مـركز المـرأة العـربية للتدريـب والبـحوث
"كــوثــر
واقع المرأة الصحافية في تونس
الـفـهـــــــرس
الجزء الأول : دراسة وصفية لواقع المرأة الصحافية في تونسمـقــدمــة
I - نشأة الصحافة في تونس
1. صحافيو فترة التأسيس
2. بروز الصحافة النسوية
II - دخول المرأة الميدان الصحفي : العوامل المساعدة
1. العامل السياسي
2. العامل الهيكلي
III - الصحافية التونسية : تجربة أجيال
1- نشأة الصحافة النسائية
أ- ما قبل الإستقلال
ب. فــتـرة ما بـعد الاستقـلال
ج. فترتا السبعينات والثمانينات
د. فترة التسعينات
III- موقع الصحافية في المشهد الإعلامي ككل
1. فترة ما بعد الإستقلال
2. فترة السبعينات والثمانينات
3. فترة التسعينات : مؤشرات كمية إيجابية
VI - استقطاب جمعية الصحافيين التونسيين للصحافيات
خـاتـمـــــة
الجزء الثاني : حوارات صحفية مع إعلاميات تونسيات في مواقع صنع القرار
القائمة البيبليوغرافية
الملحق 1 : أعلام الإعلاميات التونسيات
الـجـــزء الأول
دراسة وصفية لواقع المرأة الصحافية في تونس
مــقـدمـــــة
يعرف وضع الصحافية التونسية في الوقت الحالي تطورا إيجابيا ملحوظا على المستوى الكمي والنوعي. فقد تزايد عدد النساء العاملات في المجال الإعلامي تزايدا هاما خلال عقد التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، إذ ارتفعت نسبتهن من 21% سنة 1992 إلى 34.38% سنة 2002، علما أن عددهن تضاعف أكثر من مرتين خلال هذه الفترة نفسها ومر من 141 صحافية إلى 327 صحافية. بل وأكثر من ذلك فإن عدد الصحافيات تفوق على عدد الصحافيين في بعض المؤسسات الإعلامية على غرار وكالة تونس إفريقيا للأنباء التي تعمل بها اليوم 66 صحافية مقابل 51 صحافيا فقط.
ولعله ليس أدل على التطور الإيجابي الذي شهده وضع الصحافيات في تونس إذا تعرضنا فقط إلى الصحافة المكتوبة وصحافة الوكالة، من تنامي عدد النساء اللواتي يتقلدن مناصب قيادية في مؤسسات صحفية، إذ تحتل اليوم مجموعة هامة من الصحافيات مناصب قيادية في مؤسسات إعلامية هامة. فقد تم خلال سنة 2003 تعيين امرأة على رأس جريدة "لابراس" اليومية الحكومية في منصب رئيس مدير عام الجريدة. كما تشغل صحافية منذ 1992 منصب نائبة أولى لرئيس التحرير في جريدة الشروق اليومية الخاصة وهي الجريدة الأكثر انتشارا في تونس. أما في وكالة تونس إفريقيا لللأنباء فوصل عدد الصحافيات اللواتي يشغلن مواقع مسؤولية إلى 20 امرأة خلال سنة 2003، تشغل إحداهن منذ سنة 2001 منصب مدير تحرير تناصفا مع رجل.
هذه هي المؤشرات البارزة عن وضع الصحافيات في تونس اليوم، وهي مؤشرات تعكس دون شك التطور الكمي والنوعي الذي أشرنا إليه في البداية. وهي أيضا مؤشرات تدفعنا دفعا من خلال هذه الدراسة للنبش في تاريخ دخول المرأة إلي الميدان الصحفي وبداية احترافها للمهنة الصحفية قصد الوقوف على كيفية بناء المسيرة الإعلامية للصحافية التونسية. وسيكون القسم الأول منها بناء على المنهج الذي حددته مؤسسة شرقيات لهذا البحث عن الصحافيات العربيات قسما وصفيا يحتوي كل الإحصائيات والمؤشرات المتعلقة بالصحافيات، فيما سنخصص قسما ثانيا من هذه الدراسة لعرض تجربة ثلة من الصحافيات التونسيات العاملات في الصحافة المكتوبة وفي وكالة تونس إفريقيا للأنباء اللواتي يتقلدن مواقع مسؤولية بالتركيز على كيفية وصولهن إلى هذه المناصب والصعوبات التي تواجههن، مع محاولة التعرف على المشاكل والعراقيل التي ترى هؤلاء الإعلاميات أن الصحافية تتعرض لها في عملها وتعيقها عن الوصول إلى مواقع قيادية في المؤسسات الصحفية وتحديد وجهة نظرهن في العوامل التي تساعد الصحافية في الوصول إلى هذه المراكز.
I - نشأة
الصحافة في تونس
لا يمكن دراسة واقع المرأة الصحافية التونسية الأمس واليوم بمعزل عن تاريخ نشأة الصحافة في تونس وتسليط الضوء على مختلف المراحل التاريخية التي مرت بها، ومن ثمة التعرض إلى بدايات المرأة في الإعلام، وخاصة المبادرات النسائية الأولى وكذلك التعريج على تاريخ الصحافة النسائية في تونس والوقوف على المنعرجات التاريخية التي مرت بها تجربة المرأة التونسية في الميدان الصحفي وتحديدا العوامل التي ساعدت على اقتحامها الميدان الإعلامي وتكثيف نسبة تواجدها فيه، التي سجلت ارتفاعا ما انفك يتدعم ولم يعرف التراجع أبدا.
تاريخيا، تأخر ظهور الصحافة في تونس نسبيا بالمقارنة مع جهات أخرى في العالم. ولا يمكن تحليل أسباب هذا التأخير دون ربط السلطة السياسية في تونس بالسلطنة العثمانية التي خضعت لتنظيمها والتي أبدت احترازا إزاء تقنيات الإعلام الحديث. وكان لهذا الاحتراز تأثيره في عرقلة بروز الصحافة بصفة مبكرة في مختلف أرجاء العالم الإسلامي.
ويؤكد مؤرخو الصحافة التونسية أن جريدة "الرائد التونسي" هي أول جريدة تونسية ظهرت في البلاد. وقد صدر العدد الأول منها يوم 22 جويلية 1860، أي قبل انتصاب الحماية الفرنسية بتونس بعشرين سنة تقريبا. وتعتبر هذه الجريدة واحدة من آليات التحديث التي أدخلها المصلحون التونسيون على البلاد، على غرار إنشاء المطبعة الرسمية وإدخال التلغراف وإحداث المدرسة الحربية وهيكلة الإدارات التونسية...
وانطلاقا من مقاربة سياسية قانونية لتاريخ الصحافة في تونس في مرحلة التأسيس، عرفت الصحافة التونسية في علاقتها بالسلطة عدة محطات. تميزت المرحلة الأولى بالتحول من نظام منع الصحافة والطباعة إلى نظام الاحتكار. فقد بقيت تونس حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر تخضع لنظام منع إصدار الصحف وإنشاء المطابع، غير أنه بعد أن أنشأ الإنجليزي "ريشار هولت" المطبعة الرسمية، شرع في شهر أفريل 1860 في إصدار الجريدة الرسمية باللغة الإيطالية ثم ظهرت جريدة الرائد التونسي باللغة العربية.
أما المرحلة الثانية في تاريخ الصحافة التونسية، فتميزت بالتحول من نظام الاحتكار إلى نظام الترخيص المسبق في إصدار الصحف. وخضعت الصحافة في مرحلة ثالثة إلى نظام الحرية، إلا أن هذه الحرية كانت مقيدة بضمان مالي فرضته السلطة كشرط أولي لإصدار الصحف. وفي مرحلة رابعة سعت السلطة إلى رفع هذا القيد المالي. وبفضل رفع الضمان المالي سنة 1887، صدرت أولى الجرائد التونسية الخاصة الناطقة باللغة العربية، من أهمها "نتائج الأخبار" و"الحاضرة" و"القصبة" (1888). وبإلغاء نظام الضمان المالي نهائيا، في مرحلة خامسة، فتحت الآفاق واسعة لنمو الصحافة الصادرة باللغة العربية التي حققت رقما قياسيا سنة 1910، إذ بلغت 11 عنوانا. وعموما فقد صدرت 54 دورية ناطقة باللغة العربية بين 1904 و1911. كما عرفت الصحافة العبرية والإيطالية والفرنسية أساسا أخصب فترة لها في تاريخ صدورها في تونس.
1. صحافيو فترة التأسيس
لم يكن رواد الإعلام في بدايات الصحافة في تونس من صنف المحترفين. فهم لم يبعثوا صحفهم للارتزاق منها ولم يمثلوا بالتالي فئة مهنية متميزة إلا في مرحلة متأخرة من تطور الصحافة1. وقد كان أغلب الصحافيين في البداية من الكتاب. وبعد صدور أول مجلة للصحافة في تونس سنة 1884، ظهر نوع جديد من الإعلاميين التونسيين الذين دخلوا ميدان الصحافة بدافع المصلحة المادية. وحرصت السلطة على التدخل لتنظيم نشاط هؤلاء الإعلاميين، فسلمتهم بطاقات تعريف تلغرافية. وامتاز الصحافيون التونسيون الأوائل بحركيتهم المكثفة وتنقلاتهم العديدة بين البلدان الأوروبية ودول المشرق. ومع أنه لاتوجد أي إشارة إلى مشاركة النساء في الكتابة أو امتهانهن الصحافة ولو بصفة ظرفية أو غير منتظمة خلال هذه المرحلة التاريخية، فإن الأقرب إلى الظن أن المرأة لم تكن بعد قد مارست النشاط الصحفي في فترة لا تزال فيها حبيسة المنزل ولم تحظ بأبسط حقوقها.
وبعد أن انتهى نظام الاحتكار وأصبح الميدان الصحفي مجالا مفتوحا للخواص، أصبح بالإمكان التمييز بين صنفين من الإعلاميين، صنف دخل الصحافة في إطار مبادرة إعلامية جماعية سواء حكومية أو خاصة وصنف آخر دخل الصحافة بمبادرة فردية. ويختلف هذين الصنفين من الإعلاميين في أغراضهم من ممارسة الصحافة وظروف عملهم الصحفي. وتمثلت المبادرات الجماعية في جريدة الرائد التونسي التي استقطبت الرواد الأوائل للصحافة وجريدة الحاضرة منذ سنة 1888 التي استقطبت صنفا ثانيا من أصحاب الأقلام التونسيين. وهناك أيضا صحافة حركة الشباب التونسي التي استقطبت منذ 1907 جيلا جديدا من الإعلاميين التونسيين.
أما المبادرات الإعلامية الفردية، فازدهرت خاصة بعد الإلغاء النهائي للنظام المالي. وتميزت هذه الفترة خصوصا ببداية الاحتراف الصحفي. ومن بين الصحف الصادرة بمبادرات فردية "نتائج الأخبار" (1888) و"لسان الأمة" (1906) وجريدة "الزهرة" التي تمكنت من الصدور بصفة متواصلة ودون انقطاعات كبيرة من 1890 إلى 1959. والملاحظ هنا أنه لاتوجد إلى حد هذه المرحلة من تاريخ الصحافة التونسية أي مبادرة نسائية فردية. كما غاب انخراط المرأة في المبادرات الصحفية الجماعية.
2. بروز الصحافة النسوية
بالاستناد إلى بعض المراجع والكتب التي أرّخت لبدايات الصحافة في تونس، يمكن القول إن نهايات القرن التاسع عشر شكلت فترة التأسيس لصحافة محترفة في تونس، غابت فيها كليا مشاركة المرأة في الميدان الصحفي. وقد اعتبرنا هنا أن الصمت عن الإشارة إلى مساهمات المرأة في الكتابة الصحفية خلال هذه المرحلة التاريخية يفسر أصلا بغياب مساهمتها في هذا المجال. وبناء عليه وتماشيا مع طبيعة موضوعنا المهتم بالصحافيات في تونس يمكن اعتبار هذه الفترة من الزمن وإلى حدود عشرينيات القرن الماضي، مرحلة أولى في تاريخ الصحافة التونسية. وسنعتبرها مرحلة اقتصرت فيها ممارسة المهنة الصحفية على الرجال
وسنعتبر أن بدايات العقد الثالث من القرن العشرين تمثل بداية مرحلة ثانية في تاريخ الصحافة التونسية، تتميز بظهور صحافة نسوية، وإن كانت غير تونسية، تدافع عن حقوق النساء وحرياتهن ومساهمة بعض النسوة في الكتابة وإن كن أيضا في البداية من الأجنبيات. فهذين العاملين، أي ظهور الدوريات المهتمة بمواضيع المرأة ومشاركة المرأة في الكتابة كان لهما أفضل الأثر في دخول المرأة إلى عالم الصحافة.
هذه المرحلة التاريخية الثانية في تاريخ الصحافة التونسية التي تتميز بدخول المرأة إلى جانب الرجل إلى الميدان الصحفي، ستتضح ملامحها خاصة بعد حصول البلاد على الاستقلال، وذلك بفضل مجموعة من العوامل التي ساهمت مجتمعة في تدعيم حضور المرأة في الصحافة المكتوبة وكذلك دخول مجالات إعلامية أخرى على غرار الإعلام السمعي البصري وصحافة الوكالة. وهكذا فإننا سنحاول انطلاقا من هذه الدراسة الوصفية لوضع الصحافيات التونسيات تسليط الضوء على العوامل المساعدة على تدعيم حضور المرأة على مستوى المؤسسات الإعلامية، خلال تلك المرحلة الجديدة من تاريخ تونس، الفترة الموالية للاستقلال وإلى اليوم، وبالتالي إبراز المنعرجات التاريخية التي عرفتها التجربة الصحفية النسائية.
II - دخول المرأة الميدان الصحفي : العوامل المساعدة
ساهمت عديد العوامل مجتمعة في مزيد بلورة صحافة محترفة في تونس إبان الاستقلال. كما تزايد عدد المؤسسات الصحفية وعدد الممارسين لهذه المهنة. ولعل المؤشر البارز خلال هذه المرحلة من تاريخ الصحافة التونسية هو احتراف المرأة التونسية للمهنة الصحفية. فأغلب المصادر التي كتبت في هذا المجال أشارت إلى أن السيدة درة بوزيد تعد أول صحافية محترفة في تونس وهي أول امرأة كتبت في جريدة الصباح، وذلك سنة 1951 من خلال مقال عن الفتيات الطالبات. وقد بدأت هذه الصحافية تجربتها المحترفة قبل الاستقلال بفترة بسيطة من خلال إشرافها على العدد الثاني من الركن المخصص للمرأة "ليلى تخاطبكم" الصادر ضمن جريدة "لاكسيون" في 13 جوان 1955.
ووجبت الإشارة في هذا الصدد إلى أن مختلف العوامل التي سنأتي على ذكرها هي عوامل ساهمت في تدعيم المهنة الصحفية ككل، ولكنها ساهمت أيضا في تدعيم حضور المرأة في الميدان الصحفي. كما أننا سنقتصر على العوامل التي هي في علاقة مباشرة بالمهنة الصحفية ولن نتطرق إلى العوامل الأخرى التي كان الهدف منها النهوض بأوضاع المرأة ككل، على غرار صدور مجلة الأحوال الشخصية وتزايد تعليم المرأة... وتتمثل هذه العوامل في الدور الجديد الذي أصبحت تضطلع به الصحافة بعد الاستقلال، الاهتمام بمسألة تكوين الصحافيين، تطور النظام القانوني والتنظيمي للصحافة في تونس، إضافة إلى تزايد عدد الصحف والدوريات الصادرة وانتعاش وظهورمؤسسات إعلامية أخرى...
1. العامل السياسي
أصبح للصحافة في تونس بعد الاستقلال دور سياسي يتمثل في دعم الوحدة القومية وسيادة الدولة ودور اقتصادي واجتماعي يتمثل في المشاركة في معركة التنمية. واهتمت السلطة بالإعلام من خلال دعمها للهياكل الإدارية المكلفة بتنظيم هذا القطاع ومراقبته. فقد أنشأت منذ 31 ماي 1956 كتابة دولة للإعلام. وارتبط قطاع الإعلام منذ 1961 بقطاع الثقافة نظرا للدور الثقافي والتربوي الموكول له في تلك الفترة.
ولئن ظل الإعلام في تونس إلى حدود نهاية الربع الأول من القرن العشرين يقتصر على المكتوب، فإنه منذ سنة 1924 انضاف الإعلام الإذاعي الذي انطلق بصفة تجريبية واقتصر في بداياته على القطاع الخاص. وبدأ البث الإذاعي بصفة رسمية سنة 1937، تاريخ حصول إذاعة تونس على ترخيص قانوني للإرسال.
وفي 31 مارس 1957 انتقلت الإذاعة إلى الملكية التونسية وأصبحت تسمى الإذاعة والتلفزة التونسية. وما انفكت هذه المؤسسة الوطنية تضاعف نشاطها وتطور خدماتها. وهي تمتلك حاليا خمس محطات إذاعية جهوية وقناة تلفزية للشباب. كما تأسست بعد استقلال البلاد بخمس سنوات، وكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات) في غرة جانفي 1961. وقد قامت منذ خطواتها الأولى بدور كبير في مجال الإعلام جعلها تشتهر بسرعة في أوساط الصحافة الدولية. وتبث وات أخبارها بصفة مستمرة وباللغتين العربية والفرنسية. وقد استقطبت هاتين المؤسستين المرأة وعملتا باستمرار على تدعيم الحضور النسائي فيها.
وعلى مستوى الصحافة المكتوبة، تزايد بعد الاستقلال عدد الدوريات الصادرة. كما برزت أيضا الصحافة المتخصصة، فازدهر الإعلام الثقافي حيث صدرت مجلة "الفكر" سنة 1955 وتواصلت إلى 1986. كما ظهرت سنة 1961 مجلة "التجديد" وازدهر كذلك الإعلام التربوي والبيداغوجي، إذ صدرت مجلة "التربية الشاملة" سنة 1967 و"المجلة التونسية لعلوم التربية" سنة 1975. أما في مجال الإعلام الاقتصادي، فبرزت مجلة "الأخبار الإقتصادية" سنة 1975 ومجلة "الإقتصادي" سنة 1970 و"الإعلام الصحي".
2. العامل الهيكلي
أما على مستوى التكوين المهني للإعلاميين، فقد اهتمت الدولة منذ السنوات الأولى للاستقلال بمسألة تكوين الصحافيين وقد أحدثت في 15 نوفمبر 1956 معهدا للصحافة يؤمن تكوينا مدته عشرة أشهر. غير أن تجربة التكوين قصير المدى هذه لم تعمر طويلا واضطر المعهد إلى غلق أبوابه في شهر جوان 1956. ورغم هذا الاخفاق، واصلت الدولة الاهتمام بتكوين الصحافيين من خلال توفير المنح لمتابعة دراسة الصحافة في الخارج إلى أن تم إحداث معهد علي باش حانبة في شهر أفريل من سنة 1964 الذي كان في الوقت نفسه يكون محافظي المكتبات والموثقين وأعوان مختصين في الإحصاء. وكانت دروس معهد علي باش حانبة مفتوحة إلى الأشخاص العاملين في مهنة الصحافة في مرحلة أولى بهدف رسكلتهم وتحسين خبراتهم، وإلى المترشحين الحاملين لشهادة البكالوريا والذين اتجهوا نحو دراسة الصحافة في مرحلة ثانية.
وارتقى هذا المعهد سنة 1967 إلى مؤسسة جامعية للتعليم العالي تسمى معهد الصحافة وعلوم الإخبار. وظل طوال ست سنوات تقريبا يؤمن تكوينا تكميليا، ذلك أنه للتمكن من متابعة الدراسة بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار، لابد أن يكون المترشح حاملا لشهادة البكالوريا أو لشهادة مماثلة وخاصة أن يكون مسجلا في إحدى الكليات بهدف إعداد إجازة في اختصاص آخر. وبداية من سنة 1973 أصبح التكوين في معهد الصحافة مستقلا بذاته لا يتطلب تكوينا موازيا. ومن أجل مزيد تحسين المستوى العلمي والمهني للصحافيين بعث المركز الإفريقي لتدريب الصحافيين والإعلاميين سنة 1982. وهو يتولى تنظيم دورات تكوينية وتدريبية للصحافيين التونسيين والعرب والأفارقة.
وتجب الإشارة هنا إلى أن الدفعات الأولى من خريجي معهد الصحافة وعلوم الإخبار في صيغته الأولى أو الثانية لم يكن من ضمنها نساء. ويشير دليل خريجي معهد الصحافة إلى أن أول دفعة كان من بين خريجها امرأة هي دفعة سنة [3]1975.
جدول 1 : حضور النساء في الدفعات الأولى من خريجي معهد
الصحافة وعلوم الإخبار
السنة |
الخريجون |
الخريجات |
المجموع |
1969 |
4 |
0 |
4 |
1971 |
7 |
0 |
7 |
1972 |
14 |
0 |
14 |
1973 |
15 |
0 |
15 |
1974 |
11 |
0 |
11 |
1975 |
9 |
1 |
10 |
1976 |
21 |
6 |
27 |
1977 |
28 |
7 |
35 |
1978 |
54 |
15 |
69 |
المصدر : دليل خريجي معهد الصحافة وعلوم الإخبار، وثيقة غير منشورة.
يبين الجدول أن تركيبة خريجي معهد الصحافة وعلوم الإخبار عرفت تغيرا خلال دفعتي 1977 و1978، إذ ضمت هذين الدفعتين عددا لابأس به من النساء. فقد بلغ عدد الخريجات سنة 1977 حوالي خمس مجموع الخريجين، فيما فاقت نسبتهن الخمس خلال سنة 1978. والمعلوم أن هاتين الدفعيتن هما الدفعتين الأولى والثانية لخريجي معهد الصحافة بعد أن أصبح يقدم تكوينا مستقلا بذاته دون الحاجة إلى الحصول على إجازة موازية. وتجب الإشارة أيضا إلى أن أغلب اللواتي حصلن على الأستاذية في الصحافة وعلوم الإخبار يعملن في الوقت الحالي في ميدان الصحافة.
كما عملت السلط العمومية على المستوى التنظيمي، على تحديد هوية الصحافيين المحترفين ومنحهم بطاقة تعريف مهنية خاصة بهم. وتضمنت مجلة الشغل التونسية المؤرخة في 30 أفريل 1966 بابا خاصا بالصحافيين المحترفين وحقوقهم وواجباتهم المهنية. كما تأسست جمعية الصحافيين التونسيين في سنة 1962، للدفاع عن الحقوق المعنوية لهؤلاء الصحافيين.
وبخصوص التنظيم القانوني للصحافة، فالمعلوم أن قضية حرية الصحافة طرحت منذ سنة 1884. فقد كان لزاما في ذلك الوقت تنظيم قطاع الصحافة على أسس واضحة بعد تزايد عدد الصحف المتحصلة على رخص وقتية. وصدر بالفعل سنة 1884 أول قانون للصحافة في تونس مستوحى من القانون الفرنسي مع بعض التعديل (الضمان المالي). وبعد حركة مد وجزر عرفها صدور الصحف في تونس، تم سن ثاني مجلة للصحافة سنة 1922. وإبان الاستقلال مباشرة وتماشيا مع هذا الحدث الهام الذي عرفته البلاد وما خلقه من رؤى جديدة، تم سن ثالث مجلة للصحافة وذلك سنة 1956. وصدرت المجلة الرابعة والأخيرة في تاريخ الصحافة التونسية في 25 أفريل 1975 التي لا تزال إلى اليوم سارية المفعول. وتم تنقيح هذه المجلة الأخيرة ثلاث مرات.
وبصدور رابع مجلة للصحافة في تونس والتي حاولت أن تخلق مناخا جديدا لممارسة المهنة الصحفية، عرفت الصحافة المكتوبة على وجه التحديد حركية هامة منذ أواسط العقد السابع. فظهرت عدة صحف إخبارية جديدة قام بإصدارها الخواص مثل "الأيام" و"المسيرة" و"الناس" و"تونس هبدو". كما ظهرت منذ بداية الثمانينات عدة صحف ومجلات مستقلة مثل جريدة "لوفار" ومجلة "المغرب العربي" ومجلة "حقائق". والملاحظ أن عددا كبيرا من هذه الدوريات توقف عن الصدور، فيما لا يزال البعض منها متواصلا إلى اليوم.
