أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

ليست سوى ذكريات  الدكتورة : سناء أبو شرار - الأردن مدفأة قديمة، وفنجان قهوة مر، وذكريات كالغبار، كلما طُردت عادت من النافذة أو من الباب، وحياة كاملة تتحول لذكريات في كل دقيقة، ذكريات من صور تبعثرها الرياح ولا يبقى سوى عودة أبدية للخالق الواحد الأحد.  انتصار الواقع كلما ازدادت مساحة الوهم مقابل مساحة الواقع أوجدنا أعداءنا بأنفسنا ، فالواقع أبسط بكثير من الوهم ، الواقع له حلول كثيرة مهما كانت مشاكله ولكن الوهم لا حلول له لأنه هناك يربض صامتاً متجبراً عنيداً في نفس احتوته وضمته بكل رغبتها ببقائه لأنها اعتقدت أن الحياة مع الوهم أسهل من الحياة مع الواقع ، ولكن المشكلة هي أن الوهم لا يبقى بحجمه المتقوقع داخل النفس بل يمتد لمساحات تحتل الفكر والقلب ، وحين يسيطر على وجود من يحمله فلابد أن تحصل المواجهة ما بين الوهم والواقع ، ولابد أن ينتصر الواقع لأنه يحتل مساحة الوجود بأكمله بينما يحتل الوهم مساحة النفس فقط.  مطرٌ وفقر لا تفكر بفقرها ولا بثراء الآخرين إلا حين تتساقط الأمطار بغزارة وتهب الرياح الباردة وهي تقف على أحد الأرصفة بانتظار سيارة أجرة تقلها إلى بيتها، لا تمر السيارة المنشودة وتمر أمامها عشرات السيارات الفارهة المُدفأة والمنطلقة بأقصى سرعة لتُغرقها بالمزيد من المياه، في هذه اللحظات فقط تدرك وبكل واقعية الحياة الفرق بين الثراء والفقر.  الطلاق ليس كلمة فقط... يجلس بصمت، يراقب نوبات غضبها، يستمع لكلماتها الحادة، لا يرد ولا يستطيع أن يطلقها بسبب الأولاد، ولكنه يطلقها في عقله وقلبه كل يوم مائة مرة.  فرارٌ إلى الوهم لماذا نلوم من لم يعد يستطيع التحكم بالواقع ففر إلى الوهم؟ ألا ندرك بأن الوهم مركبه الصغير والوحيد نحو سعادةٍ ما، سعادة قابعة هناك قرب شاطئ بعيد، فلا المركب يصل ولا الشاطئ يقترب، فلماذا لا ندعه يجذف فلربما يصل قارب الوهم لمرفأ ما.  شوق شوق ينتظر اللقاء، وشوق ينطفئ بعد اللقاء، وشوق لا ينتظر اللقاء ولكنه جمرة في الصدر تطمرها الأيام، ثم تشتعل عند هبوب كل نسمة آتية من الشرق البعيد.  خطأ فظيع ...ولكن كل ما اردته هو شيء من الحب! _   _ولكنك اقترفت خطأً فظيعاً بإقامة هذه العلاقة...   _أنت تعتقدين بأنها خطأ، وأنا أرى بأنها مركب نجاه لنفس تكاد أن تغرق   _وهل الأخطاء تنقذنا من الموت؟  _لا تنقذنا من الموت، ولكنها تجعلنا ندرك كم اقتربنا من الموت، وحينها قد يدفعنا خوفنا إلى النهوض من جديد والإصرار على استعادة أنفاسنا التي كادت أن تذوي، فلا تحتقري الأخطاء كثيراً، لأنها قد تكون الطريق الأقصر نحو الصواب.  ليل ووحدة لا يوجد ثوب أجمل للوحدة من ليلٍ بارد، ترتديه بصمت وينساب كقطعة حريرية باردة على الروح والجسد، ولا تنسى ما كان ولا تتوقف عن التفكير بما سيكون، تنساب قطعة الليل الحريرية وحين يأتي الفجر تبدأ برؤية بريقها الشفاف وتدرك بأنها لم تكن وحدة، وأنه لم يكن ليل مظلم، بل رحلة في الوجود.  