الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا
التعريف :
يُعَـرَّف التيليباثي بانه ظاهرة توارد الخواطر او انتقالها بين مجموعتين او شخصين على نحو لا يزال مثيرا للنقاش والتحليل والتأويل.
وأول ما ظهر التخاطر " التيليباثي " كان على يد سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وارضاه ، وفي فكره وسلوكه ، من خلال الحدث التالي ملخصا :
كان يخطب في المدينة وقائد له اسمه " سارية بن زنيم " رضي الله عنه في معركة على الثغور في الشرق ، وفجأة قطع عمر خطبته وصاح :
: الجبل الجبلَ يا سارية الجبل " !
وتابع خطبته بعد هذا الانقطاع الوجيز ، وسأله الناس عن سرِّ ما قال وفعل ؟ فقال ؟
أوَ سمعتموها ؟ قالوا : نعم ...
فقال لهم : خُـيِّـلَ إليَّ أن الاعداء كانوا يهددون جيش سارية من وراء الجبل ....
ولما عاد سارية سُئل عن ذلك فقال : والله اننا سمعنا صوت عمر يومَ جُمُعة يحذرنا فانتبهنا ونجانا الله تعالى ، اذ أخذنا حذرنا وكان العدو يهددنا من وراء الجبل !!!
القصة ثابتة وللعلماء تأويلات مختلفة ونظريات فيزيائية وكيميائية ونفسية ومافوق نفسية في تحليلهـــا ! هذا والله أعلم ...
حاول البشر وضع نظريات عديدة لتفسير ظاهرة التخاطر لكن هذه النظريات
لم تنجح لأن التخاطر يتعدى الزمان والمكان ، وفسرت على انها موجات تنبعث من المخ شبيهة بموجات الراديو أو الموجات الكهرومغناطيسية ، ورغم الدراسات العديدة العميقة والمكثفة لظاهرة التخاطر إلا انها لم تخضع للإثبات العلمي عند بعضهم من غير المسلمين وهو ما ثبت خطله وخطؤه مؤخرا ، أما المسلمون فيرون فيها حقيقة ثابتة ، ويصنفون حادثة سارية بأنها من الكرامات العمرية ، والعلم المعاصر يقف بجانبهم كما سنرى .
ومن المعروف أن معظم حالات التخاطر تحدث تلقائياً ، خاصة في الأوقات العصيبة التي يتعرض فيها الحبيب أوالصديق أوالقريب لحادث أو شيء خطير وهنا يشعرالشخص البعيد بالخطرالذي يتعرض له الشخص الآخر كشعور الأم بوقوع حادث لابنها البعيد أو أن يحس انسان بقلق تجاه حبيب يتعرض لموقف قاس في مكان بعيد حيث تنتقل المعلومات بأشكال مختلفة وتكوّن أفكارا تأتي بصورة احلام أو رؤى حقيقية أو لربما هلوسات أو خيالات ذهنية أو كلمات تقفز فجأة إلى ذهن المتلقي ..
تفسير حديث لظاهرة التخاطر :
تذكر بعض الأبحاث ان الافكار تنتقل من المخ إلى باقي خلايا الجسم عن طريق موجات كهرومغناطيسية ثم تنتقل إلى الفضاء الخارجي ، بسرعة ستين ألف كم في الساعة حيث يتم استقبالها لدى الأشخاص الذين تكون موجات دماغهم متوافقة مع موجات دماغ المرسل، أي الذين تكون أرواحهم وأفكارهم على توافق كامل مهما بعدت المسافات فيحدث توارد وتزامن في الأفكار لدى الشخصين أي أن التخاطر يحدث بين المتحابين والأصدقاء المقربين ، الذين ينشغل بعضهم بأمر بعضهم الآخر انشغالا يملأ عليهم نفوسهم وحيّـزا عظيما من فكرهم واهتمامهم ، كما حدث مع سيدنا عمر وسارية بن زنيم ، الذي كان يبعد عنه أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتــرا ، ويحدث بين الأم وإبنها وبين التوائم ، وغير ذلك من العلاقات الحميمة، أي انه يتم عن طريق الحب والتعاطف هذا وقد تمكن العلماء من تصوير الموجات الكهرومغناطيسية التي تنقل الأفكار بين شخصين بعيدين في حالة حب عن طريق كاميرا خاصة وأظهرت الصور ان هالات الموجات الكهرومغناطيسية للشخصين المحبين تتداخل حتى تبدو هالة واحدة ..