وهكذا تطورت تدريجيا وضعية الصحافيين المحترفين من حيث العدد والمستوى الثقافي والتكوين والتنظيم المهني وبدأت المهنة الصحفية تفرض نفسها في تونس كمهنة لها خصوصياتها وتسعى لتدعيم استقلاليتها. وبلغ عدد الصحافيين المحترفين المتحصلين على البطاقة المهنية 220 صحافيا سنة 1972 وارتفع هذا العدد سنة 1987 ليبلغ 427 صحافيا. ويتوزع الصحافيون على المؤسسات الإعلامية سنة 1987 على النحو التالي : 97 صحافيا في الإذاعة والتلفزة بنسبة 22.6 بالمائة و128 صحافيا في وكالة تونس إفريقيا للأنباء بنسبة 30 بالمائة. وتستوعب الصحف التونسية اليومية 149 صحافيا بنسبة 35 بالمائة. أما بقية الصحافيين، فتستوعبهم الصحف الأسبوعية ووسائل الإعلام الأخرى. أما بخصوص توزيع الصحافيين حسب الجنس، فيتضح أن مهنة الصحافة بقيت إلى سنة 1987 مهنة ذكور، باعتبارها تستوعب 371 صحافيا بنسبة 87 بالمائة و56 صحافية بنسبة 13 بالمائة،[4] علما أن نسبة الصحافيات كانت في حدود 11 بالمائة سنة 1997 [5].
وتطورت كل هذه النسب خلال عقد التسعينيات. فقد بلغ مجموع عدد الصحافيين 730 خلال سنة 1994، من بينهم 164 صحافية بنسبة 22.5 بالمائة. ويتوزع هذا العدد حسب المؤسسات الإعلامية على النحو التالي : 17.9 بالمائة يعملون في الصحافة المكتوبة و25.6 بالمائة في وكالة تونس لإفريقيا للأباء و33.5 بالمائة في مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية. واستمر عدد الصحافيين المحترفين في تطور مستمر وبلغ سنة 2002، 951 صحافيا يعملون بمختلف المؤسسات الإعلامية من بينهم 327 صحافية بنسبة 34.38 بالمائة. وتشغل مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية النسبة الأكبر من هؤلاء الصحافيين 45.8 بالمائة وتستقطب وكالة تونس إفريقيا للأنباء 41.9 بالمائة ، فيما تشغل الصحافة المكتوبة العدد الأقل من الصحافيين بنسبة 15.7 بالمائة.
III - الصحافية التونسية : تجربة أجيال
في بداية عهد الحماية عاشت المرأة مهمشة ومحرومة من ممارسة أبسط حقوقها. وكان للمصلحين التونسيين ومن أهمهم الطاهر الحداد دور متميز في تاريخ المرأة التونسية. فبعد صدور كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" بدأت المرأة التونسية تعي دورها وتعرف حقوقها فتطالب بها. واكتفت، في البداية، بعقد الاجتماعات النسائية ثم شاركت في الحياة السياسية والنضال من أجل الاستقلال.
وانعقد أول اجتماع نسائي يوم 20 فيفري 1932 بدار الخلصي بتونس العاصمة لإنشاء جمعية نسائية. وبعد ذلك تعددت الاجتماعات النسائية في العاصمة وضواحيها. ومع أواخر الثلاثينات دخلت المرأة معترك النضال السياسي، فشاركت بالخصوص في المظاهرات التي نظمها الحزب الدستوري الجديد يوم 8 أفريل 1938. وساهم دخول المرأة معترك النضال السياسي ومشاركتها في حركة المقاومة وعقدها للاجتماعات النسائية في مزيد توعية المرأة بحقوقها. فسعت للمطالبة بها والنضال من أجلها بعدة وسائل، من بينها الدوريات النسوية التي تنزع إلى تحسين وضع المرأة في المجتمع بتوسيع دائرة حقوقها. وتعتبر الدكتورة توحيدة بالشيخ أول امرأة في تونس تصدر صحيفة نسوية تونسية في سنة 1936 بعنوان "ليلى"، مع أن مصادر أخرى تشير إلى أن مجلة ليلى صدرت سنة 1941 وقد أصدرها رجل.
وواصلت المرأة عملها الوطني في كنف السرية ضمن حركة المقاومة إلى حين حصول البلاد على الاستقلال[6]. وتدعم نشاط الحركات النسائية بعد الحرب العالمية الثانية وذلك بفضل انتشار الوعي أكثر فأكثر لدى الفئات الاجتماعية وارتفاع عدد المثقفات، فسعت نساء أخريات إلى الدفاع عن حقوق المرأة وحرياتها عن طريق الكتابة في مواضيعها لخلق الالتفاف حولها، لكن هذه الكتابات لم ترتق بعد إلى درجة الاحتراف الصحفي. وفي سنة 1944 أنشأ الحزب الشيوعي التونسي منظمتين نسائيتين تضمان منخرطات من جنسيات وديانات مختلفة هما اتحاد نساء تونس واتحاد فتيات تونس. وأصدرت كل منظمة سنة 1945 مجلة باللغة الفرنسية. ولعل الملاحظة البارزة التي يمكن تسجيلها إلى حدود هذا الظرف التاريخي هي أن مهنة الصحافة ظلت حكرا أو تكاد على الرجال، فحتى الكتابة في مواضيع المرأة بغرض الدفاع عن حقوقها كاد يقتصر على عدد من الرجال.
1- نشأة الصحافة النسائية
برزت اللبنات الأولى للصحافة النسائية في تونس مع الأحداث الوطنية قبل الاستقلال وعبرت عن قضايا المرأة آنذاك. وشاركت فرنسيات مقيمات بتونس في عهد الحماية في إصدار نشريات من بينها "Bulletin du comité des dames amies de Carthage" التي استمرت من 1921 إلى 1924. و"Fleurs de Tunisie" التي استمرت من سنة 1933إلى سنة 1935وهي نشرية أصدرتها جمعية الشباب الكاثوليكي النسائي بتونس. و"Jeunesse Catholique Féminine de Tunisie". كما صدرت عناوين أخرى مثل "Pour Dame" (1937 – 1938) و"Bien Aimée" و"Femme de Tunisie".
أ- ما قبل الإستقلال
أما بخصوص صدور أول صحيفة نسائية في تونس، فقد اختلفت المصادر والمراجع في تحديد تاريخ صدورها ومؤسسها. ففي حين تشير بعض المصادر إلى أن تاريخ صدور هذه الصحيفة التي تسمى "ليلى" يعود إلى سنة 1936 وأن مؤسستها هي توحيدة بالشيخ وأن هذه الصحيفة تواصلت إلى جويلية 1946، فإن مصادر أخرى تؤكد أن "ليلى" أول صحيفة نسائية في تونس صدرت في نوفمبر 1940 وتوقفت قبل بلوغ عامها الأول، وذلك في جويلية 1941 وكان مؤسسها رجل وهو محمد زروق. ولكن مهما يكن من أمر فجميع المصادر تؤكد أن "ليلى" هي بالفعل أول دورية تهتم بمجالات المرأة صدرت في تونس وأن توحيدة بالشيخ عملت في هذه الصحيفة، مما ساهم في مزيد تشجيع التونسيات على اقتحام الميدان الصحفي وشجع على إصدار دوريات نسائية أخرى.
كما أصدر الاتحاد النسائي التونسي بعد الحرب العالمية الثانية مجلة "نسـاء تونـس" "Femme de Tunisie" في مارس 1945 وتواصلت إلى جـوان 1946. وأصدر اتحـاد فتيـات تونـس من جهته مجلة "فتيـات تونـس" "Jeune fille de Tunisie" في أكتوبر 1945 وتواصلت إلى جوان 1946. وصدرت في أواخر عهد الحماية في تونس مجلة نسائية تونسية أخرى بعنوان "الإلهام"، دامت من مارس 1955 إلى جانفي 1956.
ب. فــتـرة ما بـعد الاستقـلال
وتطورت بعد الاستقلال الصحافة النسائية والصحافة المهتمة بمجالات المرأة في تونس. فبرزت تجارب أخرى، منها مجلة "فايزة" التي أصدرتها سنة 1959 درة بوزيد وصفية فرحات. ومجلة "فايزة" هي دورية نسائية شهرية صدرت في البداية باللغتين العربية والفرنسية، ثم أصبحت تصدر باللغة الفرنسية فقط. وتعتبر هذه المجلة أول مجلة نسائية ناطقة باللغة الفرنسية تصدر في تونس والعالم العربي وإفريقيا. ودامت "فايزة" تسع سنوات، إذ تواصل صدورها إلى ديسمبر 1967.
وتجدر
الإشارة إلى أن درة بوزيد أشرفت، قبل تأسيس مجلة "فايزة"، على ركن خاص
بالمرأة كان يصدر ضمن جريدة "لاكسيون" الأسبوعية التي أسسها البشير بن
يحمد، وهو ركن بعنوان "ليلى تخاطبكم" وأصبح فيما بعد بعنوان
"لاكسيون فيمنين" كما أصبح يصدر في صفحة كاملة. وتواصل صدور هذا الركن
ضمن هذه المجلة من ماي 1955 إلى 1961. وتعتبر "ليلى تخاطبكم" التي أصبحت
فيما بعد "لاكسيون فيمنين" أول دورية نسائية تصدر في تونس المستقلة[7].
كما أصدرت زكية قاوي سنة 1960 جريدة نسائية أسبوعية باللغتين العربية والفرنسية بعنوان "صوت المرأة"، لكن هذه الجريدة لم تعمر طويلا. وأولى الاتحاد النسائي التونسي بدوره اهتماما بالصحافة النسائية وأصدر منذ 15 ديسمبر 1961 مجلة نسائية شهرية بعنوان "المرأة"، وهي مجلة لا تزال تصدر إلى اليوم. وظهرت في أواخر الستينيات مجلة نسائية بعنوان "سلوى"، لكنها لم تعمر طويلا، إذ دامت من 1968 إلى 1969.
وتعتبر الفترة الموالية للاستقلال منعرجا حقيقيا في تاريخ الصحافة التونسية ككل وفي تاريخ المرأة الصحافية على وجه الخصوص. فاعترافا بتضحيات المرأة التونسية ونضالها ضد الاستعمار ومساندتها للحركة الوطنية وإيمانا بدورها الهام في المجتمع وكذلك في الحياة العامة، منحت أول حكومة في تونس المرأة جملة من الحقوق والامتيازات اعتبرت ريادية في تلك الفترة. وساهمت كل الإجراءات التي تم اتخاذها لفائدة المرأة في اقتحامها جميع الميادين ومنها الميدان الإعلامي. فإلى جانب الإعلاميين الذين برزوا في مجال الصحافة المتخصصة، تميزت الساحة الصحفية، بعد الاستقلال، ببروز عدة إعلاميات كان لهن دور متميز في بعث وتحرير بعض الصحف.
وتعتبر درة بوزيد من رائدات الصحافة وأول صحافية محترفة في تونس. فقد ساهمت في تحرير جريدة "لاكسيون" التي أصدرها البشير بن يحمد سنة 1955، وهي جريدة سياسية خصصت ركنا للمرأة، تولت الصحافية درة بوزيد الإشراف عليه منذ صدور العدد الثاني منه. ولما أسست الرسامة صفية فرحات مجلة فايزة سنة 1959 بمبادرة فردية، تولت درة بوزيد الإشراف على هذه المجلة النسائية التي تصدر في لغتين العربية والفرنسية وساهمت في تأسيس أركانها على مستوى التحرير.
وساهمت درة بوزيد أيضا في إدخال عدد من النساء إلى المجال الصحفي على غرار زهرة حنابلية وزهرة العامري وصفية بداي. ثم ساهمت في تحرير مجلة "كونتاكت" عام 1973 وجريدة "تونس هبدو" منذ عام 1976 وجريدة "لوفار" المستقلة منذ عام 1980 وجريدة "هبدو توريستيك".
وأصدرت عايشة الشايبي مجلة أدبية ثقافية منوعة باللغة الفرنسية عنوانها "الخنساء" منذ أفريل 1971. كما أصدرت آمنة بلخوجة مجلة اقتصادية عنوانها "Publi Magazine" منذ جانفي 1976. وأصدرت شريفة شوباني ثم جويدة السلامي باسم جمعية قدماء معهد الباشا مجلة فصلية منذ جانفي 1985 عنوانها ملتقى الأجيال. وأصدرت آمنة بلحاج يحي منذ أفريل 1985 مجلة شهرية نسائية ثقافية عنوانها "نساء" باللغتين العربية والفرنسية[8].
وهكذا نلاحظ أن المبادرات الصحفية النسائية تأخرت بالمقارنة مع المبادرات الصحفية الرجالية التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تاريخ بداية الاحتراف الصحفي في تونس. ويبقى تأخر مبادرة النساء بإصدار صحف في علاقة بتأخر احترافهن لمهنة الصحافة.
ج. فترتا السبعينات والثمانينات
وبعد التحول الليبرالي الذي شهدته تونس منذ السبعينيات، صدرت دوريات نسائية جديدة. فقد أصدرت عائشة الغربي مجلة "الخنساء" منذ عام 1971. وفي سنة 1972 صدرت ضمن جريدة لابراس صفحة نسائية أسستها درة بوزيد وفي 1974 أصدر العربي الوصيف مجلة فصلية للموضة باللغة الفرنسية عنوانها "برومود" "Promode"، تواصلت إلى سنة 1978. وفي الفترة نفسها أصدرت ليلى مامي التي كانت تعمل ضمن هيئة تحرير "برومود" مجلة "Femina" باللغة الفرنسية أيضا وتواصلت هذه المجلة من شهر نوفمبر 1974 إلى شهر أوت 1976. كما ظهرت مجلة "فريدة" التي أصدرها الطاهر بن مصطفى في شهر ماي من سنة 1975، إلا أنها لم تعمر طويل وتوقفت في فيفري 1976 [9].
وتطورت الحركة النسائية في تونس خلال فترة الثمانينيات. ونتيجة لهذا التحول، ظهرت عناوين جديدة من بينها "ملتقى الأجيال" التي أصدرتها جمعية قدماء معهد نهج الباشا للفتيات سنة 1984 وهي مجلة فصلية باللغتين العربية والفرنسية. كما ظهرت مجلة أخرى بعنوان "نساء" التي صدر العدد الأول منها في شهر أفريل سنة 1985، وهي مجلة شهرية ناطقة باللغتين العربية والفرنسية. أصدر هذه المجلة فريق من النساء التقدميات وهو الذي بعث فيما بعد جمعية النساء الديمقراطيات. وتوقفت "نساء" عن الصدور سنة 1987. وفي هذه السنة نفسها أصدرت وزارة المرأة التي تأسست سنة 1983 مجلة فصلية ناطقة باللغتين العربية والفرنسية عنوانها "المرأة والأسرة والسكان"، أسستها فتحية مزالي، أول امرأة وزيرة في الحكومة التونسية.
د. فترة التسعينات
وعلى إثر تحول السابع من نوفمبر 1987، صدرت عناوين جديدة في مجال الصحافة النسائية من بينها وفي سنة 1988 أصدرت وحيدة بلحاج مجلة شهرية ناطقة باللغة الفرنسية بعنوان بلوريال، ولكنها انقطعت عن الصدور بعد سنة فقط. وفي سنة 1989 صدرت مجلة بعنوان النصف النابض وتوقفت عن الصدور في السنة نفسها. كما ظهرت في شهر سبتمبر 1990 مجلة شهرية بعنوان "سوار" يصدرها الطيب الملي، وهي مجلة غير منتظمة الصدور.
كما صدرت في السنة نفسها مجلة بعنوان "البيت الكبير" كما أصدر مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة في شهر أوت 1991 مجلة فصلية ناطقة باللغتين العربية والفرنسية تحمل عنوان "أخبار الكريديف". وفي بداية 1996 ظهرت مجلة "نيونس" "Nuance"، وهي مجلة لا تزال تصدر إلى اليوم. وأصدر الاتحاد الوطني للمرأة التونسية في شهر أوت 1997 نشرية ناطقة باللغتين العربية والفرنسية تحت عنوان أخبار المرأة، لم يصدر منها إلا ثلاثة أعداد. وصدرت آخر مجلة نسائية في تونس في شهر ماي 1998، وهي مجلة المرأة وحقائق التي أسستها درة بوزيد صلب المجلة الأسبوعية "حقائق". وتصدر هذه المجلة باللغة الفرنسية كل شهر[10].
والملاحظ أنه منذ الاستقلال إلى سنة 1994 ظهرت 14 دورية نسائية لم يبقى منها إلا خمس دوريات غير منتظمة الصدور، عدا مجلة المرأة التي تفتقد إلى أسرة تحرير قارة. وهناك ملاحظة أخرى تعكس مفارقة هامة بالنسبة إلى واقع الصحافة النسائية في تونس، فأول مجلة نسائية نسوية محترفة خاصة، وهي مجلة "فايزة"، أسستها درة بوزيد سنة 1959. كما أن آخر مجلة من هذا النوع، وهي "المرأة وحقائق"، أسستها درة بوزيد أيضا سنة 1998، أي بعد مضي 40 سنة تقريبا، وفيما عدا ذلك لم يسجل المشهد الإعلامي في تونس صدور أي دورية نسائية إلا تلك التجارب التي لم تعمر طويلا أو تلك الدوريات الصادرة عن منظمات أو مؤسسات معينة بمجالات المرأة، على غرار مجلة "المرأة" التي أصدرها الاتحاد الوطني للمرأة التونسية سنة 1961 أو "أخبار الكريديف" التي أصدرها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة سنة 1991.
III- موقع الصحافية في المشهد الإعلامي ككل
عرفت المرأة التونسية عموما قبل الاستقلال سياسة التهميش، إلا أن بروز عدد من رجال الإصلاح، على غرار عبد العزيز الثعالبي والطاهر الحداد، نادوا بضرورة تحرير المرأة وتمكينها من حقوقها، جعل هذه الأخيرة تعي حقوقها وتطالب بها. وقد عقدت لأجل ذلك الاجتماعات واللقاءات وأسست المنظمات والاتحادات النسائية وأصدرت المجلات النسائية، وذلك منذ بداية الثلاثينيات وإلى أن حصلت البلاد على الاستقلال. فقد تم إصدار مجلة "ليلى" التي أشرفت عليها توحيدة بالشيخ وتولت درة بوزيد الإشراف على "ليلى تخاطبكم" التي تصدر ضمن جريدة "لاكسيون" قبل استقلال بفترة وجيزة.
1. فترة ما بعد الإستقلال
وحصلت المرأة التونسية بعد الاستقلال بفضل عديد الاجراءات التي اتخذتها الدولة لفائدتها، اعترافا بنضالاتها ضد المستعمر، على مجموعة من الحقوق ضمنتها لها مجلة الأحوال الشخصية ومجلة الشغل ومجموعة من الاتفاقيات الدولية المتصلة بحقوق المرأة والمصادق عليها من قبل تونس. وقامت درة بوزيد التي أسست بمعية صفية فرحات مجلة "فايزة" بتشجيع ثلة من النساء على الدخول إلى هذه المجلة، ومن ثمة امتهان الصحافة.
وهكذا شهدت فترة الستينيات ارتفاعا في عدد النساء اللواتي امتهن الصحافة بالتوازي مع تعدد الجرائد الصادرة في البلاد وتنوع المشهد الإعلامي عموما. فقد انضمت جليلة حفصية إلى جريدة لابراس، وأسست بها صفحة خاصة بالمرأة تحت عنوان المرأة والشغل، وذلك بعد أن عايشت المشاكل التي تتعرض لها زميلاتها الصحافيات في عملهن اليومي. وكانت جليلة حفصية أصدرت أول مقال لها في مجلة قرطاج سنة 1960، فيما انضمت نساء أخريات إلى مؤسسة الإذاعة والتلفزة على غرار مليكة بالخامسة ووحيدة بالحاج[11].
2. فترة السبعينات والثمانينات
كانت المهنة الصحفية أكثر استقطابا للمرأة خلال فترة السبعينيات. ويبدو ذلك في علاقة بارتفاع عدد المتخرجات من الجامعة التونسية. واستهوت المهنة الصحفية خاصة المتحصلات على الإجازة في الآداب. ويعود الارتفاع النسبي لعدد الصحافيات خلال فترة السبعينيات بالأساس إلى تخرج أول الدفعات من معهد الصحافة وعلوم الإخبار التي كان من ضمنها نساء. ويبين دليل التكوين بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار أن الدفعة الأولى التي تخرجت من ضمنها نساء كانت سنة 1975 (امرأة واحدة)، فيما ضمت الدفعة التي تليها مباشرة سنة 1976 ست نساء، التحق أغلبهن بالمهنة الصحفية.
واقتحمت المرأة ميدان الصحافة والإعلام في تونس من بابه الواسع خلال فترة الثمانينات. ففي هذه الفترة بالذات شهد عدد المرسمات بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار ارتفاعا منقطع النظير. وبارتفاع عدد المتحصلات على الأستاذية في الصحافة وعلوم الإخبار، ارتفع عدد الإعلاميات المقبلات على المهنة والممارسات لها. وبرز خلال عقد الثمانيات جيل مميز من النساء الصحافيات عرفن بجرأتهن وحبهن لمهنة المتاعب، بل وعشقهن لها. فقد تكبدن المتاعب والمشاق في سبيل الدفاع عن حقوق النساء والنهوض بوضعية المرأة.
ومن خلال البحث الوثائقي الذي قمنا به في إطار الإعداد لهذه الدراسة، تبين أن معظم البحوث التي تناولت موضوع المرأة ووسائل الإعلام في تونس، ركزت على صورتها في وسائل الإعلام أي المرأة كموضوع للمادة الإعلامية. بينما استأثر حضور المرأة في وسائل الإعلام باهتمام أقل من قبل أوساط البحث المهتمة بهذا المجال، لذك تبقى المعطيات والإحصائيات المتعلقة بالصحافيات التونسيات خلال العقود الموالية للاستقلال شحيحة. ولم نجد ظالتنا حتى في المؤسسات المعنية بالصحافيين على غرار الإدارة العامة للإعلام. فباستثناء عقد التسعينيات لم نكد نعثر على أي مؤشرات تهم عدد الصحافيين والصحافيات.
وحملتنا ندرة الإحصائيات المتعلقة بالصحافيات والصحافيين خلال العقود الماضية باستثناء عقد التسعينيات، في المؤسسات والإدارات ذات العلاقة على البحث عن أي معلومة أو مؤشر يصف وضع الصحافيات، وذلك خاصة من خلال رسائل ختم الدروس الجامعية التي أنجزت في عقدي السبعينيات والثمانينات ومن خلال الاستجوابات التي قمنا بها مع الصحافيات في إطار الإعداد لهذه الدراسة.
لقد أصبحت كل إشارة أو معلومة أو اسم لصحافية برزت في فترة ما مؤشرا حقيقيا لافت للانتباه عساه يكون خيطا يمكننا من مسك بقية خيوط فترة محددة من تاريخ الصحافية التونسية.
ولما كانت المؤشرات
والأعداد والنسب التي جمعناها محدودة. كما تضاربت في شأنها الآراء، ارتأينا دراسة
حالة مؤسستين صحفيتين عريقتين في تونس هما وكالة تونس إفريقيا للأنباء وجريدة
الشروق اليومية الخاصة لتبيان تطور حضور المرأة في هذين المؤسستين وفي القطاع
الإعلامي عموما.
جريـدة الشـروق : دراسة حالة[12]
صحيفة الشروق هي صحيفة يومية مستقلة جامعة أسسها عن "دار الأنوار" للصحافة والنشر صاحبها المرحوم صلاح الدين العامري. وهو صحافي عمل في السابق بجريدة الصباح اليومية. كما تولى رئاسة تحرير جريدة البيان. وقد تأسست الشروق في البداية كجريدة أسبوعية سنة 1985، ثم أصبحت يومية في شهر نوفمبر 1988. وجريدة الشروق هي الأولى انتشارا في تونس. وهي تصدر يوميا في 85 ألف نسخة.
أ- موقع المرأة الصحافية في صحيفة الشروق
تعتبر الصحافية فاطمة بن عبد الله الكراي من المؤسسات لجريدة الشروق، اليومية، لكنها لم تكن المرأة الصحافية الوحيدة فسرعان ما انضم إلى أسرة تحرير جريدة الشروق اليومية ما يناهز 6 صحافيات من مجموع 35 صحافي. وقد كان عدد الصحافيات في الجريدة عندما كانت أسبوعية أربعة فقط من مجموع اثني عشر صحافيا، اثنين من بين هؤلاء الصحافيات متحصلات على الأستاذية في الصحافة وعلوم الإخبار وواحدة على الإجازة في الحقوق وواحدة على الإجازة في اللغات. إلا أن العديد من خريجات معهد الصحافة حديثات العهد بالتخرج خيرن مغادرة جريدة الشروق والالتحاق بمؤسسات إعلامية رسمية أو شبه رسمية، على غرار وكالة تونس إفريقيا للأنباء ومؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية، باعتبار أن مسألة التوقيت والسلم الوظيفي في هذه المؤسسات تعد أوضح قانونيا من وضعية الصحافة المكتوبة الخاصة.
تعتبر الشروق أول صحيفة يومية في تونس تشارك في كتابة افتتاحياتها امرأة وهي الصحافية الخاصة الأولى أيضا التي تتيح الفرصة للمرأة للكتابة في المواضيع السياسية. وهي كذلك أول صحيفة تعتلي فيها امرأة منصب نائبة رئيس التحرير وتقوم بالمهمة فعليا ويكون اسمها مثبتا في "جينيريك" الصحيفة.
