المكيفات أنّ "الأزمة الرئيسية هي أنّ الناس لا يقومون بالصيانة إلا حين يتعطل المكيّف"، وهو ما قد يتسبّب بأضرار خطيرة.
ويتابع "من الأفضل القيام بالصيانة لتحسين جودة المكيّف وهو لا يزال يعمل، وليس إصلاحه عندما يتعطّل".
وهي رسالة يحاول إيصالها لأكثر من 100 ألف متابع على موقع اكس (تويتر سابقا) حيث ينشر مقاطع فيديو عن مميزات أجهزة تحكم وما تنذر به الأصوات الغامضة الصادرة فجأة من المكيّفات.
ويشكو السكان من النقص في الفنيين المهرة، ويضطر البعض لشراء أجهزة جديدة عوضا عن شراء قطع غيار باهظة الثمن.
ويقول الفريدي "هاتفي لا يتوقف" عن الرنين لكثرة طلبات الصيانة خلال الصيف، مشيرا إلى أن شركته استعانت بـ25 فنيا إضافيا لمواجهة الضغط.
ثم يضيف ضاحكا "أشد أعدائنا فصل الشتاء".
- استهلاك بـ"كفاءة" -
تقليديا، تعتمد دول الخليج الغنية بالنفط على محطات الكهرباء العاملة بالوقود الأحفوري. ويتزايد استهلاكها بشكل حاد في فصل الصيف مع الاستعمال المكثف لأنظمة التبريد.
وتعود 70% من قيمة استهلاك فواتير الكهرباء في الصيف غالباً إلى استخدام المكيّفات، وهي أعلى نسبة في العالم، بحسب شركة الأبحاث "انير داتا" المعنيّة بالطاقة.
وهي النسبة نفسها التي خلص إليها البرنامج السعودي لكفاءة الطاقة (كفاءة) الذي تأسس في العام 2010، ويُعنى بترشيد استهلاك الطاقة بالبلاد.
ويقول الخبير في قطاع الطاقة المقيم في الإمارات ابراهيم الغيطاني لوكالة فرانس برس إنّ منطقة الخليج "ستتجه تدريجيا لتبني حلول أكثر كفاءة في أنظمة التبريد كالأنظمة التي تعتمد على الطاقة الشمسية والمتجددة".
لكنّه نوّه بضرورة إدارة استهلاك المباني للكهرباء في "إطار أشمل يبدأ منذ بنائها".
ويشير إلى "أنظمة عزل الحرارة في المباني والواجهات الزجاجية العاكسة للحرارة والتوسّع في برامج الأسطح الشمسية".
ويذكر مركز "كفاءة" أن تطبيق العزل الحراري يسهم في تخفيض الطاقة الكهربائية المستهلكة في المكيّفات بنسبة تصل إلى 40%.
وأطلق المركز مبادرات لتحفيز السكان لشراء مكيّفات تساهم في ترشيد استهلاك الطاقة، بينها استبدال مكيّفات الشباك القديمة بأخرى جديدة في أكثر من ثماني مدن لتوفير ما يصل إلى "40% من الاستهلاك".
وتضمنت أخرى حسومات تصل إلى 900 ريال (240 دولارًا) لكل مكيّف عالي الكفاءة، وبحد أقصى ستة مكيفات لكل أسرة سعودية.
وحتى تحقق هذه البرامج الأثر المنشود، تظل مراوح المكّيفات تدور بأقصى سرعة وبلا توقف في السعودية.
وبالنسبة لفرق الصيانة، تظل أصعب لحظة إبلاغ العميل أنّ المشكلة "أكبر من حلّها اليوم".
ويقول سيد "أحيانا تكون ردة الفعل غير متوقعة" بصورة غضب شديد، مؤكدًا أن "لا أحد يستغني عن المكّيف صيفا في السعودية".
أكتب تعليقك هتا