الدليل الشامل للحج والعمرة
طواف الإفاضة أحد أركان الحج، وللحاج أن يأتي به في يوم النحر أو أن يؤخره إلى أيام التشريق.
قال تعالى: ﴿ وَلْيَطَوَفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج: ٢٩].
وعن ابن عمر رضي الله عنه: ( أن النبي «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» أفاض يوم النحر، فصلى الظهر بمنى)(۱).
قال سفيان الثوري: قدمت مكة فإذا أنا بأبي عبد الله جعفر بن محمد - أي جعفر الصادق قد أناخ بالأبطح، فقلت: يا ابن رسول الله لم جُعل الموقف (۲) من وراء الحرم؟ ولم يُصيَّر في المشعر الحرام؟ فقال: الكعبة بيت الله، والحرم حجابه، والموقف بابه، فلما قصده الوافدون، أوقفهم بالباب يتضرعون، فلما أذن لهم في الدخول، أدناهم من الباب الثاني وهو المزدلفة، فلما نظر إلى كثرة تضرعهم وطول اجتهادهم رحمهم، فلما رحمهم، أمرهم بتقريب قربانهم، فلما قربوا ،قربانهم وقضوا تفثهم وتطهروا من الذنوب التي كانت حجابًا بينه وبينهم أمرهم بزيارة بيته على طهارة)(۳).
وقد تحدثت عن أعمال القلوب في الطواف) (4)، ولكن ثمة أمور ينبغي ذكرها:
(۱) طواف الإفاضة ويسمى طواف الزيارة قد سبقه طواف القدوم للقارن والمفرد وكذلك طواف العمرة للمتمتع وسيأتي بعدهما طواف الوداع.
فهنا ثلاثة طوافات:
- الأول طواف القدوم سنة.
- طواف الإفاضة ركن من أركان الحج.
- طواف الوداع واجب.
والملاحظ هنا أن من طبع البشر أن الشيء إذا تكرر يكون في البداية له شوقه وحلاوته ولكن تخبو هذه الحلاوة وهذا الشوق مع تکراره.
فلذا يجب على الحاج أن يجدد شوقه ويراعي أعمال القلوب في الطواف ويسعى جاهدًا للتعبد لله جل وعلا بها في كل مرة استقلالاً وكأنه يطوف أول مرة كي لا يكون لتكرار العبادة أثر على قلبه في ذهاب حلاوة الطواف وما فيه من عبوديات القلب.
(2) يلاحظ أن كثيرًا من الناس يعتني بالخشوع والخضوع وغيرها من عبادات قلبية في النوافل والسنن أكثر من اهتمامه حال قيامه بالفرائض.
وهذا الأمر يجده المرء في الصلاة كالتراويح والتهجد في رمضان وقيام الليل وغيرها من سنن في سائر العام، وأما الفرائض فقد يقل فيها الخشوع والخضوع.
- فالأولى أن يعتني العبد بالفرائض أكثر من عنايته بالنوافل، خشوعا وخضوعًا وإتمامًا لها على أكمل وجه ظاهرا وباطنا.
فالتقرب بالفرائض وإقامتها ظاهرًا وباطنا من الأولويات، ولا يعني ذلك التقصير في غيرها.
وهذا الأمر يقع في أعمال الحج ومنها الطواف، إذ طواف القدوم سنة، والحاج يكون في البداية مشتاقا فيؤدي طوافه بعبودية وخضوع و خشوع وأما الثاني وهو طواف الإفاضة وإن كان ركنا إلا أن كثيرًا من الحجاج ربما قصر فيه ولم يؤده على الوجه الأكمل كما أدى طواف القدوم.
- فالأولى أن يعتنى بالأركان ثم الواجبات ثم السنن.
- فالأركان والواجبات إذا أُديت على الوجه الأكمل كانت السنن زيادة في الأجر.
وإن لم يكن ذلك فإن السنن تكمل ما نقص من أجر الأركان والواجبات.
مسألة: يجب على المتمتع أن يأتي بعد طواف الإفاضة بسعي الحج على القول الصحيح وهو ركن من أركان الحج، فسعي المتمتع الأول سعي العمرة والسعي الثاني سعي الحج.
وعلى هذا فينبغي للحاج أن يراعي أعمال القلوب في السعي(6) وألا يكون تكراره سببًا للغفلة عن هذه العبادات ولذتها.
وأما القارن والمفرد فإن كان قد أتى بالسعي بعد طواف القدوم فإنه يعتبر سعي الحج ويجزئ عنه فلا يلزمه سعي آخر بعد طواف الإفاضة، وإن لم يكن قد سعى بعد طواف القدوم، فيجب عليه أن يسعى بعد طواف الإفاضة.
فالقارن والمفرد عليه سعي واحد سواء أتى به مع طواف القدوم أو أخره وأتى به بعد طواف الإفاضة.
المراجع
- رواه مسلم رقم (۱۳۰۸)، وأبو داود رقم (۱۹۹۸) وغيرها.
- أي عرفة جعلت خارج حدود الحرم.
- (سير أعلام النبلاء) للذهبي (٢٦٤/٦-٢٦٥).
- يحسن الرجوع إلى موضوع الطواف بالبيت العتيق)، ص (۷۸).
- رواه مسلم رقم (٢٦٨٧).
- يحسن الرجوع إلى موضوع السعي بين الصفا والمروة) ص (۱۰۳).
أكتب تعليقك هتا