تنتمي إلى جريدة الشروق في الوقت الحالي ثماني صحافيات من مجموع 23 صحافيا. اثنتان من هؤلاء الصحافيات تتوليان كتابة الافتتاحية بالتداول مع اثنين آخرين من الرجال. كما تتولى الآن وبعد رحيل مؤسس الصحيفة، سيدة مهمة الرئيس المدير العام لدار الأنوار بصحفها الأربعة : الأنوار (أسبوعية) والشروق (يومية) والأسبوع المصور (أسبوعية) و"لوكوتديان" (يومية ناطقة باللغة الفرنسية).
وعموما تقارب نسبة النساء الإعلاميات في كامل دار الأنوار نسبة الصحافيين، باعتبار أن صحيفة لوكوتديان اليومية التي بدأت في الصدور منذ سنة ونصف تقريبا، تأسست في فترة حققت فيها نسبة الطالبات بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار ومن ثمة نسبة الخريجات ارتفاعا هاما بالمقارنة مع عدد الطلبة والخرجين. وهي يساوي فيها اليوم عدد الصحافيات أو يفوق عدد الصحافيين.
ب-
على مستوى اتخاذ القرار
تتكون
هيئة تحرير جريدة الشروق من رئيس التحرير وهو رجل ونائبته الأولى امرأة، التي ارتقت
إلى منصب رئيس قسم سنة 1990 ومنصب رئيس تحرير مساعد منذ 1992، ونائبه الثاني رجل.
وتتم عملية اتخاذ القرارات داخل الجريدة عبر التحاور والتشاور وتقديم الخيارات،
بغض النظر عن مسألة الجنس.
وكالة تونس إفريقيا للأنباء : دراسة حالة [13]
تأسست
وكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات) في غرة جانفي 1961. وهي مؤسسة خفية الاسم ذات
طابع شبه عمومي تساهم الدولة في تغطية من 70
إلى 80 بالمائة من ميزانيتها. وتغطي وات الجزء المتبقي من خلال مواردها الخاصة
وأساسا من خلال الخدمات وبيع الصور. وتبث وكالة تونس إفريقيا للأنباء أخبارها
باللغتين العربية والفرنسية دون توقف بالليل والنهار.
قامت الوكالة منذ خطواتها الأولى بدور كبير في مجال الإعلام جعلها تشتهر بسرعة في أوساط الصحافة الدولية. ففي سنة 1961 اختارت الثورة الجزائرية مدينة تونس عاصمة لها، فما كان من وكالة وات إلا أن استغلت ذلك الوضع الفريد. كما أتاحت لها معارك بنزرت الفرصة لتقوم بدور فعال للتأثير على الرأي العام الدولي.[14]
وعرفت وات بداية نهضتها الحقيقية خلال سنوات السبعين عندما بدأت في انتداب أصحاب الشهادات العليا من خريجي الجامعات وخاصة معهد الصحافة وعلوم الإخبار الذي تخرجت دفعاته الأولى في تلك الفترة. وتواصل التطور الإيجابي على مستوى الموارد البشرية بفضل تحسن أجور ورواتب الصحافيين العاملين في وكالة وات. وشهد هذا التطور ذروته خلال الخمس سنوات الأخيرة من عقد التسعينيات.
1. موقع المرأة الصحافية
في وكالة تونس إفريقيا للأنباء
عملت في وكالة تونس إفريقيا للأنباء منذ تأسيسها نساء
صحافيات جزائريات وفرنسيات. أما أولى الصحافيات التونسيات فدخلن الوكالة مع بداية
السبعينيات. وتدعم حضورهن في أواسط هذا العقد أي بالتوازي مع تخرج الدفعات الأولى
من معهد الصحافة وعلوم الإخبار. وخلال عقد التسعينيات تزايد عدد الصحافيات بوكالة
تونس إفريقيا للأنباء بصفة ملحوظة إلى أن تفوق عددهن في أواخر التسعينيات على عدد
الصحافيين. ويشتغل بوات حاليا 117 صحافيا من بينهم 66 صحافية.
جدول 2 : توزيع الصحافيات والصحافيين حسب سنوات الأقدمية
ومواقع المسؤولية
سنوات
الأقدمية |
الصحافيون |
الصحافيات |
||
العدد
الجملي |
عدد
مواقع المسؤولية |
العدد
الجملي |
عدد
مواقع المسؤولية |
|
35– 30 |
10 |
10 |
2 |
2 |
30 – 25 |
8 |
8 |
2 |
2 |
25 – 20 |
5 |
5 |
6 |
6 |
20 – 15 |
2 |
1 |
4 |
4 |
15 – 10 |
6 |
3 |
13 |
7 |
10 – 5 |
11 |
0 |
9 |
0 |
5 - 0 |
9 |
0 |
30 |
0 |
المجموع |
51 |
27 |
66 |
20 |
المصدر
: وكالة تونس إفريقيا للأنباء
تحتل 20 صحافية من ضمن 66 يعملن بوكالة تونس إفريقيا للأنباء حاليا مواقع مسؤولية. أما الصحافيون البالغ عددهم في الوقت الحالي 51، فإن 27 منهم يحتلون مواقع مسؤولية. ويتقاسم إدارة التحرير بوكالة وات رجل وامرأة بالتناصف. أما رؤساء المصالح فهم من الرجال وعددهم سبعة. وهم جميعا ممن لديهم سنوات أقدمية تتراوح بين 30 و35 سنة. وتحتل نساء كثيرات في وكالة وات مسؤوليات على مستوى رئاسة الأقسام وسكرتارية التحرير.
وتؤكد الإحصائيات المتعلقة بانتداب الصحافيات والصحافيين أن السنوات القادمة ستشهد تأنيث الموارد البشرية العاملة في وكالة تونس إفريقيا للأنباء. فإذا كان عدد الصحافيين المنتدبين قبل عشر سنوات لصالح الرجال بـ 31 مقابل 27 امرأة، فهو اليوم لصالح النساء بـ 39 امرأة مقابل 20 رجلا. كما تتوفر اليوم بوكالة وات كفاءات نسائية متميزة مرشحة للترقي والاضطلاع بمناصب هامة على مستوى صناعة القرار بالوكالة.
على مستوى تواجد الصحافيات في وكالة تونس إفريقيا للأنباء، عرفت السنوات الأخيرة من عقد التسعينيات ارتفاع نسبة الصحافيات العاملات بالوكالة، إذ فاق عددهن عدد الصحافيين. كما يتبين من خلال الجدول أن نسبة حضور الصحافيات في مراكز القرار بالوكالة سجلت تطورا ملحوظا.
ولعل المؤشر البارز من خلال الأرقام الواردة بالجدول أن انخفاض عدد النساء في مستوى مراكز القرار مقارنة بالرجال مرتبط بتأخر دخولهن إلى وكالة تونس إفريقيا للأنباء أساسا. فرؤساء المصالح حاليا والذين هم جميعا من الرجال هم صحافيون قضوا أكثر من ثلاثين سنة بوكالة تونس إفريقيا للأنباء، وهم سبعة من مجموع 12 صحافيا منه 10 رجال وامرأتين، علما أن الصحافيين الثلاثة والصحافيتين الذين قضوا فترة مماثلة في العمل في وات هم جميعا يحتلون مواقع مسؤولية في الوكالة في الوقت الحالي.
3.
فترة التسعينات
: مؤشرات كمية إيجابية
تطورت نسبة حضور المرأة في مختلف المؤسسات الإعلامية خلال فترة التسعينيات. وهكذا ارتفع عدد الصحافيات المحترفات ونسبتهن من العدد الإجمالي للصحافيين. ومن أهم العوامل المساهمة في تحقيق هذا التطور الكمي الإيجابي للصحافيات في المؤسسات الإعلامية ارتفاع عدد الطالبات بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار الذي حقق خلال السنوات الأخيرة نسبا قياسية.
جدول 3 : تطور نسبة الطالبات بمعهد الصحافة وعلوم
الإخبار
السنة الدراسية
|
المجموع العام للطلبة المرسمين |
عدد الذكور المرسمين |
عدد الفتيات
المرسمات |
النسبة المائوية للفتيات |
1994-1995 |
641 |
213 |
428 |
66.77 |
1995-1996 |
695 |
221 |
474 |
68.20 |
1996-1997 |
721 |
281 |
440 |
61.02 |
1997-1998 |
721 |
234 |
487 |
67.54 |
1998- 1999 |
720 |
225 |
495 |
68.75 |
1999- 2000 |
793 |
260 |
533 |
67.21 |
2000- 2001 |
935 |
278 |
657 |
70.26 |
2001- 2002 |
1175 |
340 |
835 |
71.06 |
2002- 2003 |
1704 |
461 |
1243 |
72.94 |
2003- 2004 |
1844 |
493 |
1351 |
73.26 |
المصدر : معهد الصحافة وعلوم الإخبار
شهدت نسبة الطالبات بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار تطورا سريعا خلال عقد التسعينيات. ويشير الجدول الأول إلى أن نسبتهن استقرت بين 66.77 % و68.20 % بين سنة 1995 وسنة 1998. ولم تسجل هذه النسبة تراجعا إلا خلال سنة 1997، حيث بلغت 61.02 %. ويشير بعض المصادر الصحفية إلى أن نسبة الفتيات في معهد الصحافة وعلوم الإخبار سجل قفزة هامة بين 1989 و1994، إذ ارتفعت من حوالي 14 % لتصل إلى 65 %. وارتفعت نسبة الطالبات سنة 2002 إلى حوالي 70 %. فقد بلغ عددهن 841 طالبة من جملة 1148 طالبا في المعهد [15].
والمعلوم أن عدد الطالبات في تونس عرف تطورا إيجابيا ملحوظا خلال العشرية الأخيرة، وذلك في مختلف الشعب والاختصاصات وفاقت نسبة الطالبات في كثير من الجامعات والكليات نسبة الطلبة. ولعل ما تجب الإشارة إليه هنا هو أن ارتفاع عدد طالبات الصحافة ساهم في ارتفاع عدد النساء العاملات في الميدان الإعلامي وعدد الصحافيات المحترفات، وهو ما يتبين من الجدول الموالي.
جدول 4 : تطور عدد الصحافيين المحترفين
حسب الجنس
السنة |
العدد الجملي |
عدد الذكور |
عدد الإناث |
نسبة الذكور |
نسبة الإناث |
1992 |
671 |
530 |
141 |
79% |
21% |
1993 |
703 |
557 |
146 |
79.2% |
20.8% |
1994 |
730 |
566 |
164 |
77.5% |
22.5% |
1995 |
743 |
570 |
173 |
76.7% |
23.3% |
1996 |
779 |
595 |
184 |
76.4% |
23.6% |
1997 |
886 |
659 |
227 |
74.4% |
25.6% |
1998 |
938 |
701 |
237 |
74.75% |
25.25% |
1999 |
955 |
704 |
251 |
73.8% |
26.2% |
2000 |
953 |
693 |
260 |
72.71% |
27.28% |
2001 |
939 |
653 |
286 |
69.54% |
30.45% |
2002 |
951 |
624 |
327 |
65.62% |
34.38% |
المصدر : الإدارة العامة للإعلام
يبرز الجدول الثاني أن عدد الصحافيات المتحصلات على بطاقة مهنية تطور بشكل ملحوظ خلال العشرية الأخيرة، إذ مر من 141 سنة 1992 إلى 327 صحافية سنة 2002، أي أن عددهن تضاعف أكثر من مرتين خلال عشر سنوات فقط. ولئن مثلت نسبة الصحافيات المتحصلات على بطاقة مهنية 21 % سنة 1992، حسب ما يتبين من الجدول أعلاه، فإن هذه النسبة ارتفعت إلى 27.28 % سنة 2000 و30.45 % سنة 2001 وبلغت هذه النسبة 34.38 % سنة 2002. وتعد هذه النسب مؤشرا على اكتساح المرأة الميدان الإعلامي واحترافها لمهنة الصحافة. وهو ما يتأكد أكثر من خلال تراجع النسبة المقابلة لدى الصحافيين والتي تراجعت من 79 % سنة 1992 إلى 65.62 % سنة 2002.
جدول 5 : تطور نسبة حضور المرأة في مختلف المؤسسات
الإعلامية
|
الصحافة المكتوبة |
وكالة تونس إفريقيا للأنباء |
مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية |
1987 |
13 |
12 |
30 |
1994 |
17.9 |
25.6 |
33.5 |
1998 |
22.5 |
27.2 |
30.5 |
1999 |
19.25 |
31.12 |
36.5 |
2001 |
11.8 |
39.5 |
38.18 |
2002 |
15.7 |
41.9 |
45.8 |
المصدر : الإدارة العامة للإعلام
حسب ما يتبين من الجدول الثالث، لا يقتصر تطور نسبة الإعلاميات على مؤسسة إعلامية دون أخرى. فقد سجلت مختلف المؤسسات الإعلامية تطورا في نسبة حضور المرأة بها. وتطورت نسبة حضور النساء بالصحافة المكتوبة من 13 % سنة 1987 إلى 19.25 % سنة 1999، إلا أنها سجلت تراجعا خلال سنة 2001، إذ بلغت 11.8 %، ثم ارتفعت من جديد سنة 2002 وأصبحت في حدود 15.7 %.
أما وكالة تونس إفريقيا للأنباء، فقد عرفت نسبة حضور النساء بها تطورا إيجابيا متواصلا. فقد تضاعفت نسبتهن قرابة أربع مرات خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة، إذ مرت من 12 % سنة 1987 إلى 41.9 % سنة 2002. ويلاحظ من الجدول الثالث أيضا أن هذه النسبة بلغت 27.2 % سنة 1998 وقفزت بعد ثلاث سنوات فقط إلى 39.5 %. وتعتبر مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية أكثر المؤسسات استقطابا للإعلاميات. فقد بلغت نسبة حضور المرأة بها 45.8 % سنة 2002. وكانت هذه النسبة في حدود 30 % سنة 1987 وتطورت إلى 36.5 % سنة 1999 وبلغت 38.18 % سنة 2001.
ويبرز بوضوح من خلال النسب الواردة بالجدول الثالث أن وكالة تونس إفريقيا للأنباء ومؤسسة الإذاعة والتلفزة ترتفع بهما نسبة حضور النساء أكثر من الصحافة المكتوبة. كما أن نسبة حضور النساء بهذين المؤسستين في تصاعد مستمر على خلاف الصحافة المكتوبة التي تعرف نسبة حضور النساء بها تذبذبا. ولعل ذلك يعود بالأساس إلى أنهما مؤسستين عموميتين، حيث تعمل الدولة على دمج أكبر نسبة ممكنة للنساء بهما. ويتجلى هذا الأمر أيضا من خلال ارتفاع نسبة الإعلاميات صاحبات القرار بوكالة تونس إفريقيا على وجه الخصوص، التي تتواجد بها عشر نساء في مناصب القرار. في حين أن الصحافة المكتوبة بكل دورياتها تتواجد بها ثماني صحافيات صاحبات قرار معظمهن في جريدة لابراس وهي جريدة حكومية وجريدة لورونوفو وهي جريدة الحزب الحاكم.
VI - استقطاب جمعية
الصحافيين التونسيين للصحافيات
تأسست جمعية الصحافيين منذ السنوات الأولى للاستقلال، وذلك سنة 1962. وضمت منذ السنة الأولى من تأسيسها منخرطات، ولئن كان عددهن في البداية محدودا بالمقارنة بعدد الرجال، فإن تواجده بالجمعية تنامى بمرور السنوات وأصبحت الصحافيات يقبلن على الانخراط في الجمعية بأكثر كثافة ويحرصن على تقلد مواقع فاعلة فيها.
وترأست جمعية الصحافيين امرأة في أكثر من مناسبة. وتعد السيدة رشيدة النيفر أول امرأة صحافية في تونس تنتخب رئيسة لمكتب جمعية الصحافيين التونسين، وذلك يوم 11 ماي 1980 وإلى غاية 1982. وأعيد انتخابها مرة أخرى من سنة 1982 إلى سنة 1984. كما ترأست السيدة آمنة صولة مكتب جمعية الصحافيين من سنة 1988 إلى سنة 1990، فيما انتخبت السيدة حياة الطويل على رأس جمعية الصحافيين سنة 1994.
كما حظيت صحافيات عديدات بشرف انتخابهن عضوات بمكتب جمعية الصحافيين. وتعتبر السيدة حميدة العريبي أول امرأة صحافية تنتخب عضوا بمكتب الجمعية، وذلك سنة 1964. وانتخبت السيدة رشيدة النيفر عضوا بمكتب الجمعية على التوالي سنة 1980 و1982، ثم أعيد انتخابها سنة 1988. وانتخبت السيدة رندة العليبي مرتين عضوا بمكتب الجمعية سنة 1984 و1990. كما انتخبت السيدة آمنة صولة مرتين كذلك سنة 1984 و1988. وتم انتخاب كل من السيدة منى مطيبع والسيدة فاطمة الكراي والسيدة حياة الطويل عضوات بمكتب جمعية الصحافيين سنة 1992، وأعيد انتخاب السيدة فاطمة الكراي سنة 1994. فيما انتخبت السيدة سميرة الغنوشي سنة 1996 والسيدة صباح التوجاني والسيدة جنات بن عبد الله سنة 1998 والسيدة فوزية المزي سنة 2000، التي انتخبت أمينة عامة له 2002.
جدول 6 : تطور نسبة
المنخرطات في جمعية الصحافيين
السـنة |
الصحافيـات |
الصحافيـون |
المجموع |
|||
العدد |
النسبة |
العدد |
النسبة |
العدد |
النسبة |
|
2000 |
165 |
34.44 |
314 |
65.55 |
479 |
100 |
2001 |
144 |
32.95 |
293 |
67.04 |
437 |
100 |
2002 |
272 |
36.51 |
473 |
63.48 |
745 |
100 |
2003 |
97 |
36.88 |
166 |
63.11 |
263 |
100 |
المصدر : جمعية الصحافيين التونسين
جدول 7 : توزيع الصحافيات المنخرطات في جمعية الصحافيين
حسب المؤسسة الإعلامية
السنة |
مؤسسة الإذاعة والتلفزة |
الصحافة المكتوبة |
وكالة تونس إفريقيا للأنباء |
|||||||
العدد
الجملي |
عدد
الصحافيات |
نسبتهن |
العدد
الجملي |
عدد
الصحافيات |
نسبتهن |
العدد
الجملي |
عدد
الصحافيات |
نسبتهن |
||
2000 |
180 |
76 |
42.22 |
177 |
45 |
25.42 |
122 |
44 |
36.06 |
|
2001 |
151 |
55 |
36.42 |
206 |
44 |
21.35 |
80 |
45 |
56.25 |
|
2002 |
286 |
134 |
46.85 |
314 |
76 |
24.20 |
145 |
62 |
42.75 |
|
2003 |
144 |
58 |
40.27 |
91 |
26 |
28.57 |
28 |
13 |
46.42 |
المصدر : جمعية الصحافيين التونسين
خـاتـمـــــة
يصطدم القائم ببحث عن واقع الصحافية التونسية وفترات التحاقها بالمهنة وترسيخ وجودها ودورها في المشهد الإعلامي بشح الإحصاءات من ناحية وتشتتها من ناحية أخرى.
ولعل هذا الواقع يدفع بنا، مؤسسات بحثية وهياكل تنظيمية وحكومية إلى ضرورة التفكير في جمع المعطيات وتصنيفها حتى تشكل قاعدة أساسية للبحث في هذا المجال.
ويمكّن هذا البحث بطابعه الوصفي، مستعمليه من الوقوف على أهم العوامل الدافعة للصحافية لولوج عالم الصحافة وتلك المعززة لموقعها ووصولها على مراكز القرار
الـجـــزء الثاني
حوارات صحفية مع إعلاميات تونسيات في مواقع صنع القرار
الـفـهـــــــرس
حوار مع السيدة رملة المهيري ...................................................30
حوار مع السيدة درة بوزيد .......................................................36
حوار مع السيدة فوزية المزي……….…………………………………………43
حوار مع السيدة فاطمة الكراي ……….………………………………………51
حوار
مع السيدة رفيقة فتح الله....................................................59
حوار مع السيدة آسيا فضلون....................................................
رملة المهيري :
مسؤولة في ثوب رياضي
l
الثقة والمصداقية ودعم القدرات...مفاتيح أساسية لاعتلاء
سلم القرار
l يمكن أن أتعرض إلى انتقادات كثيرة إن تصرفت على أساس منصبي
لم تكن الصحافة من اهتماماتها إذ تابعت دراسة في اللغات في باريس. حول والدها وجهتها نحو بلاط صاحبة الجلالة فشجعها شغفه بالمهنة على الالتحاق بوكالة تونس إفريقيا للأنباء سنة 1985، وتحديدا بالقسم الرياضي فكانت أول صحافية رياضية منتدبة في صحافة الوكالة في فترة لم تعرف فيها بعد الصحافة الرياضية المكتوبة أقلاما نسائية، وتعد فيها التجارب التلفزية في المجال نادرة. هي الآنسة رملة المهيري التي أدركت منذ أول خطوة في مجالها، أن الولع بالرياضة لا يكفي ليصنع منها صحافية متمرسة، فأقبلت على التربصات والعمل دون مقابل وكثفت من العمل الميداني ولم تتوانى لحظة في طلب النصح من زملائها وأهل الاختصاص. ولأن التحاقها بمجال الرياضة كان استثنائيا، فإن مسيرتها المهنية تعد هي الأخرى استثنائية...
¤ اخترت القسم الرياضي وانطلقت في العمل فيه جنبا إلى جنب مع زملاء
كلهم من الرجال في فترة كانت فيها نسبة الذكور في الوكالة ككل غالبة، كيف كانت
الانطلاقة ؟
كان لي الحظ أن أكون أول منتدبة في الوكالة. لقيت تشجيعا كبيرا من زملائي الذين أشادوا بالقسم وخاصة بالمشرف عليه مع تأكيدهم على الصعوبات التي يمكن أن تعترضني في البداية خاصة في ممارستي للعمل الميداني، فالملاعب هي فضاءات الرجال بالضرورة. وبالفعل كانت البداية صعبة جدا
¤
كيف ذلك ؟ وهل شكلت الصعوبات عراقيلا ؟
لم تتحول الصعوبات التي اعترضتني في البداية إلى عراقيل، بل إنها ارتبطت إلى حد كبير بصورة المرأة وسجنها في أعمال ومهام اجتماعية. فوجود صحافية في المنصة المخصصة للصحافيين في مقابلة كرة قدم كان يعد من الغرابة بمكان رغم استحسان البعض له... يقابل كل تحرك مهني من طرفي بعلامات الدهشة والاستغراب خاصة في استيقاء المعلومة. فمصدر المعلومة تصيبه الدهشة عند اتصال صحافية به للحصول عليها... وأحسست من خلال هذه الاتصالات أنهم لا يثقون في الصحافية في المجال الرياضي الذي كان حكرا على الرجال.
¤ كيف تجاوزت هذه الوضعية ؟
بشبكة علاقات أحسست أنها الأساس في اقتلاع ثقة المسؤولين الرياضيين، ثم إن انتمائي إلى مؤسسة عريقة كوكالة تونس إفريقيا للأنباء كان بمثابة الضمان لي. أضف إلى ذلك تشجيع رئيسي في العمل الذي لم يؤمن بقدراتي فحسب، بل إنه آمن بضرورة دفعي نحو التظاهرات الكبرى ومنحي الثقة في تغطيتها على الوجه الأمثل.
¤ لكن ذلك يرمي بك في وضعية أكثر تعقيدا، وجدت نفسك مدعومة
"مؤسسيا" في مواجهة مسؤولين ورياضيين لا يمنحون ثقتهم للصحافية.
كنت أعتقد اعتقادا راسخا بضرورة أن أعمل على انتزاع ثقة الرياضيين والمسؤولين الذين، كانوا في تلك الفترة، لا يدلون بتصريحاتهم إلا إلى الصحافيين من الرجال. وكنت أعزو ذلك لشعورهم بالحماية أكثر في تعاملهم معهم. سكنني هاجس ضرورة تغيير نظرتهم إلى الصحافية فوجدت في إقامة صداقات معهم، مع المحافظة على الطابع المهني، طريقة مثلى في بناء علاقات تقوم على الثقة مع سعيي الدائم إلى السبق الصحفي حتى وإن استلزم الأمر اللجوء إلى حيل أعتبرها مهنية.
