الرقص الشرقي والآلهة والإمبريالية
جسد المرأة والهِشِّك بِشِّك في المجالين العام والخاص
وكالة البيارق الإعلامية
هل الرقص الشرقي تمكين للمرأة من السيادة على جسدها وتحرير لها من رجل شرقي منعها من الرقص في المجال العام وأجبرها على الرقص له وحده أم وسيلة لإغواء الرجل أم رمز لتسليع الأنثى؟.
تداولت الأخبار في مصر مؤخرًا حادثة تلقت فيه محكمة الأسرة بالجيزة قضية طلب خلع الزوجة "المهندسة سهى" من زوجها الطبيب المرموق والذي يعمل في مستشفى عالمي في مصر. لكن طلب الخلع لم يكن لأن الزوج يعنف زوجته أو كونه لا يستطيع إعالة أسرته، أو حتى أنه خائن، ولكن جاء طلب الخلع من المهندسة التي عاشت مع زوجها حياة سعيدة بدأت بقضاء شهر عسل في أوروبا، وجاء طلب الخلع بسبب طلب الزوج الطبيب من الزوجة المهندسة أن ترقص له، وهو ما اعتبرته الزوجة المهندسة إهانة لا يمكن أن قبولها.
تتعجب المهندسة أنه كيف لمهندسة متربية على الأخلاق والدين أن تكون "عبدة ترقص كالجواري والعاهرات"، كما تقول المهندسة سهى للقاضي. وتقول: "فوجئت بطلب غريب من زوجي، زلزل الأرض من تحت أقدامي طبعا. زوجي المحترم طلب مني ان أرقص له. وقعت الكلمات على أذني كحجر ثقيل، كيف يطلب الطبيب المحترم مني مثل هذا الطلب غير الأخلاقي. رفضت بعنف أن أصير عبدة في بيت زوجي، ومستعدة للتنازل عن السيارة الفاخرة والفيلا الشيك، مقابل الخلاص من الزوج المحترم، الذي أهانني، وحسسني بأن تعب السنين ضاع هدرا، وأن الرجل مهما علت مكانته، يظل ينظر للمرأة على أنها سلعة امتلكها". وقد تم تأجيل النظر في القضية و تحويلها لخبراء علم النفس والاجتماع.
الرقص والرذيلة بين التاريخ والحاضر
رغم أن الرقص الشرقي يرتبط الآن في أذهان معظمنا بالنساء والإروتيكية وأنه ضد الأخلاق والدين متمثلا في عبارات نسمعها يوميا "الرقص عيب، الرقص حرام، الرقص قلة أدب"، إلا أن المصادر التاريخية تؤكد أن الرقص الشرقي بدأ وانتعش جنبًا إلى جنب مع الدين وفي المعابد الدينية.
فالرقص الشرقي والذي تعتمد فيه المرأة على حركات الذراعين والبطن والخصر قد اشتهر أولًا كطقس ديني تتقرب به النساء للآلهة عشتار إلهة الحب والخصب والحرب عند شعوب بلاد الرافدين. كان يرمز لعشتار بأنها الإلهة الأم منجبة الحياة. وكانت النساء يتقربن للألهة عشتار بطقوس الرقص هذه متضرعات لها بأن تمنحهن الخصوبة والنماء. في هذه الطقوس، كانت البطن حيث رحم المرأة ورمز الحياة مكشوفة.
لم يكن رقص المرأة في أماكن العبادة حصرًا على المرأة في بلاد الرافدين في الحضارات القديمة. ففي مصر القديمة كان للآلهات حضورًا قويًا من بينهن: الإلهة أمنتت حاميةً للموتى سكان الغرب، الإلهة باخت إلهةً للحرب، والإلهة تاروت أو العظيمة التي تحمي الأمهات أثناء الحمل والولادة وغيرهن كثيرات، ولكن يأتي على رأسهن الإلهة حتحور وهي الأكثر شهرة والتي عبدها الملوك وكذلك عامة الشعب. كانت حتحور تعتبر الإلهة عشتار في مصر وفي اليونان كانت تمثلها أفروديت. حتحور الإلهة التي مثلت الخصوبة والبهجة والرقص الموسيقي والحب، وكانت النساء يتضرعن لها في المعابد بالرقص وكذلك في المقابر فحتحور كانت كذلك اللإلهة التي ترحب بالموتى في الحياة التالية والتي تعد لمن هم جديرون أخلاقيا بالحياة الأبدية.
