وكالة البيارق الإعلامية
أيها الناس .. إنَّ الله سبحانه وتعالى هو المنفردُ بالخلق والاختيار، كما قال تعالى {وَرَبّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ما كان لهم الخيرة} [القصص: 68]، فمن ذلك أنه فضل بعض البشر على بعض كالأنبياء والرسل، وفضل بعض الأزمان على بعض كشهر رمضان وعشر ذي الحجة ويوم عرفة ويوم الجمعة وليلة القدر، وفضل بعض الأمكنة على بعض كالمسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، وكل هذا بعلمه وحكمته جل وعلا.
بيت المقدس هو المسجد الأقصى([1]) في مدينة القدس، قال تعالى }سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله{ [الإسراء: 1], وسمي الأقصى بمعنى البعيد لبعد المسافة بينه وبين الكعبة، فلم يكن وراءه مسجدٌ آخر في الأرض، ويسمى بيت المقدس أي المطهِّر من الذنوب، والمطهَّر من الأصنام ونحوها.
فمن تلك الفضائل:
أولا: أنه ثاني مسجد وضع في الأرض
ثانيا: أنه قبلة المسلمين الأُولى
ثالثا: البشرى بفتحه
رابعا: البركة حوله
فهي أرض القداسة والبركة، لا تكاد تذكر في كتاب الله إلا مقرونة بوصف البركة أو القداسة، قال تعالى عن المسجد الأقصى: {سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} [الإسراء: 1]، وقال تعالى على لسان موسى عليه السلام: {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة..} [المائدة: 21], وهي “بيت المقدس” وما حولها، وقال تعالى حكاية عن الخليل إبراهيم عليه السلام في هجرته الأولى إلى بيت المقدس وبلاد الشام: {ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} [الأنبياء: 71]، وقال تعالى: {وأورثنا القوم الذين كانوا يُستَضْعَفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها} [الأعراف: 137], أي: وأورثنا بني إسرائيل الذين كانوا يُستَذَلُّون للخدمة مشارق الأرض ومغاربها وهي بلاد الشام التي باركنا فيها.
ومن بركته: أنه أفضل المساجد بعد الحرمين الشريفين.
ومما يدل على بركته وشرفه: ما جاء عن أبي ذر [رضي الله عنه] مرفوعا: “ليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه – أي حبل فرسه – من الأرض حيث يَرى منه بيتَ المقدس خير له من الدنيا جميعاً”([8]).
وقال تعالى: }وجعلنا ابنَ مريم وأمّه آيةً وآويناهما إلى ربوةٍ ذات قرارٍ ومعينٍ{ [المؤمنون: 50]، قال الضحاك وقتادة: هو بيت المقدس، قال ابن كثير: وهو الأظهر ([10]). وقوله }ربوةٍ ذات قرارٍ ومعينٍ{ أي: مكان مرتفع من الأرض، مستوٍ للاستقرار عليه، فيه خصوبة وماء جار ظاهر للعيون .
خامسا: فضل الصلاة ومضاعفته
[صلى الله عليه وسلم]: «صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً». قال: أو قال: «خير له من الدنيا وما فيها»([11]).
وعن أبي الدرداء [رضي الله عنه] قال : قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة ([13]).
وسلم] قال: «لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثاً: حكماً يصادف حكمه، وملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، وألاّ يأتي هذا المسجدَ أحدٌ لا يريد إلاّ الصلاة فيه إلاّ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، فقال رسول الله
سادسا: استحباب زيارته وشد الرحال إليه
[رضي الله عنه] أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال: ” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا”([15]).
سابعا: الحث على المقام فيه
ثامنا: نزول عيسى ومقتل الدجال
الله عليه وسلم] حدثهم عن الدَّجَّالَ بحديث طويل، إلى أن قال: ” .. فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين – قال النووي: معناه لابس مهرودتين أي ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران – واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد من ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ([17]).
الخطبة الثانية:
تاسعا: الإسراء والمعراج.
عن أنس بن مالك [رضي الله عنه] أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال: ” أُتيتُ بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركبت حتى أتيت بيت المقدس، فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل عليه السلام: أصبت الفطرة، ثم عرج بنا إلى السماء ([19]).
ومن فضائل بيت المقدس: أن الله بشر زكريا بيحيى عليهما السلام فيه، وسخر الله لداود الجبال والطير في بيت المقدس، ويهلك الله يأجوج ومأجوج في بيت المقدس، وولد عيسى عليه السلام في المهد في بيت المقدس، ورفعه الله إلى السماء منها، وينزل من السماء فيها ليقتل المسيح الدجال.
فنسأل الله أن يطهر تلك الأرض المباركة المقدسة من رجس اليهود الذين دنسوها قبل أكثر من ستين سنة، وعاثوا فيها فسادا وخرابا، بمحاولة إحراقه وهدم أساساته، ونحن في هذه الأيام نتابع بألم يعتصر القلب ويقرح الكبد ما يفعلونه هناك من دمار وتخريب وقتل وتشريد وتجويع،
مصـــــــاب له الدنيا تقـــــــوم وتقعد *** له يتنزى الأمـــــس واليوم والغــــد
وشعب أسير أثخن الجرح صدره *** يمــــوج به طام من الخطب مزبد
فنسأله أن يخلصها من شرهم وبغيهم، وأن يرزقنا فيه صلاة قبل الممات.
ونسأل الله أن يهيئ لها من صالحي عباده من يقيم شرع الله ويحكم بكتابه في تلك الأرض المباركة، كما أخبر النبي [صلى الله عليه وسلم] بذلك فيما رواه أبو حوالة الأزدي [رضي الله عنه] قال: وضع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يده على رأسي أو على هامتي ثم قال: (يا ابن حوالة: إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة, فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك)([21]).
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد القهار، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله القوي الكبير المتعال، اللهم إنا نسألك يا مجري السحاب، يا منزل الكتاب، يا هازم الأحزاب، أن تهزم اليهود، وأن تردهم على أدبارهم صاغرين، اللهم زلزلهم، وألقي الرعب في قلوبهم، وشردهم، واجعلهم وأموالهم وأنفسهم غنيمةً للمسلمين، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً
- ([1]) وله أسماء أخرى منها: مسجد إيلياء، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 27/ 11 : “المسجد الأقصى اسم لجميع المسجد الذي بناه سليمان عليه السلام ..”.
- ([2]) رواه البخاري: (3366), ومسلم: (520).
- ([3]) ذكره ابن القيم في الزاد: (1/50).
- ([4]) رواه البخاري: (4492), ومسلم: (525).
- ([5]) رواه البخاري: (3176).
- ([6]) تفسير الطبري: (19/ 386).
- ([7]) إقتضاء الصراط المستقيم: (2/ 346).
- ([8]) رواه الحاكم: (8553), أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني في وصَحِيح التَّرْغِيبِ: (1179).
- ([9]) رواه البخاري: (1339), ومسلم: (2372).
- ([10]) تفسير ابن كثير: (5/477).
- ([11]) سبق تخريجه
أكتب تعليقك هتا