بلقيس محمد علوان
ويعتبر الفرد فقيرًا في الوقت إذا كان يعمل لساعات طويلة، ويعاني أيضًا من فقر مادي وعدم كفاية دخله لتغطية متطلباته الحياتية المادية، ولو حاول تقليل ساعات عمله ليوفر بعض الوقت للراحة أو الترفيه أو قضائه مع الأسرة والأصدقاء، سيجد نفسه في أَسر الفقر المادي، فلا خيار لديه إلا مواصلة الركض والعمل على أمل توفير احتياجاته الحياتية في حدها الأدنى، وهذا يضطره للتوقف عن تطوير ذاته وبناء قدراته، وبمرور الوقت سيجد جودة إنتاجيته تأثرت بشكل واضح، مما قد يعرضه لخطر فقد العمل، كما قد يصبح غير مطلوب لتقديم خدماته في مجال تخصصه.
تشير كثير من المعطيات إلى أن النساء أكثر عرضة بشكل ملحوظ لفقر الوقت أكثر من الرجال، ففي كل يوم في جميع أنحاء العالم تقوم النساء والفتيات بساعات لا حصر لها من العمل وأغلبه بدون أجر، وتحرص الأسرة على تربية الفتيات وفق المعايير المجتمعية والصورة المرسومة لفتاة اليوم، وأم المستقبل فهي “الباشتة” “الحظية” التي تجيد أعمال المنزل بكل تفاصيلها، وبحسب المكان الذي تقيم فيه، أما إن كانت هذه الفتاة ريفية فإن متطلبات تميزها في نظر الأسرة والمجتمع أكثر، تحكي لي جارتي “عتيقة” تفاصيل يومها أيام كانت في “البلاد” أنها وصاحباتها كن يغادرن المنازل بعد صلاة الفجر في جماعات من أجل إحضار الماء والحطب والظلام ما زال يلف أرجاء القرية، وكي يبددن الخوف يتحركن معًا وهن يرددن أهازيج وأغاني يحفظنها جيدًا، وكلما كانت الفتاة قادرة على حمل كمية أكبر كلما كانت محط أنظار الجميع وتقديرهم، وتتنافس الفتيات في تقديم الأفضل وفق معايير مجتمعهن الريفي، ولا ينتهي يوم الواحدة منهن إلا مع استسلامها للنوم بعد يوم حافل بالأعمال والمهام داخل البيت وخارجة، ومع زواجها الذي يكون غالبًا في سن مبكرة تضاف لها مهام الزوجة، ولاحقًا الأم، وليس من الغريب أن تبدو المرأة الريفية بعمر أكثر من عمرها بكثير، ومؤشراتها الصحية منخفضة، يتصدرها فقر الدم وسوء التغذية، أما موضوع التعليم والتأهيل فالفرص محدودة في الريف، والوضع أحسن حالًا في المدينة، وفي أحسن الظروف يتاح لها بشرط عدم التقصير في واجباتها، لأن هذا أمر يخصها، والأسرة والمجتمع لا يتنازلون عن امتيازات ما تقدمه النساء والفتيات من رعاية وخدمة الجميع، وصحيح أن الوضع تغير قليلاً، لكن سنوات الحرب سلبت الريف التحسن الذي كان طرأ عليه من تحسن الظروف المعيشية كتوفر المياه، والكهرباء نسبيًّا، كما ساهمت الحرب في ترييف المدن بشكل واضح، ولم يعد من الغريب أن تجد النساء يجمعن الحطب في قلب أمانة العاصمة صنعاء، وكل هذا أثقل كاهل النساء وضاعف وصعّب مهامهن، وأضاف لهن ساعات من العمل في ظل صعوبة وكلفة الوصول للخدمات من ماء وكهرباء وغاز منزلي، وغيره.
الدراسات التي حصرت ساعات العمل المدفوع الأجر وغير المدفوع، تقول: إن النساء يعملن أيامًا أطول من الرجال في المتوسط، فمثلًا في المناطق الريفية في باكستان، وجد أن 37% من النساء العاملات يعانين من نقص الوقت مقارنة بـ 19% من الرجال العاملين لأن النساء يضطلعن بالمسؤوليات المنزلية بغض النظر عن حالة التوظيف، ووجدت دراسة استقصائية أجراها مركز بيو للأبحاث أن الأمهات العاملات في الولايات المتحدة يقضين 14.2 ساعة في الأسبوع في المتوسط في الأعمال المنزلية مقارنة بـ 8.6 ساعة للآباء العاملين في نفس العام، في اليمن بدون دراسات تُجرى… فالأمر جلي وواضح، فقر الوقت يحاصر النساء أكثر من غيرهن والتزاماتهن اليومية أكثر من الوقت المتوفر، ومن المؤكد أن لفقر الوقت تداعيات مهمة على الفرص الاقتصادية للمرأة وصحتها، ويعد فقر الوقت إحدى قضايا حقوق الإنسان التي يجب معالجتها من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتمكين النساء والفتيات في كل مكان من تحقيق إمكاناتهن البشرية الكاملة، مع فوائد دائمة لأسرهن ومجتمعاتهن ودولهن، ولنكن موضوعيين؛ ليس فقر الوقت فقط بسبب كثرة المهام وعدم كفاية الوقت لإنجازها فقد يكون فقر الوقت الذي نشكو منه بسبب سوء إدارتنا للوقت، وإهداره فيما هو أقل أهمية، وتأجيل الأهم، فلينظر كل منا – إن كان يعاني من فقر الوقت – ما سبب فقر الوقت لديه؟ فالتشخيص بداية الحل، وبشكل عام فإن إدارة الوقت وترتيب الأولويات أيسر بكثير من معالجة فقر الوقت الحقيقي، وخصوصًا لدى النساء عمومًا، والنساء العاملات على وجه الخصوص.
أكتب تعليقك هتا