وتعددت أنواع الرقص من رقص فردي إلى رقصات جماعية حتى أن الفرعون نفسه كان يقوم بالرقص للآلهة إلا أن النساء كن مهيمنات على تقديم عروض الرقص كطقوس للآلهة، كما أن بعض العروض الدينية ظلت حكرًا على نساء الطبقات العليا فقط.
غير أنه سرعان ما طُرِدَتْ النساء من المعابد وتحول رقص المرأة بمفردها من طقوس تقرب دينية للآلهة إلى رمز لسلوك النساء غير الأخلاقي. وتم تحطيم تماثيل الإلهات وربطهن بالانحطاط والرذيلة مع انتهاء عصر الآألهة في صورة امراة والتي سيطرت لآلاف السنين من العراق حتى اليونان وظهور الإله في صورة الرجل وهيمنة سلطة الرجل على المعابد والمجال العمومي بالكامل.
فيصور لنا الكتاب المقدس اللآلهة عشتار في سفر الرؤيا بأنها "الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة* 2 التي زنى معها ملوك الأرض وسكر سكان الأرض من خمر زناها* 3 فمضى بي بالروح إلى برية فرأيت امراة جالسة على وحش قرمزي مملوءٍ أسماءَ تجديف له سبعة رؤوس وعشرة قرون* 4 والمرأة كانت متسربلة بارجوان وقرمز ومتحلية بذهب وحجارة كريمة ولؤلؤ ومعها كأس من ذهب في يدها مملوة رجاسات ونجاسات زناها* 5 وعلى جبهتها اسم مكتوب سر بابل العظيمة أم الزواني ورجاسات الأرض" .
رغم أن الآراء السائدة ترى أن الأديان السماوية لم تحرم فعل الرقص في حد ذاته، إذ تذكر التوراة في سفر الخروج أن مريم أخت النبي موسى رقصت احتفاًلا بنجاتهم من فرعون ولكن الرقص كان تعبيرا عن الفرح والبهجة وكان قد فقد رمزيته كطقس تعبدي. كما جاء ذكر الرقص في الإنجيل في أماكن عدة وجاء حتى على لسان النبي عيسي في عبارة "زمّرنا لكم فلم ترقصوا. نُحنا لكم فلم تلطموا" في إشارة أن من حوله لم يتبعوا تعاليمه. هذه الجملة هي إشارة للعبة كانت معروفة آنذاك، لإذ ينقسم الأولاد إلى فريقين فريق يزمر ويُرَقِّص الآخرين وفريق ينوح فيلطم الفريق الأول.
فيما يعني أن فعل الرقص في حد لم يكن محرما، ولكن كان رفض الرقص المكروه وهو ذلك الفعل الذي يثير الغرائز والشهوات في الرجال وهنا يأتي رقص المرأة بمفردها وخصوصًا إذا تعرى جسدها الذي تدعوها هذه الديانات لكبته ونبذ شهواته والاحتشام والزهد.
ولا تختلف هذه الصورة في الدين الإسلامي الذي يرى في جسد المرأة "عورة وفتنة " يجب تغطيتها سواء كان ذلك لحماية الرجال من فتنه النساء أو الحفاظ على النساء من رجال غرباء فاسدين قد يغوون المرأة أو ينتهكون جسدها عنوة. ولكن هذه الصورة تخص حضور المرأة في المجال العمومي. أما عن المجال الخصوصي فالدين الإسلامي يدعو الزوجة لتلبية رغبات زوجها وإسعاده بما لا يخالف الشرع.
الرقص الشرقي بين الشرق المسلم والغرب الحديث
وبالعودة لحادثة طلب الخلع السابقة الذكر، فيبدو أن الزوجة المهندسة قد لجأت في رفضها فعل الرقص باعتباره إهانه لها لمخيال نسوي "علماني" تفترض أنه نموذج الأخلاق وتقدير المرأة وتحريرها من عبودية الرجل. وهنا يأخذنا الحديث لبعد آخر قد لحق بالرقص الشرقي خصوصًا بعد الالتقاء الثقافي بين الحضارة الإسلامية والغربية في العصور الوسطي، حيث كانت قصور السلاطين تضم مئات وربما آلاف الجاريات والمحظيات كإحدى رموز ثراء وعظمة الإمبراطورية الإسلامية.
