الدكتور محمد فتحي الحريري - سوريا
تَرْكُ الطعامِ والشَّرابِ والنِّكاحِ والكلامِ ، و هو بالاصطلاح الشرعي : الامساك عن شهوتي الفرج والبطن من بزوغ الفجر الى غروب الشمس مع النيّـة ، وفي اللغـة أيضـاً يُقــال ( ص و م ): صامَ يَصُوم صَوْماً وصِياماً واصْطامَ ، ورجل صائمٌ وصَوْمٌ من قومٍ صُوَّامٍ وصُيّامٍ وصُوَّمٍ، بالتشديد ، وصُيَّم ، قلبوا الواو لقربها من الطرف ؛ وصِيَّمٍ ؛ نُقِلت عن سيبويه، كسروا لمكان الياء، وصِيَامٍ وصَيَامى، الأَخير نادر، وصَوْمٍ وهو اسمٌ للجمع، وقيل: هو جمعُ صائمٍ لكن الراجح أن صائم تجمع على صائمين غالباً وهو اللفظ القرآني الكريم (مع جواز الجموع الأخرى)
وفي الحديث المُطَهَّـر : قال النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى ( وهنا القصد قوله في الحديث القدسي وليس في القرآن الكريم ) : " كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلاّ الصوم فإنه لي وانا أجزي به "؛ قال أَبو عبيد: إنما خص الله تبارك وتعالى الصوم بأَنه له وهو يَجْزِي به، وإنْ كانت أَعمالُ البِرِّ كلُّها له وهو يَجْزِي بها، لأَنه أي الصوم ليس يَظْهَرُ من ابنِ آدمَ بلسانٍ ولا فِعْلٍ فتَكْتُبه الحَفَظَةُ، إنما هو نِيَّةٌ في القلب وإمْساكٌ عن حركة المَطْعَم والمَشْرَب، يقول الله تعالى: فأنا أَتوَلَّى جزاءه على ما أُحِبُّ من التضعيف وليس على كتابٍ كُتِبَ له، . قلت : الصوم عبادة جسدية وروحية تتسامى فيها النفوس والأجســاد ، وهي ســـرٌّ بين الصائم وربّـه عزَّ وجل ،،، ولهذا قال النبي، صلى الله عليه وسلم: ليس في الصوم رِياءٌ، قال: وقال سفيان بن عُيَيْنة : الصيام هُو الصَّبْرُ، يَصْبِرُ الإنسانُ عن الطعام والشراب والنكاح ، ثم قرأ : (( إنَّـمَـا يُوَفَّــى الصابرونَ أَجْـرَهم بغـيـر حِساب )).سورة الزمـر \ 10 .
وقوله في الحديث الشريف : " صَوْمُكُمْ يومَ تَصُومون "(1) أَي أَن الخَطأَ موضوع عن الناس فيما كان سبيلُه الاجتهادَ ، فَلو أنَّ قوماً اجتهدُوا فلم يَرَوا الهِلال إلا بعدَ الثلاثين ولم يُفْطِروا حتى اسْتَوْفَوا العددَ ، ثم ثَبَت أَن الشهرَ كان تِسْعاً وعشرين فإن صَوْمَهم وفطْرهم ماضٍ ولا شيء عليهم من إثْم أَو قضاءٍ، وكذلك في الحج إذا أَخطؤُوا يومَ عَرفة والعيد فلا شيء عليهم باذن الله تعالى وهذا من رحمة الاسلام ، وليعلم الناس أن خِلاف العلماء رحمة وليس حَـرجــا أو إحراجا ، وفي هذا المعنى قال الامام النووي رحمه الله تعالى: قال أصحابنا: ليس يوم الفطر أول شوال مطلقا وإنما هو اليوم الذي يفطر فيه الناس ؛ بدليل حديث: (فطركم يوم تفطرون) وكذلك يوم النحر، وكذلك يوم عرفة هوَ اليوم الذي يظهر للناس، أنه يوم عرفة ، سواء كانَ التاسع أو العاشر وقال الشافعي في (الأم) عقب هذا الحديث : فبهذا نأخذ. قالَ: وإنما كلف العـباد الظاهر، ولم يظهـر الفطـر إلا يــوم أفطروا. (2)
