الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا
(( ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ; ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا . وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا . فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار , وكان وعدا مفعولا . ثم رددنا لكم الكرة عليهم , وأمددناكم بأموال وبنين , وجعلناكم أكثر نفيرا . إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم , وإن أسأتم فلها . فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم , وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة , وليتبروا ما علوا تتبيرا . عسى ربكم أن يرحمكم , وإن عدتم عدنا , وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا .)) . ولذلك ورد اسم هذه السورة في كثير من كتب التفسير " سورة بني اسرائيل "...وهذه الحلقة من سيرة بني إسرائيل لا تذكر في القرآن إلا في هذه السورة . وهي تتضمن نهاية بني إسرائيل التي صاروا إليها ; ودالت دولتهم بها . وتكشف عن العلاقة المباشرة بين مصارع الأمم وفشو الفساد فيها , وفق السنن الربانية ، وكما اشار عالم الاجتماع العربي المسلم "ابن خلدون" بان للأمم والحضارات والدول أعماراً مثل اعمار البشر ، وان الفساد عامل حاسم من عوامل الانهيار وانتهاء أعمارها !!!
ورجل أَعرج من قوم عُرْج وعُرجان، وقد عَرَج يَعْرُج، وعَرُج وعَرِج عَرَجاناً: مشى مِشْية الأَعرج بعَرَضٍ فغمز من شيءٍ أَصابه، وعَرَج، لا غير: صار أَعْرَجَ.، قال تعالى : ((..لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ..)) سورة النور \ 61
ويقول العرب : أَعرجه الله، وما أَشدَّ عرجه ولا تقل: ما أَعْرَجَه، لأَن ما كان لَوْناً أَو خِلقة في الجسد، لا يقال منه: ما أَفعله، إِلاّ مع أَشدَّ. ويضارعه عدم جواز أن نقول : ما أحمره ، ما أخضره .... بل لنقل : ما أشد حمرته وما أشدر خضرته ....الخ .
الثاني : وهو ما دل على عدد ، والعَرْج والعِرْج من الإِبل: ما بين السبعين إِلى الثمانين؛ وقيل: هو ما بين الثمانين إِلى التسعين؛ وقيل: مائة وخمسون وفويق ذلك؛ وقيل: من خمسمائة إِلى أَلف؛ قال ابن قيس الرقيات: أَنزَلُوا من حُصُونِهِنَّ بَنات التُّـ ـرْكِ، يأْتون بعد عَرْجٍ بعَرْجِ والجمع أَعْرَاج وعُرُوج؛ قال: يومَ تُبدِي البيضُ عن أَسْوُقِها، وتَلُفُّ الخيلُ أَعْراجَ النَّعَمْ وقال ساعدة بن جؤَية: واسْتَدْبَرُوهُمْ يُكْفِئون عُرُوجَهُمْ، مَوْرَ الجَهامِ إِذا زَفَتْه الأَزْيَبُ أَبو زيد: العَرْج الكثير من الإِبل. أَبو حاتم: إِذا جاوزت الإِبل المائتين وقاربت الأَلف، فهي عَرْج وعُرُوج وأَعْراج.
أما الثالث : وهو الصعود والارتقاء ، تقول العرب : عَرَج الشيءُ، فهو عَريج: ارتفع وعَلا؛ قال أَبو ذؤَيب: كما نَوَّر المِصْباحُ للعُجْمِ أَمْرَهُمْ، بُعَيْدَ رُقادِ النائمين، عَريجُ وفي التنزيل: تَعْرُج الملائكة والرُّوح إِليه؛ أَي تصعد؛ يقال: عَرَج يَعْرُج عُرُوجاً؛ وفيه: من الله ذي المَعارج؛ المَعارِج: المَصاعِد والدَّرَج. قال قتادة: ذي المَعارج ذي الفواضل والنِّعَم؛ وقيل: مَعارج الملائكة وهي مَصاعِدها التي تَصْعَد فيها وتعرُج فيها؛ وقال الفراءُ: ذي المَعارِج من نعت الله لأَن الملائكة تعرُج إِلى الله، فوصف نفسه بذلك.
