:اجيب كيلو سمك ولا نص كيلو لحمه مفرومه و اعملها كفته ؟ همست السيدة التي تجلس بجواري في مواصلة عامة، اعتقدت انها تفكر بصوت مسموع ولكني تأكدت أنها تقصدني بالسؤال عندما وجدتها تتطلع في وجهي وفي عينيها علامة إستفهام
أسقط في يدي وارتفع حاجباي وأنا أخفي دهشتي خلف ابتسامة مصطنعة، ترددت قبل أن أجيب : الحقيقة هذا يعتمد على شيئين أولهما عدد أفراد الأسرة والثاني تفضيلات كل فرد فيما يأكل
: احنا خمسه، أما موضوع التفضيلات فهي رفاهية لا نمتلكها ، إنها يا سيدي جدلية الكم والكيف، ويستحيل على إنسان محدود الدخل مثلي أن يحول "الكم" الهزيل الذي يمتلكه إلى "كيف" يحقق له إشباع كامل وكافي، ما هو لما الحالة تبقى هباب مش بندور علي quality حضرتك لكن بندور ال quantity اللي يشبع
: و هل كيلو سمك سيكفي خمسة أفراد ؟
: يعني تفتكر نص كيلو مفروم هو اللي هيكفي ؟ ثم أردفت وهي تنظر إلي رأسي : تعرف الغطاء القصير اللي لو غطيت راسك تلاقي رجليك اتعرت ولو غطيت رجليك .... .... ثم انفجرت في الضحك قبل أن تكمل : أنت أكتر واحد يحس بالغطا القصير لانك طويل وأقرع.
والغريب أنني لم انزعج من كلامها بل شاركتها الضحك وأنا أتحسس رأسي ثم سألتها : إذن ما هو قرارك النهائي ؟
لم تجب علي السؤال وكأنها لم تسمعه بل أكملت: هل تعرف إن العيش مع الفقر لا يختلف كثيرا عن العيش مع وحش كاسر في غرفة مغلقة ؟ ففي الحالتين تتلبسك حالة من الفزع والرغبة في الهروب والبحث عن مخرج دون التفكير في أي شئ آخر.
حاولت أن استدرجها في الكلام : يبدو أنك انسانه متعلمه ومثقفه، لماذا يعاني مثلك من الفقر؟ ضحكت بسخرية وهي تجيب
:كان الفقر في الماضي صديقا للجهل
ولكن للاسف في عصرنا الحالي اتسعت دائرة اصدقائه لتشمل شرائح اكبر، قديما قالوا أن الفقراء يتحملون مسؤولية فقرهم لأنهم يتبنون ما يمكن تسميته "ثقافة الفقر" باستسلامهم وسلبيتهم تجاه أوضاعهم والحقيقة أن أصحاب هذه النظرية كاذبون,، وأنا وأمثالي دليل دامغ على هرائهم وتنظيرهم السطحي والعبيط
ولمّا لمحت اندهاشي وأنا اعتدل في جلستي لكي أكون في مواجهتها أردفت :أه نسيت اقولك أصل أنا للأسف معايا ماجستير في علم الإجتماع وبعمل دكتوراة بس بفكر اسك على الموضوع وأبدأ في عمل فيديوهات home routine علي التيك توك زي أم شهد وأم سليمان وسماح، إيه رأيك ؟ وقبل أن أجيب لكمتني بسؤال آخر : تعرف معضلة العربة أو ال Trolley problem؟
تظاهرت بعدم معرفتي حتى استمع الي طرحها
: الحقيقة لا
: هي معضلة أخلاقية تضعك أمام خيارين كلاهما أصعب من الآخر فهناك عربة ترام أو قطار يسير باتجاه أربعة أشخاص مُقيدين ومُمددين على مساره الرئيسي وانت الشخص الوحيد الذي يمكنه تحويل مسار القطار إلى مسار ثانوي ولكن المشكلة أن هناك شخص آخر مُمَدّد على هذا المسار، فماذا تفعل هل تترك القطار يدهس الأربعة أم تحول مساره ليدهس شخص واحد وبذلك تكون قد أنقذت أربعة أرواح؟
فهمت ما تقصد وأنها ترمز الي نفسها بالشخص المقيد علي المسار الثانوي وأنها تفكر أن تلعب دور الضحية
: ولكن ماذا لو كانت مصائر الأربعة أشخاص الممدين على المسار الاول مرتبطة بمصير من يرقد على المسار الثاني؟
فوجئت بسؤالي وقطبت مابين حاجبيها : لقد جعلت المعضلة بهذه الفرضية أكثر تعقيدا .
:ولكنه أحد الاحتمالات الممكنة أليس كذلك؟ عموما لا تفكري بهذه الطريقة و إن شاء الله يكون الفرج قريبا، ألم يقل الله سبحانه وتعالى .... ، قاطعتني بحدة : إمتي هتفرج بأه ، بقي لي عشرين سنه صابرة و بقول هتفرج ، ايه مطلوب مني اعمله تاني عشان تفرج ، تعليم.. اتعلمت، شغل.. اشتغلت،، عبادة مبقطعش فرض مفروض اعمل ايه تاني عشان تفرج ثم استدارت و لكزتني في كتفي وقد ارتفع صوتها وتغيرت نبرته : أستاذ ... أستاذ هو حضرتك نازل فين إحنا وصلنا آخر الخط
فتحت عيني لأجد وجه أحدهم قريب من وجهي وعلى ملامحه علامات الفزع
ياشيخ الله يسامحك فكرك ودعت . قال ذلك ثم تركني مع كل علامات الاستفهام التي بها السيدة في وجهي قبل أن أفيق من غفوتي
أكتب تعليقك هتا