¤ ألم يستنكر البعض مثل هذه الصداقات والحيل ؟
لم أكن أخطو خطوة واحدة إلا بعد تريث. ففي مجال الرياضة
خصوصا، تجدين نفسك في حلقة واحدة من العلاقات إن على المستوى المحلي أو الإقليمي
أو حتى الدولي... أما فيما يخص الحيل، فلم تكن تخرج عن النطاق المهني البحت كالتي
لجأت إليها أثناء انعقاد اجتماع المجلس الأعلى للرياضة في إفريقيا والذي احتضنته
تونس، أربع سنوات بعد التحاقي بالعمل. طلب مني رئيسي في العمل الحصول على معلومات
محددة رفض المسؤولون الإدلاء بها... فما كان مني إلا أن اتصلت بأحدهم في النزل على
أساس أنني صحافية متربصة يمكن أن يكون مصيرها الطرد إن لم تحصل على التصريح.
وبالفعل كان لي ما أريد.
لكني أود أن أشير إلى أنني تعلمت، بالممارسة، كيف أكسب ثقة الآخرين بل إنني جعلت من هذه الثقة سلاحا لي في العمل فعملت على تأكيد مصداقيتي من ناحية، ودعم قدراتي من ناحية ثانية، والتدريب المستمر من ناحية ثالثة. فأنا أعمل في مجال متغير بقوانينه وقواعده ورياضييه ومسؤوليه. لذلك لا يمكن العمل على المستويات الثلاثة التي ذكرت إلا أن يكون متواصلا، وكأنك لم تتعلم أبدا. كما تسلحت بالشغف بالمهنة والاستعداد لمزاولتها والقيام بمهام في إطارها مهما كانت الظروف أحيانا.
¤ وصلت إلى منصب رئيسة قسم يضم ثلاثة عشرة صحافيا من بينهم ست نساء، هل سعيت
للوصول إلى هذا المنصب ؟
لم أتصور أن تتم ترقيتي بهذه السرعة فتولي منصب رئيس قسم في وكالة تونس إفريقيا للأنباء لا يمكن الوصول إليه إلا إذا ما شارف الصحفي سن التقاعد. فأنا كنت أعمل من أجل العمل في حد ذاته ومن أجل تحقيق نتائج جيدة في مجالي ولم يكن في نيتي أبدا الوصول إلى مركز قرار، فلم أخطط للتعيينات والتسميات
¤ لماذا لا تفكر النساء في المناصب حسب رأيك ؟
لأن النساء يعملن من أجل العمل وإتقانه، فأنا على سبيل المثال أضني نفسي في العمل وأكرس وقتي كله له. أقوم بذلك لأنني أحب مهنتي إلى حد الولع والشغف وبلا حسابات.
¤ لكن الشغف بالمهنة لا يتنافى والسعي إلى منصب قرار...؟
هذا صحيح ... ولكنني لم أسطر أهدافا غير إتقان العمل والوصول به إلى درجة مميزة من الإتقان. ولعل تعييني بهذه السرعة على رأس قسم الرياضة بالوكالة جاء تتويجا لا لسنوات عديدة من العمل فحسب، بل احتراما لنوعية العمل واستحقاقا واعترافا بجدارتي بهذا المنصب أو ربما لأسباب أخرى أجهلها.
¤ من صحافية إلى رئيسة قسم، ما الذي تغير في رملة المهيري ؟
أود الإشارة إلى العديد من الزملاء في أقسام أخرى من الوكالة لا يعرفون إلى حد اليوم أنني أصبحت رئيسة قسم، فأنا لا أتبجح بذلك. المهم بالنسبة إلي أن أكون صحافية وأحاول قصارى جهدي أن أتفادى أية معاملة تقوم على الوظيفة ثم أنني أصلا، لا أستحسن الخطط الوظيفية في العمل الصحفي لأنها تعمق الحواجز بين العاملين في نفس القسم...
¤ وماذا عن داخل القسم الذي ترأسينه ؟
أنا لا أتصرف بحكم وظيفتي أي على أساس أنني رئيسة قسم. لا أضع حواجز بالمرة وبصراحة لا يكتسي هذا الأمر أهمية بالنسبة إلى.
¤ ما معنى لا تتصرفين على أساس وظيفتك ؟
لا أعطي الأوامر ولا أكلف زميلا بعمل
يمكن أن أقوم به بموجب أنني رئيسة قسم... أقوم بكل المهام شأني في ذلك شأن أي زميل
آخر في القسم.
¤ ألا يمكن أن تسبب طريقتك في التعامل خلطا في أذهان مرؤوسيك ؟
يمكن أن يحدث ذلك، بل إنه حدث فعلا ونسي زميل أنني رئيسته في العمل وأجابني بطريقة غير لائقة. نبهته إلى الأمر وطويت صفحة الخلاف فما كان منه إلا أن اعترف بخطئه واعتذر... إذ أساء أحدهم التقدير، أقوم بلفت نظره وأعتبر الأمر منتهيا بالنسبة إلي. فأنا لست على استعداد لتذكيرهم في كل لحظة بأنني رئيسة القسم لأن علاقتي بهم هي علاقة صداقة بالأساس. ثم إنني يمكن أن أتعرض إلى انتقادات كثيرة إن تصرفت على أساس منصبي، أنا في غنى عنها مقارنة بأهمية العمل وضرورة إتقانه.
¤ وهل تعتبرين أنك تحظين بتقدير العاملين معك ؟
نعم... أظن ذلك... بل أرجو أن يكون الأمر كذلك تجمعني بهم الصداقة، نأكل سوية ونتناقش في جميع المسائل ونمزح سوية.
¤ وهل هذا الأمر ضروري حتى تنالي تقديرهم ؟
أعتقد أن ذلك مهم جدا... فأنا بطبعي لا أحب أن أكون منعزلة بل أسعى إلى نيل استحسان الآخرين وتقديرهم حتى لو أدى الأمر في بعض الأحيان إلى إيذاء نفسي.
¤ تدفعين ثمنا مقابل تقدير الآخرين ؟
ما بالطبع لا يتغير ولا يمكن أن تغيره المناصب... علاقاتي الإنسانية تطغى على الجانب المهني ربما لأنني كنت في فترة ما شديدة الخجل فتدخل "اللاوعي" ليؤكد نوعا من الجرأة في التعامل مع من حولي...
¤ وإن وجدت نفسك يوما مجبرة على إصدار الأوامر ؟
هذه مسألة ثانية. أنا الآن بصدد التعلم والتدرب على الواقع الجديد.
¤ لماذا تعتبرين ذلك مسألة ثانية ؟
أنا واعية
بضرورة ترك المشاعر جانبا في علاقاتي المهنية خاصة عند رئاستي لقسم الرياضة وأنا
عاجزة على أن أكون موضوعية في ما يتعلق مثلا بالعطل وبالتمييز المهني على أساس
القدرة والكفاءة بين الزملاء. فكلهم يتساوون في نظري حتى أنني أعجز أحيانا على
توبيخ أحدهم حتى إذا استحق ذلك. أذكر أنني تألمت كثيرا مرة رفعت فيها صوتي على
زميلة ارتكبت خطأ مهنيا... ولكنني في الآن ذاته، أرى في تصرفاتي نوعا من المرونة
اللازمة من أجل استمرارية العمل. فكما أعفي زميلا متعبا من العمل، يمكن أن يرد لي
المعروف بأن يتأخر في العمل ساعة الحاجة أو أن يقطع إجازته للقيام بعمل مستعجل.
¤ وماذا على مستوى ممارسة المهنة، هل تغيرت الأمور ؟
لا والحمد لله... مازلت أقوم بالتحقيقات بصفتي صحافية لا بصفتي رئيسة قسم... التغيير حصل على مستوى طبيعة العمل في حد ذاته، إذ أمسيت مطالبة باليقظة بحكم المراقبة والمراجعة والمتابعة والمطالبة بها بحكم وظيفتي. وهذا يتطلب مني وقتا أكبر وتركيزا واهتماما بمشاغل الآخرين المهنية ودقة في العمل حتى أثبت جدارتي بالمنصب.
¤ ترأسين القسم صحبة رئيسي قسم آخرين من الذكور، هل تشعرين باختلاف
على مستوى التسيير ؟
نعم فيما يخص
بعض التفاصيل. أنا أعتمد كثيرا على الملاحظة وأجنح إلى العلاقات المتينة المشابهة
للعلاقات داخل الأسرة الواحدة.
ألاحظ قبل غيري علامات التعب أو المرض أو التوتر على وجه زملائي فأبادر بمعالجة وضعيته وهذا ما لا ألمسه لدى من أتقاسم معهما رئاسة القسم إذ لا يتفطنان لمثل هذه الأمور.
¤ لمست من خلال ما سبق ما تولينه من أهمية إلى المستوى العلائقي رغم
أنه لم يعد يجد طريقه إلى التجسيد بالطريقة التي ذكرت، فهل هو قائم بالفعل ؟
تعد هذه المسألة أساسا بالنسبة إلى نجاح العمل وهي فلسفتي في الحياة وأبذل قصارى جهدي حتى تتوفر بالشكل الذي ذكرت والذي أصبو إليه. فأنا لا يمكن أن أعمل، ولم أعمل مع شخص لا أثق به إلى حد تصل بنا الثقة المتبادلة إلى إقامة علاقة صداقة إلى جانب العمل المشترك.
¤ هل يتبنى زميلاك هذه الفلسفة في
التعامل مع من يعملون تحت أمرتهم ؟
ما لاحظته لدى زميلي يتمثل في إسناد أعمال الترجمة إلى الصحافيات أكثر من الصحافيين وهذا يعود إلى قدرة الصحافية في القسم على الترجمة خلافا لزميلها الذي يصيبه الملل حال الانتهاء من ترجمة البرقية. ويعزو رئيسا القسم تكليفهما الصحافية بهذه المهمة إلى ضرورة تدريبها رغم أنها لا تقل كفاءة عن زميلها في القيام بكل المهام المتصلة بطبيعة عملها. أما أنا، فأحاول تحقيق نوع من التوازن بحيث أدفع بالصحافية إلى الملاعب شأنها في ذلك شأن زميلها الصحفي. فلا فرق عندي بينهما إلا بالعمل...
¤ ألأنك امرأة ؟
لا بل لأنني وجدت في وقت من الأوقات من عاملني على أساس مهني لا على أساس الجنس ودفع بي إلى الملاعب وإلى التظاهرات الكبرى لتغطيتها داخل تونس وخارجها.
¤ ألاحظ أن "فلسفة" العلاقات الطيبة مشتركة مع العديد من
الإعلاميات، هل يمكن حسب رأيك أن يتغير المشهد الإعلامي بتجسيد هذه الفلسفة ؟
لا يرتبط تغيير المشهد الإعلامي بالصحافيات بمعزل عن باقي الأطراف المؤثرة فيه وخصوصا الصحافيين من الرجال لأنني أعتقد بصدق أن توازنا سيحصل إذا عمل الصحافيون بنفس التفاني الذي تعمل به النساء ودون تخطيط مسبق للوصول إلى أهداف معينة أو إلى مناصب. من المهم أن يحدث توازنا في العمل وفي توزيع المهام بقطع النظر عن الجنس أو الوضعية الاجتماعية. فعادة ما يحملونني فوق طاقتي بتعلة أنني عزباء، كأن العزباء لا يحق لها التمتع بوقت خاص بها وليس من حقها أن تكون لها حياة خاصة.
¤ ما الذي ينقص الإعلامية التونسية حسب رأيك لاعتلاء مناصب
القرار ؟
لا شيء على الإطلاق بل إنني أعتبرها جاهزة لاحتلال مثل هذه المناصب. لها من الكفاءة القدر الكبير ومن الإطلاع المساحة الواسعة ومن القدرة الشيء الكثير. وبالمناسبة أعرف كثيرات ممن أثبتن قدراتهن، وأقول هذا بحكم احتكاكي بهن مهنيا، وتمت عرقلتهن أو تجميدهن. إنني أوجه طلبي إلى المسؤولين أولا وأخيرا بأن يتواصل تشجيعهم للنساء حتى يصلن إلى مراكز قرار لا التوقف عند الاعتماد على قدرتهن في إنجاز العمل على أكمل وجه والتضحية بكفاءات أثبتت أنها أكثر قدرة على العمل وإقصائهن من المنصب لصالح من هم أقل كفاءة منهن وكأنهن لم يعملن ولم يثابرن ولم يتمرن ولم يثبتن قدرتهن على إدارة الأمور. وللنساء أهمس : أنتن مطالبات بثقة أكبر في إمكانياتكن.
¤ كيف يمكنك تجسيد ذلك من منطلق موقعك ؟
يمكن أن أساعد على تغيير الكثير من الأمور والأوضاع بقطع النظر عن موقع القرار الذي أحتله لأنني وقبل كل شيء صحافية رياضية ومستعدة للعمل الجمعياتي في حال توفر الفضاءات لذلك إن على المستوى الوطني أو الإفريقي أو العربي مع العلم أنه لا يوجد عدد كبير للصحافيات الرياضيات على المستوى الإقليمي. بمعنى آخر، نحتاج أكثر إلى نوع من التعبئة والتغيير ليس مشروطا باحتلالنا مواقع القرار...
¤بالأمس صحافية واليوم رئيسة قسم وغدا ؟
صحافية وسأبقى صحافية...
الصحافية الأولى في تونس درة بوزيد :
واصلت مسيرتي النضالية للدفاع عن المرأة...ولكنني أجد نفسي
مكبلة ولا أستطيع أن أقدم شيئا
l كنا نعالج مواضيع أكثر جرأة من الآن
l المرأة والثقافة دائما في حاجة إلى من يدافع عنهما
حين تتولد في داخلنا الرغبة لمعرفة البدايات، نقتفي أثر
الرموز والرواد، فهم بدؤوا من حيث لم يبدأ أحد، وهم وحدهم صنعوا البداية ومهدوا
الطريق. نحاورهم من خلال بصمتهم الخاصة ونستنطق أعمالهم وآثارهم لتحدثنا عنهم
وندغدغ فيهم أحاسيس البداية والمنطلقات فتتدفق الحقائق واحدة تلو الأخرى.
هكذا كانت أول صحفية في تونس، درة بوزيد، تتحدث عن سنوات
الاستعمار وعن امرأة تخاطب قراءها من خلال اسم مستعار.
درست الصيدلة في باريس واختالت في مداخل مهنة المتاعب ولم تخرج منها إلى اليوم. تبنت قضايا المرأة التونسية والعربية فناضلت في سبيلها وحققت الكثير وطمحت إلى الأكثر. كانت شاهدة على العصر متفاعلة مع المكتسبات فتنقلت من مؤسسة إعلامية إلى أخرى وأسست بعض الأركان والمجلات وكتبت مقالات جريئة في زمن سيطرت فيه النظرة الدونية للمرأة على الأذهان... وحين حاورناها ذكرت الأحداث والتفاصيل.
¤ ما هي مختلف مراحل مسيرتك الإعلامية ؟ وما الذي ميز
مختلف التجارب المهنية التي خضتها في المجال الصحفي ؟
مسيرتي المهنية الإعلامية انطلقت منذ كنت طالبة في باريس
أدرس الصيدلة وذلك قبل الاستقلال وبالتحديد سنة 1953. كتبت حينئذ في الجريدة
الناطقة بالفرنسية باسم اتحاد طلبة تونس وهي "صوت الطالب"، ثم أسس
البشير بن يحمد أول جريدة أسبوعية ناطقة باللغة الفرنسية إسمها
"لاكسيون" وأصبحت فيما بعد "جون أفريك". وهي جريدة سياسية تضمنت صفحة نسائية تحت اسم
"ليلى تخاطبكم"، ثم "لاكسيون فيمينين" للدفاع عن حقوق المرأة.
تكفلت بهذه الصفحة منذ العدد الثاني منها وكتبت مقالات جريئة جدا طالبت من خلالها
بحرية المرأة ومنحها حقوقها. وبعد أن كان هذا الركن يغطي جزءا من الصفحة، أصبح
يحتل صفحة كاملة ثم صفحتين في عدد 3 سبتمبر 1956 وقد كنت حينئذ شاهدة على عصري
كصحفية ومتفاعلة مع حدث صدور مجلة الأحوال الشخصية كامرأة فخرجت إلى الشارع مع
جموع النساء.
وبالتوازي مع صدور "لاكسيون فيمينين" التي تواصلت إلى سنة 1961، أسست أول مجلة نسائية - نسوية ناطقة باللغة الفرنسية في تونس وفي إفريقيا وفي العالم العربي وهي مجلة "فائزة"، التي كانت أكثر شهرة من "ليلى تخاطبكم". وقد ساعدتني في التأسيس صفية فرحات على المستوى الإداري ولم يكن هناك نساء صحفيات فاستعانت صفية ببعض الفرنسيات حتى أسست أنا تدريجيا هيئة التحرير، وتواصل صدور مجلة "فائزة" إلى سنة 1967.
¤ توقفت مجلة "فائزة" عن الصدور، فهل يعني ذلك
توقف الصحفية درة بوزيد عن العمل الصحفي في انتظار التأسيس من جديد ؟
بعد ذلك كتبت في عدد من الصحف والمجلات، كتبت في الصحيفة اليومية الناطقة بالفرنسية "لابراس" وأشرفت في إطارها على صفحة نسائية عام 1972. ثم كتبت في "تونس هبدو" في مجالات الثقافة خاصة من 1978 إلى 1980 وكنت أكتب باسم فريال... كتبت في "لاغازات توريستيك" ومجلة المغرب العربي" و"الملاحظ" و"الحرية" و"لورونوفو". وعملت كذلك في الإذاعة حيث أعددت حصة إذاعية ثقافية في إذاعة تونس الدولية في سنة 1982 واستمرت إلى 1983، كتبت في صحيفة "لوديبلومات"... ساعدت كثيرا في تأسيس مجلة "المرأة" الناطقة باسم الاتحاد الوطني للمرأة التونسية وكتبت فيها. كما كتبت في مجلة "حقائق" وأسست ثاني مجلة نسائية ناطقة باللغة الفرنسية "المرأة وحقائق" عام 1997 وتصدر كملحق مع مجلة "حقائق" مرة في الشهر، وأتولى الإشراف عليها إلى الآن. وهي مجلة نسائية ونسوية، لكنهم لا يسمحون لي بالكتابة للأسف الشديد.
¤ لماذا هذا التركيز على مواضيع المرأة
؟ هل هو نتيجة رغبة ذاتية أم ضرورة اجتماعية ؟
في الحقيقة كان البشير بن يحمد هو المبادر بفكرة ركن "ليلى تخاطبكم" وهو الذي كتب العدد الأول، ولذلك أقول إن الرجال هم من بادروا بالكتابة في مواضيع المرأة والدفاع عن قضاياها صحفيا. وكنت بعد ذلك مقتنعة بكل ما أكتب، وأساهم من موقعي في حل مشاكل المرأة التونسية في تلك الفترة. فقد عالجت مشكل الأمية ومسألة الحجاب والسفور وحرية المرأة والعلاقة بين الزوجين وتعدد الزوجات وحق المرأة في المطالبة بالطلاق وكذلك مشكل الزواج المبكر وتشجيع النساء على اقتحام سوق العمل... وباختصار كنت شاهدة على عصري مهتمة بكل القضايا التي تمس المجتمع ككل والمرأة بصفة خاصة وطنيا ومغاربيا.
¤ بعد التركيز على المواضيع التقليدية للمرأة، هل اتبعت المنهج
نفسه في مجلة "فايزة" ؟
كانت مواضيع المجلة متعددة ومتنوعة تتراوح بين المقالات الهامة التي تدافع عن حقوق المرأة وتحث النساء على المطالبة بهذه الحقوق، وبين الموضة والرياضة والمطبخ. لم تكن مجلة للموضة فقط، مع أنه يمكن اعتبارها أول مجلة تتخصص في الموضة. كما احتوت على ركن مخصص للجمال وركن للمطبخ... ومقالات عن الحياة اليومية للأسرة التونسية في ذلك العهد. وتضمنت كذلك مقالات نسوية ونسائية هامة... علما أنه في تلك الفترة لا أحد يتحدث عن الأكلات التونسية واللباس التونسي. وكنا نحاول أن نبرز كل شيء له علاقة بهوية المرأة التونسية وندافع عنه. واشتهرت المجلة وأصبحت تصدر في بيروت وفي كندا، لأنه بعد صفية فرحات تولت زوجة الوزير منذر بن عمار الإشراف على المجلة وجعلتها عالمية. وكتبت عديد الصحف في العالم عن مجلة "فايزة" التي ذاع صيتها في ذلك الوقت.
¤
في تاريخ الصحافة النسائية، ألم تصدر بعد "فايزة" أي مجلة نسائية
محترفة وخاصة ؟
صدرت مجلة واحدة سنة 1985 وهي "نساء"، لكنها لم تكن مثل "فايزة" ولم تحتو على صور ويمكن اعتبارها نسوية وليست نسائية لأنها لم تخصص أركانا للحديث عن الموضة أو الجمال... وقد ساعدتهم في مجلة "نساء" أيضا. كما صدرت مجلة أخرى اسمها "سلوى" بين 1968 و1969، لكنها لم تكن هي الأخرى مجلة محترفة. صدرت قبل ذلك بطبيعة الحال مجلة "المرأة" في سنة 1961. وأذكر أن الرئيس السابق الحبيب بورقيبة طلب دمج مجلتي "فايزة" و"المرأة" في مجلة واحدة، لكن راضية حداد رئيسة الاتحاد النسائي التونسي آنذاك رفضت الفكرة. وما أريد أن أشير إليه هو أنه في مختلف الجرائد والمجلات التي أسستها أو كتبت فيها كنت أهتم بمجالين أساسيين هما مجالي المرأة والثقافة لقناعتي بأن هذين المجالين يتماشيان مع بعضهما. كما أن الثقافة والمرأة يتطلبان دائما من يدافع عنهما. يجب أن ندافع عن المرأة والثقافة باستمرار حتى لا نعود إلى الوراء. أما إذا صمتنا فيمكن أن نرجع إلى الوراء بسهولة.
¤ من من النساء اللواتي عملن في مجلة "فايزة" واصلت العمل
الصحفي بعد أن توقفت المجلة ؟
نفيسة بن سعيد مثلا، وهي أم الصحافية علياء حمزة التي تعمل في "لابراس" حاليا. فنفيسة بن سعيد أنا أدخلتها إلى "فايزة" وعندما توقفت "فايزة" عن الصدور انتقلت إلى جريدة "لاكسيون".
¤ وبالإضافة إلى اللواتي أدخلتهن إلى مجلة "فايزة"، هل
تذكرين صحفيات أخريات عملن في جرائد أو مجلات أخرى في تلك الفترة ؟
أذكر ليلى مامي التي أسست مجلة "برمود" باللغة الفرنسية، لكنها لم تكن مجلة محترفة، وفي أفريل 1985 تأسست مجلة نساء وتواصلت إلى مارس 1987، تم تأسيس هذه المجلة من طرف مجموعة من النساء ينتمين إلى النادي الثقافي الطاهر الحداد منهن رشيدة النيفر وآمنة صولة.
¤ هل هناك فترة تاريخية ازدهرت فيها الدوريات النسائية في تونس؟
تعتبر فترة الثمانينيات فترة مميزة بالنسبة إلى المرأة الصحفية في تونس. فقد تدعم في هذه الفترة نشاط رابطة حقوق الإنسان ونشطت كذلك الحركات الأصولية والدينية وتدعم حضور المرأة على مستوى وسائل الإعلام وحضورها ومشاركتها في جمعية الصحافيين... ونظرا لكل هذه الأسباب برزت ثلة من النساء الإعلاميات اللواتي تميزن بكتاباتهن الجادة مثل سهام بن سدرين ونورة برصالي ونادية عمران. كما برزت مجلات نسائية هامة مثل نساء و"بلوريال"
¤ باعتبارك أول صحفية في تونس ؟ ما هي الصعوبات التي
اعترضتك ؟ وماذا عن موقف العائلة والمقربين منك ؟
المشكل الكبير الذي اعترضني في البدايات هو اضطراري إلى أن أكتب باسم مستعار وذلك بسبب الظروف السائدة في تلك الفترة، حيث كان الحديث في مواضيع المرأة والحرية مغامرة وخطرا متواصلا فلا نستطيع التصريح بأسمائنا ولا التحدث علنا عن تبنينا لقضايا المرأة والدفاع عنها في وقت تسيطر فيه النظرة الدونية للمرأة على الأذهان. وقد كنت أسمع بعض الرجال يتوعدون ليلى هذه بالموت إن عرفوا من تكون. أما عائلتي، فلم تمانع تحمسي لقضايا المرأة ذلك أن أمي شريفة المسعدي هي من شجعني وحرص على تعليمي بمساعدة الكاتب الكبير محمود المسعدي وكانت بدورها مناضلة ونقابية بل وتعتبر أول قائدة نقابية في العالم العربي.
