بقي دور النساء المؤثرات أغلبهن، طي التاريخ والكتمان، وخبرا في صفحات الكتب ، لا تخرجه ريح القراءات، وتذروه على مطارف السمع، كالجمانة بنت قيس، التي حقنت الدماء بين قبيلتين ،
بحكمتها، ومكانته في قبيلتها ، وهي شاعرة من شواعر العرب، اتصفت بالحكمة والرأي الثاقب، وقد حفظ لها التاريخ حسن تصرفها في إصلاح ذات البين، حين عاد أبوها قيس بن زهير العبسي من مكة، وقد اشترى درعًا حسنة، تسمى ذات الفضول.
وقيس بن زهير من سادات العرب، وسيد غطفان، ورأس بني عبس، وهو صاحب الفرسين المشهورين: داحس والغبراء، والذي بسببهما سميت معركة داحس والغبراء المشهورة في الجاهلية، والتي امتدت لنحو أربعين سنة.
وحين أقبل قيس على قومه، أعجبت الدرع عمه الربيع بن زياد ، وكان سيد بني عبس ، فأخذها منه غضبًا، فقالت الجمانة بنت قيس لأبيها: دعني أناظر جدي، فإن صلح الأمر بينكما، وإلا كنت من وراء رأيك؛ فأذن لها، فأتت جمانة إلى جدها، وقالت له : إذا كان قيس أبي فأنت جدي، ومايجب له من حق البنوة علي، إلا كالذي، يجب عليك من حق البنوة لي.
إنك قد ظلمت قيسا بأخذ درعه، والمعارض منتصر، والبادي أظلم وأضافت: وليس قيس ممن يخوف بالوعيد، ولا يردعه التهديد، فلا تركنن إلى منابذته؛ فالحزم في متاركته، والحرب متلفة للعباد، ذهّابة بالطارف والتلاد، والسلم أرخى للبال، وأبقى لأنفس الرجال تقول:
أبي لا يرى أن يترك الدهر درعه
وجدي يرى أن يأخذ الدرع من أبي
فرأي أبي رأي البخيل بماله
وشيمة جدي شيمة الخائف الأبي
فصدع الجدّ برأي حفيدته، ورد الدرع إلى قيس، في حادثة وإن دلت على مكانة المرأة في قومها، وسماع الأب نصيحة ابنته، بل والسماح لها في التفاوض، ومحاورة قلب وعقل الجد، بحنكة وحكمة ردت بها الضيم عن أهلها، وحقنت دماء قبل أن تسيل.
أكتب تعليقك هتا