الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا
(إذا عشَّـر كشَّـر ) . والمعنى أنَّ الشهر الكريم إذا بلغ الثلُث فقد آذن بالرحيل (كشَّـر) . وتبدأ طقوس الوداع أحيانا في أول العشر الأواخر لا في الأُوَل .
هذه رسالةٌ نافعةٌ ماتعةٌ، موجِّهةٌ ناصِحةٌ، كتبها الإمامُ الجليلُ أبو الفرج عبدالرحمن بن علي المعروف بابن الجَوزي البغدادي، بمناسبة وداع شهر رمضان، هذا الشهر المبارك الذي أكرم اللهُ به الأُمَّة، وجعلَهُ موسمًا عظيمًا مِنْ مواسم الخيرات والبركات.
ولا أعلمُ أحدًا سبق ابنَ الجوزي إلى إفراد هذا الموضوع برسالة، لكني رأيت مَنْ ألَّف بعده فيه، وهو العلامة ابن الوزير (ت:840هـ) فله: «مثير الأحزان في وداع رمضان»(2).
ويجب أن نثبت هنا أنَّ علماً كابن الوزير (775-840هـ) –رحمه الله- (3) لم يستوف حقّه من الدراسة الواعية الشاملة لجوانب حياته وآثاره!! تلك الدراسة القائمة على السّبر والاستقصاء والتتبّع. هذا رغم ما لهذا الإمام من أهمية عظمى في التغيّرات الفكرية والعقدية في اليمن, فإنه وقف بقوّة وصلابة أمام الامتداد الزّيدي لمعتزلي, ناقضاً لمبانيه, داحضاً لشبهاته ومباغيه.
ثانيهما: تلك المدرسة الممتدّة للفكر الإصلاحي الذي اختطه ابن الوزير –رحمه الله- في تلك المنطقة, متمثلاً ذلك المنهج في نخبة من العلماء, لهم مواقف مسطورة, على تفاوت بينهم فمن مقلّ ومستكثر، وأبرزهم النهمي رفيق ابن الوزير ، وقد صنّف ابنَ الوزير كثيرٌ من المؤرخين في عداد الشيعة الزيدية ، وإنما هو عالم من علماء السنّة والدفاع عنها، وهو خطأ يقع فيه كيثرون في الخلط بين علماء الزيدية وعلماء السنّة الشافعية في اليمن نظرا للتداخل بين الفريقين والتسامح والبعد عن الجدل السلبي بين الفريقين عبر التاريخ المشترك ، ولم تكن السياسة قد أفسدت الجوَّ بين المذهبين حتى جاءت الثورة الخمينية التي أفسدت وخرَّبت كلَّ شيءٍ بين الفريقين إفساداً انتهى الى حربٍ ضروس وصراع دمويّ قاسٍ امتدّت آثاره إلى المنطقة كلها .
======حاشية :
- (1)-- ابن الجوزي، هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري. فقيه حنبلي محدث ومؤرخ ومتكلم (510هـ/1116م - 12 رمضان 597 هـ) ولد وتوفي في بغداد. حظي بشهرة واسعة، ومكانة كبيرة في الخطابة والوعظ والتصنيف، كما برز في كثير من العلوم والفنون. يعود نسبه إلى محمد بن أبي بكر الصديق.
- عرف بابن الجوزي لشجرة جوز كانت في داره ببلدة واسط، ولم تكن بالبلدة شجرة جوز سواها، وقيل: نسبة إلى "فرضة الجوز" وهي مرفأ نهر البصرة.
- (2)-وهذا الكتاب يختلف عن كتاب مثير الاحزان للشيخ الشيعي ابن نما الحلي .
- (3)- هذا الإمام هو أحد الأعلام حقًا والمحررين صدقًا والمجتهدين عدلا لا لغوًا، قال فيه الشوكاني -رحمه الله- في البدر الطالع :
- صاحب الترجمة هو الإمام الكبير المجتهد المطلق المعروف بابن الوزير ولد في شهر رجب سنة 775 خمس وسبعين وسبعمائة..تبحر في جميع العلوم وفاق الأقران واشتهر صيته وبعد ذكره وطار علمه في الأقطار ومن رام أن يعرف حاله ومقدار علمه فعليه بمطالعة مصنفاته فإنها شاهدٌ عدلٌ على علو طبقته فإنَّه يسرد في المسألة الواحدة من الوجوه ما يُبهر لب مطالعه ويعرفه بقصر باعه بالنسبة إلى علم هذا الإمام كما يفعله في العواصم والقواصم.. ، وهو في أربعة مجلدات يشتمل على فوائد في أنواع من العلوم لا توجد في شيء من الكتب ولو خرج هذا الكتاب إلى غير الديار اليمنية لكان من مفاخر ومن مصنفاته ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان وهو كتاب في غاية الإفادة والإجادة على أسلوب مخترع لا يقدر على مثله إلا مثله ومنها كتاب الروض الباسم في مجلد اختصره من العواصم وكتاب ايثار الحق على الخلق وهو غريب الأسلوب مفيد في بابه وله كتاب جمعه في التفسير النبوى ومنها مؤلف في مدح العزبة والعزلة ومؤلف في الرد على المعرى سماه نصر الأعيان على شر العميان وله كتاب البرهان القاطع في معرفة الصانع وله كتاب التنقيح في علوم الحديث وله مؤلفات غير هذه أبرزها ما ذكرناه آنفا في وداع شهر رمضان الكريم . وكانت وفاته في سابع وعشرين شهر محرم سنة 840 أربعين وثمان مائة .
أكتب تعليقك هتا