الدكتور: أحمد عبد الفتاح عيسى - مصر
الشرخ العاطفى
تبقى جدران العاطفة التى تحيط بعلاقة الحبيبين متينة قوية راسخة لا تميل بها النوائب ولا تجتاحها عواصف التغير وطول الأمد حتى يصاب أحد هذه الجدران بشرخ عاطفى .....وعندها يحدث ما لم يخطر ببال الحبيبين !!
نعم الشرخ العاطفى الذى يؤكد أن البنيان قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار وعندها لن يهم من سبب هذا الشرخ ، أتدرى لماذا لن يهم معرفة من السبب ؟
لأنه وبكل بساطة إذا تمكن الشرخ فسوف تسقط جدران العلاقة العاطفية على من بداخلها ، على من يحتمى بها ، على الظالم والمظلوم كليهما دون تفرقة .
والغريب فى الأمر أنه عند ظهور الشرخ فى مرحلة بدائية تجد معالجة غير واعية للأمور ، تجد كل طرف من طرفى العلاقة حريصا كل الحرص على تبرئة ساحته من هذا الشرخ الذى أصاب أحد جدران العلاقة العاطفية ، بدلا من البحث فى أسباب علاج الشرخ حتى لا يتسع أو ينتقل إلى باقى جدران العلاقة العاطفية .
ولكن السؤال المُلّح الان هل من الممكن معرفة أعراض هذا الشرخ العاطفى ؟
نعم وبكل سهولة فالشرخ العاطفى مثله مثل أى شرخ نتعامل معه فى حياتنا المادية الملموسة ، لذلك فمن أهم أعراضه هو إطلاع الأخرين على أسرارك العاطفية بينك وبين حبيبك ، فمتى عرفت أن علاقاتكم وأسراركم أصبحت مجالا للمناقشة فى دوائر خارج دائرتك العاطفية فتأكد أن هناك شرخ عاطفى أصاب أحد الجدران الأربعة التى تحدثنا فى بداية جلساتنا عنها .
وهذا التسريب الذى طال أدق أسرار علاقاتك العاطفية كان وراءه ذلك الشرخ الذى انشغلتم عنه بصراعات نهايتها الهزيمة لطرفى العلاقة أتدرى لماذا ؟ لأن وقت الأزمات لا يكون هناك أي جدوى من البحث عن المتسبب لتحميله نتائج الوضع الراهن ، ولكن المجدى حينها هو الخروج من النفق المظلم الذى استدرجنا إليه ذلك الشرخ العاطفى بغض النظر عن المخطئ أو المتسبب فى حدوث هذا الشرخ
وألان جاء دور الحديث أن أهم الأسباب التى ممكن أن تؤدى إلى حدوث شرخ عاطفى فى أحد جدران علاقاتنا العاطفية .
إن المتأمل لكلمة "شرخ" يجدها مكونة من ثلاثة أحرف وكل حرف من هذه الحروف يشير إلى سبب خطير من أسباب هذا الشرخ على النحو الذى سأقوم بتوضيحه فى السطور التالية .
- السبب الأول حرف "ش" وهو يشير إلى كلمة "شرود" :
من أخطر الأسباب التى تؤدى إلى تباعد المسافات البينية بين الحبيبين هى تلك الحالة التى يسيطر على مزاجها ومشهدها الشرود .
وتحدث غالبا عندما تسيطر أحداث خارجية على ذهن أحد الحبيبين حتى تشغل كل وقته ، ولكن ليس هذا سببا رئيسيا فى سيطرة الشرود وطغيانه .
ولكن السبب الرئيسي هو عدم وجود الصراحة والشفافية ، نعم ليس عيبا أن نعبر عن عدم صفاء ذهننا وما يشغلنا حتى لا نجلس جلسات من المفترض أنها تقرب المسافات وتزيل الفجوات ، فنكتشف أنها زادت المسافات وكبرت الفجوات ، ولو كنا عبرنا للطرف الاخر عن طبيعة ما نمر به لكان تفهم وأجّل بدلا من الجلوس على مائدة الشرود ،فمن يجلس عليها لا يمكن أن يشبع !!
عندما يسيطر الشرود على المشهد والعلاقة العاطفية تجد الأعين تهرب والأفكار مشتتة والوجهات غير معلومة .
