الباحث الإسلامي/ مهدي سعيد كريزم
1 / لا أحد يتوقع أن هناك أعمالا أفضل من الصلاة والصيام والصدقة ! فتلك أصول العبادات ، وأساسيات الأعمال الصالحة ، فان كان هناك عمل افضل منها ، فلا شك انه عمل كبير عظيم ، نعم انه كذلك ، حتى لو ظنه بعض الناس عملا بسيط غير مهم ! ولكن الرسول الكريم ، اخبر انه عمل مهم جدا ، وفائدته عظيمة على الفرد والمجتمع ، وهو اساس في استقامة الحياة ،لأنه يمنع شرورا كثيرة ، ويجلب مصالح عديدة ….
2 / هذا العمل هو اصلاح ذات البين ، أي السعي في الصلح والتوفيق بين الناس ، ويشمل ايضا اصلاح الانسان لما افسده هو بنفسه كأن يكون خاصم زوجته او اخاه ثم عاد واعتذر واصلح الامور . ولا شي اعظم من الاصلاح بين المتخاصمين والمتقاطعين من الأزواج والاخوان والأقرباء والجيران والاصحاب وغيرهم .
3 / فهذا الانسان الذي استحق ذلك الثواب العظيم ؛ الذي يفوق درجة الصلاة والصيام والصدقة ، لا شك انه متميز عن غيره من الناس ، نعم انه انسان متميز بالقلب الكبير ، وصفاء النفس ، وحب الخير ؛ والرغبة في انتشار الالفة والمودة بين الاخوان والاصحاب ..
فأقول والله اعلم :
- لان العلاقات الاجتماعية الخاصة والعامة هي اساس الحياة ، فلابد ان تكون قائمة على المحبة والوئام ، وحب الخير ، كي يتحقق السلام ،ويتم التعاون والبناء . / حياة الفرد والاسرة والعائلة ؛ والمجتمع هي حياة واحدة قد ربطها الاسلام ببعضها البعض ، ابتداء من الوالدين ، والاخوة والاخوات ، والأقرباء والازواج والجيران ، والمعارف وزملاء الدراسة والعمل .. فكان لابد ان يسودها التالف وتنبني على مشاعرالمودة والأخوة ..
- كثير من شرائع الاسلام قائمة في اصلها على علاقات العباد ببعضهم البعض، وتلزمها المشاركة مع الناس ؛ ولابد ان تكون تلك المشاركة قائمة على المحبة والاخاء والخير والتعاون والتكامل ، فلذلك كان من الواجب اصلاح اي خلل يطرأ على تلك العلاقات : كالمخاصمات والمشحنات والأحقاد… فلذلك كان الفضل كبيرا والاجر عظيما لمن يقوم باصلاح ذات البين ؛ فيصلح بين الناس . وان من الشرائع والعبادات التي لا تتحقق الا بوجود مجموعة من الناس : - مثلا - صلاة الجماعة في المسجد ، فلا يستطيع الانسان منفردا ان يحقق تلك العبادة ؛ بل لابد من مشاركة الناس له ، وكذلك التواضع ، فان لم يوجد اشخاص نتعامل معهم فلمن نتواضع ! ومثل ذلك صلة الرحم والصدقات وحسن الخلق .. وغير ذلك الكثير، فكل تلك العبادات العظيمة لا يمكن تحقيقها الا بمجموعة من الناس
6 / لو تتبعنا كثيرا من الايات القرانية والاحاديث النبوية ، فسوف نجد فيهما أوامر كثيرة تحث على المودة والاخاء وحسن الخلق ، والصلة وحسن التعامل وحب الخير للناس … وسوف نجد أيضا نصوصا اخرى كثيرة تنهى عن القطيعة وسوء الخلق والحسد والحقد والظلم …
7 / تعجب اكثر؛ وتقف خاشعا ، امام الاهتمام الكبير من شريعة الاسلام بالعلاقات الانسانية التي يجب ان تكون قائمة على المحبة والمودة وسلامة الصدر، وعلى والاخوة والعدل والخير ، وصلاح ذات البين ؛ بل ان الشريعة اعطت تلك العلاقات اعلى درجات المنزلة والفضل ؛ اذ جعلتها من شروط الايمان !! فلا يؤمن الشخص ولا يكتمل ايمانه حتى يحقق تلك العلاقة الطيبة القائمة على المحبة : قال صلى الله عليه وسلم ( لا تؤمنوا حتى تحابوا ..)
