منذ اللحظة الأولى التي فقدت فيها وعيك
و أغلقَ المرض عيناك رغماً عنك
و اختارك ربي ان تكون تحت رحمته بين أيدي ملائكته
على فراش ازرق بين الأطباء و الأجهزة
لم تجفّ المُقل من شدّة البكاء و لم يتوقف الفؤاد لك عن الدعاء
آه و كم من الآهات لا تصف وجع و حجم الإفتقاد
و الأنّات لا تشفي غليل صبري و اجتياح الحرمانِ
ما أوجع غيابك يا ابي و ما اقساه
و ما ابشع هذا النور الذي تراهُ عيناي ظلاماً دامساً
ما اكرهُ اللحظات دون قربك و جنونك و فوضى حماسك
و الدقائق التي تمر بالخوف و الحيرة و التعب
و كل الأوقات ليست لها لون او طعم في بعدكَ
فَقَدَ كُل شيءٍ من حولي رونقه
و فقدتُ كُل شيء جميل بفقداني لكَ
غيابكَ غربة و وحشة و وحدة قاتمة
تتمزّقُ فيها الروح مابين افتقادي لحنانكَ و ذكرياتي معك
و دمعة تكسرني و اخرى تعيد املي بعودتكَ
و لو ان الأطباء اخبروني بأنكَ لن تعود
و الأمل بعودتك مفقود
و أننا لن نراكَ بيننا مرة اخرى حتى لو كانت الأخيرة يا أبي
و بأنك ستبقى بعيداً غائباً عن عالمنا و الوعي
اخبروني بأنكَ لن تراني ثانيةً إلى الأبدِ
لتخبرني بأنَ شعري الأشقر قبيح
و مكياجي كثيف و كعبي عالٍ و فستاني قصير
أخبروني الأطباء بأنكَ لن تفتح عيناك الى الأبد
لكنني قلتُ بأنكَ ستخذلهم
لم أكُن بأن القدر اقوى مني و منكَ
لذلك كنتُ راضيةً حين اختاركَ ربي لتكون بجوارهِ
و ادركت بأنكَ محظوظ بلطفهِ و كرمهِ و رحمته
لم و لن انساك في تلك اللحظات كما ظننتَ يا أبي
و سأظلّ اعانقكَ بقلبي و دعائي
حتى و ان طال غيابك و الوعي
و احكي لكَ الحكايات عند مسمعك
سأخبرك كل يوم بأنني احبك و اشتاق اليكَ
و بأن الامل بعودتك ليس امراً صعباً على الذي خلقك
لن ابتعد عنك و سأنتظرك تعود لي
حتى تعانقني و تمسحُ دمعتي
أعلم بأنك تشعرُ بي الآن و اعلمُ بأنك تسمعني
و ادرك تماما بأنكَ لن تتركني
لأن الوقت لم يحن بعد لرحيلُكَ عني
و لأنني احتاج لرضاكَ و حُبكِ يغمراني
انا لم اكتفي بعد من قسوتك و حنانك و شقاوتك يا ابي
انتَ الأنسان الذي يسكنني و احيا بهِ
اريدك ان تعرف و تتيقن بأنني أحبك كثيراً
بحجم بكائي و اضعاف الأضعاف
و سأظل اتضرعُ الى الله ان يمنُّ عليكَ بالعافية
و يطهّرُ بدنكَ من كل الأمراض و الأوجاعِ
و سأتوسلُ إليهِ ان يرحمك و يلطف بِكَ
و يعيد رونق الحياة في قلوبنا بعودتِكَ ...
رسالة كتبتها للحبيب والدي ظننتُ بأنهُ سيقرأها يوما ماً
و سيخبرني بأنني صاحبة قلم رائع كما كان يخبرني دوماً
لكنهُ الآن رحل و انطفأ سنا الفرحِ و خيّم الظلامِ
لم يعُد هناك معنى للأنتظارِ
فقدتُ صبري و انغمرت الروح في الجزعِ
و لن اطلب السلوان من غيركَ يا ربي
اقدم اعتذاري للجميع ان كانت تلك الرسالة قلّبت جراحكم
و كانت سبب في هطول دموعكم
احياناً نحتاج لجرعات البوح و الفضفضة
حتى نتقاسم كُل المشاعر بيننا بحلوها و مُرِّها
و ان نسيتم وجع افتقادي
اتمنى ان لا يكون لوالدي نصيبٌ من النسيانِ
فأذكروه بدعوة صادقة من قلوبكم المليئة بالحُب ..
أكتب تعليقك هتا