ورغم أن الصورة السائدة في أذهاننا العربية عن الجارية هي تلك المرأة المتمرسة في العلوم والأدب والشعر والموسيقي وليس بالضرورة الجارية الراقصة العارية، فالجارية الشاعرة "فضل" -التي عاشت في البصرة في القرن الثالث الهجري في قصر الخليفة المتوكل- كانت أشهر جاريات عصرها ويصفها كتاب "الإماء الشواعر" لأبي الفرج الأصفهاني بأنها لم يكن في نساء زمانها أشعر منها.
ورغم أنه كان يتم تدريب الرقيق من النساء على الرقص كذلك إلا أن التركيز على الربط بين الاستبداد الإسلامي وقهر النساء والرقص الشرقي، صورة كرسها الاستعمار الأوروبي بعد ذلك. ففي الشرق المحتل كان لقاء الأوروبي بالراقصات أو "الغوازي وهن الغازيات اللاتي امتهن الرقص الشرقي كحرفة في الموالد والحفلات في الأرياف بعيًدا عن القاهرة. كانت "الغازيات " ينتمين لقبيلة تحمل نفس الاسم، فالرجل منهم يسمى غازي، والمرأة غازية، وهن لا يتزوجن، ويتحركن ويسكن بشكل جماعي مع أفراد من أهلهن كما يعرّفهن أدوار وليام لاين في كتاب "عادات المصريين المحدثيين وتقاليدهم" الذي يوثق فيه المجتمع المصري وثقافاته وعاداته الاجتماعية في القرن التاسع عشر.
نظرة "الاستشراق" للمرأة الشرقية الراقصة
زاد ولع الأوروبي بالرقص الشرقي منذ حملة نابليون وما تلاها. فهذه العروض التي ترقص فيها المرأة بمفردها لجمع من الناس بينهم رجال كانت بمثابة امتداد لصورة المراة المسلمة التي ترقص بقصد إغواء أو استجداء الرجل الوحيد "السلطان" في الحريم أو قصور السلاطين كما صورتها حكايات في ألف ليلة وليله.
فنرى الروائي الفرنسي الشهير غوستاف فلوبير (1821-1880) يصف شرقة المتخيل في حكاياته عن مصر وتركيا ولبنان خصوصًا من خلال رواياته عن الراقصة الغامضة كوتشوك هانم. وكوتشوك هانم راقصة مصرية (سورية الأصل) محظية قابلها الروائي غوستاف فلوبير ذات مرة في وادي حلفا في مصر. في رواياته عن مصر التي كانت زيارته لها بين عامي 1848 و1850 التقي فلوبير بِـ كوتشوك هانم، وكانت تعتبر من أهم فتيات الهوى في عصرها. كان لكوتشوك هانم بيت في إسنا في جنوب مصر وكان مقصداً لمحبّي الغناء والموسيقى والمتعة، وخصوصاً الرحالة الأوروبيين. في كتابه "فلوبير في مصر، الذي جاء على شكل رسائل إلى أمه وصديقته وأصدقائه في فرنسا، يصف فلوبير بالتفصيل جسد الراقصة ولباسها وحركاتها الشهوانية وحتى لقائاتهما الجنسية. فلم تكن كوتشوك هانم رمز الفتنة والغموض الشرقي، ولكن كذلك انحطاط المرأة الشرقية في مقابل المرأة الأوروبية المحافظة.
يكتب فلوبير في رسالته إلى صديقته لويز كوليه الذي ظهرت عليها علامات الغيرة من اقتران الروائي بالراقصة في عام ١٨٥٣: "أما عن كوتشوك هانم فليهدأ بالكِ ولتصوّبي آراءك عن الشرق. فإني واثق من أن العاطفة لم تجد سبيلها إلى قلبها، بل إني أشك في أنها كانت صادقة الحسّ بالمتعة الجنسية، (...) المرأة الشّرْقيّة خالية القلب لا فرق عندها بين رجل وآخر، ولا همّ لها إلا نارجيلة تدخّنها وحمّام تختلف إليه وكحل تكحّل به عينَيها وقهوة تحتسيها، أما عن إحساسها بالمتعة الجسدية فهذا أمر تافه بالنسبة إليها".
وكانت كوتشوك هانم مشهورة "برقصة النحلة" أو تلك الرقصة التي تتخفف فيه الراقصة من ملابسها وهي تدور بحركة دائرية سريعة جدًا. وكانت هذه الرقصة محط أنظار العديد الرحالة المستشرقين الذين كتبوا عنها باستفاضة في دراساتهم عن الشرق من أمثال المستشرق الفرنسي بريس دافين في القرن التاسع عشر وكان قبله العديد ممن جائوا مع حملة نابليون على مصر.
