الباحث الإسلامي: مهدي سعيد كريزم
فهذا الجواب صحيح في الجملة ، ويكفي ان يكون جوابا ، ولكن دعونا نضيف -ايضا - قوله تعالى في سورة البقرة : ( واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة ) فهذا سبب اخر للخلق ؛ ان يكون خليقة ، اي خليفة لله في الارض ؛ او عن الله في الارض ( ان جاز هذا التعبير)
ثم لننظر ايضا في قوله تعالى في سورة هود ( ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولايزالون مختلفين ، الا من رحم ربك ولذلك خلقهم … ) ففي هذه الاية ايضا معنى اخر ، وسبب اخر لخلق الناس هو ان يختلفوا ؛ وليس للعبادة ؛ (والاختلاف قد يكون ايجابيا اوسلبيا ) وهناك ايات اخرى تشير الى ان هذا الخلق من الانس والجن لم يخلق للعبادة ، او بالاصح لم يخلق للعبادة ابتداء ، او لم يخلق للعبادة الكاملة كالملائكة مثلا .
– شرح وبيان
ويكون سبب خلق الانسان ليس شيئا واحدا فقط ؛ بل عدة اشياء فهو خليفة في الأرض وللاختلاف ، وايضا للعبادة (اختياريا ) وليس الزاما من الله تعالى ، وليس المقصود من (اختياريا ) انه حر ، كلا ! بل انه مأمور بالعبادة والطاعة لله ، وهو يختار ما يشاء ؛ فان امن فله الجنة ، وان كفر فله النار ، قال تعالى : ( وهديناه النجدين)
- اول ما خلق الله ادم جعله خليفة في الأرض ؛ وجبله وذريته على الاختلاف ثم عبدوه على ذلك ، اي على مافيهم من الاختلاف.
- طبيعة خلق الانسان التي خلقه الله عليها انه ضعيف وجزوع وهلوع ولايتمالك ويحب الشهوات وينسى .. وووو …. فتلك صفات لا تؤهله لعبادة الله حق العبادة ؛ مثل الملائكة .
- بالمعنى العام لمسمى العباد ؛ فكل الخلق عباد لله مؤمنهم وكافرهم ، فموسى عليه السلام عبد مؤمن ، وفرعون عبد كافر ، فكل الخلق عباده ، فأرسل اليهم الرسل لكي يدعوهم الى الايمان والعبادة ؛ فمن أمن فهو عبد مؤمن ، ومن كفر فهو عبد كافر ؛ فحتى مع كفره ايضا يبقى عبد ذليل لله .
- ليس هناك عبد مؤهل ليدخل الجنة بعبادته وعمله فقط ( ولو كان نبيا ) الا برحمة الله ، فقد قال عليه الصلاة والسلام ( .. فانه لن يدخل الجنة احدا عمله ، قالوا ولا انت يارسول الله ، قال ولا انا الا ان يتغمدني الله منه برحمة ) فالانسان لم يخلق للعبادة فقط ، وهو غير مؤهل لتلك العبادة الكاملة الا من رحم الله ، ومع ذلك يجب عليه ان يعبد الله كما امره بقدر استطاعته .
- مفهوم العبادة الشامل ، يتضمن الخضوع لله والاستسلام له وليس أداء الواجبات والفرائض فقط .
- ومن الاسباب لخلق الانسان ايضا ، ان تتحقق في المؤمنين اسماء الله الحسنى ومقتضياتها من الرحمة والمغفرة والعفو والحفظ … فمثلا : من أسماء الله تعالى اسم ( الغفور ) فلو كان كل البشر عابدون حق العبادة كالملائكة ؛ فلن يتحقق مقتضى اسم الغفور ، لانه لايوجد احد عاصي او تائب ليغفر الله له ؛ فلكلهم عابدون طائعون !!
- ولكي تتحقق ايضا اسماؤه وصفاته على الكافرين والظالمين من القوة والبطش والعقاب ..
- لو اراد الله تعالى من الانسان ان يكون محققا للعبادة الكاملة لصرف عنه صفات الضعف والعجز والشهوات ، والشيطان ، ولم يشغله بالاموال والاولاد (كالملائكة ) لان خلقه الفطري مغاير لتحقيق العبادة الكاملة الدائمة ؛ كالملائكة ؛ الذين كانوا وما زالوا غاية في العبادة ؛ لكنهم لايعلمون الحكمة والغيب .
- ومن اسباب خلق الانسان - ايضا - عمارة الأرض ، ولو ارادنا الله تعالى للعبادة بشكل كامل لهيأنا لذلك بحيث لا نعصي ابدا ، ونكون كالملائكة.
واخيرا : الخلاصة
وان الله تعالى خلقنا وأراد منا العبادة وأمرنا بها ؛ ( وواجب علينا ان نقوم بهذا ) ولكنه لم يخلقنا في اصل تكويننا الجسدي والروحي كالملائكة للعبادة الكاملة ؛ فكانت عبادتنا حسب استطاعتنا ، وان الدنيا هي دار اختباروابتلاء وفتة ، واننا خلال عبادتنا له سبحانه نعمر الأرض للمعيشة بما يعيننا على تلك العبادة ، وكذلك فاننا خلال هذه الحياة نختلف فيما بيننا ونختلف باستمرار ، وان هذه الارض والحياة الدنيا هي( وعاء ممارسة العبادة ) اي ان الحياة الدنيا هي مكان العبادة ووعائها وموضعها التي تتحقق فيه ، فالمكان الذي نؤدي فيه عبادة الله تعالى هو الارض ، فكان لابد من عمارتها واصلاحها والسعي فيها والكسب والعمل والحركة ، فهناك وقت كبير مصروف لعمارة الارض ؛ وهو واجب علينا ايضا .
أكتب تعليقك هتا