حين يكون الانسحاب بطولة كثيراً ما نمتدح المواجهة، ولا نحب كلمة انسحاب، ولكن في عالم تُقاس به القيم والمشاعر بالمادة، وفي عالم نبخل به بالكلمة الطيبة للآخرين بل حتى لذواتنا، يصبح الانسحاب قارب نجاة بل بطولة.                           قلاع من ذكريات هناك من يصرون على الشرب من البئر الآسن، بئر الذكريات التي أصبحت رماداً، بل ويجعلون منها قلاعاً يسكنونها حتى ولو تصدعت فوق رؤوسهم سوف يعيدون بناءها، إلى أن ينهاروا هم وقلاعهم المُرممة فيتلاشوا هم والذكريات التي عاشوا بها ولأجلها.  أحبك ولكنني أكذب قال لها بأنه يحبها، صدقته وقالت له بأنها تحبه، شعر بالزهو، لم يكن صادق وكانت هي صادقة ولكنها لم تغضب، بل ربما كانت ستغضب لو لم يقل لها بأنه يحبها حتى ولو كان يكذب؛ فما الفرق بين من يحب حقاً وبين من يدعي الحب، فكلاهما يبذل أفضل ما لديه كي يصدقه الآخر. وإن لم يموت الحب بسبب الكذب فهو قد يموت لأسباب أهون من الكذب؛ فالحب من أكثر المشاعر عمقاً وأكثرها هشاشة أيضاً، ولشعورنا اللاوعي بهشاشته نحيا دائماً في خوف من فقدانه، ونريد أن يؤكد لنا من نحب بأنه يحبنا في كل يوم، لأنه بمواجهة القلق من فقدانه قد نكتفي بكلمتين ليهدأ الخوف وربما ليستمر الوهم.  نداءٌ صامت أكثر الأصوات عمقاً هو الصوت الخافت، وأكثر الحاجات إلحاحاً هي الحاجة الصامتة، ونداء صامت يطلب شيء من الحب، وحين يغادر الصوت الخافت لعالم آخر أو يرحل لمكان آخر، نسمعه بوضوح ولكنه يكون قد توقف عن النداء.  ليس صدفة رأيته صدفة، وجدته صدفة، حصل صدفة، لا، ليس صدفة، فكل ما بهذا الكون هو من تدبير عليم حكيم مدبر، فأنتبه للرسائل التي يرسلها إليك في كل دقيقة وساعة وسنة وخلال عمرك كله، فلا شيء بهذا الكون يأتي صدفة.  الخيال حقيقة الحقيقة هي أن الخيال أجمل من الواقع، فهو من صنع أفكارنا، وهو شيء نروضه كما نرغب، وهو المهرب الأخير إلى الأمل وربما إلى الخلاص، وكل ما حققناه ليس إلا ذلك الخيال البعيد راودنا ولحقنا به بإصرار لنمتلكه، ولكن هل حين امتلكناه كان بجمال ما تخيلناه؟  اعتذار كتب لصديقه:  أنا أخجل من خطأي هذا، فأغفره لي كي أستطيع أن أنظر لنفسي في المرآة، مسامحتك لي تجعلني أقبل صورتي المشوهة، ونسيانك لخطأي تُعيد لي ما كنت أراه جميلاً، اخطأنا تشوه ملامحنا وتسمم قلوبنا، فالخطأ دائماً مشترك بين من أخطأ ومن تحمل النتيجة، لذلك يحمل الخطأ تجاه الآخرين دائماً جزء كبير من الغباء، ونحن حين نعتذر لا نرى خطأنا فقط بل غباءنا أيضاً حين اعتقدنا أننا أذكياء. فالذكاء الحقيقي هو ألا تحتاج إلى الاعتذار لأحد.  الخوف يجعلنا معاً  ندرك تماماً بأن كل منا سينتهي وحيداً بطريقة أو بأخرى حتى ولو كنا أحياناً معاً، ورغم ذلك نتشبث ببعضنا البعض ربما هروباً من هذه الحقيقة.

