وكالة البيارق الإعلامية
لا يوجد قانون واحد للعلاقة بين البشر وخاصةً العلاقات العاطفية والجنسية، فالعلاقة ليست قانون سير، ولا جدول ضرب، ولا لعبة كرة، فالقوانين في العلاقة يضعها أصحاب العلاقة نفسهم، لا اتحاد ولا بلد، ولا ديكتاتور.
لكن بطبيعة الحال ستكون هذه القوانين مستخرجة من الدين أو المجتمع أو الرفاق والمحيطين والمؤثرين بأصحاب العلاقة، لينتج عنها مجموعة قوانين يتفق عليها الفردين المعنيين بها، يطبقونها و"يخرقونها" بحسب ديناميات العلاقة.
من هنا أتت مصطلحات الخطبة، الزواج، المساكنة، وغيرها الكثير لتحديد شكل وإطار هذه العلاقة ومصطلحات "أجنبية" كالـ monogamy وpolygamy و… الـ flirting.
بدايةً، ما هو الـ Flirting؟
عندما ظهرت كلمة flirt لأول مرة في الحياة في اللغة في أواخر العصور الوسطى، كانت تشير في الأصل إلى حركة ارتعاش مفاجئة أو قصيرة. يُعتقد أن الكلمة نفسها ربما تم صياغتها بطريقة صوتية - مثل flick وflip وflit - لتمثل بالضبط نفس النوع من الحركة المتذبذبة والمضطربة التي أشارت إليها، وبحلول أواخر القرن الثامن عشر، بدأ استخدام اللعوب أخيرًا كفعل، بمعنى "اللعب في المغازلة" - أو على حد تعبير قاموس أوكسفورد الإنجليزي: "ممارسة الحب دون نوايا جادة."
ما هو تعريف "الخيانة" في العلاقة؟
بحسب جوي، كلمة "خيانة" كلمة كبيرة ومشحونة بالمعاني الأخلاقية وربما الدينية أيضًا- بينما بالفرنسية والانجليزية مثلًا الكلمة المكافئة هي cheating أو tromperie - وتعتبر أن الحديث يجب أن ينطلق على الأقلّ من نقطة "الغشّ" ومن دون إضفاء بعدًا كارثيًا على الموضوع. خصوصًا أن نظرةً على التاريخ تُبيّن لنا أن المرأة هي أكثر من عانى من الوصم على خلفية هذا الموضوع، وكلّنا نعلم أن تعدّد العلاقات كان دومًا أسهل بالنسبة للرجل.
تحدد جوي قناعاتها بأنها عندما تحبّ شخصًا، تحبّ حريته أيضًا ولن تحتمل فكرة أن يكون مقيّدًا أو أن يتصرّف خلافًا لرغباته من أجلها. تقول جوي أن "الدرسُ الوجودي الذي يعلّمنا إياه الحبّ بين شخصين هو أنه عليّ دائمًا أن أفكر في الشخص الآخر كذاتٍ (subject). الإنسان عادةً ينسى هذا الأمر في علاقته بوعي الآخر. يقع في الأغلب في فخّ تشييء الطرف الثاني (يمكن فهم هذه الدينامية أكثر بالنظر إلى ديالكتيك السيّد والعبد عند الفيلسوف الألماني جورج فريدريك هيغل). في الحبّ… هذا مصيره الفشل. لأنك مهما فعلت لن تمتلك حرّية الآخر. حتى لو امتلكت جسده، ماذا تفعل بوعيه الذي هو مرادف للحرية؟
لذلك بتنا اليوم نرى كثيرًا الحديث عن الـ toxicity أو السمّية في العلاقة، حين بتنا نرصد كل مؤشر على محاولة طرف تقييد الطرف الآخر."
ترى جوي أن هذا الرفض لما كان عاديًا في السابق (خصوصًا حين تكون المرأة هي ضحية هذا الأمر) يتنامى كثيرًا اليوم لعدة أسباب، وليست كلّها حميدة في رأي جوي، كما ستشرح لاحقًا.