وأذكر سنة 1984م أنه تعـَذَّر على الامة الإسلامية يومها رؤية هلال شهر رمضان ، ليلة الثلاثين من شعبان فأتموا الشهر ، وفي اليوم التالي ذهبتُ الى وظيفتي صائما على أساس أنه أول يوم من رمضان ، والامر بَيِّـن ولا يحتاج الى اجتهاد أو تَـحَـرٍّ للهلال ، إذ لم يروه بالامس وأتموا عِدَّةَ شعبان فاليوم أول رمضان ، وفوجئتُ بزملائي في العمل مفطـرين ، وأعلموني أنه لم تثبت رؤية الهلال في اليوم التالي أيضا فتوهّم بعضهم ان شعبان واحد وثلاثون ، وآخرون قالوا أننا أخطأنا في تحديد بداية شعبان ، ثم صمنا ثمانية وعشرين يوما ليتبين لنا أن أول رمضان صادف خسوفا للقمر فلم نَـرَ هلاله ، وهكذا كان الناس في حيص بيص ، بين داعٍ ومؤيد لقضاء يوم وبين من قال الخطأ مرفوع استدلالا بالحديث الشريف – آنف الذكـر – والله أعلم . قلت وهذا يؤيد مذهب القائلين بأن رؤية الهلال لايُشترط فيها أن تكون بالعين المجردة ، ويجوز أن تعني رؤية المنظار الفلكي والحسابات الفلكية ، وعلى كل حال فهي مسألة خِلافية بين السادة العلماء ستبقى الى ان يرث الله الارض ومن عليها ، مثلها مثل قضية اختلاف المطالع ، التي قال بها الامام الشافعي رحمه الله وبعض العلماء ، وأنكرذلك غيره ، ومفاد القضيّـة ، هل رؤية الهلال في الشام تُـلْـزم أهل مصر او المغرب وبالعكس ؟؟؟
وفي الحديث المطهر : " أَنه سئل عمَّنْ يَصُومُ الدهرَ ؟ فقال: لا صامَ ولا أَفْطَرَ " أَي لم يَصُمْ ولم يُفْطِرْ كقوله تعالى: ((فلا صَدَّق ولا صَلَّى )) سورة القيامة \ 31 ؛ وهو إحْباطٌ لأَجْرِه على صَوْمِه المخالف السنَّةَ ، وقيل: هو دُعاءٌ عليه كراهِيةً لصنيعهِ ، ولا نميل لهذا فرسول الله لا يدعو على أحد من جماعة المسلمين وهو الرحمة المهداة للعالمين ....
وفي الحديث الشريف لبيان بعض آداب الصيام قوله ( صلى الله عليه وسلم ) :" فإنِ امْرُؤٌ قاتَلَهُ أَو شاتَمه فَلْيَقُلْ إني صائمٌ " ؛ معناه أن يَرُدَّه بذلك عن نفسه ليَنْكَفَّ، وقيل: هو أَن يقول ذلك في نفسه ويُذَكِّرَها به فلا يَخُوضَ معه ولا يُكافِئَه على شَتْمِه فَيُفْسِدَ صَوْمَه ويُحْبِطَ أَجْرَه .
وفي الحديث الصحيح الشريف أيضــا : " الصوم جُـنَّـــة " أي ستر للذنوب يكفّـرها ووقاية من الفواحش فلا يقارفها ، وكان الحبيب الاعظم يشجع الشباب على الزواج لمن ملك الباءة ( القدرة على الزواج وأعبائه ) فإن لم يقدرْ فعليه بالصوم فإنه له وجـــاء ، والوجــــــاء يعـني في اللغـة " الخِـصـــاء "
قال تعالى : ((ياأيها الذين آمنوا كُـتِب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعـِدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأنْ تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون . شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وَلِـتُـكملوا العِـدَّةَ ولتكبّـروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون )) سورة البقرة \ 183 – 184 .