¤ هل تعتبرين أن للمجلات النسائية أهمية في المشهد الإعلامي وماهو الدور الذي يمكن أن تؤديه في المجتمع؟
نبقى دائما في حاجة إلى مجلات نسائية ونسوية في الوقت نفسه من أجل الدفاع عن حقوق المرأة، فلا يمكن أن نتصور أبدا أن المرأة حصلت على كل حقوقها، لا تزال هناك حقوق أخرى وجب الدفاع عنها ليس في تونس فقط... بل قد تكون المرأة التونسية أوفر حظا من النساء العربيات ونساء أخريات في مناطق عديدة من العالم ومع ذلك لابد من مواصلة النضال للمحافظة على الحقوق المكتسبة. فالمجلة النسائية تقوم بدور الرقيب وتروج لصورة مضيئة ومشرقة للمرأة العربية وتدافع عن حقوق المرأة وتعرف بالإنجازات والمكاسب. كما أن وجود المرأة في مجلة نسائية ضروري لتنجح هذه المجلة وكي لا تحيد عن الأهداف التي بعثت من أجلها. فالمرأة وحدها هي القادرة على إبراز الصورة الحقيقية للمرأة والقطع مع الصورة الدونية.
¤ كنت أول امرأة تحترف الصحافة في تونس، فلماذا لا تحتلين اليوم موقع قرار في
إحدى المؤسسات الصحفية، خاصة وأنك لا تمارسين صناعة القرار بالفعل في مجلة المرأة
وحقائق التي تشرفين عليها، كما ذكرت؟
لا أدري تحديدا، أشعر دائما أن هناك من يتصدى لي أينما ذهبت. ففي جريدة "لابراس" رفضوا أن أتعامل معهم وفي مجلة المرأة وحقائق لا يسمحون لي بالكتابة وحتى المقالات التي أقدمها لا تنشر... قد تكون أفكاري متحررة أكثر من اللازم وأنا لا أريد أن أعود بقضية المرأة إلى الوراء. ففي الفترة التي كانت فيها المرأة مغمورة، كتبنا عن عديد القضايا ودافعنا عن حقوقها من خلال مجلات كانت فضاء رحبا نستطيع أن نعبر من خلاله عن أفكارنا بكل حرية... أما اليوم فالمجلات النسائية تجارية هدفها الربح بالأساس وقد تحيد في غالب الأحيان عن الأهداف التي بعثت من أجلها. لقد أسست مجلة المرأة وحقائق من أجل مواصلة مسيرتي النضالية في الدفاع عن حقوق المرأة وقضاياها، لكنني أجد نفسي مكبلة لا أستطيع أن أقدم شيئا.
فوزية المزي :
"اخترت مهنة الصحافة وبرمجت حياتي على أساس هذا الاختيار"
l لم يجفّّّ حبر قلمي رغم الضّغوط وحالة
اللااستقرار
l قرار تعييني في خطة وظيفية أدى إلى انسحاب زميلين من الصحيفة
في زمن كادت تغيب فيه الأقلام النسائية، بدأت السيدة فوزية المزي العمل الصحفي منذ فترة تعليمها الثانوي، ليبلغ عمر تجربتها الصحفية 29 سنة. زاولت دراستها في معهد الصحافة وعلوم الإخبار وكانت ضمن الدفعة الأولى للمعهد في شكله الجديد المستقل فلم تتمكن من دراسة الحقوق بالتوازي مع الصحافة رغم شغفها بمهنة المحاماة. نجحت على رأس القائمة في السنة الأولى وفازت ببعثة إلى يوغسلافيا أما في سنتها الثانية فقد التحقت بجريدة "لوطون" الصادرة عن "دار الصباح" باللغة الفرنسية وكانت من مؤسسي هذه الجريدة مع نخبة من الزملاء ولم يكن معها من النساء إلا صحافيتين هما فضيلة البرقاوي وسهير بلحسن. ومنذ البدايات عولت فوزية المزي على نفسها فكونت علاقات واكتسبت مهارات عديدة من ممارستها الميدانية إلى جانب تكوينها الأكاديمي وإتقانها لثلاث لغات العربية والفرنسية والإنجليزية. كتبت في اختصاصات عديدة بدءا بصفحة المجتمع حيث اهتمت بالأطفال والتربية والشباب والترفيه وتناولت مواضيع المرأة من خلال هذه الزاوية أي بصفة غير مباشرة. كما كتبت في السياسة والعلوم والثقافة.
¤ هل تزامنت ممارستك للعمل الصحفي مع وجود أقلام نسائية أخرى ؟
وهل وجدت في تلك الفترة قيادات نسائية إعلامية ؟
لا أذكر وجود قيادات نسائية في تلك الفترة، أما الأقلام فكانت موجودة مثل نفيسة بن سعيد وصفية الفلي ثم علياء حمزة وفايزة لعلاعي وعلياء الشاوش وسيدة المكني ودرة بوزيد وسهير بلحسن...
¤ كم دامت تجربتك مع جريدة لوطون ؟ وهل اعترضتك صعوبات معينة في
ميدان الصحافة ؟
التجربة دامت
سنتين ثم انسحبت لظروف مادية لأنهم ظلوا يعاملونني على أساس أنني أتعلم وليس لدي
الحق في مقابل مادي.
ومن هذا المنطلق أدركت منذ البداية وجود الصعوبات بعد الحماس الكبير وبعد أن بدأ الحلم في التحقق لا سيما وقد انسحب المحركون الأساسيون للجريدة إن صح التعبير في حين كانوا يمثلون بالنسبة إلينا مثلا أعلى بالنسبة إلينا. وأحسسنا من البداية أن الحلم أضحى وهما ولكننا واصلنا العمل والإصرار معتبرين الجريدة فضاءنا الذي نمتلك والذي سنحقق من خلاله ذواتنا، وتعبنا كثيرا في إعداد العدد صفر من الجريدة حتى حققنا النجاح الذي نصبو إليه. واستفدت شخصيا من هذه التجربة ليس كمحررة فقط بل وقادرة على إنجاز صحيفة من أولها إلى آخرها.
¤ ضمن صعوبات البداية وحين شارف الحلم على أن يصبح وهما، هل
واجهت صعوبات باعتبارك امرأة أولا وإعلامية ثانيا ؟
نعم واجهت بعض الصعوبات خاصة وقد حرصت على إقامة علاقات مهنية محترمة مع محاولة الحفاظ عليها. فقد يصر البعض على دعوتي للعشاء أو لحفل راقص وإذا رفضت ينعكس ذلك سلبا على عملي خاصة إذا تعلق الأمر بمن هو أعلى مني في الدرجة المهنية وقد صدر ذلك حتى عن مسؤولين كبار في الجريدة. وهكذا أحسست في وقت ما بنوع من الضغط وكنت أعمل بأعصاب مشدودة وتعبت معنويا ومهنيا وحتى اجتماعيا وكل ذلك بمقابل مادي ضعيف لا يكفي إلا لاشتراكات الجرائد اليومية والنقل.
¤ بعد تجربتك مع جريدة لوطون، ما هي المراحل التي مررت بها على
المستوى المهني في مجال الإعلام؟
اقتصرت لمدة شهر ونصف على الدراسة فقط ثم التحقت بجريدة "الشعب" حيث كنت أعتبر الملحق الثقافي الصادر ضمنها من أهم الملاحق الثقافية في ذلك الوقت. أما عملي الفعلي فتمثل في انتدابي بصفة رسمية في وكالة تونس إفريقيا للأنباء. ووجدت هناك نمطا آخر للعمل ولم أكن مرتاحة نفسيا رغم الراحة المادية. ولا أستطيع القول إنني لم أتعلم ولم أستفد من عملي في الوكالة بل أحسست أنه من المفروض أن أعمل بها منذ البداية لأنني ببساطة وجدت الأبجديات الأولية للعمل خاصة وقد عملت في قسم الشؤون الوطنية ثم الدولية والشؤون الثقافية.
¤ ماذا عن تواجد النساء الإعلاميات في وكالة تونس إفريقيا
للأنباء في تلك الـفترة ؟
كان هناك العديد من النساء خاصة في مكتب الشؤون الدولية وكانت معي فاطمة زروق ونعيمة الزواق ومريم اسكندراني وزهرة بن رمضان وهدى الماجري وروضة قسطلي وغيرهن من الإعلاميات والصحافيات المبتدءات. وكان الحضور النسائي منظما ودقيقا وكانت المهام مقسمة بحيث توفرت النجاعة التي لم أجدها في الصحف. أما عن العلاقات المهنية فقد كانت مضبوطة بالقوانين والإجراءات.
¤ وماذا بعد العمل في الوكالة ؟
خرجت
من الوكالة بعد 26 شهرا لألتحق بمشروع تم إعداده في وزارة الثقافة ويتمثل في بعث
المعهد العالي للمنشطين الثقافيين حيث تم تكويننا لمدة سنتين بالتعاون مع منظمة
اليونسكو حتى نصبح بدورنا مكونين، مع تمكيننا بالتوازي مع ذلك من التسجيل بالمرحلة
الثالثة من التعليم العالي. اخترت دراسة علم الاجتماع واستفدت من عدة حلقات
تكوينية وتنقلت إلى الخارج في تربصات ولكن كل ذلك انتهى دون تنفيذ المشروع لأعود
من جديد إلى المجال الإعلامي في إطار قسم الثقافة بجريدة "ديالوغ"
الحزبية الناطقة باللغة الفرنسية وكانت التجربة ناجحة على مستوى المقالات النقدية
والبناء النقدي الذي تدربت عليه وانخرطت فيه.
ولكن دائما تبرز الصعوبات من جديد. فحين كنت في إجازة أمومة أعلمني رئيس قسم الثقافة بضرورة حضوري لمدة أسبوع على الأقل لأنه يريدني أن أشرف على القسم نظرا لتعيينه مديرا للتلفزة على أن أحصل بعد ذلك على باقي عطلة الأمومة، ولكن مع تعيين مديرة جديدة للمجلة وهي امرأة عدائية بشكل رهيب، وقعت التجاوزات وتم طردي من مجلة "ديالوغ" بعد سنتين من العمل ذقت خلالهما الأمرين وعانيت من الضغط النفسي يوميا وتم خلالهما تجميدي بحيث أنني أحضر وأكتب دون أن يدرج لي أي مقال. وقبل أن يتم طردي أعلمتني إدارة المجلة بنقلي إلى القسم التجاري لدار العمل لأشتغل في الإعلانات وأنا متحصلة على الإجازة في الصحافة وعلوم الإخبار وشهادة الدراسات المعمقة في علم الاجتماع... ورفعت الأمر إلى القضاء وتم تهديد المحامين الذين تكفلوا بقضيتي. وبعد أن كنت سأصبح رئيسة قسم، تم طردي من عملي وبقيت أتابع قضيتي أربع سنوات كاملة. وكنت في الأثناء ممنوعة من دخول أية جريدة أو مؤسسة إعلامية، أما المجلة الوحيدة التي عبرت عن رغبتها في انتدابي وعملت بها فترة قصيرة ودون أجر، وهي مجلة "المغرب العربي"، فقد عرفت صعوبات عديدة قبل أن يتم إيقاف نشرها.
¤ بعد كل هذه الصعوبات وبعد حالة اللااستقرار، ألم يخطر ببالك
مغادرة قطاع الإعلام والتفكير في الالتحاق بالتدريس مثلا أو غيره من القطاعات ؟
التجربة أتعبتني منذ البداية ماديا ومعنويا وكانت الفرص تتاح لي وكنت أتعلم وأتقدم مع كل تجربة أخوضها. ففي آخر سنة 1984 كان محمود المسعدي الكاتب التونسي الكبير ورئيس مجلس النواب في تلك الفترة يبحث عن ملحقة صحفية تتقن ثلاث لغات واتصلت بي قريبته الصحفية درة بوزيد وعرضت علي التفاصيل. وبعد أن تحادثت معه دخلت العمل في اليوم نفسه. ورغم أن عملي لم يكن صحفيا مائة بالمائة، فقد كانت تجربة جميلة وكنت أحصل على أجر مرتفع ولمدة سنتين انتقلت إثرهما إلى المسرح الوطني باعتبار حسي المزدوج المسرحي الإعلامي واهتممت بملف الإعلام مع سعي متواصل من قبلي للعمل بجريدة "لابراس" اليومية الناطقة بالفرنسية. ولكن مشكلتي السابقة مع مجلة "ديالوغ" الحزبية بقيت بمثابة النقطة السوداء رغم أن المحكمة حكمت لفائدتي. ولم أيأس بالمرة بل كنت أحاول دائما. وعندما تولى السيد صلاح الدين معاوية منصب الرئيس المدير العام لجريدة "لابراس"، ساعدني كثيرا وكان ممن آمنوا بي مهنيا وعرض علي الالتحاق بالصحيفة كمتعاونة دون أن أترك عملي بالمسرح الوطني. قمت ببعض التحقيقات في القسم الاجتماعي وأعتبرها أعمال هامة في مسيرتي المهنية. وبقيت أعمل كمتعاونة لمدة ثلاث سنوات بدءا من آخر سنة 1985 مع العلم أنه لم يكن باستطاعتي آنذاك أن أمضي مقالاتي بالشكل الذي أريد. وشيئا فشيئا، أصبحت أحضر اجتماعات التحرير وهو ما يعني اعترافهم الضمني بي وبقدراتي وفي سنة 1988 تم تثبيتي في العمل.
¤ بعد تثبيتك في العمل، ماذا عن التدرج المهني والصعوبات التي
اصطدمت بها كامرأة إعلامية؟
انطلقت من أول السلم أي من أسفل الدرجات ولم يأخذوا بعين الاعتبار تجربة 13 سنة لي في المهنة وتم تجاهل ذلك تماما وقمت من جديد بتربص مدة بثلاثة أشهر. بعدها أصبحت أمضي مقالاتي وأضع اسمي كاملا. لكنهم اشترطوا علي أن يحمل إمضائي إما لقبي العائلي أو لقب زوجي وليس الإثنان معا، هذا كله مع الكثير من الضغوط. ولم تدم هذه الوضعية طويلا، فقد تحسنت لكنني بقيت أعاني من الدرجة الوظيفية الأولى التي حصلت عليها ومازلت أعاني منها إلى الآن. فأنا لدي رتبة رئيس تحرير درجة ثانية، إلا أن رئاسة التحرير هذه ليست إلا لقبا إداريا لا معنى له في العمل التطبيقي، أي هو في الواقع صفة إدارية مجردة من عدة اعتبارات. مثال ذلك أنني أعتبر عضوا في مجلس التحرير، لكن مجلس التحرير غير موجود... أو موجود ولا يعمل ولا يجتمع ولا يمارس... نجتمع بصفة طارئة وعرضية، يعني أن القرارات لا تتخذ في حضورنا. والبعض من الرجال ممن لهم نفس رتبتي يحضرون هذه الاجتماعات لكنني لا أحضرها ولا أسمع بها إلا بصفة متأخرة. نفتح الجرائد مثل القراء لنفاجأ ببعض القرارات التي تم اتخاذها. والنساء بصفة عامة، لا يتم إعلامهن بهذه القرارات. ولم أكن وحدي برتبة رئيس تحرير درجة ثانية بل كانت معي زميلتان وكانت لأخرى رئاسة التحرير ولم تتعد إلى الدرجة الثانية ولدينا ثلاث زميلات برتبة رئيس تحرير مساعد.
¤ أصبحت في فترة معينة صاحبة قرار بعد تسلمك رئاسة قسم الشؤون
الثقافية. فلم لم تواصلي في المنصب ذاته؟
أصبحت
رئيسة قسم في أفريل سنة 2001 وكانت هناك ممارسة فعلية للعمل. وكان الفريق ممتازا
والنساء هن من ساعدنني على إنجاح القسم وكن معي في الواجهة وناضلن معي حتى أبقى في
رئاسة القسم. وقد كنت أحرص على ألا أخسر علاقاتي مع زملائي وألا أستعمل سلطة رئيسة
القسم بل كنت أحاول الحفاظ على تلك العلاقة المهنية الجيدة.
وفي المقابل، حدثت زوبعة في الجريدة محورها السؤال التالي : "لماذا امرأة في رئاسة قسم في الجريدة؟" فهناك من اتصل بالرئيس المدير العام ليقدم استقالته قبل ثمانية أشهر من التقاعد في حين أنه لم يكن تحت إشرافي ولكن منصبي الجديد سيحتم عليه العمل معي من موقعه الوظيفي فخير أن يقدم استقالته. زميل آخر ومنذ اليوم الأول الذي تم فيه تعييني رئيسة قسم واصل العمل لمدة قصيرة وبعدها انقطع عن العمل.
¤ وهل اعترضتك بعض الصعوبات على مستوى اتخاذ القرارات؟
رغم أنني لم أبق طويلا في هذا المنصب حيث تخليت عن المنصب في شهر فيفري 2002، إلا أن الفترة كانت صعبة جدا وأكبر مشكل اعترضني تمثل في رفضي تقديم تقارير إدارية تطلبها إدارة الجريدة لأنني كنت أعتبر أن تلك التقارير ليست من مشمولاتي. فلماذا التقارير مادامت هناك مشاورة يومية مع رئيس التحرير ومادامت أبواب المسؤولين مفتوحة أمام كل الصحافيين خاصة وأنني أحب أن تسود المودة بدل أن يقال امرأة تفرض الديكتاتورية علينا. ومن هذا المنطلق، قدمت استقالتي لأنني أرى أن رئيس القسم عندما يتم اختياره على أساس كفاءته المهنية، لا يعني أنه سيصبح مجرد مسيّر، بل المفروض أن تستفيد الجريدة من تجربته المهنية وأن يواصل الكتابة. ولكنني كنت أتولى التأطير وأصلح المقالات وأوجه وأوزع العمل وأشرف على الجانب التقني وكل ذلك يعني أن أكون دائما موجودة. وابتعدت بالتالي عن العمل الميداني ولم أعد أكتب في حين أنني متمسكة بقلمي وأحسست أن هذا الغياب انعكس على علاقاتي وخاصة مع القراء الذين يحبون مواضيعي ويتساءلون عن سبب انقطاعي عن الكتابة.
¤
انطلاقا من واقع عملك، ما هي الصعوبات التي تعترض الصحافية
وتعيقها عن الوصول إلى موقع قرار؟
عندما تدخل امرأة إلى جريدة، غالبا ما لا يتم تشريكها في اتخاذ القرارات لأنهم ينظرون إليها دائما على أن لديها مسؤوليات عائلية ومسؤوليات اجتماعية موازية لها الأولوية دائما حسب رأيهم. ولقد قيل لي ذلك في اليوم الذي وقع فيه انتدابي. قال لي الرئيس المدير العام بالحرف الواحد "أنا أؤمن بك مهنيا، لكن لي مشاكل مع العديد من النساء في الجريدة، هذه أنجبت وتلك ابنها مريض، وثالثة أسرعت لتحضير العشاء... ورابعة لا تستطيع العمل في الليل..." فقلت له أنا ليست لدي مثل هذه المشاكل، فأنا اخترت هذه المهنة ولم أجد فيها نفسي بالصدفة بل برمجت حياتي على أساس هذا الاختيار. بالنسبة إلى أولادي ليس لدي أية مشاكل، عندي من يهتم بهم، وبالنسبة إلى حياتي العائلية هي في ناحية وعملي في ناحية أخرى، عندي طموحات مهنية، وأنا مستعدة بالتالي للعمل في الليل. تزامن عملي بالوكالة مع السنة الأولى من زواجي التي غالبا ما تكون السنة الأصعب. كنت أعمل في الليل وأعود الساعة السادسة صباحا إلى بيتي دون أن تتسبب لي هذه الوضعية في مشاكل تذكر. هم يحكمون على المرأة بالنظر إلى دورها التقليدي، يعني إذا طرأ كارئ في الليل يقولون لماذا تستشيرونها هي الآن بصدد إعداد العشاء. هذه هي المرأة بالنسبة إليهم، هذه هي الصورة...
¤ حسب رأيك ما هي
المهارات التي تنقص الصحافية التونسية لتصل إلى موقع قرار؟
ليست
مسألة مهارات تزيد أو تنقص بل هو نظام تعتبر الصحافية غير قادرة على الاندماج فيه.
هناك نظام عبودية يرضى به الرجل وترفضه المرأة. أذكر أنني ذهبت خلال شهر رمضان إلى
فرنسا في مهمة لفائدة جمعية الصحافيين التونسيين وعشت تجربة لا مثيل لها في إطار
الملتقى الاجتماعي الأوروبي الذي شارك فيه مليون مشارك من جميع بلدان العالم يعني
الحركات الشبابية والطلابية والاجتماعية والهامشية والتظاهرات المسرحية والثقافية
والاجتماعية والندوات وورش العمل... وقمت بكل عملي وتحديت كل العادات والتقاليد
وما يعنيه غياب سيدة بيت عن طاولة العشاء في شهر رمضان على امتداد أسبوع بأكمله.
فهل يقوم رجل بهذه التضحية؟ وهل يقبل أن يضحي بحياته الخاصة من أجل العمل ودون
مال؟
وخلال بادرة اليونسكو "النساء يصنعن الخبر" في عامها الأولى، ورغم أنني كنت خارج تونس، إلا أنني تابعت عبر الهاتف ردود فعل وسائل الإعلام التونسية ومدى استجابتها للبادرة. وفي السنة الثانية للتظاهرة، عملت رغم أن حالتي الصحية آنذاك لا تسمح لي بالعمل وتستوجب الراحة التامة بالمنزل. ومع ذلك كنت أقضي كامل الوقت في الجريدة ولا أغادر مكتبي إلا في حدود الساعة الحادية عشر ليلا... أعتقد أنه قد حان الوقت لـ"تطهير" كل المؤسسات الإعلامية ووضع كل شخص في المكان الذي يستحقه وحسب كفاءته وجديته، عندها ستصل المرأة حتما إلى مراكز القرار. وفي ظل غياب ذلك، لا بد أن تجتهد المرأة أكثر وتناضل أكثر لأنني أنا كرئيسة مصلحة تعذبت أكثر من زميلي في المنصب نفسه، وواجهت أضعاف ما كان يواجه من صعوبات.
¤ هناك الآن امرأة على رأس جريدة "لابراس"، ما هو
الفرق حسب رأيك؟
الفرق أنه أصبح هناك مستمع جيد لبعض المشاكل الخصوصية التي نعيشها نحن الإعلاميات. ورغم أن المديرة الجديدة استاءت لأنني لم أقبل مهمة الإشراف على قسم، فقد فسرت لها سبب الموقف الذي اتخذته وحدثتها عن المعاناة التي خضتها في تجربتي السابقة، ولمست منها تفهما للموقف ووعدتني بالسعي إلى إيجاد حل للمشكل. هذا يعني أنك الآن تجد من يصغي إليك، أما المدير السابق، فعندما قدمت له استقالتي لم يهتم بمعرفة السبب. ورغم أنه لم يتسلم مني استقالة مكتوبة، فقد قبل استقالتي الشفوية وكأنه كان ينتظر مني ذلك.
¤ وباعتبارك عضوا في المكتب التنفيذي لجمعية الصحافيين
التونسيين، ما هي المشاكل التي تثيرها المرأة الإعلامية؟
للأسف الشديد، رضيت المرأة الإعلامية بالقليل الذي حددوه لها. مثلا عندما أسأل زميلاتي لماذا لا يأتين إلى الجمعية، يفسرن ذلك بكثرة المسؤوليات العائلية. وأعتقد أن ذلك ليس المانع الحقيقي، فالمرأة تتوهم دائما أن ما يمنعها من الانخراط في العمل النقابي أو الجمعياتي هو المسؤولية العائلية، في حين أنها تقضي ساعات عديدة في التسوق أو غيره. فغياب المرأة أو تخليها عن الفضاء الموضوعي الذي يمكن أن تناضل فيه وتحل مشاكلها ونعني بذلك الفضاء الجمعياتي، يؤدي حتما إلى تفاقم المشاكل التي يصعب حلها فيما بعد.
¤ وهل المشاكل التي تطرح عليكم في إطار الجمعية، لها خصوصية
معينة؟
هناك مشاكل أخرى مسكوت عنها، كالتحرش الجنسي الذي تواجهه الإعلامية عند ممارسة عملها، علاوة على مشاكل التمييز في ممارسة العمل وفي الانتداب والعطل.
لقاء السيدة فاطمة الكراي
تجربتي
الصحفية مغامرة جميلة أعطيتها الكثير
ونسيت كل شيء من أجلها
lاخترت الصحافة لأكون فكرا حرا لا لأنخرط في سياق يرغمني فيه
الآخر على الكتابة
l أفرض وجودي كامرأة لها أفكار وتوجهات وليس كامرأة صاحبة قلم للإيجار
بين متاعب القلم وهموم الوطن... تاهت الصحفية فاطمة الكراي،
فوجدت نفسها.. ومع كل ضربة موجعة توجه لأرض العروبة، يتجدد حبر قلمها فترفعه سلاحا
فــي وجه الزمن ..به تتحدى وعليه تستند.. فتظل واقفة ويظل أبيا وإن تكررت
الضربات.
