الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا
الحج عّرّفة، هكذا قال النبيّ الأعظم، وهو أي الوقوف بعرفة الركن الرئيس في الحج، ولا حجَّ لمن أهمله، تركه بلا رخصة، والأمر فصَّله الفقهاء.
والعيد هو العاشر من ذي الحجة، فيه يتحلل الحاج التحلل الأولي الأصغر، ويرمي الجمار و ..... الخ، وفيه تُنْحَـــر الأضاحي من الأنعام ( الشاء والماعز والبقر والإبل) ولا يقبل غيرها من البهائم ، ويجب أن تتوفر فيها صفات الكمال الجسدي فلا يُضحّى بالعوراء ولا العجفاء ولا الهزيلة القميئة الشكل ولا العرجاء ، ويجب أن تكون الأضحية ثنيّةً ، عمرها محدد حسب النصوص الفقهية ، وإنْ أجاز الفقهاء المعاصرون التضحية بالحيوان التام الذي اكتمل جسمه وفاقَ على من في مثل سنه من ذوات الأعمار المطلوبة شرعا ً .
والدليل أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أجاز الخروف فيما لو أتم ستة الأشهر ووُضِـع بين أبناء السنة ففاقهم ، وعليه رأوا التضحية بالعجل الهولندي ولولم يبلغ ثلاث السنوات، إن كان وزنه كبيرا ً.
ونحن نميل الى هذا وقد كتبنا بحثا فقهيا مفصّـلا في هذا الموضوع، نشرناه في مجلة نهج الإسلام الدمشقية قبل سنوات، وذكرنا فيه أن الشارع أوجب أن يتم البقر ثلاث سنين، والملاحظ أن هناك عجولا عمرها سنة ونصف وقد بلغ وزنها الطن من الكيلوات، في حين أن عجولاً بلغت الثلاث، ولم يصل وزنها إلى ثلاثمئة كيلوجراماً .
فكيف نجيز هذا ولا نجيز هذا، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الأضحية نُسك يقصد منه اللحم والتوسعة على العائلة والفقراء ؟؟!!
وفي وقفة عرفات قبل العيد ومع ارتفاع أصوات المكبّرين يختلط على كثيرين اسم عرفات، منهم من يقول (عرفات بصيغة الجمع) ومنهم من يقول (عّرّفّـة بالإفراد) فما الحكم الجذوري في هذا؟؟؟
عَرفات بالتحريك، وهو واحد في لفظ الجمع كما جاء في معجم البلدان (ج4/ 104) وقال الأخفش اللغوي النحوي المشهور: إنما صُرفلأن التاء صارت بمنزلة الياء والواو في ( مسلمين) لا أنه تذكيره، وصار التنوين بمنزلة النون، فلما سُمّي به ترك على حاله، وكذلك القول في ( أذرعات و عانات) ، وقال الفرّاء:
عرفات لا واحد لها بصحّة، وقول العامة اليوم (عرفة) مُوَلَّـدٌ ليس بعربيّ محض ، ونرى أن الفصاحة في ( أذرعات وعرفات) هي الصرف، ودليلنا قول امرئ القيس شيخ شعراء الجاهلية وممن يُستشهد بهم دون اعتراض:
تَنَوّرْتُـهـا من أذرعاتٍ وأهلـهـا***بيثربَأدنىدارهانظرٌعالي
لاحظ أيها القارئ الفاضل كيف نوّن( أذرعات) وهي نظيرة ( عرفات) !
وقال بعضهم: عرفات للمكان، وعرفة للزمان.
وقيل في سبب التسمية أن جبريل عليه السلام عرَّف سيدنا إبراهيم عليه السلام المناسك، فلما وصل عرفة قال له: عرفت؟ قال: نعم. فسميت عرفة.
وقيل: بل سمّيت بذلك لأن آدم عليه السلام تعارف فيه على حوّاء عليها السلام بعد أنْ أهبطهما الله إلى الأرض من الجنة.
وقيل لأن الناس يعترفون يوم عرفة بذنوبهم، وقيل غير ذلك والله أعلم.
ومن أسماء ارض عرفات : بُساق وجبل الرحمة والعِرْف أي الصبر وغيره.
ونُسِب إلى عرفات من الرواة زنفل بن شداد العرفي وكان يسكنها.
ومن الذكريات الجذورية حول عرفات ما رُوِي أن سعيدا بن المسيّب (1) مرَّ في بعض أزقة مكة فسمع منشداً بدار العاص بن وائل يغني:
تضوّع مسكاً بطنُ نعمانَ إذْ مشتْ *** به زينبٌ في نســـــوةٍ عـطــراتِ
وقرأتها في روايةٍ أخرى ( خفرات/ أي حييات ) وأراه أنسب للمقام .
وهي قصيدة مشهورة، فضرب سعيد برجله الأرض وقال:
هذا والله مما يلذُّ سماعه !!! وفيها:
وليست كأخرى أوسعت جيب درعـهـا*** وأبدتْ بنـــان الكفِّ للجمــراتِ
وحـلَّتْ بنان المسك وحفـــا مرجّــلا ً *** على مثل بـدْرٍ لاح في الظلماتِ
وقامت تراءى يوم جمـــــعٍ فأفتنت *** برؤيتهــا من راح من عرفــاتِ
وعن سعيد أيضا أنه رأى سيدةً جميلة تهاونت في حجابها في عرفات، فقال:
تعالوا ندعُ الله ألا يعذّب هذا الوجــه !!!
ويروى أنها عادت بعد قليلٍ وقد تحجبت واحتشمت .
وفي الختام نتمنى لمدير عام وكالة أخبار المرأة الأستاذ محمد كريزم حجا مبرورا وكل عام وأنتم بخير والوكالة بخير وسؤدد وتقدم دائم والله الموفق.
أكتب تعليقك هتا