الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا
لنا قَمراها والنجومُ الطَّوالعُ ،،، أَراد الشمس والقمر فغَلّب القمر لشرف التذكير وكما قالوا سُنَّة العُمَرين يريدون أَبا بكر وعمر رضوان الله عليهما فآثروا الخِفَّة ( لا أن أحدهما أفضل من الآخـر ) وأما قوله تعالى : " رَبّ المشرقين وربّ المَغْربَيْن " سورة الرحمن \ 17و "رب المشارق والمغارب " سورة المعارج \ 40 ، فالمراد بالمشرقين مشرق الصيف ومشرق الشتاء ، وفيهما تصل الشمس عند شروقها النهاية الحدية لها ، أقصى ما يمكن أن تنحرف عن جهة الشرق شمالا وجنوبــا ، والمشارق هي أماكن شروق الشمس من الشرق ، إذ أنها تشرق كل يوم من مكان في جهة الشرق ، يختلف عن سابقه ولاحقـه ، وهذا من أوجه الاعجاز العلمي الفلكي في القرآن الكريم ...
أما التشريق ، وهو من مفردات عيد الاضحى المجيد ، وموسم الحج الشريف ، فينتمي الى الجذر ذاته، موضوع حديثنــا ( ش ر ق ) : وكانت العرب في أيام التشريق ، الحادي عشر والثاني والثالث عشر من أيام ذي الحجة ، بعد عيد الأضحى مباشرة ، يقومون بتشريق لحوم الأضاحي التي ذبحوها يوم العاشر " يوم النحــر " ، أي تجفيف اللحوم ، وتقديدها بالمعنى نفسه ، لاحظ حديث المصطفى الاعظم للرجل الذي ظهر خائفاً مرتجفا بين يديه : (( هَـوِّنْ عليك ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ ، إنما أنـــا ابن امرأةٍ من قريش تأكلُ القديــد )) . روي في كتاب الزهد لهناد بن السري ، وتاريخ دمشق لابن عساكر وطبقات ابن سعد .
و أيام التشريق هي الأيام المعدودات ، التي ذكرها الله في سورة البقرة\ الآية 203 ، قال تعالى : }واذكروا الله في أيام معدودات …{. قال القرطبي في تفسيره : ولا خلاف بين العلماء أن الأيام المعدودات في هذا الآية هي أيام منى، و هي أيام التشريق( ينظر : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ، 2/3 )
وقال النبيُّ الكريم الاعظم – صلى الله عليه وسلم - عن هذه الايام : انها أيام أكل وشرب وبِـعـال ، ونهى عن صيامها ، أي أعطاها حُـكم عيد الاضحى المبارك ... والمراد بالبعال هنا أي التزاوج بين الرجال ونسـائهم ، وذلك لغير الحاجّ .وفي رواية في صحيح مسلم بشرح النووي4/جـ8/15 باضافة " وذكر لله تعالى " ، وتعادل أيام التشريق التي هي لغير الحجاج أيام منى بالنسبة للحجاج ، ولا يشملهم حكم اباحة الزواج عند جمهور الفقهاء ، لان التحلل يوم عيد النحر للحاج يسمى التحلل الاول او الاصغر وهو يبيح للحاج كل شيء ماعدا النساء ، ولا تباح النساء الا بعد التحلل الاكبر بانقضاء ايام منى فالبِعـال وجميع مقدماته يتنافى مع تعظيم شعائر الله تعالى . و يباح في أيام التشريق اللهو البريء المباح والتوسعة على العيال وإظهار الفرح والسرور. لحديث عقبة بن عامررضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم »يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب« (وفي رواية " وذكر لله " وفي أخرى " وبعال " كما أسلفنا ، وعند من يرى وجوب الأضحية على أهل كل بيت يرى أن التوسعة على العيال واجبة قطعـاً ، والله أعلم .
- وعن عائشة رضي الله عنها أن أبـا بكر الصديق رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدفّفان وتضربان والنبي صلى الله عليه وآله وسلم متغشٍ بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن وجهه فقال : »دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد ، وتلك أيام منى . وفي رواية : ليعلم يهود أن في ديننا فسـحة ..
