فيصل سعيد الحفيتي - الإمارات العربية المتحدة
و يعد نموذج الإمارات في حماية حقوق الملكية الفكرية مثالًا يحتذى به لتحقيق التوازن بين حقوق المبتكرين والمبدعين وبين استفادة المجتمع من الإبداع والاختراعات من ناحية اخرى .
وتندرج حقوق الملكية الفكرية ضمن ما يُسمى باقتصاد المعرفة، حيث تُعنى بحماية نتاج العقل والفكر البشري وتشجيع الإبداع في مختلف المجالات مثل العلوم والآداب والفنون. وتضم فئات متنوعة من الملكية الفكرية مثل حقوق التأليف والنشر، وبراءات الاختراع، والعلامات التجارية، والملكية الصناعية ، وغيرها.
وفي السنوات الأخيرة، شهد مجال حقوق الملكية الفكرية في دولة الإمارات تطورات متسارعة أسهمت في تعزيز بيئة الابتكار وجذب الاستثمارات في مجال البحث والتطوير. وكان من أبرز هذه التطورات:
- إصدار قانون العلامات التجارية الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم 36 لسنة 2021 بشأن العلامات التجارية والذي يوفر حماية أكبر لأصحاب العلامات التجارية.
- إنشاء صندوق محمد بن راشد للابتكار لدعم المشاريع الناشئة في مجالات الابتكار وريادة الأعمال.
- إطلاق مبادرات وطنية لتشجيع الابتكار مثل "التحدي الابتكاري" الذي يهدف إلى تعزيز ثقافة الابتكار واستقطاب المواهب والكفاءات الوطنية في مجال الابتكار.
ويمكن تلخيص أبرز جهود الإمارات في حماية حقوق الملكية الفكرية وتشجيع الابتكار على النحو التالي:
- تعمل دولة الإمارات منذ نشأتها على بناء نظام شامل وفعال لحماية حقوق الملكية الفكرية، استنادًا إلى إيمانها العميق بأهمية تشجيع الابتكار والإبداع كمحركين أساسيين للتنمية المستدامة.
- وقد سنّت الدولة تشريعات حديثة ومتكاملة لحماية الملكية الفكرية، مثل قوانين حق المؤلف وبراءات الاختراع والعلامات التجارية والنماذج الصناعية، بالإضافة إلى انضمامها إلى أبرز الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن، الأمر الذي مكّنها من توفير الحماية القانونية اللازمة للمبتكرين وأصحاب الحقوق الفكرية.
- تولي الإمارات اهتماماً كبيراً بنشر الوعي في المجتمع بأهمية احترام حقوق الملكية الفكرية وحمايتها، من خلال الحملات التوعوية وتشجيع البحث العلمي وتكريم العقول المبدعة.
- تحرص الدولة على تعزيز تعاونها مع المنظمات الإقليمية والدولية في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية، والمشاركة في المبادرات الرامية إلى مكافحة التقليد والقرصنة.
- وقد وفرت الإمارات البيئة التشريعية والداعمة التي تشجع الاستثمار والابتكار في التكنولوجيا المتقدمة والصناعات المعرفية، من خلال إنشاء المناطق الحرة، وتبني أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال.
- كما أنشأت الدولة هيئات متخصصة لحماية حقوق الملكية الفكرية مثل الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات، ودائرة التنمية الاقتصادية في دبي، بالإضافة إلى المحاكم المتخصصة في النظر في النزاعات المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية.
- عملت حكومة الإمارات على تبسيط إجراءات تسجيل حقوق الملكية الفكرية، وتقليل الأعباء الإدارية على أصحاب هذه الحقوق، بهدف تشجيعهم على حماية ملكيتهم الفكرية.
فالإمارات تؤمن بأن حماية الإبداع والابتكار عنصر أساسي في بناء اقتصاد المعرفة وتنويع مصادر الدخل، لذا فهي ماضية في دعم المبدعين وضمان حقوقهم، مواكبةً أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال.
وقد ساهم نهج الإمارات التشجيعي للابتكار والإبداع في جذب كبرى الشركات العالمية إلى الاستثمار في مجال البحث والتطوير على أرضها، مدركةً أن بيئة الأعمال المحفزة والحماية القانونية الفعالة للملكية الفكرية تمثل عاملين أساسيين في نجاح استراتيجيات الابتكار.
ومن الجدير بالذكر أن العالم يشهد اليوم تسارعًا مذهلاً في تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، ما يُثير تحديات جديدة أمام نظم حماية حقوق الملكية الفكرية. فمع ظهور براءات اختراع جديدة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وابتكارات ينتجها الذكاء الاصطناعي نفسه، أصبح من الضروري تطوير التشريعات لضمان حقوق المبتكرين والمبدعين في هذا المجال الواعد.
فقد اتخذت الدولة خطوات مهمة لتعزيز بيئة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال إطلاق استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031، وإنشاء مجلس الذكاء الاصطناعي، ووضع أطر تنظيمية جديدة تشجع الاستثمار في هذا القطاع الحيوي.
كما سعت الإمارات لتعزيز حماية براءات الاختراع في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال تحديث تشريعات الملكية الفكرية، والتوسع في نظام تسجيل براءات الاختراع ليشمل التقنيات الناشئة.
كما نصّت على أن المبتكر البشري الذي يستخدم نظام ذكاء اصطناعي في عملية الابتكار، هو مالك حقوق الملكية الفكرية الناتجة عن ذلك الابتكار.
وتولي الدولة اهتمامًا بالغًا بنشر الوعي حول أهمية حماية الملكية الفكرية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وتنظيم ورش عمل تعريفية للباحثين والمبتكرين حول كيفية حماية حقوق ملكيتهم الفكرية.
إن نهج الإمارات التشجيعي والمرن نحو التقنيات الناشئة يوفر الحماية اللازمة لملكية مبتكري الذكاء الاصطناعي، ما يسهم في ترسيخ مكانة الدولة كوجهة رائدة عالميًا في مجال الابتكار والإبداع المعزز بالتقنيات الذكية.
وقد كان لهذه الجهود أثرها الملموس في تعزيز بيئة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي بالدولة، إذ شهدت السنوات الأخيرة طفرة كبيرة في عدد براءات الاختراع الممنوحة في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة في مجالات الرعاية الصحية والنقل الذكي واستخدامات الطاقة.
ومن المتوقع أن تشهد السنوات القادمة مزيدًا من التقدم في مجال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وستواصل الإمارات جهودها لتعزيز البيئة التشريعية الداعمة للابتكار، وتوفير الحماية الكافية لحقوق ملكية مبتكري الذكاء الاصطناعي.
وبفضل ريادتها وحرصها على بناء القدرات وتمكين الكفاءات، وتوفير الدعم التشريعي والبيئة الحاضنة، ستواصل الإمارات مسيرة الرقي والازدهار على درب الاقتصاد القائم على المعرفة والابتكار، مرسخة مكانتها بين دول الصدارة عالميًا في مؤشرات التنافسية والابتكار.
وستواصل الإمارات مسيرتها نحو مستقبل واعد يزدهر فيه الابتكار وتتفتح فيه الآفاق أمام إبداعات العقول الوطنية، رافعةً شعار "ملكيتك فكرتك" الذي يجسد حرصها على تأمين الحماية القانونية اللازمة لملكية المبدعين الفكرية باعتبارها حقاً أصيلاً وثروة وطنية عظيمة.
أكتب تعليقك هتا