الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا
ورجل بشع الفم: كريه ريحِ الفم، والأُنثى بالهاء، لا يتَخلَّلان ولا يَسْتاكانِ، والمصدر البشَعُ والبَشاعةُ، وقد بَشِع بشعاً وبَشاعة . وبَشِع الوادي بالماء بَشَعاً: ضاق.
قوله شأْس الهَبوط يقول : الأَسد إِذا أَكل أَكلاً شديداً وشَبع ، ترك من فَرِيسته شيئاً في الموضــع الذي يفْترِسها ، فإِذا انتهت الظباء إِلى ذلك الموضع لترد الماءَ فَزِعت من ذلك لمكان الأَسد ،
وقال ابن فارس في مقاييس اللغة : ويقال رجل بَشِعٌ وامرأةٌ بشِعة، وهو الكريهُ ريحِ الفمِ مِن أنّه لا يتخلَّلُ ولا يَسْتَاك ، أي لا يستعمل السواك وهو مظهر حضاري ينوب عنه حاليا فرشاة الأسنان ، وجاء في الحديث الشريف :" المسواك مطهرة للفم مرضاة للرب مجلاة للبصر " .
والطعام البَشِع الذي لا يَسُوغ في الحَلْق . قال ابنُ دُريد: البَشَع تَضَايُق الحَلْق بالطّعام الخَشِن . قال ابنُ الأعرابيّ : البَشِع الذي لا يَجُوز ، أي كل شيء محرّم فهو بَشِـع ٌ. يقال بَشِعَ الوَادِي بالناس ، إذا كَثُروا فيه حَتّى يَضِيقَ بهم . وأنشــد :
و"البُشْـعَةُ" مصطلح في القضاء البدوي معروف ، ومعناه أن تُحمى محماصة القهوة (*) حتى الاحمرار تقريبا على الفحم المشتعل ، ثم يُطلب من المتَّـهـم أن يقرِّبها من وجهه ويقوم بلحسها على هذا الشكل ، رأيتُها في أحد مجالس البدو ، وكان مجلسا مُعَدَّاً للقضاء والبتّ في مسألةٍ تخص العِـرْض ، فجيء بالمتهم وأُحميتْ محماصةُ القهوة بعد سؤالِه إن كان يقبل بالبُشْـعَـة أم لا ؟ فأعلن القبول وأعلن القاضي البَــدْءَ يتطبيق الحكم ، وقُرِّبت المحماصة بوهجها الحامي المثير للهلع ، ودلع المتهم لسانه ليلحس المحماصة فأعلن القاضي براءته فبل اللحس واندفع المتحاكمون الى بعضهم ، يهنئون بعضهم مبتهجين ببراءة الوغيث (1) (أو الوغيف ببعض اللهجات ) سابقاً ( المجرم) وهو الآن بريء تمامــاً . وقد قال لي القاضي البدوي : إنَّ مَنْ هَـمَّ باللحس فقد لحس ، ولو لحسها لكانت بردا وسلاما عليه لأنه بريء، ولو كان وغيثـاً لحرقت المحماصة وجهه !! ولو رفض المتهم عملية البشعة من أصلها لأعلن القاضي تجريمه ، والعملية تقوم على الترهيب وتُمارس في الجزيرة العربية ، وسائر الشام والعراق وسيناء ، ورأيت في تاريخ الطبري اشارة للمسألة .
غزا تُـبَّع بيت المقدس فسبى أولاد الأحبار ، وقَـدِمَ بهم اليمن ، وقد أعْجِبَ بفتيةٍ منهم فأدنــاهـم منه ، وأخبروه عن الله تعالى والدار الآخرة ، فأعجِب بهم وخاف قومه أن يُدخِلوه في دينهم فبلغه ذلك ، فأعلم الفتية فقالوا : " بيننا وبينهم النّـصَـف "... قالوا: وما هو ؟؟؟ قال : " النار تحرقُ الكاذبَ ويَـبْـرأُ فيها الصـادق ، لا تحرقه النار ولا تؤذيه أبدا ً ...
- هي طريقة من طرق التقاضى مألوفة لدى البدو ويلجؤون إليها لإظهار الجرم المنكَر وتوجد عائلات مخصوصة لذلك ولا يستطيع أى من البدو أن يكون مبشِّعاً ، المدعى هو الذى يطلب بشعة المدعى عليه فى أغلب الحالات وهو الذى يختار المبشع وخطوات البشعة.
- يُوضع محماص البن فى النار حتى يُصبح شديد الإحمرار .
- يُخرج المبشع المحماصة ثميفرك بها ذراعه ثلاث مرات لكى يؤكد أن النار لا تضر الأبرياء .
- يمد المحماصإلى الشخص المتهم ويقول له : " ابشع " .
- على المتهم أن يمد لسانه للحاضرينكى يريهم أن لسانه سليم وليميزوا حالة لسانه قبل البشعة وبعدهــا .
- يلحس المتهم المحماص ثلاث مرات وهو بيد المبشع ثم يتمضمض ببعض الماء وأكثر القضاة يكتفون بالمتهم أن يهمَّ باللحس فيعلنون براءته .
- إذا ظهر على لسانه أى أثر للنار قالوا " موغوف "أو " وغيث " أى مذنب وإلا فهو برىء
ومن أدبيات القضاء البدوي والعشائري البناء على الهَـمَّ والنية والقصد ، فإذا ما عزم المتهم على حلف اليمين ووقف موقف الحالف ، فإن الحضور يندفعون نحوه مباركين حلفه ولو لم يحلف ، فمَنْ هَـمَّ أن يحلف فقد حلف ، ويعامل معاملة الحالف ، ويعلن القاضي ذلك على المـلأ أي براءة ذمته و ساحته مما وُجِّـه إليه من اتهام عند اقتناعـه وهو يمثّل محكمة كاملة بانَّ المتهم بريء. وكل هذا بالطبع بناءً على قاعدة شرعية معروفة في الفقه الاسلامي وهي " البيّنةُ على من ادّعـى واليمينُ على مَنْ أنكَــر " ، ومن أدبيات القضاء لديهم أن المتهـم بريء حتى تثبت ادانته لدى قاضٍ عَـدْل ثقة ، ويسمونه " قاضي عشائري "وقضاؤه مبرم ، ويقبل النقاش اذا وجدت صور غامضة في المسـألة ، أو كان أحد أو كِلا المتخاصمين غائباً ووكيله لم يحسن أن يدلي بحجّـتـه . ومصطلحات أنظمة العرف القبلي ، يجهلها كثير من باحثي اليوم ، لكنها لا تزال راسخة في أذهان كبار السن من أبناء القبائل . و أنظمة العرف القبلي لها مشرّعون وهم شيوخ قبائل كبار ومعروفون . وهؤلاء إذا حكموا في واقعة ، ولم تقنع أحد الطرفين، فإنها تعرض على الخبراء، ويسمى ذلك (بالسومة)، فإن رأوا أنها صائبة أجازوها ، وإلا تمَّ تعديلها . تشابه محاكم الاستئناف والنقض ، و الحكم عادة يكون اما حكم رضى او حكم شدايد : و حكم الرضى يجبر المتنازعين على قبول ما يحكم به اهل العرف, و حكم الشدايد يرون فيه رأي القبائل الأخرى في الحكم و هل يواسونهم عليه أم لا ، وهي أمور تحتمل مجلدات .. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسـلّم ، وآخــــر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...
وكالة البيارق الإعلامية www.bayariq.net
bayariqmedia@gmail.com
المدير العام ورئيس التحرير
محمد توفيق أحمد كريزم