د. سناء أبو شرار - الأردن

الحياة المُؤجرة هي شبه الحياة
ولكنها جافة الجذور
مرة الثمار

هناك من لا يعيشون حياتهم ولكنهم يعيشون شبة حياة، وكأنهم طوال حياتهم يسيرون بجانب جدار ملاصق لحياتهم، لا يفارقون الجدار ولا يعيشون في ذلك البيت الذي يُسمى حياتهم. إنهم رهنوا أوقاتهم وجهدهم وافكارهم لأجل الآخر أو ربما لأجل هدف مستحيل تحقيقه أو لحلم يقبع بين بسطات الأحلام المكتظة ببضائع الوهم والغدر والإحباط.

ولكن كيف يعرف الشخص أنه يعيش حياة حقيقية يمتلكها أو حياة مؤجرة، إنه نفس الشعور حين يعيش الإنسان في بيت ليس بيته، مهما فعل في ذلك البيت من تحسينات فهو ليس ملكه، وإذا أحدث به أضرار فهذا لا يعنيه، ويكره موعد دفع الإيجار، يعيش بهذا البيت ولكنه يعلم أنه ليس بيته، لأنه لا ينتمي إليه، فالشعور بالانتماء لا يكون إلا بامتلاك الشيء، أو الأرض.

هناك من يعيش حياة مؤجرة لأنها خاضعة لظروف فرضها عليه الطرف الاخر سواء عبر علاقة الزواج أو الأبوة أو الصداقة أو العمل، يسير في الحياة ويلبي متطلبات مفروضة عليه برغبة أو بدون رغبة، هناك من يستمر في الزواج لأنه لا يوجد حل آخر فيؤجر حياته إلى أن يأتي الحل الآخر، هناك من يؤجر حياته لخيانة قد تمنحه بعض الامتيازات ولكنه لا يدرك أن الخيانة هي بالأساس التخلي عن امتلاك الذات وهي أسوء من تأجير الحياة إنها عقد تنازل عن الذات.

فمن منا يستطيع فعلاً أن يمتلك حياته؟ فئة قليلة من البشر يمتلكون حياتهم وهم من تحرروا من وهم الآخر، واستطاعوا السيطرة على شهواتهم، وكبحوا جماح غضبهم، وأضعفوا تعلقهم بالآخر، وجعلوا قلوبهم مرتبطة بالخالق الباقي وأدركوا أن كل ما هو فانٍ لا يعول عليه، وأدركوا أن الحياة ليست سوى عبور نحو عالم آخر، فامتلكوا حياتهم وسكنوا بيوت يمتلكونها إن لم تكن من الحجارة فهي من اليقين بالله وأن كل شيء يتغير ويتبدل ولا يبقى إلا الله الواحد الأحد.

لم يؤجروا حياتهم للآخرين ولا لغاية ولا لطمع، لم يعيشوا حياة يراقبون بها حياة الآخرين التي تبدو أجمل من حياتهم، لم يمنحوا من حولهم أكثر مما يستحقوا، وأدركوا أنه حين نمنح من لا يستحق لا يُقدر بل يجحد المعروف. أن تؤجر حياتك هي أن يمتلكك الآخرون، وأن تمتلكك شهوات الدنيا، وأن تصبح ذليلاً باسم الحب، وأن تخنع بذريعة الحكمة، لذلك كان الإيمان العميق بالله تعالى هو ذروة الحرية، لأنه مع هذا الإيمان لا يوجد التعلق بالآخر ولا التهافت لأجل الشهوة ولا بيع الذات أو تأجيرها لأجل المال، لا توجد خيانة ولا غدر ولا نفس ضعيفة تحتقر ذاتها صباحاً وتكرهها مساءاً ولو امتلكت الملايين.

أولئك الذين امتلكوا حياتهم فمنحوها لله تعالى هم المالكون الحقيقيون وما عداهم ليسوا سوى مؤجرين أو مستأجرين في حياة تكتظ بالبيوت التي لا تلبث إلا أن تفرغ من مستأجريها ومن مالكيها.

تعليقات