وقال ايضا ( لا يومن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) .
والمحبة بالطبع هي اصل التعامل والعلاقات بين الناس !
فانظر الى اهمية صلاح ذات البين ؛ وفضل من يقوم باصلاح ذات البين ؛ فسوف يتبين لكم لماذا كان اصلاح ذات البين افضل من الصلاة والصيام والصدقة .
8/ ثم ذكر صلى الله عليه وسلم توضيحا اخر مضادا تماما للصلاح والاصلاح ؛ الا وهو فساد ذات البين ! وأنه الحالقة التي تحلق الدين حلقا ! اي ان فساد ذات البين يهدم الدين ويزيله ، ويبطل ثواب الاعمال وهذا امر خطير جدا ؛ فالانسان يعمل الاعمال الصالحة الكثيرة رجاء الثواب ؛ ثم تأتي الحالقة وتحلق تلك الاعمال والاجور .
9/ معنى فساد ذات البين ؛ هو مايحدث بين الناس من العداوة والكراهية والقطيعة والانتقام والاحقاد والمشاحنات … وفساد ذات البين يحدث بسبب ضعف الايمان ؛ وبسبب الحقد والحسد والغضب والغيرة والطمع وسماع النميمة ، وعدم التثبت من الامور..
وان فساد ذات البين يحدث احيانا من الشخص لنفسه دون تدخل الغير! واحيانا كثيرة يكون بسبب الاخرين من الحاقدين والنمامين ؛ فهم المفسدون الذي يسعون بين الناس باالدسيسة والكذب والنميمة والغيبة والزور
فالذي يفسد بين الناس اثمه اعظم ، وخطره اشد ،
10 / اصلاح ذات البين قد يأتي من الشخص نفسه الذي فعل العداوة او القطيعة كأن يتوب ويندم ، ويعود ويعتذر ويصلح العلاقات ، وقد يكون الاصلاح من انسان اخر يسعى في الصلح والخير ، وكلاهما يشمله الفضل الوارد في الحديث
11 / مامعنى ان اصلاح ذات البين افضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة ، فهل هو فعلا افضل من الصلاة التي هي عمود الدين ؟ وافضل من الصيام والصدقة ؟ قال كثير من شراح الحديث : ان المقصود هو نوافل الصلوات وليس الصلاة الواجبة ، وصيام النفل والصدقات . واقول : ان الحديث عام لم يحدد هل هي الصلاة الواجبة او النفل ، وهل هو الصيام الواجب او النفل ..
واقول ايضا : حتى لو كان المقصود من الصلاة والصيام انهما النوافل فان صلاة النوافل هي صلاة ايضا ! وأجرها عظيم جدا ، وكذلك صيام النفل هو صيام ايضا ! واجره عظيم لا يوصف ، والصدقات كذلك .
كما ان اصلاح ذات البين عبادة عظيمة ذات ابعاد كبيرة تشمل كل المجتمع فلا يمنع ان يكون لها من الاجر والدرجة ذلك الفضل الكبير . فليس المفهوم جنس العمل نفسه ؛ بمعنى ان جنس ونوعية عمل الاصلاح هو افضل من جنس ونوعية عمل الصلاة ، كلا ! لأن ممارسة الصلاة - نفسها - بهيئتها هو اعلى درجات التعبد والخضوع لله . ولكن المقصود الاساسي هو بيان فضل اصلاح ذات البين ؛ وأهميته وعلو درجته
أكتب تعليقك هتا