ستخلق منه مشروع كاتب عظيم أو مؤلف خطير او حتى مدوّن خارق
و ربما روائي من كوكب آخر؟
لن نختلف حاليا بأن داخل كل إنسان مساحة مضيئة بالألهام و مفعمة بالأفكار المختلفة
و تنتظر منه ان يفرغها بكل قواته الحبرية و الفكرية و بلغة خاصة به تحمل بصماتهِ
لكننا سنختلف كثيراً عندما يحاول أحدهم أن يتصنع التأليف
ويجتهد بكل قوته ليغرس نفسهِ في مجال الكتابة مع الإفتراض بأن ميوله ليست كتابية او تأليفية
و مع ذلك يريد ان يدخله من اوسع ابوابه المضادة امام غريزة الموهبة التي بداخله
ولا يدرك بخطورة جهلهِ لوجهته و توجهاته التي ترغم بوصلة غايته على خذلانه
لا يدركون هؤلاء بأن للقلم مخاضه و ألمه و ولادة عسيرة
لايتحملها سوى اللذين أعتادت بطونهم على حمل أجنة تكون دائماً في إنتظار ولادة كلماتهم
و على استعداد تام لمواجهة علقم الحياة و مُرّها و عذوبتها في آنٍ واحدٍ.
لنعتبر بأنكَ الشخص الراغب في انتحالهِ لموهبة غير التي بداخله " كالكتابة مثلاً "
حين تفكر في إصدار كتاب يجب ان تبحثُ عن مسار النهر الخصب الذي بداخلك
حتى لا تنثر بذورك في ارض قاحِلة لا تثمر فيها احرفك
و عليكَ ان تتحمل عناء توضيب بعثرة افكارك المُتضاربة ببعضها
كذلك لُب الرسالة الموجهة بداخله للقراء
و الأهم من هذا كُله ان تكون واعياً لشق طريق قلمك
في المجال الذي يرغب بهِ إلهامك و ليس شيء آخر
ولابد ايضاً ان تصقل مفرداتك بأسلوبٍ يليقُ بجودة كتاباتك
قبل أن تكتب اسمك على غلافه لتتباهى بهِ بالخط العريض
فنحن أمة خلقت لتكتب و تقرأ لا لتملأ رفوف المكتبات فحسب
بكتب أُصدرت فقط لأن صاحبها كان مهوساً
بأن يصبح نسخة طبق الأصل عن الكاتب الكبير على الساحات الثقافية.
الصعوبة ليست في ممارسة الطقوس الكتابية المتعارف عليها البعض
مثلاً ان تنكّبُ على ورقٍ و تمسك القلم و تشرب كوب قهوة شديدة السواد
حتى تدوّن ما تشعر بهِ أو تفصح عن آراء تعج بداخلك
بل المشكلة هي هل تستحق آرائك أن تُكتَب؟
و هل ما كتبتهُ يستحق أن يُعرض لِيُقرأ على الملأ ؟
في الواقع ان كُل ما بجعبة قلوبنا من مشاعر و عقولنا من أفكار
قد تكون مُهمة و تستحق ان تتقاسمها مع عقول الآخرين
فكُن أنت موجهاً لقلمكَ وناقداً لألهامكَ و بوصلة لأفكارك
و أعترف لنفسك امامها قبل الورق هل انتَ فعلاً مشروع كاتب حقيقي
يمتلك ثروة أدبية أو ثقافية مفيدة لتتشارك بها مع القراء
ام انك ستصبح أقل مايقال عنه إضافة بلا جدوى لساحة الكُتّاب و المثقفين
وتزاحمهم من أجل إرضاء نزعتك التقليدية العمياء لهم؟
قبل ان تقرر ان تصبح كاتب عظيم كما تتمنى
انسى موضوع الشهرة و الأضواء و اسكب افكارك بأسهاب
فالكلمات لها كاريزما و هي التي تُخلّد أسم الكاتب في ذهن القراء
كُن انت مُنافساً شرسا لنفسك و ليس مقلداً ضعيفاً لغيرك
و كن ماسكاً لِخطك الذي قررتَ ان تُبدع فيهِ و اكتب ما تشاء
تذكر بأن هناك عالم ينتظر أن يلتهم وجبات غنية بما يفيده
ففكر جدياً ان تملأ دقائق الآخرين ببوحٍ عاصف و خاطف لأذهانهم
و أعد النظر قبل أن تقرر تدوين كلام خالي الوفاض
و تقوم بتغذية ثقافته بترهات عقيمة ليست إلا مضيعة لوقت القارئ
و لاتنجب له و لمجتمعه مايستفاد منه يبقي عقولهم متجمدة لا تذيبها سخونة مواضيعك.
قبل ان تقرر ان تتباهى بأنك ستصبح مشروع لكاتب عظيم
تذكّر بأن هناك فرق شاسع بين تصنع الفلسفة و التباهي بها
و بين عظمة الثقافة و تأثير نورها على كل ماحولك
و يجب ان تدرك بأن الفكر الذي لا يشبع من القراءة ويتغذى عليها
لن يعجز قلمه و قلبه و عقله في الوصول لأعلى قمم التألق بأبداعاته
في نثر ما يجول بخاطره فذلك سيبقيه محاربا و مكافحا
في شق طريقهِ نحو التنوع بالكتابة التي تضيف لأحاسيس الإنسان و تثريه
بلمحات ثقافية من ذهب ترسخ في ذهنه و تنميه.
و بما أن إختلاف الرأي لايفسد للود قضية ،
ارى ايضاً بأن هوس القراءة مختلف كُلياً عن شغف الكتابة
فأذا كُنت قارئ درجة أولى هذا لا يعني بأنك كاتب ذو خمس نجوم
فالكاتب الجاد يبتعد عن التخبطات
و يفقه تماماً أي طريق سيسلك من أجل صياغة احرفه بشكل منمق
لا يمنع ان يتغذى على المعرفة لينطق عقلهِ بِحكمه و يكتب بدم قلبه
قبل ان يطلق أجنحة قلمه تحلقّ في فضاء الكتابة
و هو الذي يتميز عن غيره بقوة اسهاماته و عظمة اختراقها قلوب القراء
حتى تكون قارئ إبحث عن ينابيع المعرفة و تغذية الفكر والذات
و اذا كنت تفكر في ان تصبح مشروع لكاتب مُحترف كُن جميع ماسبق ذكره .
أكتب تعليقك هتا