الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ لَمَّا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ قَالَ أَعُوذُ بِوَجْهِكَ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ قَالَ أَعُوذُ بِوَجْهِكَ فَلَمَّا نَزَلَتْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ قَالَ هَاتَانِ أَهْوَنُ أَوْ أَيْسر ،،،
قوله : باب في قول الله تعالى أو يلبسكم شيعا) ) و في حديث جابر في نزول قوله تعالى " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا " وقد ذكر شرحه مستوفى في تفسير سورة الأنعام ، ووجه مناسبته لما قبله أن ظهور بعض الأمة على عدوهم دون بعض يقتضي أن بينهم اختلافا حتى انفردت طائفة منهم بالوصف ، لأن غلبة الطائفة المذكورة إن كانت على الكفار ثبت المدعى ، وإن كانت على طائفة من هذه الأمة أيضا فهو أظهر في ثبوت الاختلاف فذكر بعده أصل وقوع الاختلاف وأنه صلى الله عليه وسلم كان يريد أن لا يقع فأعلمه الله تعالى أنه قضى بوقوعه ، وأن كل ما قدره لا سبيل إلى رفعه ، قال ابن بطال أجاب الله تعالى دعاء نبيه في عدم استئصال أمته بالعذاب ، ولم يجبه في أن لا يلبسهم شيعا ، أي فِـرَقاً مختلفين وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض أي بالحرب والقتل بسبب ذلك ، وإن كان ذلك من عذاب الله لكن أخف من الاستئصال وفيه للمؤمنين كفارة...
وأما قوله : " يلبسكم " فهو من قولك : " لبست عليه الأمر " إذا خلطت ، " فأنا ألبسه " . وإنما قلت إن ذلك كذلك ، لأنه لا خلاف بين القرأء في ذلك بكسر " الباء " ففي ذلك دليل بين على أنه من : " لبس يلبس " وذلك هو معنى الخلط . وإنما عنى بذلك : أو يخلطكم أهواء مختلفة وأحزابا مفترقة ...وابوجعفر هو الطبري شيخ المفسرين رحمه الله . ومن المفيد أن نذكر هنا أنَّ اللباس أمر فِطري جِـبِلِّي والعري ظاهرة غير طبيعية مرتبطة بالخطيئة ، فالله تعالى لما أسكن أبوينا " آدم وحواء" الجنة وأكلا من الشجرة بدت لهما سوءاتهما ، لا حظوا ارتباط العري بالخطيئة والسعي المباشر الجبلّي من الانسان لستر عورته ، قال تعالى في سورة " طـه "الآيتان 121و122: ((فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى .. ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ))
. ثانيا - الجذر ( ب س ل ) : وفيه قوله تعالى : ((وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون )) سورة الانعام\ 70 ، وقوله أن تبسل أي : لئلا . قال الضحاك ، عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن والسدي ،،:: تسلم .
فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ))
سورة الانعام \43 – 44
اليأس ثم القنوط ثم الابلاس ،، وكان سيدي الوالد رحمه الله ( الشيخ المفتي راشد الحريري ) يمثل لنا الابلاس بمثال رائع لا أنساه فيقول : شخص حكم بالاعدام فهو يائس من الحياة لكنه لم يقنط ، لديه بصيص امل بالعفو من الرئيس مثلا ، فاذا لم يحصل فهو قانط ، لكنه لم يبلس ، فاذا ما صُـدَّق حكم الاعدام من المفتي والرئيس وسيق الى الساحة الحمراء فهو مبلس ...
ولنلاحظ الجذور وما فيها من جدل لغوي وتناغم داخلي (( ديالكتيك )) حسب تعبير استاذنا الشيخ محمد عنبر رحمه الله - صاحب كتاب " جدلية الحرف العربي وفيزيائية الفكر والمادة " بالرغم من تباينها :
سـبـل : والاسبال ارخاء ، وروي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى مسبلا يديه ، لم يكتفهما ، وصلى متكتفا . وأخذ الامام مالك رحمه الله بالاسبال فالمالكي يرخي يديه في الصلاة مسـبلا ،،، والسبيل منهج وطريقة والسابلة الدرب ، وسَـبَّـلَ العقار أو الحائط أو المشروع جعله وقـفـاً لله تعالى ، فهو سبيل لا يباع ولا يورث بل ريعه يوقف في سبيل الله ...
وقد ذكر( ل س ب ) في كسب بالكاف أيضاً وضبط ( لسوب ) في الموضعين بوزن تنور ....ونلاحظ الجدل بين ( ل س ب ) و ( ب س ل ) فالاولى لسع ولدغ وامراض بينما الثانية سلامة ، ونلاحظ أن قلب المبنى افاد في قلب المعنى ليرسّـخ القاعدة اللغوية العربية " تتميز الاشياء بأضدادها " ،، وقانا الله واياكم من الابلاس واللسب والالباس الشِـيَعي وغيره من سلبٍ وبسلٍ واسبالٍ مع الخيلاء والتكبر البغيض ، وألزمنا الفطرة في اللباس والستر والاحتشام .. .. ،،،،،،،، هذا والله أعلم .. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ..
أكتب تعليقك هتا