وكالة البيارق الإعلامية
كشفت صحيفة "إندبندنت" أن مئات الآلاف من النساء و(بفارق كبير عن الرجال) قد حصلن على عقاقير قوية مضادة للقلق، والتي يؤكد الخبراء من أن التخلص إدمانها يفوق صعوبة علاج إدمان الهيروين.
وتُظهر المعلومات التي حصلت عليها الصحيفة أن النساء في إنكلترا، بين يناير 2017 وديسمبر 2021، كن أكثر إقبالا بنسبة 59 في المائة على مضادات القلق والأرق (بنزوديازيبين) والمعروفة بأسماء تجارية مثل فاليوم وزاناكس وتيمازابام.
وأظهرت البيانات التي حازتها الصحيفة بشكل حصري أن 1،661،178 رجلاً حصلوا على عقار بنزوديازيبين، بينما أعطيت 2,641,656 امرأة وصفات طبية للأدوية المهدئة في هذه الفترة.
وعادة ما يوصف بنزوديازيبين للقلق الحاد والأرق، ونوبات الهلع والصداع، والنوبات التي يمكن أن تسبب الوفاة.
وتنص العديد من البلدان صراحة على أنه لا ينبغي تناول البنزوديازيبين، لأكثر من أربعة أسابيع، بينما وجدت الأبحاث أن تلك العقارات يمكن أن تسبب في فقدان الذاكرة ومرض الزهايمر.
وفي سبتمبر 2020، أعلنت إدارة الغذاء والدواء الأميركية أنه يجب وضع "تحذير الصندوق الأسود" على جميع البنزوديازيبينات لإبلاغ المرضى بأن أعراض الانسحاب عند وقف تلك الأدوية يمكن أن يهدد حياتهم.
"عقلية الأطباء الذكور"
وقال ستيفن باكلي، رئيس قسم المعلومات في منظمة Mind، وهي مؤسسة خيرية بريطانية رائدة في مجال الصحة العقلية، إنه من الصعب "معرفة الأسباب الدقيقة وراء احتمال وصف البنزوديازيبين للنساء أكثر من الرجال"، موضحا أن الإحصائيات الجديدة "أن التناقضات في وصف تلك الأدوية تحدث منذ فترة طويلة ".
وأضاف: "نحن نعلم تاريخيًا أن النساء أكثر ميلًا لطلب المساعدة من أجل صحتهن العقلية مقارنة بالرجال، وهذا قد يفسر الأمر.. ومع ذلك قد تكون هناك أيضًا عوامل مرتبطة بالعمر أو تشخيص الأمراض، والتي لا تأخذها البيانات في الاعتبار".
ولفت إلى أن "الأبحاث السابقة في بعض أنحاء العالم أن وجدت أن الأطباء الذكور كانوا أكثر ميلًا لوصف البنزوديازيبين للمرضى الإناث أكثر من المرضى الذكور"، مردفا: "وبالتالي فإن البحث في الأسباب الكامنة وراء الفروق بين الجنسين في وصف الأدوية النفسية أمر مهم".
وحذر باكلي من أن البنزوديازيبين، يمكن أن " يؤدي إلى الإدمان وأن يتسبب في آثار انسحاب قوية، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يتناولون الأدوية لفترات طويلة من الزمن".
ودعا إلى ضرورة إطلاع المرضى التام على الآثار الجانبية الضارة المحتملة لتلك الأدوية، كما طالب أي شخص يريد أن يوقف تلك من الأدوية بأن يفعل ذلك بشكل تدريجي وبإشراف طبيبه".
عوامل "عميقة الجذور"
من جهتها، اعتبرت أستاذة الطب النفسي النقدي والاجتماعي في جامعة كوليدج لندن، جوانا مونكريف، أن هناك أسبابًا اجتماعية عميقة الجذور تفسر سبب وصف تلك الأدوية بنسبة أكبر للنساء.
وأضافت الأكاديمية المتخصصة في العلاج النفسي بالأدوية: "النساء أكثر عرضة للشعور بالاكتئاب والذهاب إلى الطبيب، بينما يحبذ الرجال تفريغ غضبهم في الخارج والصراخ على الناس وشرب الكحول".
وتابعت: "النساء بشكل عام أقل ثقة، ويتم تربيتهن على أفكار دونية مما يجعلهن أكثر عرضة للقلق والاكتئاب، وهناك فكر نمطي يقول إن المرأة تعاني من هذه الأمور ويجب معاملتها بطريقة معينة".