فمن التفرد إلى التميز ومن المشاركة في التأسيس وصنع القرار إلى الإحساس بالوحدة ... عبر هذه المراحل طبعت فاطمة بن عبد الله الكراي مسيرتها الإعلامية، فجاءت إلى بلاط صاحبة الجلالة، واثقة أولا من نفسها ومن تكوينها الأكاديمي في معهد الصحافة وعلوم الإخبار- اختصاص سياسة شعبة الصحافة المكتوبة -وواثقة ثانيا من قدرة قلمها على رفض الموجود وفرض لون خاص ونضال خاص باعتبارها صحفية وامرأة تم تعيينها منذ البدايات منسقة للشؤون العربية والدولية. توزع نضالها في البداية بين التعليم والصحافة المكتوبة، لتقتصر على هذه الأخيرة بعد إغراءات كثيرة وإصرار كبير من الأصدقاء والأساتذة. تحولت من متعاونة في جريدة الأنوار الأسبوعية إلى أحد مؤسسي جريدة الشروق اليومية. وضمن النواة المؤسسة، كانت تكتب وتنزل إلى العمل الميداني. كانت منذ البداية تساهم في صنع القرار وفي فرض رأيها وفي تصور الخط العام للصحيفة حتى أنها تقول "إن 80 بالمائة من القرارات كنت مشاركة فيها وكانت آرائي تسمع ليس لأني امرأة، بل لأني خريجة معهد الصحافة ولأن أفكاري مميزة ومبنية على متابعة مستجدات المشهد الإعلامي من ناحية، والقدرة على التصور والتحليل من ناحية ثانية.
¤ مع منتصف
الثمانينات التحقت بالصحافة كمتعاونة ثم كصحفية قارة في صحيفة الأنوار الأسبوعية
ثم الشروق اليومية وبسرعة إلى المشاركة في تأسيس صحيفة، فهل انطلقت معك بعض
الأقلام النسائية الأخرى ؟
في تلك الفترة كانت الكاتبة حياة الرايس تكتب في مجال الثقافة ولكنها لم تكن في موقع قرار وسبقتني كذلك آمال الزين وهي قاضية الآن. ولكن ضمن الأعضاء المؤسسين كنا مجموعة من النساء وكنت أقدمهن، والتحقت بنا بعض خريجات معهد الصحافة خاصة وأن هذا الأخير عرف في تلك الفترة ارتفاعا في عدد المرسمات وانخفاضا في عدد المرسمين على عكس السنة التي تخرجت فيها، أي سنة 1984، حيث كان عدد الفتيات قليلا. وقد كان يشاع في البداية أن المدير المؤسس لدار الأنوار لا يحب تشغيل النساء، فأثبت العكس وكان يقول إن فاطمة الكراي هي النموذج بالنسبة إليه لأنني كنت ببساطة تلك المرأة التي تشتغل إلى ساعة متأخرة وتبقى حتى بعد مغادرة الرجال... والمدير كان يكره أن تتعلل الصحفية بتعلات واهية حتى لا تبقى إلى ساعة متأخرة إذا اقتضى الأمر ذلك وحتى لا تسافر لتغطية بعض الندوات أو الملتقيات.
¤ المعلوم في تلك
الفترة لجوء الكثير من خريجات معهد الصحافة وعلوم الإخبار إلى التعليم أو مواصلة
الدراسة والبحث ولكن فاطمة الكراي تركت التعليم لصالح الصحافة المكتوبة فهل كان
ذلك سباحة ضد التيار أم صدفة محضة ؟
كانت الصحافة اختياري الأول للدراسة وكنت أنوي التعمق في البحث والتخصص ولم أكن أتصور أنني سأعمل في مشهد إعلامي متدهور ولم أتخيل يوما أن أكتب ما يملى علي. اخترت الصحافة لأكون فكرا حرا لا لأنخرط في سياق يرغمني فيه الآخر، سواء كان داخل المؤسسة الإعلامية أو خارجها، على أن أكتب ما لا يجب أن أكتب. وتأكد داخلي هذا الإصرار من خلال دراستي الأكاديمية التي كنا نخضع فيها كل المشهد الإعلامي للنقد والتقييم والمقارنة بين ما يرد في الصحافة العالمية وما يوجد في صحفنا.
¤ رغم اقتناعك
بتدهور المشهد الإعلامي التحقت بمجال الصحافة المكتوبة وعملت به أكثر من 15 سنة
ومازلت، فهل هذا تنازل منك أم إيمان بقدرتك على تحدي الضغوطات ؟
حين قررت الالتحاق بالميدان الإعلامي كنت متأكدة من تعرضي إلى بعض الضغوط فكنت دوما المتحكمة بقلمي وكنت أرى نفسي مغادرة ومازلت إلى اليوم. وهذا الاستعداد النفسي للمغادرة وعدم الرضوخ للضغوطات جعلني لا أعتبر عملي الصحفي مورد رزق. ولا يعني عدم مغادرتي الصحيفة إلى الآن أنني لم أتعرض بالمرة إلى بعض الضغوظ، ولكنني كنت في كل مرة أغادر المكتب. وكانت تلك الحركة كفيلة بتجاوز الضغوط خاصة وقد كان صاحب المؤسسة وكذلك زملائي يحترمون ردة فعلي ويحترمون رأيي الرافض لنوعية معينة من الكتابات.
¤ باعتبارك من مؤسسي جريدة الشروق اليومية بتصور جديد وبفريق جديد،
فالأكيد أنك تذكرين الصعوبات التي اعترضتك شخصيا واعترضت كل الفريق. ففيم تمثلت ؟
بالفعل الصعوبات كانت كثيرة وكثيرة جدا، لا سيما المتمثلة في اختلاف الآراء بدءا بشكل الصحيفة ووصولا إلى خطها العام وتحديد جمهورها. وكنت وسط كل ذلك وبحكم تكويني وفكري ووجودي في الجريدة أسعى إلى فرض رأيي ولوني ووجودي كامرأة لها أفكار وتوجهات معينة، وليس كامرأة صاحبة قلم للإيجار، ورغم ذلك بدأت التجربة باحتراز.
¤
هل أدركت حينها أن إيجابيات هذه التجربة أكثر من سلبياتها
لتنخرطي فيها وبكل حماس رغم الاحتراز ورغم ما تصفين به المشهد الإعلامي ؟
حتما مثلت الإيجابيات المتوفرة حافزا للمضي إلى الأمام، لا سيما وأن المؤسسة كانت الفضاء الذي أعطاني حرية المبادرة فاستطعت منذ البداية إمضاء مقالاتي وتحمل المسؤولية كاملة. فأنا وكل فريق الصحافيين كنا نبحث عن المواضيع ونسعى إلى خلقها وكنت متحمسة لاجتماعات التحرير باعتبارها المحرك الأساسي للعمل الصحفي.
¤ وهل انتفت السلبيات
تماما من هذه التجربة أم طغت عليها الإيجابيات ؟
لا بد أن أشير هنا إلى أن السلبية الأولى تمثلت في شكل الجريدة الذي وقع عليه الاختيار والسلبيات الأخرى ظللت أحاربها مع آخرين أيضا، وخاصة ما تعلق منها بالملاحق ذات التوجه "التافه". ومن الصعوبات التي اعترضتني كذلك هو أنني أريد دائما أن أقنع صاحب الجريدة بالتوجه أكثر للمثقفين... في وقت أرجأ الأمر إلى أجل غير محدد. كانت لديه استراتيجية معينة لم يكشفها لي. فخلقت هذه الوضعية نوعا من التوتر المهني خاصة أنني أمثل جزءا من المشهد الثقافي وأمارس الأنشطة الثقافية وأشارك فيها. ولم يعجبني أن يقال عن الجريدة التي أنتمي إليها "جريدة السائق أو الساعي"، ... ولكن رأيه الذي تمحور حول ضرورة التأسيس والتوجه إلى الجماهير في العمق قبل المثقف الذي سيسعى بمفرده ويبحث عن الجريدة. وفعلا بعد 16 سنة، يدق المثقفون باب الجريدة وينقدون ويقترحون ويقدمون آراءهم....
¤ بعد 16 سنة من العمل
والمسؤولية، هل يمكن أن تقدمي تجربتك الصحفية على مراحل ؟
أعتبر تجربتي الصحفية مغامرة جميلة أعطيتها الكثير ونسيت
كل شيء من أجلها. بدأت بمرحلة التأسيس لأنني أملك عقلية التأسيس وأحسست بذلك منذ
البداية خاصة وقد توفرت لي الفرصة. وبعد مساهمتي في التأسيس لا أستطيع أن أغادر
إلى مكان آخر لأتلقى التعليمات، وهنا يكمن السر في عدم خروجي من الجريدة.
وبعد ذلك العنفوان وبعد حماس مرحلة التأسيس كانت المرحلة الثانية وهي مرحلة القرار... قرار الابتعاد و"الهرب". فبحكم الأوضاع السائدة آنذاك على الصعيد العربي بدءا بضرب القضية الفلسطينية ووصولا إلى حرب الخليج وضرب العراق، خيرت الابتعاد وعدت مرة أخرى إلى التعليم سنة 1992. شعرت حينها أنني لن أستطيع تحمل ذلك. قد يكون الموقف جبانا أو ناتجا عن الضغط النفسي الذي اضطرني إلى اللجوء إلى الأطباء... ورجعت في النهاية لأنني كمسؤولة ومؤسسة لهذه الجريدة لا يجب أن أنسحب حتى لا أبث العجز في نفوس الآخرين، لا سيما الأصغر مني سنا وتجربة. وتسلحت بالإصرار ككل شخص يخرج من أزمة، لأدخل بذلك المرحلة الثالثة، حيث لم أعد أكتب في الإطار القومي واتجهت إلى القضايا الدولية. وتزامن ذلك مع وجودي في جمعية الصحافيين التونسيين أين أصبحت لقاءاتي ومعارفي وجدلي كله مع الصحافيين الأجانب ووجدت نفسي في محيط اتصالي أوسع واتخذت اتجاها آخر... أخذت على عاتقي مسؤولية تبليغ صوتي في كل لقاء وفي كل ندوة صحفية دون خوف أو تردد.
¤
هل حتم وجودك في مركز صنع قرار داخل مؤسسة إعلامية، أسلوبا
مغايرا في معاملة الآخر المسؤول والآخر الزميل والآخر القارئ ؟ وهل كانت طريقتك في
التصرف كمسؤولة مختلفة عن طريقة تصرف الرجل المسؤول ؟
الأكيد أن تصرف المرأة المسؤولة يختلف عن تصرف الرجل المسؤول والأمر لا يتعلق بالأفضلية هنا بل يرتبط بأن المرأة، وباعتبارها حاضنة لكل التناقضات، يمكنها أن تحسن التعامل لأنها تتخلص من النظرة الآلية وتتعداها إلى النظرة الشمولية. فمن خلال ممارستي اليومية لم أوجه إنذارا إلى أي شخص ولم أعاقب أيا كان لأنني أعتبر العقوبة في المجال الصحفي غير ممكنة, لأنه يحتم على كل ممارس له اختيار تحمل هذه المسؤولية أو عدم تحملها... ومن هذا المنطلق تجمعني الصداقة والاحترام والحب بكل الزملاء داخل الجريدة، وأحاول دائما أن أتفهم الجميع ومع ذلك لي أسلوبي الخاص في العقاب فعندما يرى الصحفي أنني أعددت مقالا هاما أو حوارا مميزا كان من المفروض أن يقوم به هو سيقول "ليتني قمت بذلك العمل".. فعقابي نوع من الخطاب الترغيبي، لأنه حتما سيطالب بالقيام بمثله ومن تلقاء نفسه.
¤ مشاركتك في صنع القرار داخل المؤسسة،
هل كانت دائما في مستوى انتظاراتك ؟ وهل كانت مشاركة فعلية في كل القرارات ؟
مشاركتي كانت فعلية ومنذ البداية ولكن تم استثنائي في بعض القرارات ليس لأنني امرأة، بل لأنني لا أقول نصف الحقيقة فأنا أصدع برأيي في اجتماع التحرير وأقول كل الحقيقة حتى وإن اتفقنا فيما بعد أن نعمل بنصف الحقيقة. فهذا لا يمثل مشكلة خاصة إذا كنا متفقين. أنا صحافية مسؤولة ولست امرأة مغامرة وأعرف ما معنى حماية الجريدة أو أن المشهد لا يقتضي كذا والقانون لا يسمح بكذا... لذلك لما يتم استثنائي في بعض القرارات لا يقلقني الأمر لأنني أدرك أنهم يحاولون التخلص من امرأة صاحبة موقف. فممارسة القرار الفعلي بالنسبة إلي يكون من خلال القلم بالأساس حيث لا يمكن استثنائي.
¤
وماذا عن استحقاقك للمنصب الإداري والترقية الوظيفية ؟ هل
تتنازلين عن حقوقك وأنت تؤمنين بأنه "ما ضاع حق وراءه طالب" ؟
المنصب الإداري لا يعني لي شيئا، فأنا منذ سنة 1992 رئيسة تحرير مساعدة وأقوم فعليا بعمل رئيس تحرير، وينص القانون على أن أنتقل في ظرف ثلاث سنوات إلى منصب رئيس تحرير وأنا الآن أمضيت 12 سنة في منصب رئيس تحرير مساعد. أما عن الاستحقاقات الأخرى، فأغلبها لم نحصل عليها في حياتنا، والاستحقاق الوظيفي لن يجعل من فاطمة صحفية جيدة أو صحفية سيئة وهو استحقاق أقل بكثير من استحقاق الكلمة أو القلم ؟
¤
ألا يعد ذلك نوعا من الاستسلام في الوقت الذي يطالب فيه الجميع
بوجود المرأة في مواقع صنع القرار ؟
هذا صحيح، ولا أحب أن يطبق في الشأن العام ولكنه موجود في ذاتي وأعتبره خطأ لأنه لن يساهم في النهوض بالمرأة ولن يجعلها مساوية للرجل ولن يكشف قدرتها إن كانت صاحبة قرار.
¤ بعيدا عن فهمك الخاص لممارسة القرار
ومن خلال تجربة الـ 16 سنة التي عشتها في المجال الإعلامي، ما هي العراقيل التي
تحول دون وصول المرأة الإعلامية إلى مراكز صنع القرار في المؤسسات الإعلامية وفي
الصحافة المكتوبة أساسا ؟
هي عراقيل تعترض كل امرأة بصفتها تلك، فما زلنا لم نصل بعد إلى مرحلة يسمع فيها الرجل نصائح المرأة. وبخصوص المرأة الإعلامية عموما أذكر شجارا وقع بيني وبين زميلتين صحافيتين حيث كانت الأولى تدلي بشهادة في مؤتمر الصحافيات العربيات وكنت حينئذ حديثة التخرج وقالت الزميلة : "... التحقيق الصحفي يحصل عليه الصحفي الرجل ولا تحصل عليه هي...". فأجبتها : "عوض البكاء الآن الأجدر بك أن تضربي على الطاولة وتذهبي أنت إلى إجراء التحقيق رغم صعوبته كشكل صحفي وبتلك الطريقة فقط تفرضين رأيك وتقدمين الإضافة..."
¤
وهل يعني ذلك أن المرأة الإعلامية ينبغي أن تحسن افتكاك مكانها
وفرض ذاتها وعملها؟
هذا ما حصل فعلا... وما يجب أن يحصل مع بعض الفوارق لأنه لا يمكن أن نحكم على الصحافة في تونس من منظار واحد فالأمر يختلف بين الصحافة الرسمية أو شبه الرسمية والصحافة المستقلة أو الخاصة. ففي هذه الأخيرة لا يهم صاحب العمل إن كان الصحفي رجلا أو امرأة، بل المهم هو الحصول على المعلومة لينافس بها ويتفوق على الآخرين.
¤ ولكن هل هناك مواصفات معينة يجب أن
تتوفر في الإعلامية حتى تصل إلى مكانتك وإلى منصب قرار داخل المؤسسة الصحفية ؟
يجب عليها أن تختار مسارا يختلف عن المسار الذي اخترته
أنا ذلك أنني وصلت إلى هذا المنصب بالتأسيس وليس بالتخطيط... أدركته
بالممارسة، بالتجربة وبالخطأ. ومع ذلك
أقول إن التي فرضت نفسها في الدراسة وأقنعت بعملها تقنع بمهنتها وعملها وما عليها
إلا فرض رأيها والانتماء إلى جمعيات ونقابات. فأنا مثلا ترشحت إلى جمعية الصحافيين
التونسيين من أجل الصحافيين وحاولت أن أحقق لهم بعض انتظاراتهم وذلك بعد أن أحسست
أن الجمعية في حاجة إلى بلورة خط ومن واجبها لم شمل الصحافيين.
من ناحية أخرى، أرى أن ما ينقص المرأة الإعلامية من مهارات ينقص الرجل الإعلامي كذلك. وإذا وجدت إيجابيات فهي بالتأكيد للمرأة والرجل ولكن إذا خصصنا أكثر على المرأة الصحفية، أدركنا أنه في إطار تنافس غير شريف وتمييز واضح لصالح الرجل. على المرأة أن تقتنع بقدراتها وأن تسمع رأيها وتفرض دورها وتنتظم في نقابات وجمعيات لتعرف ما لها وما عليها خاصة وأنه من المستحيل أن يقال للمرأة "خذي هذا المنصب أو تسلمي هذه المسؤولية".
¤ وما أدراك بأنها الطريقة المثلى في حين أنك لم تسعي لممارستها؟
ذلك أنني أحمل هما يتجاوز بكثير هموم المرأة الإعلامية... توقي إلى وطن عربي لا يمت بصلة إلى ما نعيشه اليوم أصبح إفراطا في المثالية وسباحة ضد التيار... ولكنني أسعى إلى التغيير من موقعي وبسلاحي حتى وإن تسبب لي ذلك في وحدة كبيرة وألم عميق ، إن سخرت قلمي لوصفه، يعتزل الكتابة...
رفيقة فتح الله :
الطموح مشروع...والعمل واجب..وأشعر بالاختناق
n أعددت ملفات عن المرأة والسياسة..ففتحت المجال
أمام الإعلاميات
n في كتابة الافتتاحية شعرت بنخوة أكثر ومسؤولية أكبر
من
طالبة ثورية تندد وتحتج في إطار طلابي، إلى صحافية حزبية لا تخرج عن خط عام يسطره
الحزب الحاكم في ذلك الوقت ألا وهو الحزب الاشتراكي الدستوري. ومن دراسة الآداب
والمحاولات الخاصة في الكتابة إلى الإشراف على صفحات معينة وملاحق خاصة وصولا إلى
رئاسة القسم...هكذا لعبت الصدفة دورها لتلتحق الصحافية رفيقة فتح الله بمجال
السلطة الرابعة.
كانت تطرق الأبواب-كل الأبواب- بحثا عن عمل حتى فتح باب جريدة " العمل " أمامها. لم تكمل دراستها الجامعية ولكنها تميزت بلغة عربية صحيحة وبعيدة عن الأسلوب الأدبي الصرف. لم تختر صحيفة " العمل " على أساس الأفضلية، بل أقنعها الإطار الذي يفتقد إلى الصحافيين الشبان. كان المكان شاغرا ينتظر من يحتله، وكانت تترصد شغورا لتشغله.
¤ هل يعني التحاقك بالصحافة الحزبية أنك قطعت نهائيا مع
مبادئ الطالبة الثورية أم أنك قررت تغيير خطك العام في العمل ؟
كنت أنوي خوض التجربة فحسب، وحين التحقت بجريدة العمل قطع الكثيرون علاقتهم بي وتفاداني البعض الآخر، إذ كانت جل علاقاتي في ذلك الوقت مع الطلبة. تعبت إلى حد المرض من هذه الوضعية ولكن لحسن حظي، وجدت إلى جانبي عديد الصحفيين الذين ساعدوني كثيرا وجعلوني أقتنع بكوني صحافية أعمل في جريدة العمل، لكن البداية لم تكن سهلة بالمرة.
¤ هل يعني ذلك أن الصعوبات التي اعترضتك كانت مضاعفة بحكم
انتمائك إلى صحافة حزبية ؟
إلى جانب صعوبة التنازل عن المبادئ التي
تبنيتها أثناء دراستي الجامعية، لم يقع تكليفي في البداية بأعمال هامة مثل تغطية
ندوة صحفية أو القيام بريبورتاج أو غيره، وهذا ما جعلني لا أشعر بالراحة في العمل.
وشيئا فشيئا، وبما أن المديرين الأول والثاني اللذين عملت تحت إشرافهما فتحا أمامي
الباب، أعددت عدة ملفات عن المرأة والسياسة في الوقت الذي ظلت فيه السياسة الباب
الوحيد المغلق أمام أقلامنا، واستحسن كلاهما مبادرتي، لأنها فكرة جديدة من ناحية،
ولأن امرأة تكتب عن السياسة في فترة حساسة جدا من تاريخ تونس سنتي 1986 و1987 كان
يعد أمرا نادرا.
وبعد التغيير السياسي سنة 1987 تأكد هذا التمشي وأصبح بإمكاننا الحديث مع المواطنين والتوجه إليهم والاستماع لهم. كما التحق في تلك الفترة عدد من الصحافيين الشبان بجريدة العمل مما جعل الحديث في مثل هذه المواضيع أمرا مفروغا منه. فإذا كان المسؤولون في الجريدة لا يعترفون بهذه المواضيع، فالصحافيون الشبان الذين يعيشون الواقع بجميع مكوناته لم يكن باستطاعتهم تجاهله.
¤ ألم ينعكس التناقض بين مبادئ الحياة
وخصوصيات العمل على طريقة صياغتك للمواضيع ومعالجتها لأنه من المنطقي بالنسبة إلى
جريدة حزبية أن يكون لها نهجا خاصا ؟
لم يطرح هذا الإشكال في البداية لأن المواضيع التي كنت أكتب فيها لم تكن ذات علاقة مباشرة بالسياسة، بل مواضيع تخص الطلبة والمبيتات الجامعية...من المواضيع التي ليست فيها خطوط حمراء. أما بالنسبة إلى ملفات المرأة والسياسة، فجاءت في بداية التغيير حيث بدأت المرأة تبرز على الخارطة السياسية، نتيجة توفر الأرضية المناسبة، لذلك لم أجد في معالجة هذه المواضيع صعوبة تذكر. فما أكتبه موجود على الساحة ومحور حديث الجميع. ورغم أن الفترة كانت صعبة سياسيا واجتماعيا، فقد تعلمت بمساعدة الجميع كيف أقبل الوضعية التي أعيشها وكيف تكون لي رؤية مختلفة.
¤ بعد هذه الفترة الصعبة، كيف تدرجت في العمل ؟ وهل وجدت
من يؤطرك ويثري تجربتك خاصة وأنك تفتقدين التكوين الأكاديمي في الصحافة ؟
إضافة إلى حرصي على النجاح وعلى إثراء تجربتي ودعم تكويني بنفسي ساعدني رؤساء التحرير كثيرا. وكان إنتاجي غزيرا منذ 1987 إلى الآن. كتبت في كل المواضيع ولم أرفض أي عمل أكلف به في كل الأوقات وفي كل الأقسام وذلك خلال السنوات الأربعة الأولى إلى أن تحققت لي شهرة خاصة في ما يتعلق بالمواضيع الاجتماعية والاقتصادية وصنعت إسما في المشهد الإعلامي من خلال كتاباتي ولم أعد أقبل المهام الصحافية البسيطة التي تملى علي وقررت أن أهتم بالمستوى النوعي لكتاباتي الصحفية واخترت المواضيع وقمت بكل ما يتطلب تعمقا ودراسة ووقتا على غرار الملفات والتحقيقات الكبرى.
¤ أشرفت في وقت ما على صفحة الأسرة، فكيف كانت التجربة ؟
ولماذا انقطعت عن مواصلة العمل في هذا الإطار ؟
أشرفت سنة كاملة على صفحة الأسرة ورفضت أن تقتصر على الرشاقة، أو أن تبالغ في الجدية، ولم أواصل التجربة لأنه لم يعد لي ما أكتب عن المرأة، لا سيما وأن الصفحة أسبوعية وتتطلب جهدا على مستوى الأشكال الصحافية من تحقيقات وريبورتاجات وحوارات. ووجدت أن المواضيع نفسها تتكرر، عكس ملحق التربية الذي قمت أيضا بإعداده وكان يحتوي على 16 صفحة ويصدر مرة كل أسبوعين. وجدت فيه تنوعا على مستوى المادة والجمهور المستهدف، فأغرتني التجربة لما تتضمنه من جديد مع كل عدد.
¤ منذ سنة 2002 وأنت تشغلين منصب رئيسة قسم، فكم من صحافي
وصحافية تحت إشرافك ؟ وما الذي تغير في شخصك وفي طريقة عـملك ؟
أشرف على قسم يضم 10 صحافيين من بينهم 7 صحافيات. وقبل تعييني رسميا خضت تجربة الإشراف لمدة شهر حيث عوضت رئيس القسم السابق لكفاءتي،ومن منطلق غيرتي على الجريدة، لأنها الفضاء الذي أكتب فيه وأعبر من خلاله وليس لأنها جريدة الحزب، كنت أناقش رئيس القسم السابق فيما يتعلق بالعناوين وكنت دائما أشعر بالمسؤولية فأساعده وأقدم بعض الأفكار والتصورات.