وقد تكلم كثير من العلماء حول فوائد الصوم وثمراته والحكمة منه ، وخير ما قرأت وسمعت في هذا المقام قول أستاذي وشيخي ووالدي الفاضل (المفتي محمد راشد الحريري )رحمه الله وجميع علماء الأمة : " خير حكمة للصيام أن الله تعالى قد أمـر به ، فلنصم ابتغـاء هذه الحكمة ولنترك وراءنا الغـايات الأخـرى " ،،، نعم وخير دليل على ذلك قوله تعالى بعد أن فرض الصوم على عباده مبينا العِـلّـة والغاية لعبادة الصوم :
(( لعلكم تتقــون )) ، والتقوى هي أن يراك الله حيث أمرك ويفتقدك حيث نهاك ، لذلك كان خير عمل يشغل به الصائم نفسه انما هو الاعتكاف والعمرة وتلاوة القرآن والصدقات وصلة الرحم ومجالسة العلماء ، فيجمع الصوم العبادات المخصوصة جميعها ، والله أعلم ...
جاء في لسان العرب لابن منظور : الصـوم اسم شجرٌ على شَكْل شخص الإنسانِ كرِيهُ المَنْظَر جِدّاً، يقال لِثَمرِه رؤُوس الشياطين، يُعْنى بالشياطين الحَيّاتُ، وليس له وَرَقٌ؛ وقال أَبو حنيفة: للصَّوْم هَدَبٌ ولا تَنْتَشِرُ أَفْنانُه ينْبُتُ نباتَ الأثْل ولا يَطُولُ طُولَه، وأكثرُ مَنابِته بلادُ بني شَبابة؛ قال ساعدة بن جُؤَيَّة :
شُدُوفُه: شُخوصُه، يقول: يَرْقُبها من الرُّعْبِ يَحْسَبُها ناساً، واحدتُه صَوْمة. وقال الجوهري صاحب الصحاح : الصوم شجرٌ في لغة هُذَيْل، قال ابن بري: يعـني قول ساعدة:
وفسره فقال: من المَعازب من حيث يَعْـزُبُ عنه الشيء أَي يتباعد، ومخطوفُ الحَشا: ضامِرُه، وزَرِم: لا يَثْبُتُ في مكان ، والشُّدُوفُ: الأَشخاص، واحدها شَدَفٌ. قال ابن بري: وصَوامٌ جَبَلٌ ؛ قال الشاعر ، أظنه يصف بعيرا مسرعاً بتؤدة ، مزموما بِرَسَن من أدم مجدول على أنف كأنه لسان الجبل :
(المستهطع المسرع في مشيه ، والرِّسْل والرِّسْلة: الرِّفْق والتُّؤَدة؛ والجَدِيل الزمام المجدول من أَدم ؛ وقَيَدومُ الجبل: أنفٌ يَتَقَدَّمُ منه وقَيْدومُ كلِّ شيء: مُقَدَّمَهُ وصدره.، والرَّعنُ الأَنف العظيم من الجبل تراه مُتَقَدِّماً، وقيل: الرَّعْنُ أَنف يتقدم الجبل ) وينظر عدا اللسان القاموس المحيط للفيروزابادي والصحاح للجوهري وغيرهما من المعاجم ( مادة \ ص و م ) وكتاب الآم للشافعي \ مباحث الصوم .
(1) . (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: ( صومكم يوم تصومون ، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون) أخرجه أبو داود، وابن ماجه، والترمذي وصححه. وعن سيدتنا عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما ـ ـ أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس) رواه الترمذي، وعلى هذا العمل عند أئمة المسلمين كلهم.
أكتب تعليقك هتا