نعم تصبح وجهتنا العاطفية غير معلومة لأن الشرود الذهنى قد خطف الروح وترك الجسد حائرا بنظرات باهتة تدل على ضبابية المشهد ، ومن الطبيعى بعد كل هذه المؤشرات أن تصبح جلسة واحدة بهذا الشكل عاملا قويا لشرخ الجدار العاطفى .
- السبب الثانى حرف "ر" وهو يشير إلى كلمة "ركود" :
من الطبيعى بعد تمكن الشرود وعدم استيعاب طرفى العلاقة طبيعة المشهد المسيطر أن يتطور الأمر حتى يصل إلى مرحلة الركود !!
تُرى أى ركود هذا ؟
إنه ركود المشاعر تماما كما فى عالمنا عندما تنظر إلى مياه راكدة ، إن حركة المياه كفيلة بتنقيتها وطهارتها ولكن المشكلة إذا توقفت المياه عن الحركة .
أتعرف الفرق بين البحار والبرك ؟
الفرق هو أن مياه البحر متحركة مليئة بالطاقة والحيوية ولكن مياه البرك تجدها راكدة ، ولو أمعنت النظر فيها لوجدت الطحالب تعلوها والروائح الكريهة تنبعث منها فضلا عن البكتيريا والميكروبات فى حال قمنا بتحليل عينة منها .
وهذا ما يحدث تماما فى علاقاتنا العاطفية عندما تفتقد إلى التجدد والحيوية ، عندما لا ترتبط بمصدر دائم للنشاط ، عندما يغيب عنها التخطيط ، عندما يسيطر عليها جلد الذات وتبادل الإتهامات .
إن الركود قاتل بطئ وأهم أسباب الشرخ العاطفى ولكن هذا الركود لا يمكن أن يصيب إلا تلك العلاقات العاطفية التى ليس فيها صراحة وسيطرت عليها الضبابية ، لأنه وبكل بساطة متى تصارح الطرفان استطاعا أن يحددا الوقت المناسب لعلاج الشرود ويليه الركود ، وأقول لكم وبكل قوة أنه لو وُجدت الصراحة لما استطاع الشرود للعلاقة العاطفية سبيلا .
- السبب الثالث حرف "خ" وهو يشير إلى كلمة "خفوت"
السبب الثالث لحدوث الشرخ العاطفى وهو حرف ال"خ" وهو أخر حرف فى كلمة "شرخ" وبه تكتمل الأسباب الثلاثة التى تعتبر من وجهة نظرى أخطر ثلاث أسباب تحدث شرخا عاطفيا فى جدران علاقاتنا ، وهذا الحرف يشير إلى كلمة خفوت وهى تعنى قلة الوهج وضعف النور ، نعم عندما يتمكن الشرود والركود من تلك العلاقة العاطفية يصبح المشهد معتما بعد خفوت ضوء الحب الذى كان ينعكس إشراقه على واجهات تلك العلاقة فتزداد بريقا ولمعانا .
وهذا الخفوت يظهر جليا فى ترديد كلمات الشكر والثناء بين الحبيبين ولكنها منزوعة العاطفة ، منزوعة الدسم ، أتدرى لماذا ؟
لأن الجدران العاطفية أصبحت مشروخة ولا يمكنها تحمل تلك الكلمات بنفس قوتها التى كانت عليها من قبل .
نعم بنفس قوتها التى كانت عليها فى بادئ العلاقة العاطفية ، عندما كانت أحرف الثناء تتسارع على لسان الشكر لتقتنص أى فضل تشكر عليه الطرف الأخر .
ولكنها الان أصبحت خافتة ذابلة بسبب غياب الروح عنها ، لأن الروح بعيدة فى واد سحيق أخذها وترك الجسد عاريا إلا من ثوب الشرود والذى ستر الجسد وغيب الروح فأصبحت حروف المحبة ماسخة .
طعم ومذاق أسأل الله أن لا يبتلى أى حبيب به لأنه يقلب الحياة رأسا على عقب ، لذلك عليكم بالصراحة وعدم تأجيلها فهى أولى جرعات العلاج لرأب أى صدع وترميم أى شرخ أصاب جدران علاقاتنا ....
أكتب تعليقك هتا