والمِعْراج: شبه سُلَّم أَو دَرَجة تعْرُج عليه الأَرواح إِذا قُبِضت، يقال: ليس شيءٌ أَحسن منه إِذا رآه الرُّوح لم يتمالك أَن يخرُج، قال: ولو جُمِع على المَعاريج لكان صواباً، فأَما المَعارِج فجمع المِعْرَج؛ فال الأَزهري: ويجوز أَن يجمع المِعْرَاج مَعارِجَ.
والاسراء مع المعراج من أجل المعجزات المادية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، من مكة الى بيت المقدس ثم الى السماوات العُـلا ، قيل هما معا وقيل : بل معجزتان منفصلتان ، وقد تم الأمران برسول الله روحا وجسدا وأراه الله ما أراه من آيات عظام ...(2) .
وهذا الأصل قد يمكن ضمُّه إلى الأوّل، لأنَّ صاحب ذلك يُعرِّج عليه ويَكتفِي به وهكذا يدخل الاصل الثاني في الأول ، أما الأصـل الثالث وهو الذي يشير إلى الارتقاء والعلوّ والصـعـود ، . يقال عَرَج يعرُج عُروجاً ومَعْرَجاً.
والمَعْرَج المَصْعَد. قال الله تعالى: تَعْرُجُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ إلَيْهِ [سورة المعارج \ 4]. والاصل في الاستعمال لهذه الدلالة قولهم تعْـرُج الشمس أو عَـرَجَت أي غابت وإنَّما المعنى أنَّها لمَّا غابت فكأنَّها عَرَجت إلى السَّماء، أي صَعِدت ، وهكذا فالأصـول الثلاث التي أشار إليها ابن فارس إنما هي أصل واحد يدل على الميلان والارتقاء معا ، وهو ما يجمع بين العـروج والعَـرَج.، بين المعـراج والتعـرّج والعروج العددي ، ذاك الذي مال بصاحبه الى سكة الاثرياء أو ارتقى به ماليا إلى منزلة جديدة من منازل القوم الاجتماعية فصار من عِـلْيتهم (3) !!!
(1) - هذا الشاعر من نسل الصحابي الجليل عثمان بن عفان ولقب بالعرجي لأنه كان بالعرج ، واد قريب من الطائف .......... وهو معدود من الشعر اء الغزليين كان ينحو منحى عمر بن ابي ربيعة ، وقد استشهدت بأبياته إمرأةُ أرادت الحج وكانت من أجمل النساء وجهاً وكانت تكشف عن وجهها في المناسك بعرفة ومنى وقد نهاها بعض الناس عن هذا ، فقالت له : أني أتيت الحج لا للحج ولكن لفتنةِ الشباب واستشهدت بقول العرجي صاحبنا :
(2) - ضلَّ بعض من المتفيقهين ومراهقي التفسير فقالوا ان الاسراء والمعراج حصلا بالرؤيا وليس في الواقع الحسي فالنبي الاعظم بزعمهم أسريَ به الى القدس وعُـرِجَ به إلى السماء بالحلم ،حلم رآه ، وهذا مخالف تماما لقوله تعالى في مطلع سورة الاسراء : (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصـا الذي باركنا حوله ...)) فقوله " بعبدِهِ " أي جسدا وروحا ، به كله ، وهو يخالف ايضا الواقع الذي نشأ في مكة لدى قريش لما علموا بالواقعة ، ولو كانت حُـلـُما لما احتجّـوا وما استنكروا ، ومن يستطيع أن ينكر عليَّ الآن لو قلت : حلمت أني سهرت البارحة في فيينا وتابعت منامي لانتقل الى كندا وموسكو وبكين و ......مادام الامر مجرّد حلم ورؤيا رايتها ؟؟؟!!!
أكتب تعليقك هتا