الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا
وقد أمعن مالك بن نبي في جميع كتبه الثمانية عشر التي أصدرتها له دار الفكر في دمشق، في الغوص في أعماق مشكلات التخلف المزمنة، متجاوزاً الظواهر الطافية على السطوح، الى الجذور المتغلغلة في الأعماق، وباحثاً عن السنن والقواعد والقوانين التي تكفل للشعوب ان تتحول عن الكلالة والعجز الى القدرة والفاعلية. وبذلك يكون مالك بن نبي قد تجاوز مشكلة الاستعمار ليعالج مشكلة القابلية للاستعمار، ومشكلة التكديس الى البناء والحق الى الواجب، وعالم الأشياء والأشخاص الى عالم الأفكار، مؤكداً (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (سورة الرعد، الآية 11)، وأن مفاتيح الحل عند الذات لا عند الآخر.
ويبدو لنا من المقدمة الثانية للكتاب والتي كتبها الوزير اللبناني السابق الأستاذ عمر مسقاوي ان كتاب مجالس دمشق كان قد ورد في قائمة الكتب التي كتبها مالك بن نبي والتي أصدرها بناء على وصية بن نبي نفسه. غير ان مسقاوي ذكر ان مخطوط مجالس دمشق لم يصل الى يده إذ كان بن نبي جمعه وهو في دمشق ونقحه، ثم تعاقد مع دار الشروق لكي تنشره كتاباً وهذا ما يفسر سر توقيعه في بيروت لا في دمشق. وقد ضم الكتاب في صدر صفحاته الأولى صور الوثائق التي خولت مسقاوي الإشراف والتدقيق والنشر لكتاب مجالس دمشق، كما لسائر كتب بن نبي السابقة.تضم مجالس دمشق ست محاضرات في مشكلات الحضارة المعاصرة ودور المسلمين فيها. وقد تحدث بن نبي في المحاضرة الأولى، والتي كانت عبارة عن لقاء مفتوح مع الأخوات في مسجد صلاح الدين في 16 ابريل 1972م، عن مفهومي (القابلية للاستعمار والحضارة – الإسلام ). وفي هذه المحاضرة اشار مالك بن نبي الى ان سبب تأخر المجتمع الشرقي هو تعطيل الفكر لا وجود الاستعمار. اما في المحاضرة الثانية التي ألقيت في الجامعة السورية بدعوة من كلية الشريعة في مارس 1972، فقد كانت بعنوان: الثقافة والأزمة الثقافية ، والتي بناها على فرضيتين:
في المحاضرة الرابعة: المرأة والرجل أمام واجبات واحدة والتي ألقاها في مسجد المرابط بدمشق 1972، تحدث بن نبي عن أوضاع المجتمع المسلم ومتطلبات النهوض به وإنقاذه. اما في المحاضرة الخامسة وهي بعنوان: دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين والتي ألقيت في رابطة الحقوقيين في مارس 1972، وفي المحاضرة السادسة: رسالة المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين فقد مهّد بن نبي بالحديث عن اهمية احداث القرن المشار إليه، وما يتصف به من التغيرات العميقة، وما حدث فيه من مخاطر مزقت الشباب وأدت الى إفلاس الحضارة الحالية والأديان القائمة وانهيار الأخلاق والقداسات وافتقاد الروحانيات. ومن هنا يبرز واجب المسلم الذي يحمل رسالة إنقاذ نفسه وإنقاذ العالم من الضياع. كذلك فرّق اخيراً بين الدين والرسالة. .
أكتب تعليقك هتا