والعرب تقول : قد شَرَّقوا : إذا ذَهَبُوا إِلى الشَّرْقِ أَو أَتَوْا الشرقَ . وفي حَدِيثِ النهي عن استقبال القبْلة خلال قضاء الحاجة قال صلى الله عليه وسلم : "ولكن شَرِّقُّوا أَو غرِّبُوا" ، قلنا : هذا أَمْرٌ لأَهْــلِ المَدِينة ومن كانَتْ قِبْلَتُه على ذلكَ السَّمْتِ ممن هو في جِهَتَي الشَّمالِ والجَنُوب فأَمّا من كانَتْ قِبْلَتُه في جِهَةِ الشَّرقِ أَو الغَربِ فلا يَجُوزُ له أَنْ يُشَرِّقَ أَو يغَرِّبَ إنما يَجتَنِبُ ويَشتَمِل ، يسدد ويقارب محققا كنْهَ الحديث وروحَـه . والتشريق : تقْدِيد اللحْم ومنه سُـميت أيام التشريق وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر لأن لحوم الأضاحي تُشَرَّق فيها أي تشرر في الشمس ،لتجف بفقدان رطوبتها فتصبح مقاومةً للفساد أكثر ، وهي احدى وسائل الحفظ عند العرب ، وما كان لهم من وسائل للحفظ سوى التقديد (للخضار والفواكه) والتشريق خاص بـ(الّـلحم) والتمليح وما شابه تلك الطرق في عصرها ،، وقيل سميت بذلك لقولهم في الجاهلية : أشرق ثبير كيما نُغير ، أو لأن الهدى لا ينحر حتى تشرق الشمس قاله ابن الأعرابي ، قلت : وهو بعيد ، وقال أبو عبيد وكان أبو حنيفة يذهب بالتشريق إلى التكبير دُبُرَ كل صلاة ولم يذهب إلى ذلك غيره ، وفي الحديث الشريف عنها :" أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله " فلاصيام فيها ألبتة ، ورواه أبو عبيدة : "أيام أكل و شرب وبعال" أي نكاح ، والأول صحيح ذكره الامام مسلم في صحيحه ،والثاني منقطع واه (ضعيف بلغة أهل مصطلح الحديث) ، وقال الصاغاني : وفي الحديث من ذبح قبل التشريق فليعد .أي قبل أن يصلي صلاة العيد وهو من شروق الشمس وإشراقها لأن ذلك وقتها ، فلو ذبح قبل الوقت لا يجزيه ذلك ، كأنه على شرق إذا صلى وقت الشروق كما يقال صبَّح ومسَّى إذا أتى في هذين الوقتين . ومنه المُشَـرَّق (كمعظَّم ) مسجد الخيف . وكذلك المصلى وفي حديث سيدنا الإمام على رضي الله عنه :" لا جمعة ولا تشريق إلا في مصرٍ جامعٍ " . وفي حديث مسروق بن الاجدع الوادعي الهمداني ( ت 62 أو 63 هـ ) : " انطلق بنا إلى مشرقكم " يعني المصلى وسأل أعرابي رجلاً فقال أين منزل المشرق ؟ يعني الذي يُصَلَّـى فيه العيد ، وقيل المشرق مصلى العيد بمكة وقيل مصلى العيد مطلقاً وقيل مصلى العيدين وقيل المصلى مطلقاً كما جنح إليه المصنف . وروى شعبة بن الحجاج عن سماك بن حرب أنه قال له يومَ العيد : اذهب بنا إلى المشرق يعني المصلى وفي ذلك يقول الأخطل :
فإنه اخْتُـلِـفَ فيه فقيل : المشرق جبل لهذيل بسوق الطائف ، قاله الأخفش وأبو عبيد،وقال أبو عبيدة : هو سوق الطائف نفسها ،وقال الباهلي : هو جبل البرام وروى ابن الأعرابي : "بصفا المشقر" بدلاً من " بصفا المشرّق" ، وهو حصن بالبحرين بهجر( هجر البحرين تقع اليوم على الساحل العماني ، في دولة الامارات العربية المتحدة ، وتُدعى " الهَـيَـر " على عادتهم بابدال الجيم ياءً ) وابن أبي ذؤيب من المشقر من البحرين قال ابن الأعرابي : وهو الذي ذكره الشاعر امرؤ القيس فقال :
" دوين الصفا اللائي يلين المشقرا " وقوله (دُوَيْن الصفا ) أي قريب منه، فـ(دُوَيْن) مصغّـر (دون) ، ومن المجاز : المشرق الثوب المصبوغ بالحُمرة . وقال ابن عباد : شرقته صفرته ، وجاء في لسان العرب لابن منظور : التشريق الصبغ بالزعفران مشبعاً ،ولا يكون بالعصفر ، والمشرق من الحصون المطين بالشاروق ، اسم للصاروج كما في المحيط وهو المكلس ،، قلت : وفي دولة الامارات العربية المتحدة على حدودها مع عُمان( قرب تؤام وواحة البريمي ) في مدينة العين الحدودية من الربع الخالي ، منطقة تُسمى بالصاروج ، والصاروج قريبة بالمبنى والمعنى من " الصهريج" وهو المصنع أو خزان الماء عند العرب !!!
((إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق 18 والطير محشورة كل له أواب 19 وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب 20 )) فبين الاشراق والعشي تضادّ . وصلاة الإشراق هي صلاة ركعتين بعد طلوع الشمس وارتفاعها بقدر رمحين في الافق ، لمن صلى الفجر في جماعة في المسجد ثم جلس في مصلاه يذكر الله تعالى حتى يصلي هذه الصلاة وهي ليست واجبة ، انما هي سُنَّة .
وهكذا أحسبني أجبت عن سؤال السيدة التي طلبت مني أن أبيِّن لها سبب تسمية أيام ما بعد عيد النحر "أيام التشريق " بهذا الاسم ، بالرغم من أن الاجابة جاءت متأخرة قليلاً ، ولكنها أن تأتي متأخّـرة خير من ألا تأتي ألبتة ، وخلاصة القول بالتشريق أن مقتضى كلام أهل اللغة والجذور والفقه أنها أيام ما بعد عيد النحر، على اختلافهم هل هي ثلاثة أو يومان، لكن ما ذكروه من سبب تسميتها بذلك يقتضي دخول يوم العيد فيها .
ثانيهما لأنها كلها أيام تشريق، لصلاة يوم النحر التي لا تُصَلّـى إلا إذا أشرقت الشمس فصارت تبَعـاً ليوم النحر ( وذكرنا آنفا مدى ضعف هذا الرأي )، هذا والله تعالى أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم،وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالميـن .
أكتب تعليقك هتا