وقالت البروفيسور مونكريف، وهي شخصية بارزة في شبكة الطب النفسي النقدي، إن عددًا قليلاً من مرضاها يتناولون وصفات طويلة الأمد من البنزوديازيبين والتي تستمر لسنوات وأحيانًا عقود.
وأوضحت مونكريف أنها أنشأت مؤخرًا عيادة "رائدة" تساعد مستخدمي البنزوديازيبين، على المدى الطويل، موضحة :"يجد الناس صعوبة بالغة في التوقف عن تناول تلك العقاقير بسبب آثار الانسحاب".
وزادت: "في بعض الأحيان يكون الناس خلال فترة أعراض الانسحاب قلقين للغاية ومكتئبين، ويعانون من انقباضات دماغية تشبه صدمات الكهرباء".
مأساة فيونا
وتقول سيدة تدعى فيونا فرينش وتبلغ من العمر 68 عاما أنها بدأت في تناول تلك الأدوية في العام 1975، موضحة أنه في ذلك الوقت كانت توصف لها كمرخي للعضلات، وأنه لم تكن هناك معلومات بشان مخاطرها.
وأضافت: "شعرت براحة كبيرة بمجرد تناولها"، لافتة إلى أنها إنها فشلت في ربط "تدهورها السريع" بذلك الدواء وأنها فقدت ربع وزنها خلال عشرة أيام مع ضمور في الثديين.
وأضافت: "الأطباء لم يربطوا حالتي وقتها بتناول ذلك الدواء، واعتقدوا أنها معاناتي مردها حالتي العقلية، وكان ينظر إلي على أنني أعاني انهيار اعصبي".
وأشارت إلى أنه جرى تحويلها إلى الطب النفسي، موضحة:"بذلت جهودا كبيرة لاستعادة حياتي فأنا قبل استخدام البنزوديازيبين، لم أكن شخصا يفكر بالانتحار نهائيا".
وقالت فرينش إنها تناولت بإشراف طبيبها مجموعة من أنواع مختلفة من مضادات الاكتئاب وأنها استمرت مع تلك المضادات وعقار البنزوديازيبين من عام 1975 حتى عام 2012، لافتة إلى أنها قررت أن تغير طبيبها العام بعد تقاعدها من العمل، ليخبرها الطبيب الجديد أن ذلك الدواء لم يعد يناسب علاج حالتها.
ونوهت إلى قررت أن تتوقف عن تناول البنزوديازيبين، لكن بعد ستة أشهر أصبحت في حالة إعياء شديد، وأنها بقيت حبيسة السرير لنحو عامين.
وأضافت: "التوقف سبب صدمة لنظام حياتي وعقلي، وبقيت طريحة الفراش، ولم أعد أستطع تحمل الضوء أو الصوت وبالتالي امتنعت عن مشاهدة التلفزيون أو الاستماع إلى الراديو، ناهيك عن عدم قدرتي على التحدث عبر الهاتف لأنني لم أكن أطيق الإنصات لأصوات الناس".
وتابعت سرد مأساتها: "كنت أستطيع الوقوف على قدمي لمدة خمس دقائق فقط وبالتالي كنت غير قادرة على الاستحمام بل أن بشرتي لم تكن تتحمل بالأساس أن يصب عليها الماء.. كان الأمر أشبه بالعيش في حالة ضباب إذ أصبح الليل نهارا والنهار ليلا بالنسبة لي وكأنني أصبت بالخرف".
وأكدت أنها بقيت على تلك الحال لمدة ثلاثة سنوات إلى أن أخبرها طبيب الأعصاب أن حالتها سببها التوقف المفاجئ عن تناول عقار البنزوديازيبين، مشيرة إلى أنها شاهدت فيلمًا وثائقيًا عن رجل قال إن التخلص من ذلك الدواء كان أصعب عليه من الفترة التي قضاها في القتال في الخطوط الأمامية للحرب العالمية الثانية.
وشرحت كيف أنها احتاجت في البداية إلى الجلوس على كرسي متحرك أثناء تعافيها، إذ أشارت إلى أنها الآن في حالة أفضل بكثير ولكنها لا تزال تتعب بسهولة.
واختتمت قصتها بالقول: "لن آخذها مرة أخرى.. أي دواء يسبب تلك الدرجة من المعاناة التي لا تطاق يعد مخدرا سيئا".
أكتب تعليقك هتا