الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا
نسمع هذه العبارة كثيراً " بينا وبينكم عيش وملـح " ، للتعبير عما بين القوم وآخرين من صلات ووشـائج احترام وخلطة وذمّـة . أو بينهم معـيشة مشـتركة ومواثيق وضيافات متبادلـة ، والشائـع بين الناس أنَّ المعنى يشير إلى الاشتراك في الخبز والملح ، وسـيكون مفاجئا للجميع قولي أن الملح لا يُـراد به هنا ما يفهمه الناس من المادة المطيّـبـة الحافظة للطعام ، فإن قلنا بينهما ملح وممالحة فلا مانع من الفهم بالمعنى المباشر الشائع ، أما إن قلنا " خبز وملح " فالملح هنـا هـو اللبن والرضاع خاصة ، أي خبز ورضاع وهو أكثر من خلطة الطعام والخبز ، والخبز يحتوي في مكوناته أصلا على الملح وما اعتادت العرب على التزيّد في كلامها ، فالملح إذن يراد به الرضاعة ، وهذا أبلغ ، والرضاعـة يحـرم بها ما يحرم بالنسب كما ثبت بعـد انبلاج فجـر الإسلام ..
أي أرجو أن ترعوا ما شربتم من ألبانها وما بسطت من جلود قوم كأن جلودهم قد يبست فسمنوا منها ، أو هو يقول إني لأرجو أن يأخذكم الله بحرمة صاحبها وغدركم به ، وكانوا استاقوا له إبلاً كان يسقيهم من ألبانها حتى سمنوا ، ويقول ابن منظور تعليقا على هذا البيت : والصواب : ( وما بسطت من جلد أشعـثَ مغبرِ ، أو مقـتـرِ )لأن رويّ القصيدة مكسور فقد رأى في بعض حواشي الصحاح للجوهري أن ابنَ الأعرابي قال بهذا أي " أشعث مقتر " . ولفظـة المِلح تُـذكّـر وتؤنث ، نقول : هذه ملحي وهذا ملحي !
ومن معاني الملح التي سـاقها الفيروازآبادي إضافة لمعـناه ، المادة المستعملة في إصلاح الطعام وحفظه : الرضاع – العلم والعلماء والملاحة والشحم والسِّـمَن والحـرمة والذمام ، وضد العذب من الماء ، قال تعالى : ((هذا عذب فرات وهذا ملحٌ أجـاج )) سورة الفرقان/ 53 .
- هي امرأة أمُّها زنجية وملحُها أي شحمها وسِمَنُها في فخذيها ، كما يظنون .
- وقال ابن الأعرابي: هي قليلة الوفاء ،
- العرب تحلف بالملح والماء تعظيما لهما ، وقال أبو العباس المبرد : بل تعظم الملح والنار والرماد ، وهو الأصح . وملحها فوق رُكَبِها أي لا يهدأ ولا يستقر بل يتناثر بمجرد تحرّكها ،
- قلت : وقيل هو تعبير كنائي عن كثرة الخصام ، فملحها جاهز فوق الركب لمداواة جروح ركبتيها ، فالناس في شجارهم يتعمدون ضرب الركب بالعصا لبيان الانتصار على الخصم ، وهذه أم توصي ابنتها عند زواجها بضرب حماتها على ركبتيها :
سُــبِّي الحمـاةَ وابْهـتي عليهــا *** ثم اضـربي بالفـهْــرِ رُكْبَـتَـيْـهـا
· وجاء في حديث الصديقة عائشة ( عليها السلام)قالت لها امرأة : أزمُّ جَمَلـي هل عليَّ من جناح ؟ فقالت سيدتنا عائشة البتول : لا ،،، فلما خرجت قيل لها : إنها تعني زوجها ؟ فقالت : ردوها عليّ ، مُـلْـحَـةٌ في النار ، اغسـلوا عني أثرهـا بالماء والسِّـدْر ، أو اغسلوا على أثرها (1) . والمِلْحة: الكلمة الطيبة أو السيئة ( من الأضداد / وهـو ما يُسمَّى في أصول الفقه الإسلامي اللفظ المشترك ) ، وتعـني عائشة ردوها لأعـلمهـا بأن فعـلهــا لا يجوز ، واغسلوا عني هذه الكلمة التي أذنت لها بهـا (2) ..
أكتب تعليقك هتا