الإستعداد لشهر الصوم عادة توارثتها الأجيال في المجتمعات الإسلامية منذ أقدم العصور .
وهذه العادة المتجذرة سببها تمجيد الشهر العظيم وتقديسه ، فهو شهر القرآن الشريف ، شهر التوبة والمغفرة وتصفيد الشياطين ، والعودة الصادقــة إلى الله .
الأسرة تكون في انشغال وحركة دائـبــة ، وتشغلهــا أمور عِـدّة :
الصائمون الجدد في الأسرة .
شراء بعض المواد الغذائية .
تجهيز بعض الوسائل المساعدة على الاستيقاظ المبكر للسحور .
الاتفاق مع ( المسحراتي ) ليوقظهم في الموعد الذي يحددونه له .
الاتفاق مع الأرحام لتناوب تناول طعام الإفطار بين العائلات .
تحديد المسجد الذي ستؤدى فيه الصلوات ، وبالأخص صلاتي التراويح والفجـــر .
فالصائمون الجدد لهم التشجيع والتحفيز ، وتنتظرهم الهدايا القيّمــة .
أما المواد الغذائية المطلوبة ، فهي بحسب المستوى الإقتصادي لكل عائلة ، فطمــوح الأسرة الفقيرة لا يتعدى بضع ( لفَّـات ) من قمر الدين ، والتمر هندي والبطاطا وقديد بعض الخضراوات ( البندورة والكوسا والباذنجان .... ) ، وبعض الحبوب المعتادة .
أما الأسر الثريّــة فحدثْ ولا حرج .
ومن الوسائل المعينة على الاستيقاظ المبكر ، ساعة المنبِّـه المعروفة ذات الجرس الكبير من أعلاها ،
،والمسحراتي يتم اختياره والاتفاق معه أيضا ,يُعطى كل يوم شيئاً من الطعام ، وهو يجوب الطرقات والحارات ليلا بصوتٍ شجي :
يا نايم وحد الدايم ....
وتناوب الولائم عادة يقصد بها التواصل الأخلاقي وصلة الأرحام ، ويجب أن تحتوي مائدة الوليمة شيئا من اللحم ، وهو عادة ديك أو دجاجة ، أو شيء من لحم العجل أو الخروف ، والأسرة الثرية تذبح خروفا كل يوم ، وتهدي منه الأرحام .
أما المسجد ، فغالباٍ ما يكون واحداٍ في القريــة ولا مجال للإختيار ، وإنما يتم الاتفاق مع أحد العلماء الأجلاء لإعطاء درس ( محاضرة ) كلَّ يومٍ عصــرا ، يتحلق المصلُّـون حوله بخشوع ويقوم باختيار موضوع للدرس كل يوم يتناسب مع قداسة الشهر وجلالته ...
وقبل صلاة العشاء يتحلق المصلُّـون المبكِّرون في المسجد حول أحد العارفين ، الذي ينشد قصيدة البوصيري ( نهج البردة) وهم يرددون وراءه :
مولاي صــلِّ وسلِّمْ دائما أبداً *** على حبيبك خير الخلق كلِّــهـم
وفي المساء ، ترسل غالب العائلات وجبات طعام إلى المساجد ، وهذه الوجبات يتناول منها الفقير والغنيّ على حدٍّ سواء ، وهناك وجبات تُـرسَل إلى الجيران والأرحام والأصدقاء ، حتى أن الصائم يستطيع أن يعرف طعام جميع العائلات من خلال مائدتــه ، فعلى مائدته عيِّنات من طعام جميع الجيران
والأرحام والأصدقـــاء .
وفي رمضانات الشتاء حيث الليل يكون طويلا تتم الزيارات العائلية وصلة الأرحام والتواصل مع المجتمع ، ومن كان لديه فضل مال فيقوم بأداء العمرة ، استدلالاً بالحديث الشريف وهو أنَّ عمرة في رمضان تعدل حِجَّــــة !
وجرت العادة في حياة سلفنا الكريم على أن يجمعوا مبلغاً من المال في كلِّ يوم جمعة من المصلين في المسجد ، ينفِّذُ هذه المهمّــة أحد الثقات الصالحين ، وتوزع المبالغ على العائلات المستورة قبيل صباح عيد الفطر المبارك ، ويسمُّون عملهم ( جبر خاطر العائلات الفقيرة) ، وهم عادة ممن لا يسألون الناس إلحافـــاً ، وممن يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف .
وفي حياة أسلافنا كانت أيام رمضان أيام جـدٍّ وعمل ونشاط ، لا يعكرها النوم المكثف _ كما اليوم _ ولا تدنسها الوجبات الدسمة والإسراف في الموائد ، بل شعارها البساطــة في كل شيء .
لذلك كنا نخرج من رمضان ونحن في حال أحسن مما كنا عليه قبل حلوله ،
رمضان كان شهر الطاعة بامتياز ، ولم يكن شهر التبذير والإســراف والعصبية والغضب ، كان أحدنا يستقبل عصبية الطرف الآخــر بابتسامة عريضة قائلاً :
(( اللهم إنِّـــي صــائــم )) !!!
اللهم بلغنا رمضان وأعنّــا فيه على الصيام والقيام وحفظ الفرج واللسان ، وتقبله منا سالما من الأخطاء والذنوب والمعاصي ..
اللهم احفظنا وأعد علينا ليالي رمضان بالبركة وأيامه بالسلام والأمن والإيمان ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، والحمد للـــه ربِّ العالمين .
أكتب تعليقك هتا