- أن تجرد الحاج والمعتمر من المخيط، ولبسه الإزار والرداء يذكره بلبس أكفانه عند الموت، وتجرده من كل شيء في هذه الحياة الدنيا، وإقباله على ربه جل وعلا يوم القيامة وحيدا فريدًا.
ولعل من الموافقات والتشابه بين الإزار والرداء وأكفان الميت أن الله جل وعلا بدأ سورة الحج بالحديث عن يوم القيامة وأهوالها، قال تعالى: ﴿ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحج : ١].
فلعل هذا - والله أعلم - مما يبين نوع الترابط بين الحج ومشاهده القيامة ومشاهدها (۱) ، فإن كان الموت ولبس الأكفان هو بداية (2)، قيامة كل إنسان، فالإحرام بالتجرد من المخيط ولبس الإزار والرداء بداية مشاعر الحج والعمرة وفي هذا تناسب وترابط والله تعالى أعلم.
وإن كان الميت يُجرد من ملابسه ويُلبس أكفانه، ويقبل على ربه جل وعلا؛ فإن الحاج والمعتمر هو من يتجرد من ثيابه، ويلبس إزاره ورداءه، ويقبل على ربه جل وعلا.
وما سيلاقي أمامه من القيامة وأهوالها، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَرَى وَمَا هُم بِسُكَرَىٰ وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: ٢].
وكلما زاد إيمان العبد بما سيلاقيه أمامه أوصله ذلك إلى درجة اليقين، وذلك بأن يصبح ما يؤمن به من الغيب كالشهادة، كما قال حنظلة الأسَيَّدي الله نكون عند رسول الله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» يذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين) (4).
قال سفيان الثوري رحمه الله: (لو أن اليقين استقر في القلب كما ينبغي لطار فرحًا وحزنًا وشوقاً إلى الجنة، أو خوفًا من النار) (5).
قال: رأيتهما بعيني رسول الله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم»، ورؤيتي لهما بعينيه أوثق عندي من رؤيتي لهما بعيني، فإن بصري قد يخطئ بخلاف بصر رسول الله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم». (6)
واليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وإذا تزوج الصبر باليقين ولد بينهما حصول الإمامة في الدين، قال تعالى وبقوله يهتدي المهتدون:﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَبِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِايَتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: ٢٤].
فـاليقين» روح أعمال القلوب التي هي أرواح أعمال الجوارح، وهي حقيقة الصديقية، وهو قطب هذا الشأن الذي عليه مداره ومتى وصل اليقين» إلى القلب امتلأ نورا وإشراقًا، وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط، وهم وغم، فامتلأ محبة الله، وخوفًا منه ورضی به وشكرًا له، وتوكلا عليه وإنابة إليه، فهو مادة جميع المقامات والحامل لها) (6).
ويزداد الأمر سوءًا إذا اقترن مع الغفلة شبهة، وذلك بأن كثيرًا ممن استمرأ بعض المعاصي وصارت عادة له وطبعا، إذا ما ذكرته بتقصيره في جنب الله جل وعلا، وذكرته بما سيلاقي أمامه وأنها حقائق ستمر على كل إنسان ذكرًا كان أو أنثى، مسلما كان أو كافرًا؛ اعتذر لنفسه بشبهة : ( أنه يحسن الظن بالله ، ويرجو غفران ذنوبه).
وما علم هذا أن حسن الظن بالله وصدق رجائه جل وعلا لا يكون إلا مع إحسان العمل، قال تعالى: ﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَلِحَا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: ١١٠]. وقال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف:١٥٦]
فالعبد يحسن العمل ويرجو القبول والثواب عليه، وإن وقع في الخطأ والزلل تاب واستغفر ورجى قبول التوبة والغفران.
المراجع:
أكتب تعليقك هتا