حيث عانت المجتمعات المتقدمة والنامية على حد سواء من تنامي ظاهرة الفساد، فظهر الفساد كقضية عالمية ، وانتقل من مجرد هاجس وطني داخلي إلى إحدى قضايا العولمة ذات الطابع الدولية و الإقليمي و لم يقتصر فقط على المحلية , وتزامن ذلك مع تنامي الدعوة إلى الإصلاح الاقتصادي والتوجه الديمقراطي.
و لما كان ذلك و كان قد صاحب ظهور العديد من الأزمات في المجتمع الدولي من حروب وأزمة فايروس كرونا إلى زيادة انتشار هذه الظاهرة مما أدى إلى ظهور تباين اقتصادي واجتماعي وسياسي، وباعتبار أن الوطن العربي يعد جزء لا يتجزأ من المجتمع الدولي, فقد عانا ولازال يعاني ويلات الحروب، وكذلك واجهه أزمة كوفيد-19, وتعاقب العديد من الحكومات على الساحة العربية و تغيرات قيادية و أنظمة , مما أسهم في زيادة الإنفاق المبرر وغير المبرر، وعكسية النتائج من تدني في الخدمات في جميع نواحي الحياة، وانطلاقا من الدور التوعوي والإرشادي للمجتمع, فقد تنادت الهيئات الوطنية و المحلية و مؤسسات لمكافحة الفساد في المنطقة العربية ابتداء من الخليج الى المحيط و كذلك على نحو الشمال الافريقي الذي قد شهد بوجه الخصوص تغيرات نظاميه ابتداء من ليبيا و تونس وصولا الى الجزائر لممارسة دورها المنوط بها التي تعمل على دراسات ممنهجة لإعادة اعمار و اصلاح مؤسسي حقيقي و أيضا حول انتشار ظاهرة الفساد في المجتمع و الأسباب والحلول التي تعمل على القضاء على تلك الظاهرة .
ويعد مفهوم سلوكيات المواطنة التنظيمية من المفاهيم المعاصرة التي لها اثر بارز على مستوى أداء العاملين وفي تعزيز النجاح المنظمي وهو ركيزة أساسية في بناء العلاقات الإنسانية والسلوكية داخل الدولة وخارجها إذ يعكس إمكانية الدولة في السعي للاستفادة من فكره المواطنة و العمل على منهجها و اجنداتها الهادفة وصولا الى المنظمات المجتمعية الهادفة للفضاء أولا على ظاهره الفساد مرورا في العمل على تصحيح الصورة الذهنية اتجاه الفرد ليحقق هنا عنصر الانتماء بكل توجهاته و منها نظرته الى المجتمع المدني مما يسعى بالفرد لتقديم الخدمة لوطنه بكل قطاعاته و في تفاعلها بيئيا واجتماعيا وفي دعمها لقيم التوافق من الأهداف والمصالح لرفع مستويات الكفاءة والفاعلية في النجاح لتلك المواطنه .
في حين حظيت مظاهر الفساد الإداري وسلوكياته باهتمام متزايد في الآونة الأخيرة بالرغم من الحساسية التي تحيط بتناول هذه المظاهر بالبحث والتمحيص ومحاولة تشخيص الأسباب والمعالجات الكفيلة بالحد منها حيث يلاحظ أن هنالك مواقع خاصة قد ظهرت على شبكة الانترنيت وكرست للدراسات التي ركزت على السلوكيات التي تتمحور في إطار مؤشرات الفساد ومظاهره وهناك الكثير من الإحصائيات والوثائق التي برزت مثل (الرشوة المحسوبية، والواسطة باللغة الدارجة والعمل على استغلال السلطة .....) في كثير من الدول ومنها الدول النامية والتي انتشرت فيها هذه المظاهر على نحو بارز.
كما أن التركيز عليها لتلك المواطنه سواء من خلال المنظمات او المؤسسات يمكن أن يقلل من صراعات تخصيص الموارد النادرة عن طريق التركيز على سلوكيات الدور الإضافي وتوفير الأجواء التي تحفز وتسهل هذه السلوكيات كما تؤدي إلى تقليل المشكلات والمعوقات وتوفر فرصة وجود فهم أعمق لعوامل هذه السلوكيات التنظيمية والمهنية بالنسبة للإدارات ، كما تتمثل أهميه سلوكيات المواطنة التنظيمية في أنها تسهم في الأداء التنظيمي من خلال إيجاد رأس المال الاجتماعي الذي يساعد في تكوين روابط اجتماعية فيما بين العاملين واتخاذ مواقف صادقة اتجاه العمل او داخل فريق العمل الواحد في مجتمعاتنا واتخاذ المصلحة الحقيقية في أنشطة المنظمات ورسالتها لتحقيق رؤية تلك المواطنة الشاملة لذلك فان رأس المال الاجتماعي يولد الثقة المتبادلة والشعور بالالتزام وتطوير مستويات عالية من صورة المواطنة فان سلوكيات المواطنة التنظيمية في كونها أداة تعميق للوعي بأهمية روح العمل الجماعي ٕو التعاون والمشاركة و أيضا تعد نافذة لتشجيع روح المبادرة وتقديم الأفكار الخلاقة، كما تسهم في تعزيز حالات الانتماء والالتزام والحرص على تحقيق أعلى مستويات الأداء وكذلك التخفيف من جوانب الصراع السلبي الهدام وتسهم في إشاعة جو من الثقة للفرد داخل المجتمع سواء على اشكاله التنظيمية والجماعية والفردية و من هنا قد تتيح بشفافية عالية فرص تطبيق العدالة التي ينبغي أن تحكم جميع سياسات وخيارات المنظمات التي تعمل على المواطنه بجانب المؤسسات اتجاه جميع الأطراف وتنمي اليقظة والاستعداد والجاهزية والاستعداد وجهازية لدى الوزارات و الإدارات و العاملين والمجتمع لغرض مواجهة مختلف الأزمات والمواقف الحرجة التي تواجهه المنظمات وخاصة أثناء عمليات التحول الهادف لتحقيق تلك المواطنة .