¤ أولم تخططي للوصول إلى منصب رئيسة قسم ؟
كان طموحا مشروعا، وكنت أسعى بشتى الطرق المهنية للتميز عبر الكتابة والحضور والالتزام والانضباط في العمل، ورغم ذلك أصابني الذهول عندما تم تعييني. فأنا لا أحب المكوث كثيرا في المكتب، ولكنني كنت أطمح إلى كتابة افتتاحية جريدة الحزب وحصلت على ذلك لمدة 7 أشهر.
¤ لماذا
كتابة الافتتاحية تحديدا، هل كانت تمثل بالنسبة إليك فضاء لممارسة القرار أم فرصة
للبروز ؟
حرصت على كتابة الافتتاحية لأن الأغلبية تتصور أن المرأة لا تستطيع أن تكتب الافتتاحية، وكنت أطمح إلى كتابتها لأنني كنت أعرف أنه باستطاعتي فعل ذلك. وعندما طلبت من رؤساء التحرير أن يتحدثوا إلى المديرين في هذا الموضوع كانوا يجيبونني بالآتي :" سيثار التساؤل لماذا رفيقة بالذات ؟ ". وبعد أن كدت أيأس، أتيحت لي فرصة كتابة الافتتاحية لمدة 7 أشهر. ووجدتها في مستوى انتظاراتي حيث كنت أول امرأة تكتب افتتاحية جريدة الحزب في الوقت الذي لا تكتب فيه الإعلاميات الافتتاحية، يعني المرأة الأولى التي أكتب الافتتاحية وكان ذلك تحديا كبيرا بالنسبة إلي.
¤ هل أحسست بممارسة القرار من خلال كتابتك للافتتاحية ؟
ممارسة القرار كانت على مستوى رئاسة القسم،
حيث كانت عديد المواضيع مسكوتا عنها تقريبا لعدم توفر الجرأة في تناولها، وهي جرأة
تتطلب في ذات الوقت توخي الموضوعية بكل مسؤولية. وبعد التعيين حاولت أن أرسي في
صلب الفريق تقليد الاجتماع بصفة دورية وأصبحنا نجتمع كل يوم سبت، نناقش المواضيع
ونختار الزوايا. وواجهتني مشاكل أخرى مع بعض الزميلات وقلقا من قبل الزملاء رؤساء
الأقسام الرجال لأنني كنت أصغر رئيسة قسم وكنت أتدخل وأبدي رأيي في كل أمور القسم
وتقنيات العمل. وحاولت أن أتفادى بعض الإشكاليات فكنت أرسل صحافيين وصحافيات
بالتساوي وقد تعٍَّود الجميع على ذلك وأصبحوا يقدمون المساعدة.
وهكذا أصبحنا نكتب في الكثير من المواضيع، وتطرقنا إلى العديد من المسائل. وسمحت من جهتي بتمرير كل التعاليق، وعلى خلاف ما تعود عليه البعض من رؤساء الأقسام الآخرين، أخرج أنا للعمل مثل باقي الصحفيين.
¤ ما الذي ينقص الصحفية التونسية من وجهة
نظرك حتى تتمكن من الوصول إلى مواقع القرار؟
الثقة في إمكانياتها كامرأة، وكإعلامية قادرة على التصرف الجيد في الوقت وفي الفريق الذي تشرف عليه. فعندما كتبت الافتتاحية كان رئيس التحرير يقول : "دعي عنك، فلن تجدي حتى الوقت للعودة بابنتك وتجهيز وجبة العشاء". لكنني أصر على أن أكون في الموعد مهما كانت الظروف (أعياد، مرض أحد أفراد العائلة...) ويصادف أن أكتب الافتتاحية في البيت وأرسلها عبر الفاكس.... كل ذلك حتى لا تفوتني كتابة الافتتاحية في ذلك اليوم فيكتبها غيري ويقال رفيقة لم تستطع الكتابة لأنها امرأة، ولأن التزاماتها العائلية منعتها من ذلك.
¤ ما هو التغيير الذي يمكن أن تحدثه امرأة
إذا وصلت إلى موقع قـرار ؟
لقد أثبتت المرأة قدرتها وكفاءتها في جميع الميادين وأكدت جدارتها في تحمل المسؤولية مهما كانت. وإذا أوكلت إليها مسؤولية رئاسة التحرير فإنها دون شك سوف تكون في مستوى هذه المسؤولية بحكم ما لها من تصورات ورؤى بناءة وإيجابية بخصوص مختلف القضايا والملفات.
¤ بعد رئاسة القسم، هل ستسعين إلى مزيد من الارتقاء في سلم
المسؤوليات ؟
الطموح أمر مشروع والسعي إلى مزيد الارتقاء في سلم المسؤوليات أمر طبيعي بالنسبة إلى كل من يجتهد ويعمل ولذلك فإن طموحي لا يتوقف وسعيي إلى مزيد العمل والمثابرة.
¤ هل فكرت في التخلي عن مهنة المتاعب رغم المنصب الذي وصلت
إليه ؟ وهل أن مجرد التفكير يعني انعدام الطموح في مجال الصحافة ؟
كدت ألتحق بإحدى الوزارات ولكنني تراجعت عن قراري، فأنا متعلقة بمهنة الصحافة رغم كونها مهنة المتاعب...والذي قد يشجعني أكثر هو فتح المجالات أمامي أكثر للكتابة والتعليق والمساهمة في تحرير افتتاحية الجريدة...وقد كتبت الافتتاحية طيلة سبعة أشهر وفجأة لم أعد أكتب فكانت الصدمة والمفاجأة عندي.
السيدة آسيا فضلون :
خصوصية العمل الصحفي نوع من العراقيل بالنسبة إلى المرأة
n العمر
الإعلامي للمرأة قصير إذا طرحنا منه سنوات القيادة في المنزل
n أميل إلى العمل مع الصحفيين الرجال لتحقيق الإضافة
" أحب المسؤولية ولكن القيادة تتطلب تفرغا"
هكذا عبرت السيدة آسيا فضلون الدريدي عن استعدادها "الفطري" إن صح
التعبير لتحمل المسؤولية، وهكذا أشارت إلى أهم المشاكل التي تعترض الإعلامية
المسؤولة من وجهة نظرها. فالصحافة مسؤولية بدءا بالكتابة ووصولا إلى تحديد الخط
العام للصحيفة أو المؤسسة الإعلامية حسب رأيها.
من هذا المنطلق، ترى السيدة الدريدي أن الإعلامية مثلها
مثل الإعلامي تحرص على أن تكون مسؤولة في مجالها، لأن تحملها للمسؤولية يعني
المساهمة في تطوير قطاع الإعلام ككل...ولكن هل تحول السنوات التي تمضيها المرأة في
الحمل والإنجاب وتربية الأبناء...دون وصول المرأة إلى مراكز صنع القرار أو وصولها متأخرة
مقارنة بالإعلامي الرجل الذي يمكنه استغلال كل سنوات حياته المهنية لارتقاء درجات
السلم المهني وبالتالي المساهمة في اتخاذ القرار؟
سؤال تطرحه محدثتنا وهي متأكدة من الإجابة القاطعة بنعم لا سيما وهي لم تتسلم دفة تسيير قسم الشؤون العالمية إلا بعد الاطمئنان على حسن سير سفينة المنزل والأبناء.
¥ هل التحقت بمجال الإعلام صدفة مثل الكثيرات من
زميلاتك في أواخر السبعينات، أم أن
اختيارك كان مدروسا منذ البداية ؟
لا، لم يكن وجودي في بلاط صاحبة الجلالة عن طريق الصدفة، بل التحقت سنة 1973 بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار وكنت مع طالبة أخرى وحيدتين بين الطلبة الذكور في الصف نفسه. بعد تخرجي سنة 1979 عملت لمدة ثلاثة أشهر بجريدة "لاكسيون" بعدها التحقت بوكالة تونس إفريقيا للأنباء وبعد تثبيتي في العمل بثلاث سنوات سافرت إلى فرنسا لمواصلة دراستي الجامعية حيث حصلت على شهادة الدراسات المعمقة وعدت إلى تونس لأواصل منذ ذلك الوقت مشواري في وكالة الأنباء- قسم الشؤون العالمية. توليت في البداية ترجمة البرقيات الصحفية من الفرنسية والانقليزية إلى العربية ثم تمكنت من كل الأعمال المتعلقة بصحافة الوكالة. وبالتوازي مع ذلك عملت لمدة ثلاث سنوات بمجلة " الفن السابع "، وأشغل الآن خطة رئيسة قسم الشؤون العالمية منذ حوالي أربع سنوات.
¥ هل كان من السهل عليك الارتقاء إلى المنصب الذي تحتلينه الآن علما وأن الإعلامي الرجل هو المهيمن على مناصب
اتخاذ القرار داخل المؤسسات الإعلامية ؟
ربما يختلف الأمر في وكالة الأنباء عن مؤسسات الصحافة المكتوبة، فالعمل في صحافة الوكالة يخضع لنوعية من التدرج قوامها سنوات العمل والمثابرة والنجاح، وهو السلم الذي يتساوى فيه الرجل والمرأة. وما تأخري في الوصول إلى منصب اتخاذ القرار إلا نتيجة اختيار شخصي وضعت فيه تربية أبنائي أولوية في حياتي ولمدة سنوات عديدة رغم أنني أحب المسؤولية وأسعى إلى تحملها من منطلق ثقتي بنفسي وبإمكانياتي.
¥ ولكن من الأكيد أن المرأة الإعلامية تصطدم بالعديد من
العراقيل التي تحد من فرص تواجدها في مناصب اتخاذ القرار، فما هي أهم هذه العراقيل
حسب رأيك ؟
هي العراقيل ذاتها
التي تعترض المرأة في كل المجالات تقريبا، ولكن خصوصية العمل الصحفي الذي يتطلب
مزيدا من التفرغ وتواجدا في مكان العمل تفرضه الأحداث، قد تشكل في حد ذاتها نوعا
من العراقيل الإضافية. كما أنه لا يمكن المقارنة بين الإعلامي والإعلامية في هذا
السياق نظرا لأن عمر المرأة الإعلامي، إن صح التعبير، لا يقارن بعمر الإعلامي
الرجل الذي يستطيع بقليل من المثابرة والعمل والتنظيم النجاح في اعتلاء مناصب
اتخاذ القرار وتسيير الأقسام. وعلى العكس من ذلك تمضي المرأة سنوات عديدة من
حياتها مسؤولة ولكن في مجال شؤون المنزل وتربية الأبناء.
من جهة أخرى قد تتعرض المرأة للإقصاء دون الأخذ بعين الاعتبار لا لرأيها ولا لرغبتها في المشاركة، وأذكر مثلا أن قرار إرسال صحفي لتغطية الحرب في البوسنة أو حرب الخليج الأولى كان بناء على رأي "ذكوري" مفاده أن الرجل وحده القادر على أداء هذه المهمة دون استشارة الصحفيات أو حتى إعلامهن بالأمر.
¥ بصرف النظر عن إشكال العمر الإعلامي للمرأة،
هل تمتلك هذه الأخيرة المؤهلات الكافية لتكون فاعلة في مناصب اتخاذ القرار ؟
المرأة ذكية، إن لم نقل أذكى من الرجل، وحين أتحدث عن الإعلامية التونسية أرى أنها تتميز بتكوين أكاديمي جيد وبقدرة على فرض نفسها وبصمتها في المؤسسة الإعلامية التي تنتمي إليها، كما أعتبر أن ما وصلت إليه إلى حد الآن مرضي باعتبار دخولها المتأخر نسبيا إلى قطاع الإعلام عدا بعض الأسماء التي تعد على أصابع اليد الواحدة. وما ينقصها حسب رأيي هو المبادرة والتمكن من إسماع صوتها وفرض وجهة نظرها وبالتالي الخروج عن الإطار التقليدي الذي يحشرها في حديث نسوي عادي وبعيد عن النقاشات الجادة. فالجانب القانوني التشريعي في صالح المرأة التونسية دائما والمجال مفتوح وما على المرأة إلا إدراك كل ما هو مسخر لها لتحتل مناصب اتخاذ القرار.
¥ بصفتك
رئيسة قسم الشؤون العالمية في وكالة تونس إفريقيا للأنباء، كيف يتعامل معك الصحفي
الرجل ؟ وكيف تعاملين الصحفيين الذين يعملون تحت إشرافك ؟
لست الوحيدة المسؤولة في هذا القسم، فنحن نتداول على المهام. ومن منطلق تجربتي لم أر أي فرق في التعامل بين المشرف على القسم وبين الصحفيين. كل له أسلوبه في التعامل مع المعلومة واختيارها وفي توزيع المهام على كل الفريق وكما أحظى بالاحترام من قبل الجميع أحترم كل من يعمل معي، ولكن لو خيروني فسأختار العمل مع الصحفيين الرجال باعتبار الإضافة التي تتحقق لي على المستويين الشخصي والمهني. فالإعلاميات في صحافة الوكالة قد يتحولن مع الروتين اليومي إلى مجرد نساء بالمفهوم التقليدي البحت، فلا يتحدثن إلا عن شؤون المنزل والزوج والأبناء والأكل واللباس والماكياج...وتنسى الواحدة منهن أنها تعمل في إطار متحرك تحكمه الأخبار والآنية التي تفرض على الصحافي، رجلا كان أو امرأة، مواصلة السير في طريق المعرفة والاطلاع.
بيبليوغرافيا
n حمدان (محمد)، مدخل إلى قانون الإعلام والاتصال في تونس، معهد
الصحافة وعلوم الإخبار تونس 1996.
n حمدان (محمد)، مدخل إلى تاريخ الصحافة في
تونس 1838- 1988، معهد الصحافة وعلوم الإخبار، تونس.
n الذكواني (هندة) والشواشي (نزيهة)، أعلام
الإعلام التونسيات، (تجربة ثلاثة أجيال : 1960- 1970- 1980)، رسالة ختم الدروس
الجامعية، رسالة ختم الدروس الجامعية، معهد الصحافة وعلوم الإخبار، سبتمبر 1995.
n التقرير الوطني حول المرأة، تم إعداده
بمناسبة المؤتمر الدولي حول المرأة، بيجين- سبتمبر 1995، الجمهورية التونسية.
n التقرير الوطني، متابعة تنفيذ خطتي عمل
بيجين ودكار، 1995-2000، تقرير من إنجاز الإدارة العامة للإعلام والاتصال
والعلاقات العامة، وزارة شؤون المرأة والأسرة، جانفي 2000.
n ثلاثون عاما من المكاسب، 1956- 1986، وزارة
الإعلام.
n تونس والمسيرة الشاملة، مركز التوثيق
القومي، وزارة الإعلام.
n المرأة في العهد الجديد، عدد خاص صادر عن
الأمانة القارة لشؤون المرأة بالتجمع الدستوري الديمقراطي بمناسبة احتفال المرأة
التونسية بعيدها، التجمع الدستوري الديمقراطي، أوت 1992.
n لمحات عن تونس.
n تقرير لجنة "دور المرأة في التنمية
خلال المخطط الثامن"، 1992- 1996، وزارة الشؤون الاجتماعية، الجمهورية
التونسية.
n من أجل مجتمع ديمقراطي عادل، التقرير
الاقتصادي والاجتماعي، 15- 20 ديسمبر 1984، المؤتمر السادس عشر، المكتب الوطني
للدراسات، الاتحاد العام التونسي للشغل، تونس.
n البور (حميدة)، الصحافة النسائية في تونس، أسباب الإخفاق :
دراسة لمجلة "فايزة" "نساء" و"المجلة المتعددة"
شهادة التعمق في البحث، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس 1991.
n حيزاوي (عبد الكريم)، صورة المرأة في الصحافة الوطنية
المكتوبة، بمساهمة آمنة صولة ومصطفى هميلة، الاتحاد الوطني للمرأة التونسي، تونس
1994.
n الزيادي (راضية) والعامري (سميرة)، الصحافيات في تونس، رسالة
ختم الدروس الجامعية، معهد الصحافة وعلوم الإخبار، تونس، 1987.
n الاتحاد الوطني للملاأة التونسية، مؤسسة العموري، صورة المرأة في صحيفتي الصباح ولابراس 1951-1980، تونس، 1981.
الـدوريـات
n نشرية المرأة والأسرة، وزارة شؤون المرأة
والأسرة التونسية، ديسمبر 1999 ومارس 2000.
n جريدة الصحافة، 31
مارس 2000.
n جريدة
الصحافة، 1 مارس 2001.
n جريدة
الصحافة، 27 جانفي 2002.
n جريدة العقد، 5
فيفري 2002.
n جريدة الصباح، 27 جانفي 2002.
الـمـلـحــق الأول
أعلام الإعلاميات التونسيات
أعلام الإعلاميات التونسيات
شدت انتباهنا أثناء قيامنا بالبحث الوثائقي في إطار إعداد هذه الدراسة عن وضع الصحافيات التونسيات، رسالة ختم دروس جامعية تم إنجازها بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار سنة 1995، تحت عنوان "أعلام الإعلام التونسيات : تجربة ثلاثة أجيال". وقد حاولت هذه الرسالة تسليط الضوء على بعض الأسماء من الإعلاميات اللواتي استطعن تكوين رصيد صحفي ومعرفي وأسهمن في تطوير القطاع الإعلامي.
وتمثل الهدف الأساسي من الدراسة في الوقوف على خصائص كل جيل من أجيال الإعلاميات وإبراز مدى مسايرته للخطاب السياسي السائد في الفترات التي عمل خلالها. وتجب الإشارة إلى أنه تم تقسيم الإعلاميات إلى ثلاثة أجيال هي جيل الستينيات وجيل السبعينيات وجيل الثمانينيات. وبالنسبة إلى المنهجية، فقد تم اعتماد المقابلة المباشرة مع الشخصيات المعنية من كل جيل
إعلاميات الجيل الأول : تمت مقابلة أربع صحافيات من جيل الستينيات وهن مليكة بالخامسة وجليلة حفصية ودرة بوزيد ووحيدة بالحاج.
مليكة بالخامسة
معدة برامج بالإذاعة الوطنية. دخلت إلى الإذاعة منذ نعومة أظافرها في برنامج للأطفال. تم انتدابها عن طريق مناظرة سنة 1946 وهي في السابعة عشرة من عمرها للعمل بالإذاعة الوطنية، ولم يكن عدد العاملين بالإذاعة في تلك الفترة يتجاوز الخمسة أشخاص. وكانت مليكة بالخامسة أول امرأة تمتهن العمل الإذاعي، مما جعلها تتعرض لعدة انتقادات تمكنت من تجاوزها بفضل تشجيع والدها وزوجها.
وتعتبر السيدة مليكة بالخامسة أن الجيل الأول للإذاعة
يختلف عن بقية الأجيال، باعتباره عايش عن قرب فترة هامة من تاريخ البلاد. وهي تعتز
كثيرا بفترة النضال هذه التي ساهمت خلالها مع زملائها من المذيعين في التصدي
للمستعمر عن طريق البرامج الإذاعية المختلفة، وكذلك بالمشاركة الفعالة في حركة
التحرير بمساعدة المناضلين ومداواة الجرحى.
وكانت للسيدة مليكة بالخامسة، إثر الاستقلال، برامج إذاعية نسائية ساهمت من خلالها في التشجيع على التنظيم العائلي وتسليط الضوء على اهتمامات المرأة والطفل، إضافة إلى بعض المشاكل الاجتماعية مثل الطلاق والنفقة. وهي تؤكد على أهمية مثل هذه البرامج في الواقع المعيشي اليومي، باعتبارها تتنزل في صلب مشاغل المرأة والأسرة التونسية عموما
جليلة حفصية
صحافية بجريدة لابراس وكاتبة ومشرفة على نادي "سوفونيبا". عصامية التكوين، ليس هناك أحب إلى نفسها من القراءة والتحدث إلى الناس ومعرفة شواغلهم، ولكنها لم تكن تعرف أن فضولها هذا سيخلق منها جليلة حفصية الصحفية. بدأت حياتها المهنية بالعمل بوزارة الثقافة، وهي في سنوات تأسيسها الأولى. وبصفتها ممثلة للوزارة العاملة بها، انضمت السيدة جليلة حفصية إلى نادي عزيزة عثمانة الذي أصبح فيما بعد نادي الطاهر الحداد الذي تعتبر من مؤسسيه وقد كانت أول من أشرف عليه.
كتبت مقالها الأول سنة 1961 وصدر بمجلة قرطاج. ولما حقق هذا المقال نجاحا لم تكن تتوقعه الصحافية نفسها، استهوت جليلة حفصية الكتابة التي انضمت إلى جريدة لابراس وخيرت الميدان الثقافي وقضية المرأة كمجال اختصاص. ركزت من خلال كتاباتها على الإصدارات الأدبية والملتقيات الثقافية، إلى أن أصبحت مختصة في مجال النقد الأدبي. أما في مجال المرأة، فركزت على عمل المرأة والمشاكل التي تعترضها في عدة مجالات، وذلك بعدما عايشت عن قرب مشاكل زميلاتها الصحافيات وخاصة التمييز الجنسي بين المرأة والرجل. وقد بعثت لهذا الغرض صفحة خاصة بالمرأة في جريدة لابراس تناولت فيها مسائل حيوية بالنسبة إلى المرأة التونسية لا سيما من خلال الملفات والتحقيقات.
هي مسكونة بهاجس تنشيط الفضاءات الثقافية. فقد دعيت لتأسيس نادي الطاهر الحداد الموجود حاليا، بعد إغلاق نادي "ساحة باستور" وقضت بهذا النادي 14 سنة، كانت كافية لتخلق منه فضاء هاما قادرا على استقطاب فئات متنوعة من الجماهير. كما كان للسيدة جليلة حفصية تجربة أخرى في تنشيط النوادي الثقافية بعد تأسيسها لفضاء "سوفونيبيا" بدعوة من بلدية قرطاج.
وإلى جانب تجربتها في الكتابة الصحفية وتنشيط الفضاءات الثقافية، حظيت جليلة حفصية بتجربة الإنتاج الإذاعي من خلال برنامج ثقافي يهتم بالشخصيات الأدبية عبر العالم، تبثه القناة الدولية للإذاعة الوطنية
درة بوزيد
أول صحافية محترفة في تونس، وهي رئيسة تحرير مجلة المرأة وحقائق، نشأت في وسط يتميز بالتوجه النقابي والثقافي. كما عايشت منذ صغرها التحولات السياسية والنقابية التي مرت بها البلاد التونسية. كتبت في عدة صحف ناطقة باللغة الفرنسية وكانت أول امرأة تكتب في صحيفة الصباح، وذلك سنة 1951. كما كتبت في جريدة "لافوا دي ليتديون" الناطقة باسم اتحاد طلبة تونس وتعاملت مع الجريدة الأسبوعية لصاحبها البشير بن يحمد الصادرة سنة 1955
كتبت بالخصوص عن قضية المرأة وتميز أسلوبها بالسخرية ومواضيعها بالجدية والجرأة. وقد كانت تكتب باسم مستعار هو ليلى. وأصدرت درة بوزيد بمعية صفية فرحات أول مجلة نسائية في تونس هي "فايزة"، وذلك سنة 1959. وأحدثت هذه المجلة ضجة لجرأتها في طرح بعض المواضيع المحظورة في تلك الفترة.
كما كانت لدرة بوزيد مشاركات صحفية أخرى في جريدة "كونتاكت" وجريدة لابراس وجريدة الصباح المغربية خلال سنتي 1972 و1973. وكان لها خلال فترة الثمانينيات مساهمات أخرى في جريدة "لوطون" و"لاكسيون" والمجلة السياحية الأسبوعية "هبدو تورستيك" وجريدة "ديالوغ". وكتبت خلال التسعينيات في صحف ومجلات أخرى مثل "الملاحظ" و"الحرية" و"لورونوفو" وتعتبر المواضيع الثقافية المجال الأساسي الذي تهتم به درة بوزيد. وهي تؤكد على مبدأ التواصل بين الأجيال فيما يتعلق بالميدان الثقافي ضمانا لتواصل الإبداع في مختلف الفنون والعلوم
وحيدة
بلحاج
مذيعة ومعدة برامج في التلفزة الوطنية، كانت بدايتها مع المجال الإعلامي مع انطلاق البث التلفزيوني في سنة 1967 كمذيعة ربط إلى أن اقتحمت ميدان الإنتاج التلفزيوني سنة 1973، حيث أصبحت منتجة برنامج مجلة المرأة الذي تواصل إلى 1976. وبعد تجربة قصيرة في إعداد البرامج الموجهة توجه اهتمام وحيدة بالحاج إلى إنتاج البرامج الأدبية، فكان برنامج "أعلام" الذي انطلق بثه سنة 1980 وبعد ثماني سنوات أصبح اسمه "مجالس أدبية". كما أصدرت هذه الصحفية سنة 1988 مجلة بعنوان "Pluriel magazine"،، وهي مجلة شهرية ناطقة باللغتين العربية والفرنسية، لكنها سرعان ما انقطعت عن الصدور سنة 1989.
