توفيق أبو شومر - فلسطين
سأظل أتذكر رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد، باعتباره نموذجا ناجحا لرؤساء الوزارات الذين فهموا معادلة التقدم والنهضة، فعندما تولى رئاسة الوزراء من عام 1981-2003 بدأ تطبيق معادلة النهضة والتقدم، نقل ماليزيا إلى دولة تكنلوجية متقدمة، بدأ أولا بالتعليم، لأنه كان كذلك وزيرا التعليم، بدأ مشروعه الثوري في التعليم بتطهير المدارس والجامعات من ألعاب السياسة، ثم أشرف على إرسال البعثات التعليمية في المجالات العلمية ليقتبس المبعوثون الخبرة التكنلوجية من اليابان والصين، ولم يفعل مثلما يفعل المسؤولون في الدول النائمة! حين يرسلون المتفوقين من أبنائهم إلى الخارج ليحصلوا على الجنسيات الأجنبية ويساهموا في نهضة تلك البلدان ولا يشاركون في نهضة أوطانهم! أشرف، مهاتير محمد على تحسين ظروف المعلمين وبنى المدارس الجميلة ووضع المناهج الحديثة، ونقل أبناء المزارعين الماليزيين من فلاحة الحقول التقليدية إلى عالم التكنلوجيا الحديثة، وأسس المصانع!
سأظل أتذكر جملةً كانتْ تُكتبُ على جدران المواقع العسكرية في بلاد العرب: (ممنوع الاقتراب والتصوير) كان الجاسوس بالمفهوم التقليدي السالف هو من يُفشي معلوماتٍ سريةً عن أعداد الجيش وعتاده، واستعداداته القادمة! تغير هذا المفهوم في ألفيتنا الثالثة، بعد أن تمكنت الأقمار الصناعية وتكنلوجيا العالم الرقمي الحديث من كشف المستور من قوات الجيش والعتاد الحربي، صارت العمالة والجوسسة تعني شيئا آخر، تعني في أبسط مدلولاتها الحديثة استخدام العملاء لنشر الشائعات، لأن الشائعات سلاحٌ تدميريٌ فائق القدرة، يُدمِّر الروح المعنوية لجميع المواطنين، ويحول الأوطان من أوطانٍ منتجة، إلى أوطان كئيبة محبطة، لا ترغب في الانتقام من الأعداء الحقيقيين، بل تحول غضبها إلى انفجار داخلي واقتتال وطني بين الإخوة والأشقاء، يصبح العدو صديقا، والصديق عدوا لدودا!
وكذلك الحال عندما يُعيَّن وزيرٌ من قبل المتآمرين على الأوطان ليتولى وزارة التربية والتعليم، حتى يقضي قضاء مبرما على مستقبل الأمة، ويُقصيها عن المنافسة على قيادة عربة المستقبل!
هؤلاء المتآمرون يُعلِّمون الأبناء في المدارس الأحاجي الصعبة، والنظريات المعقدة، ويدعون أن تلك الصعوبة مطلبٌ ضروريٌ سيرفع الأمة للعلا، وكذلك حين يجرعونهم أناشيد مدح الرؤساء، والثناء عليهم، فإنهم يدعون أيضا بأن الولاء فضيلة وطنية وعلامة طاعة تؤدي إلى التقدم والرفعة، وإذا كدسوا الطلاب في فصول الدراسة، وأنهكوا المدرسين وأفقروهم يزعمون أنهم جنودٌ في سبيل الوطن!
لن أنسى أيضا أن هناك زعماءَ عربا مخلصين كثيرين تولوا السلطة وأحدثوا نقلة نوعية في المجتمع العربي قبل الألفية الثالثة، هؤلاء الرؤساء والقادة الناجون من مؤامرة العملاء والجواسيس تمكنوا من نقل دولهم إلى مصاف الدول المتقدمة، عندما انتبهوا إلى أن التقدم لا يمكن أن يتم إلا عبر خطط عديدة تبدأ بالبنية التحتية للتقدم، وهي التعليم، فلا غرابة حين كانت الجامعات المصرية، والعراقية والسورية والتونسية تتفوق على الجامعات العالمية في مجالات العلوم والأبحاث والدراسات، وكان شعار التعليم هو رفع مستوى الوطن، والمشاركة في تقدم وتحضر المجتمع، كل ذلك قبل هيمنة جواسيس العولمة، ممن تمكنوا من إحباط تلك الجهود!
أكتب تعليقك هتا