صباح معطر بالزهور وندى ينفش أنفاسه على أجسادنا، في كل صباح يرن هاتفي النقال كالعادة ليخبرني أنه قد حان الوقت للعمل، أستيقظ وروح الأمل تسافر معي الى مشارف الدنيا، وصفاء نهارنا وصوت العصافير المهاجرة الى الشمال حاملة معها أرق صباحتنا وأصدقها تعبيراً، ليس لدي من الوقت الكثير ، جالسة أمام خزانتي لمدة ربع ساعة لأنتقي ملابسي، وكعادتي قميص سبور أزرق وبنطال جينز وحذاء رياضي، أسرعت إلى الشارع وعلى عجل وقفت تاكسي، عجوز في الستين من عمره، إنتظرت أن يفعل هذا السائق كباقي السائقيين وأن يبهرنا بسماع صوت فيروز، لكن سائقنا يسمع الراديو، درس بالترهيب مشيئة الحفاظ على سلامة إيمانه، إقشعر بدني لسماع ذاك الشيخ كان يقول قصة قد أشاعت في نفسي الخوف والتقزز والكبت المعنوي ولازالت عيون السائق ترمقني من خلال المرأة الأمامية .
منقول عن الشيخ:
هناك شاب في العشرين من العمر دخل الى غرفته وأغلق الباب، وهو في خلوته وضع في جهازه الكمبيوتر سيدي لفيلم مثير للجنس والموبيقات والعياذ بالله وما إن وضع السيدي في الجهاز وبدأ الفيلم أثار شهواته ورغباته حتى شعر بثقل على صدره واشتدت دقات قلبه وأحس بالاختناق وكان يصرخ أمي أمي ......... أتت الأم مسرعة وحاولت فتح الباب ولم تستطيع فاذا بها تنادي على الجيران، هرول أحد الجيران بفتح الباب بالقوة، فوجدوا الشاب ميت والسيدي الفيلم لازال يعمل نظرت الأم وصرخت ..........
يا للهول لماذا نحول إحساسنا بالأشياء ورغباتنا إلى موبيقات وحرام ونرهب منها، إذا كان شيخنا يؤمن بأن الدين سمح ورحيم فإنه الأقدر على ترغيبنا بالحياة وحتى إن كان يريد ترهيبنا من إعتقادات خاطئة يجب الإبتعاد عنها خشية الضرر بنا .
تأملت من خلال النافذة، أفكر حتى لو أراد ذاك الشيخ الترهيب هناك طرق أخرى أشد وهناً من قول هذا الشيخ، شهواتنا ورغباتنا هي جزء منا، ولا نستطيع كبتها معنوياً، فالكبت ألية دفاعية، وغالباً ما تربك السلوك وتدهور الشخصية وتحول اللإنسان الى سلوك الحيوانية. فالإنسان عندما يستخدام الكبت لرغباته يمارس الرغبات الممنوعة فقد وجد فريق البحث في جامعة ستانفورد الأمريكية أن إخفاء الأحاسيس وعدم إظهارها بصورة واضحة يضعف قدرة الإنسان على تذكر الأحداث والمواقف المميزة.
أحد الأخصائيين النفسيين" اكلينيكي" لعلاج الإدمان يقول : إن مشكلة عدم التعبير عن المشاعر مشكله قديمه ومتوارثه في مجتماعتنا نتيجة لأساليب تنشئه خاطئه تعتمد على كبت مشاعر الطفل منذالصغر مثلا بقوله (اذا تحدث الكبير فالصغير يسكت ) أو مثلا (البكاء للنساء فقط) أو القول عيب عليك تقول كذا،
تقول دراسة حديثة عن كبت المشاعر وأثرها في دخول الأشخاص في دائرة الإدمان وجدوا أن كل 7 من أصل عشره أشخاص يعالجون من الإدمان كان أحد عوامل دخولهم لدائرة الإدمان( أياً كان نوع الإدمان) عــدم قــدرتـــهــم عــلى الــــتعبير عــن مـــــــشــــــاعــــرهم ..
وربما لو كان ذلك الشيخ يريد أن يعظنا بترك الرغبات والتوجه إلى عبادة الله وحبه لكن ليس بهذه الطريق التي تفقدنا إحساساتنا بالأشياء، تفقدنا مشاعرنا الإنسانية التي نملكها ، وكأن ذلك الشيخ وصاحب التاكسي يبرران شيء ما أو غاية في نفس يعقوب.
فما أن سكت الراديو حتى بالسائق يسألني : أنت صايمة
أجبته: متعجبة من السؤال، ليش؟؟!!
أعاد السؤال مرة أخرى، أنت صايمة، نظرت إلى النافذة ولم أبه لسؤاله ،" لا اريد ان أبتلي بأحد الاشخاص"
ثم تلاى حديثه إذا انت صايمة ليش ما تلبسي حجاب، مش إلك ولا إلنا لربنا، النصيحة ببلاش
ابتسمت قليلاً وخلجت إلى نفسي قليلاً، تحدثت مع ذاتي وأنا أتامل المدينة الخالية من الضوضاء هذا الصباح
تخيلت أن رفيق دربنا صاحب التكسي يقول إستبدال " انت صايمة "عم يقول أنا صايم حرام عليكي
واستبدال جملة "ليش ما تلبسي حجاب مش الك ولا النا لربنا " تخايلته يقول : ألبسي حجاب منشان ربك دبحتيني مش عشان الله عشان هالعبد الفقير
ونظرت للسائق وصاحبني القول : عمو غض بصرك ...." بما ان السائق لازال يرمقني بنظراته من المراة الامامية للتكسي"
أكتب تعليقك هتا