ونتابع ما بدأتاه في الأسبوع المنصرم ، ونكتب اليوم فيه :
عن المرض والتمارض: فالمَرَضُ مُحَرَّكَةً وإِنَّما لم يَضْبُطْه بعضهم فإنّما لشُهْرَتِهِ : هو إِظْلامُ الطَّبيعَةِ واضْطِرابُها بعدَ صَفائِها واعْتِدالِهـــــا ، كما في العباب وهو قَوْلُ ابنِ الأَعْرَابيّ . وقال ابنُ دُرَيْدٍ : المَرَضُ : السُّقمُ وهو نَقيضُ الصِّحَّةِ يكــونُ للبشر والحيوان، وهو اسمٌ للجنسِ . قالَ سِيبَوَيْه : المَرَضُ من المصادرِ المجموعَـــــــةِ كالشَّغْلِ والعَقْلِ ، قالوا : أَمراضٌ وأَشغالٌ وعُقُولٌ . مَرِضَ فلانٌ كفَرِحَ مَرَضــــــــــاً بالتَّحْريكِ ومَرْضاً بالسُّكونِ (للراء) فهو مَرِضٌ ككَتِفٍ ومَرِيضٌ ومَارِضٌ والأُنْثــــى مَرِيضَةٌ . وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ لسلامَةَ بنِ عُبادَةَ الجَعْدِيّ شاهداً عَلَى مَارِضٍ :
يُرِينَنَا ذا اليَسَرِ القَوارِضِ *** لَيْسَ بمَهْزولٍ ولا بمَارِضِ
وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: يُجمعُ المَرِيضُ مَرْضى ومَرَاضَى مِثْلُ جَريحٍ وجَرْحى وجراحى . أَو المَرْضُ بالفَتْحِ للقَلْبِ خاصَّةً . قالَ أَبو إسحاقَ : يُقَالُ : المَرَضُ والسُّقُم في البَدَن والدِّينِ جَميعاً كما يُقَالُ: الصِّحَّة في البَدَنِ والدِّينِ جميعاً. والمَرَضُ في القلبِ يصلُحُ لكُلِّ مَا خرَجَ به الإِنسانُ عن الصِّحَّةِ والدِّينِ . وبالتَّحريك أَو كِلاهُما : الشَّكُّ والنِّفاقُ وضَعْفُ اليَقينِ وبه فُسِّرَ قَوْله تَعَالَى في صفات المنافقين : ( في قُلُوبِهِـــــــمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) سورة البقرة /10 أَي شكٌّ ونِفاقٌ . وقال أَبو عُبَيْدَةَ : أَي شكٌّ . ويُقَالُ : قلبٌ مَرِيضٌ من العَدَاوَةِ وهو النِّفاقُ . قالَ ابنُ دُرَيْدٍ : وحدَّثنا أَبو حاتمٍ عن الأَصْمَعِيّ أَنَّهُ قالَ : قرأْتُ عَلَى أَبي عَمْرو بنِ العلاءِ " وفي قُلوبِهِمْ مَرَضٌ " فقالَ لي : مَرْضٌ يا غُلامُ . والمَرَضُ : الفُتـــــــورُ .
والمَرَضُ : الظُّلمَةُ عن ابنِ الأَعْرَابيّ وبه فُسِّرَ قَوْله تَعَالَى " فيَطْمَعَ الَّذي في قَلْبِه مَرَضٌ " أَي ظُلْمَةٌ وقيلَ : فُتورٌ عمَّا أُمرَ به ونُهِيَ عنه . ويُقَالُ : حُبُّ الزِّنا . وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابيّ كما في التَّكْمِلَة وفي العُبَاب أَنشَدَ ابنُ كَيْسانَ لأَبي حَيَّــــــةَ النُّميْريّ :
ولَيْلَةٍ مَرِضَتْ من كُلِّ ناحِيَةٍ *** فلا يُضيءُ لها نَجْمٌ ولا قَمَرُ
أما التمارض (تفاعــل) من (م ر ض ) فجاء فيه (التمارض في الجذور، معناه وحكمه الشرعي) كالتالي :
والتمارض : يعني التظاهر بالمرض مع أن الحقيقة السلامة منه ، وهو من الكذب على الناس، ومن النفاق العملي الظاهر ، ولا يجوز للمسلم أن يتظاهر بأمر مخالف للحقيقة .
مثل أولئك الذين يتمارضون لاستدرار عطف الناس .
وتشتد الحرمة إذا تظاهر بهذا المرض للوصول إلى مراده بالكذب والحيلة والتزوير ، كحال أولئك العمال والموظفين الذين يتمارضون ليحصلوا على ما لا يستحقون من الأجازات أو التعويضات أو غيره ، وكلها يأكلها أصحابها سحتا نسأل الله السلامة والعافية .وهناك من يطلب من أصدقائه نشر خبر وفاته وهو على قيد الحياة والسبب يريد أن يستدرَّ عطف الناس ويلفت انتباههم نحوه وهو حرام أيضا .
أما ما يتناقله الناس من حديث يرفعونه لرسول الله ، ونصُّـه :
(لا تتمارضوا فتمرضوا ولا تحفروا قبوركم فتموتوا) فهو حديث ضعيف جدا.
ذكره ابن أبي حاتم في العلل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وقال عن أبيه منكر،
وأسنده الديلمي عن وهب بن قيس مرفوعا،
"العلل" (2/321(
وقال السخاوي رحمه الله في كتابه الجليل " المقاصد الحسنة" :
"أسنده الديلمي من جهة أبي حاتم الرازي : حدثنا عاصم بن إبراهيم ، عن المنذر بن النعمان ، عن وهب بن قيس به مرفوعا . وعلى كل حال فالحديث لا يصح ، وإن وقع لبعض أصحابنا ، وأما الزيادة التي على ألسنة كثير من العامة فيه ، وهي : (فتموتوا فتدخلوا النار) فلا أصل لها أصلا" انتهى .
"ينظر : المقاصد الحسنة" (716(للسخاوي .
وخلاصة القول في هذا الحديث الشاهد :
"منكر ... وعلته محمد بن سليمان قال عنه الذهبي في "الميزان" : مجهول ، وانظر "الفوائد المجموعة" للشوكاني (262) ، "الأسرار المرفوعة" لملا علي القاري (590) .
وهكذا فالتمارض محرم لأنه كذب وتزوير وحيلة للوصول إلى ما ليس من حقِّ المتمارض وليس بسبب نصّ الحديث الشاهد ، ومن الجدير ذكره أنَّ المرض يبيح الفطر في رمضان أما التمارض فيؤثم صاحبه لو أفطــر ، والله أعلم .
أكتب تعليقك هتا