بحسب جوي أنّ احترام وتقدير حرية الشريك بأقصى معاني ذلك، هو أمرٌ أساسي لإنجاح العلاقة. حتى مع الخطر الذي تنطوي عليه هذه الحرية وهو خطر خسارة الشريك: "أعلم أن تخطي هذا القلق (والغيرة هي نوعٌ من أنواع القلق) ليس بالأمر السهل. ولكن هل الحياة هي شيء آخر سوى تمرين طويل على التعايش مع القلق؟
طبعًا، هذا نجده أوضح في المجتمعات الغربية التي شهدت أكثر من قطيعة معرفية مع الأنظمة الدينيّة والأخلاقية، كانت أهمّها الثورة الجنسية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
في أعقاب ذلك تراجع النموذج التقليدي للحبّ لصالح صيغٍ أخرى مثل العلاقات المفتوحة أو الـ polyamory وصولًا اليوم إلى تعثّر قيام أي نوع من العلاقة مع الآخر. اليوم، في عصر تطبيقات المواعدة، يمكن القول إن الحبّ استُبدل بالجنس، باللقاءات القصيرة السطحية، لأن الفرد يصبح شيئًا فشيئًا عاجزًا كلّيًا عن إقامة أي نوع من التواصل الحقيقي مع الآخر."
ووفقًا لجوي، نحن غارقون اليوم في ذواتنا بشكلٍ غير مسبوق: "عدد من الفلاسفة المعاصرين تكلّموا عن "تآكل" مفهوم الآخر في مجتمعات اليوم. وهذا يمكن رؤية مؤشراته في كل مكان، بدءًا من التصاقنا بهواتفنا مثلًا (حيث نقوم بعرض متواصل لـ"الـ أنا") وصولًا إلى دروس حبّ الذات والاعتناء بالذات التي نصادفها في كل مكان في السنوات الأخيرة."
تعلم جوي أن الكثيرين في مجتمعاتنا العربية قد تجد حديثًا كهذا سابقًا لأوانه، في وقتٍ لا يزال فيه الفرد هنا يطالب بالحدّ الأدنى من الحرّية والخصوصية، لا سيما المرأة التي لا تزال تعاني من التمييز بأشكاله البدائية.
تنهي جوي شرحها: "ولكن… حين أفكّر في كونيةٍ ما للحب، إن جاز التعبير، أجد نفسي في أحيان كثيرة متفقة مع فكرة أن الحبّ الذي كل يوم يصبح أبعد من قبل، ربما يكون هو نفسه آخر أساليب مقاومة الأيديولوجية المهيمنة في عصرنا… ربما."
الحاجة للمغازلة، مع أو ضد؟
تختلف النظرة والحاجة للمغازلة من شخص الى آخر، بحسب أمور عدة، منها المجتمع والبلد والميول الجنسي، سنعرض هنا آراء عدة ومتنوعة عن الحاجة للمغازلة، وكنا سألنا مجموعة من الأشخاص أسئلة موحدة: هل يُعتبر "الفليرتينغ" مع غير الشريك خيانة، مفهومك للعلاقة والخيانة بشكل عام، وما هو الفليرتينغ وأين تنتهي حدوده؟
غنى قدور، 27 عامًا: "العلاقة من وجهة نظري هي مزيج من الثقة والقدرة على التفاهم والمصارحة وبطبيعة الحال تكون نقطة البداية لتطوّر الطرفين على الصعيد الفردي والثنائي (أو أكثر).
الفليرتنيغ يمكن أن أعتبره كلام مجمّل يحمل معه مشاعر، بغض النظر عن نوع هذه المشاعر، بالتالي غير مرحب فيه بالنسبة لي، إنما الكلام الجميل مع الأصدقاء والصديقات لا يزعجني، حسنًا شعرت اني غريبة الأطوار قليلًا، وداعًا."
أمل، 40 سنة: "أنا أصلًا لا أؤمن بالمونوغامي (أحادية العلاقة)، ولا أربط الحب بالعلاقة الجنسية، يمكن ان تحب شخص من دون ممارسة الجنس معه، ويمكن أن تمارس الجنس مع مائة شخص من دون أن تحبهم.
أما ما إذا كان الشخص بعلاقة ملتزمة (committed)، لا أريد القول أن المغازلة أو الجنس يصبح خيانة، فالجنس ممكن أن يحدث، ولكن الخيانة هي عندما تكن مشاعر لشخص آخر خارج العلاقة، وليست الأشياء الجنسية العابرة التي من الممكن أن تحدث دومًا، وهي بالنسبة لي محرك أساسي لابقاء علاقتي مع زوجي مستمرة ومشتعلة.