وإضافة إلى عملها في مجال الإنتاج التلفزيوني، كان لوحيدة بالحاج عمل جمعياتي مكثف. فهي تؤمن بالنضال من أجل تحسين وضعيتها كامرأة وتحسين وضعية النساء عموما. وبعد سنوات من النشاط في جمعيات متعددة تابعة للاتحاد الوطني للمرأة التونسية، تولت وحيدة بالحاج الإشراف على رابطة النساء الاتصاليات التي ساهمت في تأسيسها سنة 1994. وتضم هذه الجمعية مجموعة من النساء العاملات في الحقل الإعلامي والاتصالي، بما يجعلها تعبر، كما ترى وحيدة بالحاج عما بلغته المرأة التونسية من وعي ونضج مكناها من إثبات وجودها وقدرتها على تحمل المسؤولية.
إعلاميات الجيل الثاني : تمت مقابلة خمس صحفيات من إعلاميات جيل الستينات وهن رشيدة النيفر، سارة عبد المقصود، خيرة الشياني، رندة العليبي، فاطمة عزوز.
رشيدة
النيفر
صحافية واتصالية درست الصحافة بالتوازي مع القانون بحثا عن مجال يمكنها من التعبير عن ذاتها. وكانت البداية مع جريدة لابراس سنة 1976 في صفحة السياسة العالمية التي لم تستهوها كثيرا، فبعثت صفحة نسائية تعالج بعض القضايا المتصلة بالمرأة. لكن هذه التجربة لم تعمر طويلا لأسباب متعددة تلخصها رشيدة النيفر في غياب دراسة مسبقة للجمهور المستهدف وعدم تجاوب رئاسة التحرير. وبتوقف هذه الصفحة توقفت رشيدة النيفر عن الكتابة في مواضيع المرأة إلى أن انبعث النادي الثقافي الطاهر الحداد الذي كانت من بين مؤسسيه. كما ساهمت رشيدة النيفر في تأسيس مجلة "نساء" .
وبعد تجربة أخرى فاشلة مع جريدة لابراس من خلال ركن "A l'ecoute de citoyen"، الذي اعتبرت أن له وقعا خاصا في تجربتها الصحفية لأنه يتوجه مباشرة إلى المواطنين، كانت لرشيدة النيفر سنة 1991 تجربة مختلفة مع المؤسسة الألمانية "فريد ريتش نيومان" التي تعنى بالاتصال. وقد أفرز هذا العمل الاتصالي عدة ورشات للكتابة مكنت من إنجاز عدة كتب ونشرها. باءت هذه التجربة أيضا بالفشل، حيث أجبرت رشيدة النيفر على الاستقالة ولما رفضت تم طردها. كل هذه التجارب الفاشلة التي خاضتها رشيدة النيفر جعلتها تعتقد أن الترقية في ميدان الصحافة تحتاج إلى مراجعة. فهي غير عادلة وتفتقد إلى معايير دقيقة ومضبوطة.
وفضلا عن هذه التجارب الإعلامية والاتصالية، كان لرشيدة النيفر تجربة نقابية مميزة ضمن جمعية الصحافيين التونسيين. وقد كانت أول امرأة تنتخب رئيسة للجمعية سنة 1980. وتعتبر رشيدة النيفر أيضا أول امرأة تحظى بخطة نائبة رئيس في اتحاد الصحافيين العرب، وذلك سنة 1983. كما تم انتخابها سنة 1989 كاتبة عامة بجمعية الصحافيين. وترى رشيدة النيفر أن انتخابها على رأس جمعية الصحافيين خلق دينامكية جديدة في الجمعية وشجع الصحافيات على الترشح للانتخابات والفوز فيها، فأصبح ذلك من تقاليد الجمعية.
رشيدة النيفر ترى أن وجود النساء في مواقع المسؤولية كان أرضية خصبة للصحافيات كي يبرزن وينشطن أكثر. فالمرأة هي همزة الوصل بين جميع مكونات المجتمع وهي التي تختار موقعها حسب مسؤولياتها. والمهم حسب رشيدة النيفر أن ترفض التقوقع لأن الانخراط في الجمعيات هو خروج إلى الحياة العامة للاندماج في المجتمع.
سارة
عبد المقصود
اختارت سارة عبد المقصود الالتحاق بالميدان الصحفي على إثر تخرجها مباشرة بعد حصولها على الإجازة في الآداب العربية واختارت العمل بجريدة الصباح على وجه التحديد لأنها كانت الجريدة الوحيدة المستقلة آنذاك. كانت أول امرأة صحافية بالجريدة. بعد تجربة قصيرة في القسم الثقافي عملت سارة عبد المقصود بالقسم الوطني وتميزت خاصة في إجراء الاستجواب الذي كانت تحبذه دونا عن باقي الأشكال الصحفية. كما تميل سارة إلى كتابة التعاليق لأنه شكل صحفي لا يكتفي بالخبر المجرد وإنما يتجاوزه إلى قراءة خلفياته.
لا تقر سارة عبد المقصود بوجود تقسيمات بين صحافة رجالية وصحافة نسائية، لذلك لا تمثل أنوثتها عائقا بالنسبة إليها. ولكنها تؤكد في الوقت نفسه أن الصعوبة الوحيدة التي تواجها المرأة الصحافية تكمن في عدم تساوي الحظوظ في الترقية. وتقول سارة في هذا الصدد حتى وإن صادف في حالات نادرة أن ارتقت المرأة الصحافية إلى مركز مسؤولية، فذلك المنصب لا يمكنها من أخذ القرارات وإنما تظل برتبة صحافية عادية في الميدان.
تتمسك سارة عبد المقصود باستقلاليتها، فحتى بعد التحاقها بجريدة الصحافة وهي جريدة حكومية حافظت على هذه الاستقلالية. وهي ترى في المحافظة على هذا المبدأ محافظة على حد أدنى من الحرية. وهي تؤكد على ضرورة أن يتوفر لدى الصحافي نوعا من الرقابة الذاتية حتى يحافظ على حد أدنى من الموضوعية وليضمن مقروئية مقاله.
ترفض التراجع والاستسلام وتطمح إلى وجود نقابة أساسية للصحافيين تكون مستقلة تدافع بحق عن المهنة والصحافيين. وهي تعتبر أن الإعلام في تونس في حاجة إلى دفع فعلي ومراجعة أسباب التأخر التي تبقى في علاقة بالقطاع وبالصحافيين أنفسهم
خيرة الشياني
عملت في بداية حياتها المهنية في مجال التدريس ودخلت المجال الصحفي انطلاقا من الكتابة الأدبية والفكر الفلسفي، مما حقق لتجربتها الطرافة والتميز والثراء، كما تقول. بدأت الاحتراف من الهرم وليس من قاعدة البدايات الأولى. لقد وجدت أناسا وثقوا في موهبتها وفي قدراتها، فحظيت، وهي لم تتجاوز بعد الخامسة والعشرين سنة، بمنصب رئيسة تحرير مجلة نسائية عنوانها "هي" تصدرها مؤسسة صحفية كبرى بأبو ظبي. وكانت خيرة مكلفة في هذه المجلة بالحوارات السياسية الكبرى والتحقيقات والملفات السياسية.
كما كان لها بعد هذا التحدي الأول كصحافية محترفة، تجارب أخرى في أبو ظبي، من أهمها الإشراف على أول ملحق ثقافي تصدره صحيفة "الفجر" مع كتابة افتتاحية هذه الصحيفة باستمرار وأعدت في الوقت نفسه برنامجا عن المغرب العربي تعتبره من أنجح البرامج التي أنتجتها. وتذكر خيرة أيضا تجربة أخرى ثرية وطريفة عندما دعيت إلى تأسيس دائرة الإعلام التربوي التي تقوم بالإشراف على الصحافة المدرسية وتكوين منشطين لتكوين الأطفال في مجال الإعلام التربوي.
وتواصلت تجارب خيرة الناجحة في الميدان الصحفي بعد العودة إلى تونس. فقد تولت رئاسة تحرير مجلة " الحياة الثقافية" سنة 1987. وكانت بذلك أول رئيسة تحرير مجلة ثقافية في تونس وأول رئيسة تحرير تمثل وزارة الثقافة. وفي سنة 1991 خاضت خيرة الشياني تجربة إصدار صحيفة هي صحيفة "الرأي العام" التي شغلت فيها منصب المساعدة الأولى في التحرير. وتقول عن هذه التجربة "هي تجربة رائعة عشتها منذ ولادتها كفكرة وتصور إلى أن صدرت الجريدة.
كانت
لخيرة في هذه الجريدة صفحة خاصة بكبريات المسائل السياسية وخاصة السياسة العالمية.
وقامت من خلال هذه الصفحة بملف طويل حول اتفاق أسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين
تواصل على مدى العشرين عددا واشتمل على عديد الحوارات مع كبار المسؤولين. كما خاضت
تجارب أخرى مع صحف عربية مثل مجلة "الأقلام" وجريدة "الثورة"
وجريدة "الشرق الأوسط".
لم تتعرض خلال مسيرتها إلى ضغوطات أو مضايقات، بل تؤكد أنها كانت دائما مسنودة من الرجل أو هو الذي وثق بها ليدفعها إلى الواجهة وإلى موقع المسؤولية. وتؤكد كذلك أن اختلافها مع الرجل ليس اختلافا جنسيا وإنما في أفق النظر والتصور. وهي تقول لا لكل من لا يحترم حريتها كامرأة وكمواطنة وكإنسان
رندة العليبي
في البداية لم تكن تريد أن تمتهن الصحافة وكانت تود أن تدرس الحقوق. وبعد دراسة الصحافة تمنت أن تعمل بالإذاعة والتلفزة، لكن هذه الأمنية لم تتحقق أيضا. التحقت بوكالة تونس إفريقيا للأنباء وبالتوازي مع ذلك عملت متعاونة في بعض الصحف المستقلة. تقول عن عملها في الوكالة إنه كان عملا محدودا وليس فيه مبادرات شخصية. ومن تجاربها الصحفية الجيدة تذكر مجلة "أخبار الكريديف" التي أشرفت على الأعداد الثلاثة الأولى منها. كما أشرفت على مجلة مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث، لكن هذه التجربة لم تدم طويلا بسبب توقف نشاطات المركز.
وفي حديثها عن الصعوبات، ذكرت العراقيل المتعلقة بحرية التعبير وهي عراقيل يشترك فيها الرجال والنساء. ولتجاوز مثل هذه العراقيل التجأت رندة إلى فضاءات خارجية على غرار جمعية الصحافيين. هي امرأة تؤمن بالنضال من أجل تحسين وضعيتها ووضعية النساء عموما. تؤكد على أهمية دور الإعلام في النهوض بالمجتمع، وهو دور موكول إلى جميع وسائل الإعلام المكتوية والمسموعة والبصرية. كما تؤمن بالعمل النقابي والجمعياتي وتعتقد أن المشاركة في الحياة الجمعياتية ضرورية لكل فرد بصرف النظر عن مهنته. فالعمل الجمعياتي يخرج الفرد من رتابة الحياة اليومية ويكسبه الثقة في النفس.
تطمح خاصة إلى الارتقاء بأوضاع الصحافة النسائية من مرحلة السذاجة إلى مرحلة النضج والوعي. وترى أن الاستثمار في هذا المجال يمكن أن يخلق مستوى جيدا لأنه سيخلق بالضرورة التنافس. تنتقد العقلية التجارية الصرفة السائدة لدى المسؤولين عن المؤسسات الصحفية الخاصة وتعتبرها السبب في مزيد تردي أوضاع الصحافة وخاصة المضامين الإعلامية الموجهة للمرأة والمعالجة لمواضيعها.
هي تستثني من هذا
التردي مجلة "نساء" التي كانت من بين المشرفات عليها وتعتبر أن هذه
المجلة خلفت ديناميكية في الساحة الصحفية واستقطبت جمهورا عريضا من النساء
والرجال، لكن هذه التجربة لم تتواصل رغم النجاح بسبب ضعف إمكانياتها.
تعتقد أن كل النساء في قطاع الإعلام مغبونات لأنهن لا يصلن إلى مراكز القرار ومواقع المسؤولية، رغم كفاءاتهن.فالواقع الإعلامي كما ترى رندة يعطي الأولوية للرجل، لذلك حتى وإن وجدت صحفية في موقع قرار فهي لا تمارس أي صلاحيات. وتبقى أقصى طموحات رندة تحسين وضعية الصحفيات والتطبيق الفعلي لحرية الإعلام. كما تطمح إلى إصدار مجلة نسائية محترمة
فاطمة عزوز
اختارت العمل في الميدان الإعلامي. وبالتوازي مع مواصلة إعداد رسالة الدكتوراه، التحقت فاطمة بالإذاعة الوطنية. لم تتحسن وضعيتها المهنية كثيرا بعد الحصول على رسالة الدكتوراه، لذلك توجه اهتمامها إلى الإذاعات الأجنبية ولم تتردد كثيرا في تقديم ترشحها عندما علمت من باب الصدفة أن "إذاعة صوت أمريكا" بواشنطن ترغب في انتداب مذيعين من شمال إفريقيا. اجتازت المناظرة بنجاح والتحقت بالقسم العربي بهذه الإذاعة. وكانت فرصة بالنسبة إليها لتكتشف القارة الأمريكية وطريقة عمل الأمريكيين.
وبعد العودة إلى تونس جددت فاطمة عزوز العهد مع التجارب الإذاعية الأجنبية. فقد التحقت بعد اجتياز مناظرة أيضا بإذاعة "البي البي سي" وتحديدا بالقسم العربي لهيئة الإذاعة بلندن. وتقول عن هذه التجربة إنها تجربة ثرية ومهمة، تمرست فيها على الإنتاج وإعداد البرامج الثقافية والاجتماعية والتنشيطية. كما ساعدتها على صقل اللغة الإنجليزية.
تعتبر أن الفترة التي دخلت فيها إلى الإذاعة ساد فيها مناخ لم يكن مشجعا بالمرة بالنسبة إلى المرأة، فهو مناخ عمل يطغى عليه العنصر الرجالي، فيما يبقى عدد النساء قليلا جدا. ورغم هذا الجو الذي يتميز بالخشونة في طريقة التعامل مع المرأة، أصرت فاطمة على البقاء وتعاملت مع الصعوبات التي اعترضتها بشيء من الليونة.
تعتبر أن الفائدة الحقيقية تكمن في التجربة التي يكتسبها الفرد لذاته لا عن طريق الترقيات التي أصبحت تمنح دون الخضوع لمقاييس معينة. وتؤكد أن عملها "بصوت أمريكا" و"البي بي سي" شرف يغنيها عن كل الترقيات.
إعلاميات الجيل الثالث : تمت مقابلة ثلاث صحافيات من جيل الثمانينيات وهن حميدة بن صالح الحبشي وسهام بن سدرين وهادية بركات
حميدة بن صالح الحبشي
متحصلة على الإجازة في الآداب، لغة إسبانية وإنجليزية. التحقت سنة 1979 بميدان الصحافة عن طريق زوجها، وتحديدا بوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أين عملت بالقسم الدولي وتعلمت أصول المهنة الصحفية. قامت بعدة تربصات تكوينية في معهد الصحافة وعلوم الإخبار والمركز الإفريقي لتدريب الصحافيين والاتصاليين وبالخارج.
أسست في الفترة الفاصلة بين 1989 – 1990 نشرية علمية بعنوان "سيونس تكنو" "Science Techno" بمعية زميلين لها في الوكالة. ورغم أن التجربة لم تدم طويلا، فقد لاقت هذه النشرية رواجا كبيرا حتى لدى الأمريكيين والكنديين والمنظمات غير الحكومية. وذكرت حميدة أن أسباب توقف هذه التجربة تعود بالأساس إلى تغير المسؤولين وتشديد الرقابة على محتوى النشرية. كما ذكرت أنها تنازلت عنها لفائدة زميلها لأنها كانت متأكدة أنه سيرفض قطعا العمل معها إذا لم يكن هو المسؤول المباشر. وقامت بذلك أساسا من أجل استمرار النشرية.
وبعد تجربة دامت عشر سنوات مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء، بذلت خلالها الكثير من الجهد من أجل تحسين عمل الوكالة أو على الأقل القسم الذي تعمل فيه، التحقت حميدة بمكتب وكالة رويتر بتونس، ولكنها فضلت الانسحاب بسرعة لأنه اتضح لها أن الإصرار على مبادئها قد يكون مجازفة خطيرة منها.
هي أول امرأة يتم قبولها بمكتب من مكاتب الوكالة الفرنسية للأنباء بالنسبة إلى شمال إفريقيا، أي تونس والجزائر والمغرب. انضمت إلى هذا المكتب في شهر مارس من سنة 1993، على إثر اختبار اجتازته بنجاح. رفعت التحدي وأعطت هذا العمل من وقتها الكثير، رغم أنها كانت متخوفة في البداية باعتبار أنهم يحكمون على المرأة دائما أنها غير جديرة بهذه المواقع لأنها غير متفرغة.
من المفارقات العجيبة التي عاشتها حميدة أنها كلما حاولت تحسين مردوديتها، ينتقدها زملاؤها ويعتبرونها تفرط في العمل والإتقان لتتميز على حسابهم. كانت مقتنعة بالنضال من أجل إثبات قدراتها ومن أجل إقامة الدليل على أنها قادرة على القيام بكل المهام وحتى أحسن من الرجل.
سهام
بن سدرين
متخرجة من جامعة باريس، اختصاص فلسفة، ولما كانت لا ترغب في التدريس حولت وجهتها إلى ميدان الصحافة. انضمت سنة 1980 إلى أسرة تحرير جريدة "لوفار" المستقلة. وبعد أن انقطعت هذه الجريدة عن الصدور، التحقت سهام بمجلة "المغرب"، باقتراح من هيئة تحريرها. وقد أشرفت في البداية على القسم الاجتماعي، ثم عينت رئيسة القسم السياسي. ولما اضطرت مجلة "المغرب" للتوقف مدة ستة أشهر كاملة لأسباب سياسية، انتقلت سهام وبقية فريق هذه المجلة إلى مجلة "حقائق" حديثة العهد بالصدور في ذلك الوقت إلى حين انتهاء مدة عقاب مجلة "المغرب".
وبالتوازي مع عملها في جريدة المغرب، عملت سهام بجريدة "الموقف" الجريدة الناطقة باسم الحزب الذي تنتمي إليه. كما كانت لها عدة مساهمات في دوريات أخرى، على غرار مجلة "نساء" ومجلة "لاغازات تورستيك" وقامت بإصدار مجلة أسبوعية تسمى "هبدو تورستيك".
كان لها نشاط بارز في نقابة الصحافيين وتحديدا نقابة الصحف المستقلة، وكانت أيضا من بين الأعضاء الناشطين في جمعية الصحافيين وناضلت من أجل أن تحتل الصحافية موقعها الحقيقي في ميدان الإعلام وأن تصل إلى مراتب المسؤولية.
من مبادئها احترام أخلاقية المهنة ورفض العمل في صحيفة تزيف الوقائع والأحداث أو تسعى إلى تلويث المناخ الإعلامي. كما ترفض أن تكون مجرد عون تنفيذ.
هادية بركات
متحصلة على الأستاذية في الصحافة سنة 1980، والتحقت مباشرة إثر تخرجها بفريق تحرير مجلة "الديالوغ" كمتعاونة في ركن السياسة العالمية. وبالتوازي مع ذلك كانت لها مساهمات في جريدتي "لوطون" و"لابراس". وبعد سنتين من العمل في القسم السياسي انتقلت إلى العمل في القسم الاجتماعي رغبة منها في الالتصاق بالواقع اليومي للمواطن، خاصة وأنها تميل إلى الأعمال الميدانية خاصة الريبورتاجات والتحقيقات.
كما كانت لها تجربة مميزة في العمل الميداني إذ قامت بعدة ريبورتاجات في مناطق مختلفة من الجمهورية تحت اسم "تونس الأخرى"، ولاقى هذا الركن الذي أصبح قارا في مجلة "الديالوغ" نجاحا كبيرا. عملت بمجلة الديالوغ إلى حين ضمها بجريدة "لاكسيون" لتصدر عنهما سنة 1988 جريدة يومية هي "لورونوفو".
شغلت خطة أمينة تحرير رئيسية. وقد تدرجت في السلم المهني من متعاونة إلى صحافية ثم صحافية مخبرة رئيسية ثم أمينة تحرير. وطوال سنوات عملها لم تشعر بأي تمييز جنسي. وهي لذلك تعتقد أن العمل الصحفي هو واحد سواء أداه رجل أو امرأة والفرق الوحيد حسب رأيها يكمن في نوعية الكتابة والبصمة التي يضيفها الصحافي أو الصحافية على المقال. وهي تعتبر أن المشكل الوحيد الذي يعترض الصحفي، يتعلق بنوعية المواضيع المطروحة.
نالت عدة جوائز منها الجائزة الأولى للمقال الاجتماعي عن تحقيق عن المرأة التونسية المهاجرة في فرنسا، وذلك في مسابقة نظمتها منظمة اليونسكو بالتعاون مع اتحاد الصحافيين العرب سنة 1991 لاختيار أحسن المقالات النسائية حول المرأة. كما تحصلت على الجائزة الأولى في مسابقة نظمتها جمعية الصحافيين التونسيين لتقييم الصحافة الناطقة باللغة الفرنسية. وهي تعتز كثيرا بمقال اجتماعي روت من خلاله قصة انتظار الجنين في المجتمع والأسرة التونسية وهو مقال بعنوان « Naître que fille ».
تؤمن بقدرة الصحافي على النضال بقلمه دون الانخراط في جمعية أو حزب. بل تعتقد أن اقتران العمل الصحفي بالانتماء الحزبي يفقده استقلاليته وموضوعيته. وهي تعتقد أن النضال اليومي الذي يمارسه الصحافي بالقلم والسعي وراء إيصال المعلومة إلى الناس بمختلف انتماءاتهم هو أرقى أشكال النضال.
1 – حمدان (محمد)، مدخل إلى تاريخ الصحافة في تونس(1838-
1988)، معهد الصحافة وعلوم الإخبار، تونس.
[3] دليل خريجي معهد الصحافة وعلوم الإخبار، ودادية
قدماء معهد الصحافة، تحت الإعداد.
[4] - حمدان (محمد)، مدخل إلى تاريخ الصحافة في تونس 1838- 1988، معهد الصحافة وعلوم الإخبار، تونس.
[5]
مركز التوثيق القومي، ملف صحفي، جريدة الصباح 27 جانفي
2001.
[6] - الذكواني (هندة) والشواشي (نزيهة)، أعلام الإعلام التونسيات، (تجربة ثلاثة أجيال : 1960- 1970- 1980)، رسالة ختم الدروس الجامعية، رسالة ختم الدروس الجامعية في الصحافة، معهد الصحافة وعلوم الإخبار، سبتمبر 1995.
[7] -
معلومات مستقاة من الحوار الذي أجريناه مع درة بوزيد في إطار الإعداد لهذه
الدراسة.
[8] - حمدان (محمد)، مدخل إلى تاريخ الصحافة في تونس
1938- 1988، معهد الصحافة وعلوم الإخبار،جامعة تونس1، وزارة التربية والعلوم،
تونس.
[9] – بوزيد (درة) ندوة أورومتوسطية حول المرأة ووسائل
الإعلام، الكريديف، 2-4 ديسمبر 1999.
[10] – معلومات مستقاة من الحوار الذي أجريناه مع الصحافية
درة بوزيد في إطار الإعداد لهذه الدراسة.
[11] -
ذكواني (هندة) والشواشي (نزيهة)، أعلام الإعلام التونسيات، تجربة ثلاثة أجيال 1960
– 1970 – 1980، رسالة ختم الدروس الجامعية في الصحافة وعلوم الإخبار، معهد الصحافة
وعلوم الإخبار، 1995.
[12] معلومات مستقاة من الحوار الذي أجريناه مع الصحافية فاطمة كراي في إطار الإعداد لهذه الدراسة.
[13] - معلومات مستقاة من إدارة
الشؤون الإدارية والمالية بوكالة تونس إفريقيا للأنباء، ومن حديث أجريناه مع السيد
محمد بن صالح الذي يعتبر من أقدم العاملين في الوكالة وهو في الآن ذاته رئيس جمعية
الصحافيين التونسيين.
[14] –
تونس والمسيرة الشاملة، وزارة الإعلام، مركز التوثيق القومي.
[15] - مركز التوثيق القومي، ملف صحفي، جريد الصباح 27 جوان 2002.
وكالة البيارق الإعلامية www.bayariq.net
bayariqmedia@gmail.com
المدير العام ورئيس التحرير
محمد توفيق أحمد كريزم