في كتابه "الاستشراق"، يقول إدوارد سعيد أن كوتشوك هانم، والتي اعتبرت المادة الأولية لمعظم روايات غوستاف فلوبير، قد شكلت "قناعاً من أقنعة الشرق الجنسيّ المستهام، فالشرق في علاقة فلوبير بالراقصة يمثل "بحرية الجنس الشبق" وبـ" تجربة جنسية لا يمكن الفوز بها في أوروبا".
ويرى سعيد في كل رحالة غربي هذا الميل إلى "الجنسية الشّرْقيّة" التي صارت "بضاعة… فائدتها أن القرّاء والكتاب يمكنهم اقتناؤها دون الحاجة إلى الذهاب إلى الشرق بالضرورة". وتقول شذى يحيى عن الراقصات في مصر في هذه الفترة في كتابها "الإمبريالية والهِشِّك بشِّك: تاريخ الرقص الشرقي" الصادر عن دار ابن رشد في القاهرة (2020) أن الراقصات كن التمثيل المرئي الوحيد للمرأة الشرقية في الذهن الغربي عن المجتمع الشرقي الإسلامي.
ففي الفكر الاستعمار كان المستعمر يروج لصورة الشرق حيث الراقصات العاهرات المتاحات من جهة والمسلمات المحبوسات في الحريم والحمامات اللاتي هن بحاجة للأوروبي الأبيض لإنقاذهن وتحريرهم من الرجل الشرقي المستبد كما في لوحات جين أوستين أنغر وبيكاسو وغيرهم.
تعامل المشرق مع الرقص والعري
أما في المشرق فبينما لم يكن هناك أية إشارة للتعامل مع الرقص أو العري في الحريم إلا أن الدولة كانت قد شرعت بالفعل في محاربة الرقص في المجال العمومي. فيقول ياسر ثابت في كتابه "حروب الهوانم" إنه في عام 1834 أصدر محمد علي باشا فرماناً بمنع الدعارة ورقص "النساء العموميات"، وفرض عقوبة على المرأة المخالفة بالجلد خمسين جلدة في حال كانت أول مرة والحبس لمدة عام أو أكثر إذا تكرر فعلها.
غير أنه سرعان ما تم رفع الحظر في عهد عباس الأول لمنع عادة قيام الرجال بدور الراقصة في التجمعات والحفلات بدلا من الراقصات. وعادت النساء لممارسة المهنة سواء كن "غازيات يرقصن للجميع في الشارع خارج العاصمة أو العوالم وهن العالمات المتمرسات بفنون الرقص وأساليبه والموسيقى وربما الشعر وكن يرقصن للنساء فقط"، بل وتم فرض ضريبة على الراقصات عام 1866.
وأصبحت دعوة الراقصات لإحياء الحفلات في المناسبات أمرا عادًيا حتى أنه تم الاستعانه بالراقصة الشهيرة شفيقة القبطية لإحياء حفل افتتاح قناة السويس الأسطوري في 16 نوفمبر / تشرين الثاني 1896 في عهد الخديوي إسماعيل باشا لتكريم الإمبراطورة (أوجيني). حضر هذا الحفل ملوك وأمراء أوروبيون وشخصيات هامة وكذلك رجال الدين من شيوخ المسلمين منهم الشيخ مصطفى العروسي والشيخ إبراهيم السقا وكذلك قساوسة مسيحيون.
حتى وإن ظل تقدير مهنة الرقص الشرقي والعالمة محط جدل وخلاف حسب السياق الاجتماعي والثقافي والسياسي في مصر إلا أن ما لا يمكن إنكاره أن الرقص الشرقي قد خرج إلى المجال العمومي وانتشر في المقاهي والمسارح داخل كل البيوت. فقد أصبحت الراقصات جزءاً لا يتجزأ من السينما المصرية منذ بدايتها مع الإفلام الغنائية والاستعراضية في عصر "الأبيض والأسود" وحتى اليوم في الأفلام التجارية حيث يحتل الرقص مكانة بارزة في صُلب صناعة هذه الأفلام كشكل من أشكال الترويج المضمونة.
