بقلم: أرجون فير سينغ شريك "آرثر دي. ليتل" للخدمات المالية
تشهد الطرق التي نتعامل بها مالياً تغيرات ملحوظة، فمنذ وقت ليس ببعيد، بدت أنظمة الدفع غير التلامسية بمثابة قفزة نوعية في مسار الابتعاد عن التعاملات النقدية، ولكن في غضون بضع سنوات فقط، أصبح التعامل المالي بلمسة أو نقرة واحدة وكأنه أمر طبيعي. وتتشكل حالياً ملامح عالم جديد مدفوع بتطور ما يعرف بخدمات التمويل المدمج أو الـ embedded finance (EmFi)، والذي يمثل ظاهرة عالمية تتخطى حدود خدمات المدفوعات والإقراض والمدخرات واستثمارات التأمين وغيرها، ما يخلق فرص يمكن أن تصل قيمتها إلى تريليونات الدولارات.
ويعرّف التمويل المدمج ببساطة على أنه دمج منتج أو خدمة مالية ضمن مسار غير مالي ينتهجه العميل - سواء كان ذلك عبر خدمات توصيل الركاب أو الطلبات أو الطعام أو خدمات البيع بالتجزئة داخل المتاجر. وتقدر مؤسسة "جونيبر للأبحاث" أن حجم سوق خدمات التمويل المدمج قد يتجاوز 138 مليار دولار بحلول عام 2026، مع توقع مصادر أخرى أن تصل قيمة السوق إلى 7.2 تريليون دولار بحلول مطلع العقد المقبل.
إن التمويل المدمج هو الحل الذي يمكّن الأفراد من السفر من مكان ما إلى آخر وإجراء المدفوعات مقابل رحلتهم دون عناء، أو هو الحل نفسه الذي يسمح للأشخاص بطلب الطعام عبر المنصات الرقمية دون الحاجة إلى النقود أو البطاقات لإتمام عمليات الدفع. وبالنسبة للمؤسسات، يسمح هذا الحل للشركات غير المالية بتقديم منتجات مالية تعزز من قيمة مجالات أعمالها الأساسية وتخلق مصادر جديدة للدخل.
وليست العبارة الشائعة التي نراها ضمن منظومة التمويل المدمج (اشترِ الآن، وادفع لاحقاً)، سوى شكل من أشكال الإقراض البديل الذي يمكّن المستهلكين من توزيع تكلفة المشتريات على أقساط. لقد ساهم خيار "الشراء الآن، والدفع لاحقاً" في طمس الخطوط الفاصلة بين المدفوعات والإقراض، ورغم أن مثل هذه الخيارات تخضع لمستوى كبير من التدقيق التنظيمي، إلّا أنها تشهد نمواً مستمراً، حتى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي المملكة العربية السعودية وحدها، من المتوقع أن تنمو قيمة خيارات "الشراء الآن والدفع لاحقاً" بنسبة 24.1٪ على أساس سنوي لتتجاوز 1.4 مليار دولار في عام 2023.
وفي حين أن نشاط خدمات التمويل المدمج يتركز بشكل أساسي حتى الآن في مجال خدمات مدفوعات بين الأعمال والمستهلكين، إلا أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشهد أيضاً نمواً في قطاع المدفوعات بين الأعمال من خلال الإقراض القائم على الإيرادات ، وتمويل نقاط البيع (POS)، وحلول المحاسبة والخزينة من بين العديد من الأمثلة.
وتسهم عدة عوامل في تمكين هذه التطورات على مستوى سوق التمويل المدمج، بما في ذلك التحول التنظيمي نحو اقتصاد أكثر انفتاحاً يسمح بتسخير قوة البيانات وتوظيفها على نحو أفضل، والنمو الهائل لمنظومة التكنولوجيا المالية، وظهور تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، فضلاً عن تسارع وتيرة رقمنة قنوات التواصل مع العملاء. إضافة إلى ذلك، يلعب التوجه المتزايد من جانب المؤسسات المالية لتعزيز أوجه الشراكة مع الشركات غير المالية، أيضاً، دوراً محورياً في فتح آفاق جديدة في مجال التمويل المدمج.
وتقدر قيمة سوق التمويل المدمج في المملكة العربية السعودية حالياً بنحو 4 مليارات دولار، وهو رقم من المتوقع أن ينمو بمعدل نمو سنوي مركب بواقع 27٪ ليتجاوز 12 مليار دولار بحلول عام 2030. ومع ذلك، ولتحقيق هذا النمو وتعزيز الاستفادة من الفرص المتاحة، ينبغي العمل على ضمان عدة عوامل، تشمل زيادة الوعي بين المستهلكين والشركات، ووجود جهات تمكينية موثوقة تدعم هذا التحول، هذا إلى جانب المؤسسات المالية الموجودة حالياً والمستعدة حقاً للمشاركة. ويتطلب تحقيق النمو المستدام للتمويل المدمج، أيضاً، وجود منظومة تنظيمية متطورة، ومنتجات مناسبة للأغراض، ومنظومة مبتكرة من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية والتي يمكنها الوصول إلى رأس المال اللازم لتعزيز النمو.
أكتب تعليقك هتا