ويجب في يوم العيد وأيام التشريق إظهار الفرح والسرور والبهجة والحبور، والتوسعة على العيال، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرخص في ذلك ويقول: «لتعلم يهود أن في ديننا فسحة» أي سعة، فكان لذلك يسمح للحبشة يلعبون بالحِراب والغناء البريء، والرقص العفيف ويقول «دعهما يا أبابكر، فإنها أيام عيد، وتلك الأيام أيام منى». منا أسلفنا ، ومن الواجب
قَوْلُه تَعالَى في سورة النور : "زيتونة لا شَرْقية ولا غَرْبِيَّةٍ يكاد زيتها يضيء ولولم تمْسَسْهُ نــار" أَي : هذِه الشجرةُ لا تطْلُعُ عَلَيْها الشَّمْسُ عِنْدَ شُرُوقِها فَقَطْ أو وَقْت غُرُوبِها فقط ولكِنّها شَرقِيةٌ غَرْبِيَّة تُصِيبُها الشَّمْسُ بالغَداةِ والعَشِيِّ فهذا أَنْضَرُ لَها وأَجْوَدُ لزَيْتُونِها وزيتها ، وهو قَوْلُ الفَراءَ وغَيْرِه من أَهْلِ التَّفْسِيرِ قالَ الحَسَنُ : المَعْنَى أَنَّها ليسَت من شَجَرِ أهْلِ الدنْيا أي : هي من شَجَرِ أَهْلِ الجَنَّةِ قالَ الأزْهَرِي : والقَولُ الأوَّلُ أَولَى وأَقول لنرَ وجهي ورقة الزيتون ففيهما آية اعجاز وبيان لهذه الآية الشريفة ، والشَّرْقَةُ بالفَتْح كما في الصحاح والمَشرقَةُ مثَلَّثَةَ الرّاءَ واقْتَصَر الجوهري على الضمِّ والفَتحْ ونقل الصاغانِي الكَسْرَ عن الكِسائِيِّ والمِشْراقُ كمِحْرابٍ ومِنْدِيل : ذكَر الجَوْهَرِي " مِنْها أَربعةً ما عَدا الأخِيرَةَ :موْضِعُ القُعُودِ في الشَّمْسِ حيثُ تَشْرُقُ عليه وخَصهُ بعضهم بالشِّتاءَ قال:
ويُقال : الشَّرْقَةُ بالفَتْح وبالتَّحْرِيك مَوْضِعُ الشَّمْسِ في الشِّتاءَ فأمّا في الصَّيْفِ فلا شَرْقَةَ لها والمَشْرِقُ : مَوْقِعُها في الشِّتاءِ عَلَى الأرْضِ بعدَ طُلُوعِها وشَرْقُها : دَفاؤُها . وتَشرًّقَ : قَعَدَ فيه والمِشْريقُ كمِنْدِيل من البابِ : الشِّقًّ الذي يَقَعُ فيه ضِح الشَّمْسِ عِنْدَ شُرُوقِها ومنه حَدِيث وَهْبٍ : " فيَقَع عَلَى مِشْرِيقِ بابِه " وفي حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ الله عنهما - قالَ : هناك بابٌ للتَّوْبَةِ في السَّماءَ يُقالُ له : المِشْرِيقُ وقَدْ رُدَّ . حتّى ما بَقِيَ إِلاّ شَرْقُه أي : ضَوْءُه الداخل من شِقِّ البابِ قالَهُ أَبو العَبّاسِ والشّارِقُ : الشَّمْسُ حِينَ تَشْرُقُ يُقال : آتِيكَ كُلَّ شارِقٍ أي : كُلَّ يَوْم طَلَعَتْ فيه الشَّمْسُ وقِيلَ الشّارِقُ : قَرْنُ الشَّمْسِ يُقال : لا آتِيكَ ما ذَرَّ شارِقٌ كالشَّرْقَةِ بالفَتْح والشَّرِقَةِ كفَرِحَة وكأمِيرٍ ويُقالُ أَيْضاً : الشَّرَقَةُ محرَّكَةً والشارِقُ : الجانِبُ الشَّرْقِي وهو الّذِي تَشْرُقُ فيه الشمْسُ من الأرْضِ وبه فُسِّرَ قَوْلُ الحارِثِ بنِ حِلِّزة :
أكتب تعليقك هتا