وهذا التداخل التخاطري يذكر بما يُســمّى في الفيزياء بظاهرة التجاوب الكهرومغناطيسي ، وهو ما يفسر استقبال جهاز الراديو والرائي للموجات الصوتية الراديويــة حين تتوافق موجات الاستقبال مع ترددات الارســال ، وتوافق المزاج الفكري والاهتمامات النفسية بين التوائم والمتحابين يحلـِّق بهم عاليـا في فضاءات التخاطر ، وهو ما يُـعبّـر عنه بالأثر الشرعي المنسوب للمصطفى (عليه الصلاة والسلام) :
" الآرواح جنود مجنّـدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ".
اسناد الحديث الشريف :
وقد بحثت في اسناد الحديث فوجدته عند ابي داود وقال في التمييز : رواه الشيخان ، اي انه قطعي الثبوت ، لكني لم أره فيهما اي الصحيحين وهو من مرويات ابي داود باسناد حسن ، والحاكم ، ورواه البيهقي وقال : سألت ابا عبد الله الحاكم( صاحب المستدرك) عنه فقال : المؤمن والكافر لا يسكن قلبه الا الى شكله .. وفي سبب الورود للحديث شاهد عظيم أذكره للفائدة هنا :
عن عمرة قالت : كانت امرأة مكية بطالة تضحك النساء وتغني ، وكان في المدينة امرأة مثلها فقدمت المكية الى المدينة فلقيت مثيلتها فتعارفتـا ، فعجبت سيدتنا عائشة الصديقة من اتفاقهما , وضحكت ثم قالت :
" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الارواح جنود ..الحديث" .
وقال العجلوني ان للحديث شواهد ووقائع فلو دخل مؤمن مدينة او مجلسا فيه الف منافق ومؤمن لشمَّ رائحة المؤمن واتجه اليه ، وشاهده ايضا : " المرء على دين خليله " . كما يستشهدون بقصة لقاء بهرام العبدي وأويس (راجع حلية الاولياء للاصبهاني ، وكشف الخفاء للعجلوني 1 \ 111و112 ومسند ابي يعلى ، وسنن ابي داود وكتابنا الطرق الصوفية في حوران ) . .
ومن الشعر :
قال الشهاب بن أسعد التنوخي :
إن القلوب لأجنـاد مجنـَّــدةٌ ===قول الرسول فمن ذا فيه يختلف؟!
فما تعارف منها فهو مؤتلف ===ومــا تناكــر منهـا فهــو مختلف
وقال آخـــر :
بيني وبينك في المحبة نســبة==مستورة عن سرِّ هذا العالم
نحن اللذان تحاببت أرواحنا ==من قبل خلق الله طينة آدم
قلت : وهو المبالغة التي يحذر منها العلماء خوف الوقوع في شطحات منحرفي الصوفية ، أصحاب مقولة " حدثني قلبي عن ربي " وما عرف التاريخ مقولة أخطر منها ... والله أعلم .
وختاما نسأل الله السلامة في عقيدتنا والصلاح في أعمالنا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين ومقلديهم باحسان الى يوم الدين ..
وكتب :
د.محمد فتحي راشد الحريري
دبي في غرة رجب الحرام 1432 هـ
ملاحظــــــــــــة :
ـ وبالعودة الى الجذور : حديث ( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف). جاء من حديث أبي هريرة وعائشة وسلمان ... أما أبو هريرة فله عنه طريقان الأول ذكوان عنه.
قال مسلم في صحيحه ثنا قتيبة بن سعيد ثنا عبد العزيز- يعني ابن محمد- عن سهيل
عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( الأرواح جنود مجندة
فما تعارف.. الحديث . [ 6659]
وتابع حماد بن سلمة عبد العزيز بن محمد فقال أحمد في المسند( 10596) ثنا عبد الصمد والحسن بن موسى قالا ثنا حماد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. وبنفس هذا الطريق تابع عبد الأعلى بن حماد عبد الصمد والحسن ، قال ابن حبان في صحيحه( 6059) أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع قال ثنا عبد الأعلى بن حماد قال ثنا حماد بن سلمة به .
وخالف الجميع يزيد بن هارون فرواه عن حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة
بإسقاط أبيه ذكره أحمد في المسند( 7894) بزيادة في المتن بلفظ [ في إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا أو مائلا شك زيد.