المرأة العربية في سينما هوليود
أما سينما هوليود قد رسخت ولا تزال صورة المرأة العربية كسلعة جنسية مسجونة في حريم الرجل الشرقي، والرقص الشرقي هو الصورة المثلي لهذا التسليع للمرأة الشرقية وعلو مكانة المرأة الغربية من جهة، ومن جهة أخرى فالمرأة الشرقية هي المرأة المتاحة للفرجة التي يولع بها الغربي. وجدير بالذكر أن من أرسى شكل بدلة الرقص الشرقي كما نعرفها اليوم هو المصمم ليون باكست اليهودي من روسيا البيضاء، والذي أرسى ما يشبه بالعلامة التجارية لزي الراقصة، من حيث التصميم والألوان، واستخدم هذا الزي في بالية شهرزاد سنة 1910، واستوحى فيه موتيفات العالم العربي والقوقاز وتركيا ووسط آسيا كما تؤكد شذي يحيى في كتابها "الإمبريالية والهشّك بشّك: تاريخ الرقص الشرقي".
عودة الرقص كطريقة للعبادة لدى المتصوفة
ورغم كل ما تقدم من الصراع على حضور الرقص في المجال العمومي والعلاقة الجدلية بينه وبين الدين والأخلاق من جهة والرقص الشرقي والغرب من جهة أخرى، فإن هناك نوعًا من الرقص اشتهر في الدين الاسلامي وهو الرقص الصوفي أو رقص الدراويش الذي يعتمد حركة الجسد مع الموسيقى ليصل المتصوف إلى حالة من التخلي عن الذات والوصول إلى مصدر الكمال أو "الكرمة". ويعتبر كل من الموسيقي والرقص الأساس للوصول لهذا الحب الإلهي. يقول مولانا جلال الدين الرومي (مؤسس الطريقة المولوية أو "الدراويش الراقصون" في القرن الثالث عشر الميلادي): "من دون الحب كل الموسيقى ضجيج، ومن دون الرقص جنون".
ورغم أن الاتجاه الصوفي -الذي تعتبره بعض الفئات المتشددة بدعة وخروج عن قيم الدين الإسلامي- يركز على الروح دون تمييز بين ذكر وأنثى إلا أنه حتى هذا الرقص الروحاني يحتكره الرجال كذلك في حلقات تعبدهم الصوفية ولا يسمح للنساء في العادة القيام بها معهم أو حتى بمفردهن في الأماكن العامة. فماذا عن الراقصات الصوفيات النسويات؟
يمكن هنا الاشارة إلى رنا جرجاني وهي راقصة صوفية فرنسية من أصول إيرانية، تخرجت من أنثروبولوجيا الرقص وعلم الموسيقي العرقية. تعلمت رنا الرقصة في السر في إيران وقررت أن تخرق القاعدة وتعيد الرقص كطقس للتعبد كما يستخدمها الرجال الدراويش. بدأت رنا في تقديم جلسات الرقص الصوفي عبر الإنترنت من خلال خاصية الزووم التي انتشر استخدامها بعد انتشار وباء كورونا، ولكنها ترى أنه لا يزال من الصعب عرضه في بلد إسلامي حتى كتركيا والتي تعد مركز رقصات الدراويش. تقول رنا في فيديو لها مع قناة العربية منذ عام، إنه حين دعيت مؤخرًا لتقديم استعراضاتها طُلِبَ منها ألا تصرح بأن هذا رقص صوفي. تمارس رنا الرقص الصوفي في فرنسا وتعتقد أنها محظوظة لكونها تعيش في دولة علمانية تسمح لها بحرية ممارسة هذه الرقصة الصوفية.
أخيرا وبالعودة لسؤال رقص المرأة وتحريرها من العبودية في العصر الحديث، فيظل الرقص الشرقي أمرا جدليًا بين من ترى أنه يُعتبر تمكيناً للمرأة من حقها في السيادة على جسدها الذي ترى أن الرجل الشرقي/المسلم قد سلبها إياه ومنعها من الرقص في المجال العمومي أو أجبرها أن ترقص له وحده - فالمرأة حرة في أن ترقص حين تشاء وأين تشاء حتى لنفسها، وبين رأي يرى الرقص الشرقي وسيلة لإغواء الرجل وتمكين المرأة من الرجل، وبين نظرة ثالثة ترفض رقص المرأة بمفردها تماما وتعتبره رمزا لتسليع جسد الأنثى.
أكتب تعليقك هتا