فالاستقامة لا تكون إلا بأمرين:
- جانب قلبي وهو أعمال القلوب.
- جانب بدني وهو أعمال الجوارح.
وبالاستقامة على دين الله تستقيم حياة المسلم، فتنعم نفسه ويطمئن قلبه، ويقوى قلبه ،وجوارحه فلا يشعر باضطراب أو تناقض في نفسه وسلوكه فيطابق ظاهره باطنه بلا غلو ولا تفريط بل بوسطية في المنهج والسلوك، وهو ما يجعل النفس والفطرة مستقرة ومطمئنة .
والاستقامة بعد الحج لها فضيلة خاصة ومعان دقيقة؛ ذلك أن الحاج إذا كان - بتوفيق الله - حجه مبرورًا، وسعيه مشكورًا وخرج - بفضل الله ورحمته - من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ فإنه يجب عليه أن يحافظ على هذه الجائزة العظيمة والمنحة الربانية، وذلك بالاستقامة بعد الحج، فلا يخلط بعد حجه عملاً صالحا وآخر سيئًا فيرجع إلى ما كان عليه من قبل، فقد يخسر ما ناله من تطهير للذنوب وصفاء للقلب والسريرة.
ولينظر الحاج الكريم إلى أكابر أصحاب رسول الله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» الذين بشروا بالجنة إما صراحة كالعشرة المبشرين بالجنة وإما ضمنًا كأهل بدر وبيعة الرضوان فإنهم رضوان الله عليهم قد اجتهدوا في العبادة وسارعوا في الخيرات بعد بشارتهم بالجنة أفضل من ذي قبل، وقد أشار ابن القيم رحمه الله إلى هذا المعنى قائلاً: ( وكذلك كل من بشره رسول الله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» بالجنة أو أخبره بأنه مغفور له، لم يَفْهَمْ منه هو ولا غيره من الصحابة إطلاق الذنوب والمعاصي له ومسامحته بترك الواجبات بل كان هؤلاء أشد اجتهادا وحذرًا وخوفًا بعد البشارة منهم قبلها، كالعشرة المشهود لهم بالجنة، وقد كان الصديق شديد الحذر والمخافة، وكذلك عمر، فإنهم علموا أن البشارة المطلقة مقيّدة بشروطها والاستمرار عليها إلى الموت، ومقيدة بانتفاء موانعها، ولم يفهم أحدٌ منهم من ذلك الإطلاق والإذن فيما شاءوا من الأعمال)(3).
فإذا كان هذا حال من بشروا بالجنة - حيث كانت استقامتهم على دين الله بعد البشارة أعظم من استقامتهم قبلها، وذلك خوفا من خسارة تلك البشارة العظيمة - فكيف حال من هم دونهم ممن لم يعلموا أقبل حجهم أم لا؟
مراجع
- رواه مسلم رقم (٦٢).
- (مدارج السالكين) (۲/ ۳۳۹) .
- (الفوائد) ص (۲۳)، طبعة دار علم الفوائد.
- (مدارج السالكين) (٢/ ٣٣٩) طبعة دار طيبة.
- (لطائف المعارف) لابن رجب ص (٦٨).
أكتب تعليقك هتا