والمغازلة موضوع مهم جدًا، إن كان للرجل، أو للمرأة، فهو يعزز الثقة بالنفس، وأنا لا أرى فيها أي شيئ خاطئ، لا بل أرى أن من الخطأ فكرة التملك في العلاقة، وأنا على هذا الأساس متفقة مع زوجي، يمكن أن أغازل وأن أعجب بأشخاص جدد ولن أحزن إن تغزل بي أحد، وهذا لا يمنع أن لا أحد يمكنه أن يأخذ مكان زوجي في حياتي."
الفليرتينغ مع شخص غريب ليس في حياتنا يعتبر بريء إنما الفليرتينغ مع أشخاص موجودين في حياتنا ونراهم دائمًا يمكن أن يعتبر خيانة معنوية، أعتقد أن ذلك يعبر عن تحقيق شيء لا نملكه في العلاقة. الخيانة بحد ذاتها شي ء موجوع جدًا. انا كنت مع شخص لسنتين وخانني، حينها شعرت وكأن ذكائي تعرض للإهانة، أعتذر إن لم أكن أعبر بطريقة واضحة، فالموضوع لا يزال يجرحني ويربكني".
يتفق الكثيرون على أن العلاقة هي اتفاق بين طرفين، ولكن هل هذا الاتفاق يشمل كل شيئ بالعلاقة، وإن حاصرنا العلاقة والحب باتفاقات وقيود، هل يجعله أقوى، أو أكثر مللًا وتكرار!
جوليانا، 23 عامًا: "بالنسبة لي وكيف أفكّر بالعلاقات، الفليرتينغ يعطيني شعور أحس أنه يختلف مع اختلاف الأشخاص، أستطيع “to flirt” وانا بعلاقة ولا أعتبرها خيانة لطالما نحن متّفقين على الأمر، والتواصل الصّحي موجود والحب الصحّي موجود. احب شريكي بالحياة لدرجة لا أحب تملّكه أو استملاك مشاعره والعكس صحيح.
مفهومي للعلاقة يبنى على علاقتي الحقيقية بالشخص وماذا أعطيه من مشاعر وما يبادلني بلا شروط.
الفليرتينغ يستطيع أن يبدأ باعجاب وينتهي باعجاب وفقط، أو يبدأ بمواعدة وينتهي بعلاقة جنسية، أما حدوده فضمن العلاقة يتحدّد حسب مبادئ الشريكين وبحسب اتفاقهم ضمن العلاقة."
رفض الفليرتينغ والعلاقة الحصرية
خليل، 27 سنة: "العلاقة بالنسبة لي هي commitment مع شريك لأن الشخصين وجدوا قيم مشتركة مع بعضهم، وطبعًا احترام واتفاق وأصبحت مشاعر حب. و قرروا أن يصبحوا شركاء بالحياة إن كان مع زواج او من دونه.
الخيانة بالنسبة لي هي أن لا يعود المذكور أعلاه حصري لشخص واحد.
بالنسبة للـ flirting اعتقد أنها تعني ابداء الاعجاب بشخص معين بطريقة ظريفة. إذا كان هذا التعريف لا مانع لدي بها. انما اذا كان هذا الشيئ لجذب الانتباه وطريقة لفتح حديث بغرض الخيانة ، فأعود للنقطة الأولى الخيانة التي أرفضها."
سيلين، ٢١ سنة: "من المؤكد أن الفليرتينغ مع غير الشريك خيانة. الخيانة ليست فقط خيانة بالجسد، يمكن أن تكون خيانة بنظرة، بفكرة، باهتمام يصبّ في غير محلّه. عندما ينتهي الحبّ والشغف بالعلاقة المفترض أن أي أحد من الطّرفين يتكلم مع الثاني عن الموضوع، إما يجدون حلًا، أو ينهون العلاقة.