وهذه الزيادة لاوجه لها فهي غير محفوظة حتى نجد لها شواهد. فبالجملة اختلف على حماد فعبد الصمد بن عبد الوارث وهو صدوق صالح الحديث والحسن بن موسى ثقة ثبث وعبد الأعلى بن حماد [ لابأس به] رووه عن حماد عن سهيل عن أبيه به بدون زيادة ويزيد بن هارون [ ثقة متقن من شيوخ أحمد] رواه عنه بإسقاط ذكوان وبالزيادة المذكورة آنفا ووجه الترجيح أن الوهم من حماد نفسه ليس ممن تحته فهو وإن كان ثقة فقد تغير بآخره والتغير أخف من الاختلاط . فالعهدة بإسقاط شيخ سهيل والزيادة في المتن من حماد نفسه والله أعلم لأنه يشق أن نلزم يزيد بن هارون الوهم فهو ثبث جدا ثم هو منقطع بين سهيل وأبي هريرة لم يدركه فطريق يزيد مرجوحة .
- الثاني يزيد بن الأصم عنه.
قال مسلم في صحيحه ( 6659) ثني زهير بن حرب ثنا كثير بن هشام ثنا جعفر بن برقان ثنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة بحديث يرفعه قال الناس معادن كمعادن الفضة والذهب خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا والأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) وتابع زيد بن أبي الزرقاء كثير بن هشام أخرجه أبو داود في السنن برقم ( 4833) من طريق هارون بن زيد به .
أخرجه البخاري في صحيحه معلقا (3336) قال قال الليث عن يحي بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ..الحديث قال ابن حجر وصله المصنف في الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح عن الليث . قلت ( أشرف برقم 900 من طريقين عن الليث). ثم قال البخاري وقال يحي بن أيوب ثني يحي بن سعيد بهذا . فقال الحافظ وصله الإسماعيلي من طريق سعيد بن أبي مريم عن يحي بن أيوب به . قلت ( أشرف وصله أيضا أبو يعلى برقم 4381 فقال ثنا يحي بن معين ثنا سعيد بن الحكم ثنا يحي بن أيوب قال ثني يحي بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمان قالت كان بمكة امرأة مزاحة فنزلت على امرأة مثلها فبلغ ذلك عائشة فقالت صدق حبي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الأرواح جنود مجندة .. الحديث .
أخرجه الطبراني في الكبير ( 9/207/8912) قال الهيثمي في المجمع (8/87) رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح .
- تنبيه نبه العلامة الألباني على أن ناسخ المعجم الكبير سقط منه رفع الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم فقد عزاه إليه مرفوعا الهيثمي في المجمع والسيوطي في الجامع الكبير الضعيفة ( 5527) .
أخرجه الحاكم في المستدرك برقم( 8297) من طريق الفضل بن موسى ثنا عبد الأعلى بن أبي المساور عن عكرمة عن الحارث بن عميرة قال قدمت من الشام إلى المدينة في طلب العلم فسمعت معاذ بن جبل يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتحابون
في الله لهم منابر من نور يوم القيامة يغبطهم الشهداء فأقمت معه فذكرت له الشام وأهلها وأشعارها فتجهز إلى الشام فخرجت معه فسمعته يقول لعمرو بن العاص لقد صحبت النبي صلى الله عليه وسلم وأنت أضل من حمار أهله فأصاب ابنه الطاعون وامرأته فماتا جميعا فحفر لهما قبرا واحدا فدفنا ثم رجعنا إلى معاذ وهو ثقيل فبكينا حوله فقال إن كنتم تبكون على العلم فهذا كتاب الله بين أظهركم فاتبعوه فإن أشكل عليكم شئ من تفسيره فعليكم بهؤلاء الثلاثة عويمر أبا الدرداء وابن أم عبد وسلمان الفارسي وإياكم وزلة العالم وجدال المنافقة فأقمت شهرا ثم خرجت إلى العراق فأتيت ابن مسعود فقال نعم الحي أهل الشام لولا أنهم يشهدون على أنفسهم بالتجاة قلت صدق معاذ قال وما قال قلت أوصاني بك وبعويمر أبا الدرداء وسلمان الفارسي وقال وإياكم وزلة العالم وجدال المنافق ثم تنحيت فقال لي يا بن أخي إنما كانت زلة مني فأقمت عنده شهرا ثم أتيت سلمان الفارسي فسمعته يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الأرواح جنود مجندة..فأقمت عنده شهرا يقسم الليل ويقسم النهار بينه وبين خادمه. قال الحاكم حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه. قلت بل ضعيف جدا عبد الأعلى بن أبي المساور متروك وكذبه ابن معين . ومن طريقه أخرجه الطبراني في الكبير ( 6/324) لكن بلفظ مختلف فلينظر القارئ الضعيفة رقم الحديث ( 5527) فقد خرجه الإمام الألباني وحكم على الحديث بأنه ضعيف جدا.
أكتب تعليقك هتا