و هنا لابد ان نصل الى نقطه نظام و هي العمل على أرساء قواعدها لدى الفرد فهي بالنتيجة تعبر عن الانتماء الحقيقي، والمشاركة، والالتزام والمساهمة لتلك المواطنة الايجابية لتحقيق الرفاهية فالمواطنة بالنتيجة تعبر عن الانتماء الحقيقي والمشاركة الايجابية للشخص ضمن المجتمع الذي يعيش فبه .
و يعد سلوك المواطنة التنظيمية سلوك مرتبط باتجاهات ومواقف الأفراد، وهو سلوك ايجابي منتج، وتستطيع المنظمة و المؤسسة الحصول على ذلك السلوك من خلال تعديل أو بناء اتجاهات ومواقف الأفراد العاملين لديها وهذه السلوكيات بطبيعتها تطوعيه من قبل الفرد تجاه الأفراد الآخرين في المنظمة او المنظمة ذاتها، وهي بذلك لا تخضع لمعايير الوصف الرسمي في المنظمة او المؤسسة ، ولقد تطور مفهوم السلوك بفعل التطورات التي شهدها الفكر الإداري بشكل عام التي أصبح للسلوك الإنساني فيها دور ومكانه متميزة تستطيع المنظمات و المؤسسات من خلالها أن تميز نفسها عن بقية المنظمات و المؤسسات الأخرى ولاسيما أن قدرة المنظمات الأخرى على تقليد ومحاكاة السلوك الإنساني و العمل على تصحيح الصورة الذهنيه له و بقدرتها على تقليد ومحاكاة العناصر المادية الأخرى التي تمتلكها المنظمات المنافسة ، حيث السلوكيات تصنف ضمن الموجودات غير الملموسة للمنظمة او المؤسسة والتي من الصعب تلمسها من قبل الآخرين .
و هنا يرتبط مفهوم سلوك المواطنة التنظيمية بمفاهيم أخرى في العمل تعزز من هذا السلوك وتتمثل بسياسات و قراءات الإدارة العليا واتجاه العاملين لديها، ومدى تحقيق العدالة التنظيمية، والثقافة المنظمة الداعمة لابد تعمل على نظرية المواطنة الحقيقية والمعززة، والمناخ التنظيمي، والرضا الوظيفي، والعمل الفرقي ليس الموحد ، والتعلم المنظمي.
كي نحقق تلك المواطنه لابد نعمل على تطوير الأدبيات الفكرية حيث أتناول هنا أدبيات الفكر الإداري ثلاث مناهج فكرية لتفسير مفهوم الفساد الإداري كون هذه الظاهرة لها ارتباط قوي و جزور قديمه على مر العصور كانت لها بذره الانطلاق فضلا عن ذلك بالسلوك الإنساني والثقافة التنظيمية والبيئة ولا يمكن تفسيرها من جانب واحد فقط.
و هنا قد تنبهت دول العالم لظاهرة الفساد الإداري وخطورتها وهذا ما دفع بها إلى إيجاد طرق للوقاية منها وأخرى لمعالجتها وقد صبت اهتمامها وتركيزها على برامج التثقيف وبناء الإنسان والتدريب والتطوير وتنمية التحسس.
بالاضافه الى ذلك تعتبر عناصر إستراتيجية مكافحة الفساد، المحاسبة، المسائلة، الشفافية، النزاهة هي العناصر الأساسية التي تمثل كافة إجراءات النهوض بالأداء للوصول إلى مستويات أداء متقدمة.
ومن هنا تؤكد نظريات العلوم السلوكية بان ظاهرة الفساد نابعة أصلا من ميل الإنسان الفطري إلى ممارسة السلوكيات الفاسدة (غير السليمة) وذلك لان الطبيعة الإنسانية طبيعة غير منضبطة وفوضوية إذا ما تغيبت الأخلاقيات العامة في بيئة اجتماعية تفتقر إلى الضوابط والمسائلة القانونية.
ومن هنا يتطلب من الإدارة استثمار سلوكيات المواطنة التنظيمية في تحقيق تلك الأهداف والمحافظة على بقاءها ونجاحها من خلال تثقيفهم ودعمهم وتقديم المكافأة لهم والعمل على تشجيع ممارسة هذه السلوكيات من خلال وضع الأنظمة والتعليمات اللازمة لمكافأة الجهود العفوية والتطوعية لهم.
اذا لابد ان نعمل على تعزيز و نشر ثقافة المواطنة التنظيمية في المنظمات و المؤسسات و الوزارات بشكل عام و القطاع الأهلي شكل خاص، وتعريف العاملين بأبعادها وأهميتها في تعزيز أداءها وبالتالي نجاحها.
واعتماد إستراتيجية شاملة ودقيقة تتضمن إجراءات رادعة ووقائية وتربوية واضحة ضمن سقف زمني محدد توجه من خلاله ضربات قاصمة للأفراد الفاسدين والداعمين للفساد في جميع المستويات الإدارية وبدون استثناء، ومن الأهم لتلك العوامل الاعتماد على الخبرات والكفاءات وتأخذ بنظر الاعتبار وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
أكتب تعليقك هتا