حدود المغازلة و الـ"micro cheating"
لنفرض العلاقة حصرية، أين تنتهي حدود الفليرتنغ؟ الفليرتنغ تعريف مطاطي برأيي، يمكن نفس الحديث أن أخوضه مع فتاة ولا يعتبر فليرتنيغ (أتكلم من وجهة نظري بعلاقة هيترو)
حسب تجربتي، قرأت مرة مصطلح يسمى "micro cheating" الذي هو فليرتنغ مع عالم عابرة من دون أخذ أي مبادرات تالية.. وهذا الشيئ - فاجأني أنا أيضًا- شعرت أنه صحي.. أحيانًا نحن بحاجة أن نتنفس خارج العلاقة أو ببساطة just be ourselves ونعلم it means nothing.. طالما الثقة موجودة ويوجد حدود لا يتخطاها الشخص. ما هي هذه الحدود؟ برأيي كل شخص deep down يعلم ما هي الحدود ولكن صعب أن يعترف بغلطه.
أيضًا بحسب تجربتي أحيانا كنت أتكلم أنا وشريكي عن مواقف فليرتنيغ حدثت معنا خلال العلاقة ونضحك عليها…لذلك قوة العلاقة تلعب دورًا كبير."
العودة إلى ضرورة الاتفاق
أما بالنسبة للغزل عمومًا فهو تعبير لبق ومحترم عن الإعجاب ومبادرة للتقارب ويمكنك أن تبادر بالغزل إن لحظت نوعًا من القبول لدى الآخر الذي تغازله، ويجب التوقف عند أي إشارة بالرفض أو الانزعاج من الطرف الآخر."
بريسيكا،28 سنة: "الفليرتينغ و كل شيء ممكن أن يأتي بسببه يعتمد على الاتفاق المسبق مع الشريك قبل أن يحدث الأمر وهذا ينطبق على العلاقات المفتوحة إذا لسنا متفقين يعني نريد أشياء مختلفة، حتى لو صار شيئ بسرعة أو صدفة يجب أن يكون الشخص لديه الوعي الكافي ليوقف الأمر ويفكر بتأثير تصرفه على شريكه.
اللعب والشغف والاغراء
لن أقبل ذلك إذا كان مجرد رد فعل على سلوكي. المغازلة هي لعبة إغراء تعزز الثقة بالنفس وتضيف نكهة إلى اللحظة ويمكن أن تتوقف بمجرد رغبة أحد اللاعبين.
ممكن أن يكون مجرد كلمة واحدة ، أو لمسة ، أو قبلة ، ويمكنه أن يتطور إلى حد ممارس الجنس. إنها أيضًا لعبة اجتماعية. نحن نحب رفقة المغويين لأن موقفهم لا يعزز ثقتهم بأنفسهم فحسب ، بل إنه يعزز ثقة متلقي لعبة المغازلة. نشعر بالرغبة ، نحن سعداء. الرغبة هي محرك الحياة ، والمغازلة هي بداية تعبيرها."
المغازلة ليست بالضرورة خيانة
هيفا، 27 سنة: "ليس ضروري أن تكون المغازلة خيانة، يوجد أشخاص بطبيعتها "لسانها حلو" بالعامية، وتحب المغازلة، تصبح خيانة عندما يكون he’s flirting لسبب معين أو إذا كان يريد الوصول لغاية معينة، أما إذا كان مجرد كلام، بالنسبة إلي ليس خطأ.
كبشر لم نخلق لنكون بعلاقة واحدة طوال الحياة، كان يوجد قبائل فيما مضى، المرأة عندهم تنام مع رجال عدة، كي يأخذ الولد خصائص مختلفة من كل رجل تنام معه.
تتعدد الآراء حول المغازلة، والهدف منها، وهي أصبحت منتشرة أكثر مع وجود السوشيال ميديا، بين من اعتبرها أمر ضروري لزيادة الثقة بالنفس والمتعة، ومن يرفضها إذا كان مرتبط بعلاقة حصرية، كل هذا يعيدنا إلى نقطة أساسية، العلاقات تشبه أصحابها، ولا يوجد واحدة مثل الأخرى، وهي تصنع قوانينها و"أخلاقياتها" بنفسها.
وكالة البيارق الإعلامية www.bayariq.net
bayariqmedia@gmail.com
المدير العام ورئيس التحرير
محمد توفيق أحمد كريزم